أوكرانيا تتطلّع إلى المستقبل بينما تواصل القتال

رئيس مركز «ويلسون»: شعبها يشعر بالتعب لكنه ليس منهكاً

متبرعون بالدم في العاصمة كييف (أ.ف.ب)
متبرعون بالدم في العاصمة كييف (أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا تتطلّع إلى المستقبل بينما تواصل القتال

متبرعون بالدم في العاصمة كييف (أ.ف.ب)
متبرعون بالدم في العاصمة كييف (أ.ف.ب)

بينما تواصل أوكرانيا مواجهة التحديات الهائلة التي تفرضها الحرب مع روسيا، تظل تطمح وتتطلع إلى المستقبل بإصرار. وفي حين تعاني من تبعات الحرب والدمار تتبنّى أوكرانيا رؤية طموحة تشمل إعادة بناء البنية التحتية وتحديثها باستخدام أحدث التقنيات الخضراء، ما يعزّز قدرتها على تحمُّل الصعاب والنهوض من جديد.

توجيه الناس داخل مترو خاركيف للاحتماء بسبب الهجوم الروسي (إ.ب.أ)

ويقول السفير مارك غرين، رئيس مركز «ويلسون» الأميركي، في تقرير نشره، إنه في ظل قنابل ورصاص روسيا تشير دراسة استقصائية حديثة إلى أن الأوكرانيين يتطلّعون إلى مستقبل أقل فساداً وأكثر حيوية اقتصادياً.

ويضيف غرين أنه من الصعب تضخيم الأضرار والمعاناة التي تسبّبت فيها القوات الروسية (بدعم من إيران وكوريا الشمالية وغيرهما) للشعب الأوكراني على مدار أكثر من عامين، إذ إن الأرقام تكشف كل شيء.

دمار بسبب ضربة صاروخية روسية في منطقة كييف (أ.ف.ب)

فقد قُتل عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين، كما قُتل أكثر من 10 آلاف مدني، وأُصيب أكثر من 20 ألفاً، وكان من بينهم 1885 طفلاً، واختُطف آلاف آخرون أو نُقلوا بالقوة إلى روسيا.

ونزح 7.‏3 مليون أوكراني داخلياً، بجانب 5.‏6 مليون شخص جرى تهجيرهم خارج البلاد. وهناك نحو 6.‏14 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية. وتضرر أكثر من 465 مرفقاً طبياً و1072 مرفقاً تعليمياً أو دُمّرت. وتتناثر ألغام أرضية عبر أراضي أوكرانيا، تعادل مساحتها ما يعادل حجم ولاية فلوريدا، وقد أسفرت عن مقتل ما يقرب من ألف مدني.

تسعى ألمانيا وبولندا والتشيك إلى الحصول على موارد إضافية من الاتحاد الأوروبي، من أجل إيواء اللاجئين الأوكرانيين ودمجهم. وفي خطاب مشترك بعثوا به إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قال المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيسا وزراء التشيك بيترفيالا وبولندا دونالد توسك، إن دولهم الثلاث استقبلت أكثر من نصف طالبي الحماية الأوكرانيين الذين دخلوا إلى أراضي الاتحاد الأوروبي. وأضاف الزعماء الثلاثة في خطابهم: «طاقات بلداننا مستنفدة»، مشيرين إلى أن أعباء إيواء اللاجئين لا يجري توزيعها بصورة عادلة، ورأوا أن من الضروري تقديم دعم مالي إضافي كبير من ميزانية الاتحاد الأوروبي إلى «الدول الأعضاء المتضررة بوجه خاص حتى يمكنها أن تأخذ في اعتبارها تكاليف استقبال وإيواء وتقديم الرعاية إلى اللاجئين من أوكرانيا بصورة مناسبـة». وأكد شولتس، في بيان له، أنه إذا كانت الدول الأخرى تشارك بمقدار أقل في استقبال اللاجئين، فإنه يجب تقديم دعم مالي خاص إلى الدول القليلة التي تستقبلهم. وقال السياسي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي: «لقد كتبت ذلك إلى رئيسة المفوضية مع زميلي من بولندا والتشيك، ونريد مناقشة هذا الموضوع أيضاً».

أُسَر الجنود الأوكرانيين على خطوط الجبهة يطالبون بعودتهم في «ساحة الاستقلال» بكييف في 18 مايو (أ.ف.ب)

ويقول إن الفساد كان مشكلة كبيرة في أوكرانيا، كما كان في كثير من الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي في وقت مضى. وفي السنوات القلائل الماضية، كان فشل أوكرانيا في تحقيق مؤشر الفساد الخاص بمؤسسة «تحدي الألفية» هو ما منعها من التفاوض على اتفاق جديد مع البلاد.

ولمّح منتقدو المساعدات الأميركية لأوكرانيا إلى أن المبالغ الضخمة من الدعم المادي والمالي المقدمة إلى أوكرانيا تشكل إغراء كبيراً للمسؤولين الفاسدين، نظراً إلى سجل الفساد السابق للبلاد. وفي النهاية، تُعَد أوكرانيا أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية في الخارج، وهو أمر يحدث لأول مرة لدولة أوروبية منذ خطة مارشال.

أوكراني يسير إلى جانب منزل تعرّض للدمار بعد إطلاقٍ صاروخي ليلي في قرية كراسيليفكا بالقرب من كييف (إ.ب.أ)

ولكن على الرغم من الخسائر المستمرة للحرب، والمساعدات التي تدخل البلاد، والحاجة الواضحة إلى نقل المسؤولين الأوكرانيين الموارد بسرعة، وجد استطلاع حديث للرأي أن المواطنين الأوكرانيين كشفوا عن إحراز تقدم في مكافحة الفساد. ووجد «المسح السنوي التاسع للبلديات الأوكرانية»، الذي أجراه المعهد الجمهوري الدولي في أبريل (نيسان) ومايو (أيّار) 2024، أن 80 في المائة على الأقل ممن شملهم المسح قالوا إنهم لم يشعروا قط بأنهم ملزمون «بتقديم خدمة أو تقديم هدية أو دفع رشوة إلى مسؤول محلي للحصول على الخدمات»، وهذا تحسن كبير مقارنة بأرقام عام 2019.

وفي حين أن الفساد لا يزال عالقاً في أذهان المواطنين، حتى في خضم قتال القوات الروسية والإصلاحات المستمرة المتعلقة بالحرب، أطلقت سلطات إنفاذ القانون الأوكرانية تحقيقات فساد متعددة رفيعة المستوى مع المسؤولين الحكوميين. وفي بعض الحالات، دفعت هذه التحقيقات الرئيس زيلينسكي إلى إقالة كثير من أعضاء إدارته.

لكن رؤية المواطنين المستقبل تتجاوز الفساد. وعندما سُئلوا عن كيفية تعامل الحكومة مع إعادة الإعمار بعد الحرب، قال ثلاثة أرباعهم إنه يجب على القادة «تضمين تقنيات خضراء موفرة للطاقة وتحديث» البنية التحتية، حتى لو «استغرق الأمر وقتاً أطول» لإكمالها. ووجد هذا الدعم القوي لنهج أكثر صبراً وتحديثاً للبنية التحتية حتى في أجزاء من البلاد التي تلقت أشد الأضرار من القصف الروسي، مثل خاركيف.

أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة والمعدات الطبية القتالية في كييف (أ.ف.ب)

ويخلص غرين إلى أن تعبير «متعبون، لكن غير منهكين» يُعد سمة رائعة في دولة يجب أن تكون متعبة جداً من الحرب. وكانت هذه الحرب غير مبررة، وقد ألقى الروس بكل ثقلهم على الشعب الأوكراني. واقتبس قول وزير الخارجية الأميركي بلينكن في مناسبات متعددة، إن «هناك أدلة واضحة على الفظائع وجرائم الحربـ». وقال إنه في الأسابيع الأخيرة، كانت هناك تقارير عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الأوكرانيين. ومع ذلك، فإنهم لا يقاتلون فقط، وإنما يخبرون قادتهم بتنفيذ السياسات والإصلاحات التي ستجعل أوكرانيا المستقبلية انتصارهم النهائي على طغيان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و«عدوانه».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يرحب بإطلاق سراح سجناء ومن بينهم أحد زعماء تتار القرم

أوروبا لقطة من فيديو استقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ناريمان غيليال أحد زعماء تتار القرم

زيلينسكي يرحب بإطلاق سراح سجناء ومن بينهم أحد زعماء تتار القرم

رحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم السبت، بعودة سجناء أوكرانيين من روسيا، بما في ذلك ناريمان غيليال، وهو أحد زعماء تتار القرم وناشط سياسي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)

تثبيت التعيينات في المناصب القيادية الثلاثة في الاتحاد الأوروبي

بدأ اليوم الثاني الأخير من أعمال القمة الأوروبية، واعداً بعهد جديد ينزع نحو الاستقرار في عالم مضطرب.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا جنود روس (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على بلدة في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، السبت، السيطرة على بلدة بالقرب من مدينة تورتسك في شرق أوكرانيا، التي تتعرّض لهجمات روسية متزايدة منذ مطلع يونيو.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا جنود أوكرانيون يطلقون قذيفة مدفعية من مدفع قيصر فرنسي على الجبهة في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب)

عسكريون أوكرانيون: تحسُّن وتيرة وصول الذخائر لقواتنا

بعد أشهر من النقص الحاد، تتسارع وتيرة عمليات تسليم الغربيين للذخيرة خصوصاً قذائف المدفعية للجبهة في أوكرانيا، حيث تحسنت الإمدادات في الأسابيع الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

روسيا تدرس خفض مستوى العلاقات مع الغرب

أعلن الكرملين، يوم الخميس، أن روسيا تدرس خفض مستوى العلاقات مع الغرب بسبب تورط الولايات المتحدة وحلفائها على نحو أعمق في حرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

فرنسا تصوّت اليوم... واليمين المتطرف في الصدارة

تتوقع استطلاعات الرأي أن يتصدّر «التجمع الوطني» التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية، الأحد (رويترز)
تتوقع استطلاعات الرأي أن يتصدّر «التجمع الوطني» التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية، الأحد (رويترز)
TT

فرنسا تصوّت اليوم... واليمين المتطرف في الصدارة

تتوقع استطلاعات الرأي أن يتصدّر «التجمع الوطني» التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية، الأحد (رويترز)
تتوقع استطلاعات الرأي أن يتصدّر «التجمع الوطني» التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية، الأحد (رويترز)

يصوّت الفرنسيون، اليوم، في الدورة الأولى من انتخابات تشريعية تاريخية يتصدّرها اليمين المتطرف، متقدّماً بفارق كبير على تكتل الرئيس إيمانويل ماكرون.

ودُعي نحو 49 مليون ناخب لاختيار 577 نائباً في البرلمان، في انتخابات يتوقّع أن تُقام دورتها الثانية في السابع من يوليو (تموز)، وتمثّل مغامرة سياسية كبيرة لماكرون.

وبدأ الفرنسيون في بعض أقاليم ما وراء البحار، الإدلاء بأصواتهم أمس، وسط توقعات ببلوغ نسبة المشاركة 66 في المائة، أي بزيادة 19 نقطة عمّا كانت عليه في عام 2022.

ومن بين المجموعات السياسية الثلاث التي تهيمن على المشهد الانتخابي، يبدو اليمين المتطرف، الذي يقوده جوردان بارديلا عن حزب «التجمع الوطني»، الأكثر أهلية للفوز بالأكثرية أو الاقتراب منها إلى حد كبير. وتفيد استطلاعات الرأي بأنَّ «التجمع الوطني» سيحتل المرتبة الأولى، بـ35 في المائة من الأصوات، تتبعه أحزاب اليسار المتحالفة ضمن «الجبهة الشعبية الجديدة» بنحو 30 في المائة، في حين يحل «ائتلاف الوسط» في المرتبة الثالثة.