واشنطن تنفي اتهامات بريطانية عن تزويد الصين لروسيا بمعدات قتالية

حرب إلكترونية مشتعلة وموسكو تنجح في تعطيل شبكة «ستارلينك»

شابس مع عدد من وزراء الدفاع المشاركين في اجتماع «الناتو» (إ.ب.أ)
شابس مع عدد من وزراء الدفاع المشاركين في اجتماع «الناتو» (إ.ب.أ)
TT

واشنطن تنفي اتهامات بريطانية عن تزويد الصين لروسيا بمعدات قتالية

شابس مع عدد من وزراء الدفاع المشاركين في اجتماع «الناتو» (إ.ب.أ)
شابس مع عدد من وزراء الدفاع المشاركين في اجتماع «الناتو» (إ.ب.أ)

في خلاف نادر مع بريطانيا منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إنه لم ير دليلا على أن الصين ترسل مباشرة مساعدات عسكرية فتاكة إلى روسيا في حربها ضد أوكرانيا.

وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس (إ.ب.أ)

وكان وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، قد أعلن في 22 مايو (أيار) الحالي، أن هناك أدلة على أن «المساعدات الفتاكة تتدفق الآن، أو سوف تتدفق، من الصين إلى روسيا وبالتالي نحو أوكرانيا». غير أن سوليفان، ناقض هذا الادعاء، قائلا إن واشنطن لم تشارك في هذا التقييم. وقال سوليفان للصحافيين: «لم نر ذلك حتى الآن. وإنني أتطلع إلى التحدث مع المملكة المتحدة للتأكد من أن لدينا صورة عملية مشتركة».

مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان يتحدث خلال الإحاطة اليومية في البيت الأبيض (أ.ب)

وقال شابس خلال كلمته في مؤتمر لندن للدفاع: «اليوم يمكنني أن أكشف أن لدينا أدلة على أن روسيا والصين تتعاونان في المعدات القتالية لاستخدامها في أوكرانيا». وأضاف: «هذه معلومات استخباراتية جديدة تقودني إلى رفع السرية عن هذه الحقيقة والكشف عنها اليوم. أعتقد أنها مهمة للغاية».

وقال سوليفان إن احتمال قيام الصين «بتقديم أسلحة مباشرة - مساعدة فتاكة - لروسيا» كان مصدر قلق في وقت سابق، لكنه قال إن ذلك لم يحدث. وأضاف أن ما يقلق واشنطن «هو ما تفعله الصين لتغذية آلة الحرب الروسية، عبر توفير مدخلات للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، وليس تقديم الأسلحة بشكل مباشر».

واتهمت الولايات المتحدة الصين في السابق بمساعدة روسيا بالتكنولوجيا وإرسال سلع ذات استخدام مزدوج مفيدة عسكريا، ولكنها غير مميتة، وخصوصا تلك المتعلقة بالمعدات الإلكترونية المستخدمة في إنتاج الأسلحة الروسية، ساعدت القوات الروسية في ساحة المعركة، لكنها لم تصل إلى حد القول إن بكين تزودها بالأسلحة بشكل مباشر.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ في الذكرى الـ75 لتأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين (إ.ب.أ)

حرب إلكترونية

ونشرت «وكالة الصحافة الفرنسية» تحقيقا عن الحرب الإلكترونية المندلعة بين روسيا وأوكرانيا، حيث فرضت أجهزة التشويش نفسها في الأشهر الأخيرة، كمعدات أساسية في الحرب الإلكترونية ضد روسيا. وقالت كييف إن قواتها تعمل على تحييد أكبر عدد ممكن من المقاتلات الروسية الصغيرة المسيّرة التي تملأ سماء ساحة القتال، عبر استخدام معدات تشويش من صنعها، باتت أساسية في الحفاظ على حياة جنودها.

في المقابل، قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن روسيا قامت خلال هجومها الأخير بنشر تكنولوجيا متقدمة لإعاقة خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، التي توفرها شركة «ستارلينك» المملوكة من إيلون ماسك، ما أدى إلى مزيد من الانقطاعات على خط القتال الأمامي الشمالي، بحسب مسؤولين أوكرانيين.

ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مسؤول كبير في الجيش الأوكراني متخصص في الحرب الإلكترونية قوله: «إنها معركة عملاقة»، وتُعدّ كذلك سباقاً مع الوقت نظراً لسرعة تطوّر التقنيات. ويضيف: «يتوجب علينا كل 3 أشهر التفكير في تقنيات جديدة»، مؤكداً أن القوات الأوكرانية تنجح حالياً في تشويش رادارات 60 إلى 70 في المائة من المسيّرات الروسية من طراز «إف بي في» المجهزة بعبوة ناسفة ومزودة بكاميرا، توفّر بثاً مباشراً للشخص الذي يتحكم فيها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ في الذكرى الـ75 لتأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين (سبوتنيك - إ.ب.أ)

ويقوم جهاز التشويش، وهو عبارة عن عبوة أسطوانية بيضاء تزن 4 كيلوغرامات، توضع في حقيبة قماشية زيتية تُثبّت على ظهر الجندي. ويوضح متخصص في أجهزة التشويش في كتيبة مسيرّات تابعة للواء 92، الذي يقاتل على الجبهة الشرقية لأوكرانيا: «إنه واحد من أولى أجهزة الحماية الإلكترونية المحمولة للمشاة الأوكرانيين». ويضيف: «يُنقذ هذا الجهاز مشاتنا من المسيرات الروسية من طراز (إف بي في)، ووحداتنا التي تذهب إلى مواقع تشغّل منها مسيّراتنا».

وقال قائد القوات البرية الأوكرانية، أولكسندر بافليوك، أخيرا في مقابلة مع صحيفة «ذي تايمز» البريطانية: «المسيّرات هي أكثر ما يقتل جنوداً في الجانبين في الوقت الحالي».

ويقر المسؤول الأوكراني بخسارة نحو 40 في المائة من مسيّراته بسبب التشويش الروسي. ويوضح أن روسيا متقدّمة بخطوة، لأنها تعمل على أنظمة الحرب الإلكترونية «منذ أكثر من 30 عاما»، فيما بدأت أوكرانيا «في تطوير المعدات اعتباراً من عام 2014»، حين ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم.

وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس خارج مقر رئاسة الوزراء في لندن 30 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

روسيا عطلت «ستارلينك»

وبينما تؤكد أوكرانيا أنها تمكّنت من اللحاق بروسيا إلى حد كبير في هذا المجال، غير أن تقرير «نيويورك تايمز» يشير إلى حقائق أخرى. وتنقل الصحيفة عن لواء الهجوم 92 نفسه، أنه فقد موردا حيويا، قبل أن تتقدم القوات الروسية عبر الحدود الشمالية لأوكرانيا هذا الشهر. فقد تباطأت خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية «ستارلينك»، التي تديرها شركة «سبايس إكس»، والتي يستخدمها الجنود للتواصل وجمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ هجمات الطائرات من دون طيار، إلى حد «التجميد».

وقال مسؤولون أوكرانيون إنه مع تحقيق القوات الروسية مكاسب هذا الشهر بالقرب من خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، فقد نشرت أسلحة إلكترونية أقوى وأدوات أكثر تطورا لإضعاف خدمة «ستارلينك». ويشكل التقدم تهديدا كبيرا لأوكرانيا، التي تمكنت في كثير من الأحيان من التفوق على الجيش الروسي، بمساعدة من شبكة الاتصال التي وفرتها «ستارلينك»، لكنها اليوم تجد نفسها في موقف دفاعي ضد التقدم الروسي الجديد.

مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان (رويترز)

وإذا استمرت روسيا في النجاح بالتشويش على «ستارلينك»، فقد يمثل ذلك تحولا تكتيكيا في الصراع، ما يسلط الضوء على ضعف أوكرانيا واعتمادها على الخدمة التي تقدمها شركة ماسك. وهو ما يطرح أيضا مخاوف على تعاون الولايات المتحدة وحكومات أخرى مع «سبايس إكس»، حول موثوقية «ستارلينك» ضد خصم متطور تقنيا.

وقال مسؤول يقود جهود الحرب الإلكترونية في روسيا لوسائل الإعلام الحكومية الشهر الماضي، إن الجيش وضع «ستارلينك» على «قائمة الأهداف» وطور قدرات لمواجهة الخدمة.

وقال قائد في الفرقة 92، إنه «قبل يوم واحد من الهجمات، تم إغلاق الخدمة إلى حد بعيد»، مضيفا: «إننا نخسر معركة الحرب الإلكترونية». وقال كثير من الخبراء إن روسيا تحسنت في التدخل في الإشارة بين الأقمار الصناعية ومحطات «ستارلينك» على الأرض باستخدام أجهزة تشويش قوية ودقيقة. وأشار آخرون إلى أن الخدمة قد تعطلت بسبب أسلحة إلكترونية متخصصة مثبتة على طائرات من دون طيار، والتي يمكن أن تربك إشارات نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس» الخاص بـ«ستارلينك».


مقالات ذات صلة

أوستن يؤكد لأميروف قبيل انعقاد قمة «الناتو» التزام أميركا بدعم سيادة أوكرانيا وأمنها

أوروبا الرئيس الأوكراني يجلس داخل مقاتلة «إف 16» خلال زيارة إلى الدنمارك في أغسطس الماضي (رويترز)

أوستن يؤكد لأميروف قبيل انعقاد قمة «الناتو» التزام أميركا بدعم سيادة أوكرانيا وأمنها

وزير الدفاع الأميركي أكد لنظيره الأوكراني، رستم أميروف، الثلاثاء، التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم سيادة أوكرانيا وأمنها.

إيلي يوسف (واشنطن) «الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا قادة الاتحاد الأوروبي في صورة جماعية في بروكسل (إ.ب.أ)

عقب تسلمه رئاسة الاتحاد الأوروبي... أوربان يلتقي زيلينسكي في كييف

رئيس الوزراء المجري بدأ الثلاثاء أول زيارة له لأوكرانيا منذ بدء الاجتياح الروسي في فبراير من عام 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

بعد حديث ترمب عن إنهاء الحرب... روسيا «لا يمكنها التعليق» على مقترحه

كشف دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، الثلاثاء، أن روسيا لا يمكنها التعليق على مقترح دونالد ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنديان روسيان يطلقان النار من قاذفة صواريخ من طراز BM-21 «غراد» 122 ملم في مكان غير محدد بأوكرانيا (أ.ب)

موسكو تؤكد تدمير 5 مقاتلات أوكرانية من طراز «سوخوي - 27»

قالت وزارة الدفاع الروسية اليوم (الثلاثاء) إنها دمرت 5 مقاتلات أوكرانية من طراز «سوخوي - 27» وألحقت أضراراً بطائرتين أخريين في مطار ميرهورود.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف 2 يوليو 2024 (رويترز)

أوربان يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا من أجل تسريع محادثات السلام

حث رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على النظر في «وقف إطلاق النار» في أسرع وقت ممكن.

«الشرق الأوسط» (كييف )

انسحابات متبادلة للمرشحين لمنع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا

فرنسي يوزع منشورات انتخابية لليمين المتطرف الثلاثاء (أ.ف.ب)
فرنسي يوزع منشورات انتخابية لليمين المتطرف الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

انسحابات متبادلة للمرشحين لمنع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا

فرنسي يوزع منشورات انتخابية لليمين المتطرف الثلاثاء (أ.ف.ب)
فرنسي يوزع منشورات انتخابية لليمين المتطرف الثلاثاء (أ.ف.ب)

كانت الأحزاب السياسية الفرنسية في سباق مع الزمن منذ الإعلان عن نتائج الجولة الانتخابية الأولى التي هيمن عليها حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي أوصلته إلى عتبة السلطة لأول مرة في تاريخ فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولأن الخطر أصبح داهماً، فإن المجموعتين السياسيتين الأخريين (الجبهة الشعبية الجديدة المشكَّلة من تحالف اليسار والخضر؛ وائتلاف الوسط الذي يضم 3 أحزاب داعمة للرئيس إيمانويل ماكرون وعهده) وضعتا، إلى حد كبير، خلافاتهما جانباً، وسعتا لإعادة تشكيل ما يسمى فرنسيا «الجبهة الجمهورية» لغرض وحيد عنوانه قطع طريق الإليزيه على «التجمع الوطني» وعلى رئيسه جوردان بارديلا. أما السبيل إلى ذلك فيمر عبر انسحابات متبادلة للمرشحين من كل طرف الذين حلوا في المرتبة الثالثة لصالح الطرف الآخر. والغرض من ذلك تعزيز حظوظ من بقي في السباق لهزيمة مرشح اليمين المتطرف.

الرئيس إيمانويل ماكرون في جولة له يوم الأحد الماضي في شوارع منتجع «لو توكيه» الراقي شمال البلاد (أ.ف.ب)

الهدف المعلن للجبهة الشعبية الجديدة ولائتلاف اليسار هو حرمان اليمين المتطرف من الحصول على الأكثرية المطلقة في البرلمان الجديد الذي سيولد من رحم جولة الانتخابات الثانية والحاسمة، الأحد المقبل. وكلما ازداد عدد الانسحابات تضاءلت حظوظ اليمين المتطرف في بلوغ الرقم السحري (289 نائباً) الذي يوفر له الأكثرية المطلقة في البرلمان، ويلزم الرئيس ماكرون بتكليف بارديلا بتشكيل الحكومة المقبلة. من هنا، فإن أنظار المسؤولين السياسيين والمراقبين والإعلام منصبَّة على «عداد الانسحابات» الذي أظهر، منتصف نهار الثلاثاء، أن الطرفين المعنيين نجحا في إقناع 208 مرشحين بالانسحاب منهم (127 من اليسار و75 من ائتلاف الوسط).

تعدد الأصوات داخل ائتلاف الوسط

لا تعرف السياسة صداقات ثابتة أو عداوات دائمة بل تقوم على المصالح؛ فخلال 3 أسابيع تبادل المعسكر الرئاسي والجبهة الشعبية كل نوع من أنواع الاتهامات. أما اليوم، فإنهما يعملان معاً لإفشال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة. وبينما أرسى اليسار قاعدة الانسحاب شاملة ومن غير استثناءات، فقد بانت الانقسامات وتعدد الآراء داخل المعسكر الرئاسي ما يبين أن «سطوة» ماكرون قد تراجعت إلى حد بعيد. ماكرون يريد انسحاب مرشحيه لصالح مرشحي الجبهة الشعبية الجديدة من غير استثناءات. وفي اجتماع ظهر الاثنين في قصر الإليزيه مع وزرائه، وإزاء تمنُّع بعضهم عن قبول القاعدة التي يريد أن يعملوا بموجبها، قال لهم: «لو لم تأتِ لنا أصوات اليسار (في المعركتين الرئاسيتين عام 2017 و2022) لما كنا هنا في قصر الإليزيه». والممانعة جاءت من رئيس الحكومة غبرييل أتال الذي أعلن أنه إذا كان الغرض «منع التجمع الوطني من الحصول على الأكثرية»، فإن الانسحاب «لن يكون إلا لصالح مرشح اختار الدفاع عن قيم الجمهورية». والمقصود من هذا الكلام استبعاد الانسحاب لصالح مرشحي حزب «فرنسا الأبية» الذي ما انقطع أتال عن مهاجمة رئيسه جان لوك ميلونشون، واتهامه بمعاداة السامية، وزرع الفوضى، وعدم احترام قيم الجمهورية.

مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف والحالمة بالفوز بالانتخابات الرئاسية خارجة الثلاثاء من مقر حزبها في باريس (أ.ف.ب)

ليس أتال وحده من يتبنى هذه المقاربة فإدوار فيليب، رئيس الحكومة السابق ورئيس حزب «هورايزون» المنتمي إلى ائتلاف الوسط حسم موقفه بالقول: «لا يتعين أن يذهب أي صوت لا إلى مرشحي التجمع الوطني، ولا إلى مرشحي (فرنسا الأبية)»، وهو الموقف نفسه الذي تتبناه رئيسة البرلمان المنحل يائيل براون ــ بيفيه وفرنسوا بايرو، رئيس «الحركة الديمقراطية» المنضوية تحت لواء «ائتلاف الوسط». أما برونو لومير، فقد قال لصحيفة «لو فيغارو» في عددها يوم الثلاثاء: «أنا لا أساوي بين (التجمع الوطني) وبين (فرنسا الأبية) فلهما تاريخان مختلفان. لذا أقول إنه يجب ألا يذهب صوت واحد للأول، ولن أصوّت أبداً لحزب (فرنسا الأبية) الذي يتعارض مشروعه الطائفي العلني والمعادي للسامية بشكل خبيث مع أمتنا».

مارين لوبن: ماكرون قام بانقلاب إداري

وإذا كانت مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف ورئيس حزبها جوردان بارديلا مقتنعين سابقاً بقدرتهما على الحصول على الأكثرية المطلقة، فإنهما عدّلا موقفهما في الأيام الأخيرة، وهما يؤكدان اليوم أنه لو احتاج الحصول على الأكثرية المطلقة لعدد قليل من النواب (ما دون العشرين) فسيسعيان لتوفيرهم من خلال التواصل مع نواب من اليمين إن داخل حزب «الجمهوريون» أو من النواب اليمينيين المستقلين.

رئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف جوردان بارديلا في وقفة رئاسية له في مقر حزبه وخلفه صورته الضخمة في 9 يونيو الماضي بعد إعلان ماكرون حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة (أ.ب)

وقالت لوبن، المرشحة الرئاسية السابقة والساعية لخلافة ماكرون في قصر الإليزيه إن معسكره «قد اندثر عملياً» منذ الجولة الانتخابية الأولى، وإنه «من أجل السير بالإصلاحات التي تحتاج لها البلاد، فإنه من الضروري أن يحصل بارديلا على الأكثرية المطلقة في الأيام المقبلة ليعينه ماكرون رئيساً للحكومة».

بالمقابل، ركز المسؤولان هجومهما على «التحالف المغاير للطبيعة»، وفق بارديلا، بين معسكر ماكرون واليسار. أما لوبن فقد اتهمت ماكرون، صباح الثلاثاء، في مقابلة إذاعية بأنه «يقوم بكل ما يستطيعه من أجل إجهاض المسار الديمقراطي» مضيفة أنه «يخطط لمنع التجمع الوطني من تسلُّم السلطة حتى لو حصلنا على الأكثرية المطلقة». كذلك اتهمت ماكرون بالقيام بـ«انقلاب إداري» بسبب استغلاله الأيام الفاصلة بين الجولتين الانتخابيتين الأولى والثانية للقيام بتعيينات إدارية موسعة، وتعيين أوفياء له في مناصب أساسية، وذلك «لمنع جوردان بارديلا من التمكن من حكم البلاد».

حقيقة الأمر أن ماكرون يسعى بكل الوسائل من أجل الحد من الخسائر التي تسبب بها قراره بحل البرلمان. والسيناريو المفضل بالنسبة إليه أن يفشل اليمين المتطرف وحلفاؤه في الحصول على أكثرية مطلقة، أو أن يقترب منها كثيراً. وبالمقابل لن ينجح «ائتلاف الوسط» في المحافظة على مجموعة نيابية وازنة تشكل القطب القادر على اجتذاب نواب من اليمين واليسار من أجل تشكيل أكثرية متنوعة تضم نواباً من الاشتراكيين والخضر والشيوعيين المستقلين وصولاً إلى نواب من اليمين التقليدي.

ومعضلة ماكرون هي أن ما يسعى إليه يفترض تفكك تحالف اليسار؛ لأن مشروعه يستبعد نواب «فرنسا الأبية» التي تشكل القوة الضاربة للجبهة الشعبية الجديدة. كذلك سعى ماكرون خلال العامين الماضيين إلى توسيع قاعدته السياسية عن طريق اجتذاب نواب من اليمين للانضمام إلى تحالف الأحزاب الداعمة له من غير أن ينجح. وسبق له أن كلف رئيسة حكومته السابقة إليزابيث بورن بهذه المهمة من دون أن تصيب نجاحاً.

غبرييل أتال... هل سيكون رئيساً لأقصر حكومة في زمن الجمهورية الخامسة؟ (إ.ب.أ)

السيناريو الأكثر ترجيحاً اليوم يقوم على وصول 3 مجموعات سياسية إلى البرلمان الجديد لا تمتلك أي واحدة منها الأكثرية المطلقة، وهي غير قادرة على العمل والتعاون فيما بينها. وإذا كان ماكرون مضطراً لتكليف رئيس الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد (وسيكون دون شك بارديلا)، فإن الأخير سيُضطر للبحث عن حلفاء أو لتشكيل حكومة تتمتع بأكثرية نسبية، ولكن قد تسقط لدى أي اختبار لنيل ثقة البرلمان ما سيدخل فرنسا ليس في أزمة سياسية، ولكن في أزمة نظام قد يكون الخروج منها باستقالة ماكرون «وهو يرفض حتى اليوم هذا الاحتمال»، وتنظيم انتخابات رئاسية جديدة تفتح الباب لعهد جديد.