اليمين المتطرف يتأهب للانقضاض على الانتخابات الأوروبية

15 دولة تريد تدابير أقسى مما تتضمنه «اتفاقية الهجرات» الأخيرة

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي تتحدث بدعوة من حزب «فوكس» في اجتماع مدريد السبت (أ.ف.ب)
مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي تتحدث بدعوة من حزب «فوكس» في اجتماع مدريد السبت (أ.ف.ب)
TT

اليمين المتطرف يتأهب للانقضاض على الانتخابات الأوروبية

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي تتحدث بدعوة من حزب «فوكس» في اجتماع مدريد السبت (أ.ف.ب)
مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي تتحدث بدعوة من حزب «فوكس» في اجتماع مدريد السبت (أ.ف.ب)

مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية ما بين 6 و9 يونيو (حزيران)، تستجمع أحزاب اليمين المتطرف في الفضاء الأوروبي قواها، لتعبئة محازبيها وأنصارها، بالتركيز على الملفات الرئيسية التي يشكل العداء للمهاجرين عصبها الآيديولوجي المتلازم مع العداء للإسلام، ومن زاوية الدفاع عن الهوية الأوروبية.

وبرز ذلك مجدداً في مدريد خلال نهاية الأسبوع المنصرم؛ حيث دعا حزب «فوكس» اليميني المتطرف، قادة وممثلي الأحزاب الشقيقة في أوروبا وخارجها، للمجيء إلى العاصمة الإسبانية لإبراز وحدة المواقف، والسعي لتغيير موازين القوى داخل البرلمان الأوروبي ومنظومات الاتحاد بشكل عام.

وقال سانتياغو أباسكال، رئيس «فوكس»، إن غرض التجمع «إعداد تحالف عالمي للوطنيين»؛ لكن الهدف المباشر -بلا شك- عنوانه الاتحاد الأوروبي.

بعض الكلمات التي أُلقيت خلال هذا التجمع تعكس «ضيق» الأوروبيين بالهجرات المتواصلة.

مارين لوبان، زعيمة حزب «التجمع الوطني» الفرنسي الذي تفيد استطلاعات الرأي بأنه سيحصل على نتائج استثنائية في الانتخابات المقبلة، لم تتردد في القول: «إن مناطق بأكملها من بلدي، فرنسا، تغمرها الهجرة، ولم تعد تحت سلطة الدولة»، منددة بـ«حالة من الانفصالية» التي تتسبب فيها الهجرات، ودعت إلى «إعادة توجيه (سياسات) الاتحاد الأوروبي».

ومن جانبه، دعا أندريه فينتورا، رئيس حزب «تشيغا» (كفى) البرتغالي، وعضو حزب «الهوية والديمقراطية» في البرلمان الأوروبي، إلى إقامة وتعزيز «الحدود القوية» الخارجية للاتحاد، من أجل «مكافحة الهجرات الإسلامية»، ووصف الأحزاب اليمينية المتطرفة بأنها «الأمل الأخير» عندما يكون «مستقبل حضارتنا الأوروبية على المحك».

رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني «رائدة» إبرام اتفاقية مع ألبانيا لإرسال المهاجرين إليها تنتظر وصول أمين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ في 8 مايو أمام مقر رئاسة الوزراء (أ.ف.ب)

أما جيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، فقد وصفت الانتخابات بأنها «حاسمة» من أجل وضع حد لهيمنة تحالف حزب «الشعب الأوروبي» اليميني التقليدي، و«الحزب الديمقراطي الأوروبي»، وهما المجموعتان الرئيسيتان في البرلمان الأوروبي المنتهية ولايته اللتان تسيطران على المراكز الأساسية في الاتحاد، وإليه تنتمي رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، وأغلبية المفوضين الـ26؛ بيد أن رسالة ميلوني الرئيسية جاءت من خلال تحذيرها من «محو الجذور المسيحية» لأوروبا.

 

صعود أسهم اليمين المتطرف

 

اللافت في هذا التجمع أنه جاء بعد أسبوع واحد من مصادقة المجلس الأوروبي النهائية يوم 14 الجاري، على «اتفاقية الهجرة» التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي مؤخراً، بعد 4 سنوات من المراوحة. وسبق أن صوَّت البرلمان الأوروبي لصالح الاتفاقية التي يتعين أن تدخل حيز التنفيذ خلال العامين المقبلين. والغاية منها تشديد الرقابة على الهجرات المتدفقة على القارة القديمة، ومراقبة الوافدين إلى دول التكتل، وإرساء الأسس لنظام تضامن بين الدول الأعضاء في مجال رعاية طالبي اللجوء وتقاسم المهاجرين، في حال تدفقات كبيرة للتخفيف من وقعها على بلدان المدخل، أي الواقعة على الحدود الخارجية لأوروبا، وتحديداً إيطاليا واليونان وإسبانيا، بدرجة أقل.

وترغب الأحزاب اليمينية المتطرفة في كثير من الدول الأعضاء في إغلاق الحدود الداخلية بشكل دائم، بمعنى فرض رقابة على الداخلين إليها، وهو أمر محظور بموجب «اتفاقيات شينغن» لحرية التنقل داخل الفضاء الأوروبي. ومع ذلك، فإن الاستثناءات المؤقتة ممكنة: فمع بداية عام 2024، أعاد نصف دول الاتحاد الأوروبي تقريباً فرض الضوابط، متذرعة بتهديد الإرهاب أو ضغط الهجرة.

ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني أهم المدافعين عن الاتفاقية التي وقعتها بلاده مع ألبانيا لاستقبال المهاجرين الواصلين إلى الأراضي البريطانية متحدثاً في مجلس العموم يوم 15 مايو (أ.ف.ب)

ومن بين أفكارهم الأخرى للحد من الهجرة: توجيه طالبي اللجوء الذين يصلون إلى أوروبا إلى «بلدان ثالثة» يتم الاتفاق معها على استقبالهم. ونموذجهم في ذلك الاتفاقية التي أبرمتها إيطاليا مع ألبانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من أجل إنشاء مركزين على الأراضي الألبانية لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى الشواطئ الإيطالية، شرط أن يدار المركزان بموجب القانون الإيطالي، وحيث يتاح لهم تقديم طلبات اللجوء وانتظار البت فيها.

ومن المقترحات الأكثر تطرفاً، الفكرة التي طرحها المنظِّر اليميني المتطرف، النمساوي مارتن سيلنر، لحزب «البديل من أجل ألمانيا» في ألمانيا، وحزب «الحرية» في النمسا، بشأن خطة «الهجرة المعاكسة» التي تتمثل في إعادة المهاجرين الواصلين حديثاً إلى بلادهم؛ لا؛ بل أيضاً تطبيق ذلك على الذين حصلوا على الجنسية الجديدة، بسبب «عدم اندماجهم» في المجتمع الجديد. وتبنى هذا الطرح أيضاً حزب إريك زيمور، الفرنسي المتطرف الذي يركز آيديولوجيته السياسية على مبدأ «سياسة الاستبدال» بمعنى أن المهاجرين الجدد آخذون في الحلول محل الفرنسيين، ما سيفضي إلى زوال الحضارة الأوروبية وتغيير الهوية الفرنسية؛ لا؛ بل إلى استبدال الوافدين الجدد بالسكان «الأصليين».

 

مطالبات بإجراءات إضافية لمحاربة الهجرات

 

ليست أحزاب اليمين المتطرف وحدها التي تريد المزيد في محاربة الهجرات. فاللافت أن الاتفاقية الجديدة لا ترضي كل الدول الأوروبية؛ إذ بعد يومين فقط على إبرامها، وجهت 15 دولة (بلغاريا، وتشيكيا، والدنمارك، وفنلندا، وإستونيا، واليونان، وإيطاليا، وقبرص، وليتوانيا، ولاتفيا، ومالطا، وهولندا، والنمسا، وبولندا، ورومانيا) رسالة إلى المفوضية الأوروبية، تطالب فيها بالذهاب إلى أبعد مما جاءت به الاتفاقية، من خلال اعتماد تدابير من شأنها حقيقةً لجم الهجرات وردع الراغبين في الوصول إلى أوروبا عن القيام بمغامرات غير محسوبة النتائج.

وبوصلة الدول الـ15 للبحث عن «حلول جديدة» يمكن تصنيفها في وجهين: الأول، إبرام اتفاقيات إضافية مع «دول العبور» من أجل إبقاء الأشخاص الراغبين في التوجه إلى أوروبا على أراضيها، مقابل مساعدات مالية ولوجيستية. وسبق للاتحاد الأوروبي أن أبرم اتفاقيات مماثلة مع تركيا في عام 2016، وفي الأشهر الأخيرة مع تونس ومصر، وآخرها مع لبنان بمناسبة الزيارة التي قامت بها رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين والرئيس القبرصي إلى بيروت. وبكلام آخر: يريد الاتحاد من الدول الواقعة جنوب وشرق المتوسط «وهي دول عربية» أن تقوم بدور الشرطي والحارس للحدود الأوروبية، وهو ما تقوم به فرنسا إزاء بريطانيا.

مهاجرون يستمعون إلى التعليمات على متن سفينة الإنقاذ «أوشن فايكنغ» التابعة لمنظمة «إس أو إس ميديتيراني» الأوروبية الإنسانية بعد عملية إنقاذ قبالة مالطا صباح الأحد (أ.ف.ب)

أما الوجه الثاني، فعنوانه «إعادة تصدير» المهاجرين إلى دول ثالثة، احتذاء بالاتفاق الذي أبرمته إيطاليا مع ألبانيا، وقبله الاتفاق بين بريطانيا ورواندا؛ حيث تتم دراسة طلبات اللجوء هناك بدل أن يقدموها في أول دولة أوروبية يصلون إليها. وحقيقة الأمر أن «اتفاقية الهجرة» تتيح هذا الأمر، ولكن بشرطين: أن يكون البلد المعني خارج الاتحاد «آمناً»، والثاني أن يكون للمهاجر الجديد «رابط كافٍ» مع البلد الثالث. والشرط الثاني لا تأخذ به بريطانيا (وهي خارج الاتحاد). وما تريده الدول الموقعة على الرسالة المشتركة إلى المفوضية إعادة تعريف البلد الآمن من جهة، ومن جهة ثانية التخلي عن الشرط الثاني، ما من شأنه تسهيل ترحيل الوافدين الجدد.

ولتفعيل تدابير كهذه، يتعين –بدايةً- على الاتحاد الأوروبي -بوصفه كتلة- أن يوافق على مطالب الدول الـ15، وأن يعثر على «دول ثالثة» تقبل استقبال المهاجرين على غرار ألبانيا ورواندا. وجاء في الرسالة الجماعية: «تجب إعادة تقييم تطبيق مفهوم الدولة الثالثة الآمنة في قانون اللجوء الأوروبي».

وبالتوازي مع تجمع الدول الـ15، برز مؤخراً تجمع آخر يضم 8 دول (النمسا، وتشيكيا، وقبرص، والدنمارك، واليونان، وإيطاليا، ومالطا، وبولندا) تداعت لقمة في قبرص، للنظر في وضع اللاجئين السوريين (النازحين) وتكاثر وصولهم إلى شواطئ قبرص ومالطا وإيطاليا، انطلاقاً من لبنان بوجه خاص. وحتى تاريخه، كان الاتحاد الأوروبي (ومعه الهيئات والمؤسسات الدولية الداعمة لهم) متمسكاً بـ«العودة الطوعية والآمنة والكريمة» للسوريين إلى بلادهم. وبشكل عام، قال الاتحاد إن هذه الشروط «غير متوفرة بعد». من هنا، فإن الدول الثماني تريد إعادة تقييم الوضع في سوريا؛ حيث ترى أنه قد «تطور بشكل كبير». وأعربت هذه الدول عن توافقها على القيام بعملية إعادة التقويم التي من شأنها الوصول إلى «طرق أكثر فعالية» للتعامل مع هذه الظاهرة. ودعت الاتحاد الأوروبي إلى «التخفيف من خطر وصول مزيد من التدفقات من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي». ولم يستبعد وزير الداخلية القبرصي كونستانينوس يوانو أن تتحول العودة الطوعية إلى «قسرية في مرحلة لاحقة» عند توفر ظروفها.


مقالات ذات صلة

أوروبا ترفض دواء لألزهايمر وافقت عليه أميركا بسبب أعراضه الجانبية

أوروبا المقر الرئيسي للشركة الأميركية «بايوجين» (Biogen) في ماساتشوستس التي ساهمت في ابتكار دواء «ليكيمبي» مع شركة «إيساي» اليابانية (أ.ب)

أوروبا ترفض دواء لألزهايمر وافقت عليه أميركا بسبب أعراضه الجانبية

اتخذت وكالة الأدوية الأوروبية أمس (الجمعة) قراراً برفض دواء لداء ألزهايمر في الاتحاد الأوروبي؛ لأنه غير آمن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا أوراق نقدية من فئة 20 و50 يورو (د.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يحول لأوكرانيا 1.5 مليار يورو من عائدات الأصول الروسية

أعلن الاتحاد الأوروبي تأمين 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار) لدعم أوكرانيا، وهي أول دفعة من الأموال المكتسبة من الأرباح على الأصول الروسية المجمدة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (د.ب.أ)

بوريل: قرار إسرائيل تجريم الأونروا «هراء»

حثّ جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إسرائيل على إبطال قرارها تجريم وكالة «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل (د.ب.أ)

بوريل: المجر لن تستضيف اجتماع وزراء الخارجية

قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس (الاثنين)، إن المجر لن تستضيف اجتماع وزراء خارجية الاتحاد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية (أ.ب)

بوريل يقاطع اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بودابست

أعلن جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، الاثنين، مقاطعة الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المزمع.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
TT

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)

تواصل السبت الاضطراب في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة إعلان الشركة الوطنية لسكك الحديد عن تعرّضها «لهجوم ضخم» أتى قبل ساعات من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية «باريس 2024».

وسجّلت حركة القطارات السريعة تحسناً لكن الاضطرابات ما زالت قائمة. وسيشهد الخطان الشمالي الغربي والجنوبي الغربي تشغيل قطارين سريعين من ثلاثة، بينما سيشهد الخط الشمالي 80 في المائة من الحركة المعتادة للقطارات السريعة، وفق تقديرات شركة لسكك الحديد التي أوضحت أن الحركة عبر الخط الشرقي ستجري كالمعتاد، مرجحة أن تستمر الاضطرابات الأحد على الخط الشمالي وأن يشهد الخط الأطلسي تحسّناً.

الا أن الشركة أكدت أن «كل عمليات النقل للفرق والمعتمدين» للمشاركة في أولمبياد باريس مؤمنة.

وتعرضت الشركة لـ«هجوم ضخم» ليل الخميس الجمعة مما تسبب باضطراب كبير في حركة القطارات أثّر على 800 ألف مسافر قبل حفلة الافتتاح. وقالت الجمعة إن «العديد من الأعمال الخبيثة المتزامنة» أثرت على خطوطها الأطلسية والشمالية والشرقية.

وفتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً في الهجمات. وأفاد مصدر مقرب من التحقيق بأن العملية كانت «محضّرة بشكل جيد» وتقف خلفها «الهيكلية ذاتها»، بينما أكد مصدر مقرّب من الملف أن أي طرف لم يعلن مسؤوليته.

وأوضحت الشركة الجمعة أن حرائق متعمدة عطّلت محطات الإشارات في كورتالين على مسافة نحو 140 كيلومترا جنوب غرب باريس، وفي كرواسي على مسافة 200 كيلومتر شمال العاصمة، وبايني-سور-موزيل على مسافة 300 كيلومتر إلى الشرق.

وعلى خط الجنوب الشرقي تمكن عمال السكك الحديد من «إحباط عمل خبيث» أثناء قيامهم بعمليات صيانة ليلية في فيرجيني، على مسافة 140 كيلومترا جنوب شرق باريس. ورصد العمال أشخاصا وأبلغوا قوات الدرك، ما دفع المخرّبين إلى الهروب، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.