فيماكان المسؤولون الغربيون يراقبون، ليل الأحد، عن كثب عملية إيران في محاولتها الهجوم على إسرائيل بمئات الصواريخ والطائرات من دون طيار، كان المستشار الألماني أولاف شولتس في طائرته متجهاً من برلين إلى شونغ كينغ في الصين، وبقي «غائباً» حتى ساعات الصباح حين هبطت طائرته وخرج منها ليُدين الهجوم الإيراني.
ورغم الترقب الغربي للرد الإيراني ليل السبت - فجر الأحد، وتغيير مسؤولين برامجهم مثل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قطع إجازته وعاد للبيت الأبيض، أبقى شولتس برنامجه لزيارة للصين من دون تأجيل.
ويعكس قرار المستشار الألماني المضيّ قدماً في الزيارة التي تستمر 3 أيام، أهميتها بالنسبة إليه، خصوصاً أنها أطول زيارة خارجية يقوم بها منذ تسلمه منصبه عام 2021، ورغم أن شولتس زار الصين في السابق عام 2022، فقد كانت زيارته آنذاك سريعة ومقيّدة بوباء كورونا. كما لم تأتِ في أوج مراجعة أوروبية - أميركية للسياسة التجارية مع الصين. فالزيارة التي سيراقبها من دون شك حلفاء ألمانيا، الأوروبيون والأميركيون عن كثب، تأتي في ظل مخاوف غربية متصاعدة من سياسة الصين التجارية وبحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات عقابية على السيارات الكهربائية الصينية، وقطع أشباه الموصلات التي تُستخدم في القطع الإلكترونية.
وفيما تعارض ألمانيا مساعي الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات عقابية على الصين، يبدو أن زيارة شولتس وشكل الوفد المرافق له، تعزز الانقسام الأوروبي حول مقاربة موحدة من الصين. فالرحلة التي تستمر 3 أيام، خصص المستشار يومين لها لبحث العلاقات التجارية ويوماً واحداً أخيراً لبحث المواضيع السياسية. ويصحب شولتس في رحلته، إضافةً إلى عدد كبير من الوزراء، رؤساء كبرى الشركات الألمانية، منها شركات سيارات «بي إم في» و«مرسيدس» و«فولكسفاغن». وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاستثمارات المباشرة لألمانيا في الصين زادت على 7 مليارات يورو عام 2022، وهي تعادل 79 في المائة من مجموع الاستثمارات الأوروبية هناك، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2022 ما قيمته 253 مليار يورو.
وفي الأشهر الماضية، كرر شولتس رفضه المطالب الأميركية «فصل» الاقتصاد الألماني عن الصيني، وهو يعارض بشدة الخطوات الأوروبية في بروكسل لتقليص الاعتماد على الصين في الكثير من الصناعات، رغم أن ألمانيا أقرت العام الماضي سياسة استراتيجية جديدة للتعامل مع الصين، بشكل أساسي بضغط من حزب الخضر المشارك في الحكومة والذي يدعو للتشدد مع بكين، فلا يبدو حتى الآن أن برلين عازمة على تغيير سياستها تجاه الصين.
ومع ذلك، لم يتردد شولتس في انتقاد سياسة الصين التجارية خلال زيارته شنغهاي، إذ دعا إلى «منافسة عادلة» بعد أن عبّر عن اعتقاده أن السوق الأوروبية يجب أن تكون مفتوحة أمام السيارات الصينية.
وقال شولتس في حديث مع طلاب في جامعة تونغي في شنغهاي، إنه عندما أُطلقت السيارات اليابانية والكورية في أوروبا كانت هناك مخاوف من أن السوق ستتجه نحو آسيا، «ولكن تبين أن هذه المخاوف لا أساس لها». وأضاف: «هناك الآن سيارات يابانية في ألمانيا، وسيارات ألمانية في اليابان، والأمر نفسه يجب تطبيقه بين الصين وألمانيا». وتابع يقول: «في وقت ما، ستكون هناك سيارات صينية في ألمانيا وأوروبا، والأمر الوحيد الذي يجب أن يكون واضحاً أن المنافسة يجب أن تكون عادلة، ويجب ألا يحدث تعويم وإغراق للسوق وألا يتم انتهاك حقوق الإنتاج». وغالباً ما تواجه الشركات الألمانية عواقب بيروقراطية وتقييدات في عملها في الصين، رغم أن العكس غير صحيح مع الشركات الصينية العاملة في ألمانيا.
ويخشى البعض من أن تكون ألمانيا تكرر الخطأ نفسه الذي ارتكبته مع روسيا في ظل حكومات أنجيلا ميركل المتعاقبة، التي روجت لسياسة اقتصادية قريبة مع روسيا وزادت مع اعتماد بلادها بشكل كبير على الغاز الروسي، معتقدةً أن العلاقات التجارية الجيدة يمكن أن تؤدي لعلاقات سياسية أفضل.
وقبل زيارة شولتس، حذرت النائبة عن حزب الخضر، ديبرا دورينغ، من «النظر إلى الصين على أنها مجرد فرصة اقتصادية»، وقالت: «مَن يتجاهل المخاطر بعيدة المدى لتحقيق مكاسب قريبة المدى، يخاطر بتكرار أخطاء الماضي والسياسة المضللة مع روسيا».
ويعكس برنامج المستشار ووفده المرافق أولويات الزيارة التي تحدثت عنها مصادر في الحكومة الألمانية قبل يومين، وحددت 3 أهداف؛ على رأسها الاقتصاد والتجارة، وثانياً الحماية من التغير المناخي، وثالثاً التحديات الجيوسياسية بدءاً من أوكرانيا وروسيا إلى الشرق الأوسط. وعادت المصادر وكررت أن الصين «شريك تجاري مهم بالنسبة لألمانيا وأوروبا»، وأن ألمانيا لا تريد أي «فصل» لاقتصادها عن الاقتصاد الصيني، بل على العكس تريد «التزاماً باستمرار وتقديم التجارة مع الصين».
ومع ذلك أشار المصدر إلى هناك «قلقاً يتعلق بالتنويع»، مؤكداً أن «تخفيف المخاطر» من الاعتماد الألماني على الاقتصاد الصيني «يبقى أساسياً»، رغم أنه لم يفصّل أي خطوات عملية لتخفيف هذا الاعتماد.
وتحدث المصدر عن النقطة الثانية في اهتمامات الوفد الألماني في هذه الزيارة، وهي تتعلق بالتغير المناخي، مشيراً إلى أن «مواجهة التغير المناخي لن تكون ناجحة من دون الصين». وأشار إلى المبادرة التي أطلقها العام الماضي وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، حول «حوار المناخ والتحول».
وفي النقطة الثالثة، التي قال المصدر إن شولتس سيناقشها في اليوم الأخير من الزيارة خلال لقاءاته مع المسؤولين السياسيين على رأسهم الرئيس الصيني شي جينبينغ، فإن الحرب في أوكرانيا ستكون في طليعة هذه المناقشات. وأشار المصدر إلى أن المستشار يريد أن يوضح خلال هذه المشاورات أن الحرب في أوكرانيا لها تأثير مباشر في الصين ومصالحها في ألمانيا وأوروبا، وسيؤكد كذلك ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة حول النظام العالمي القائم على القوانين. وأشار إلى أن الصين «تتمتع بتأثير على روسيا ويمكنها أن تلعب دوراً بتذكيرها بهذه الأسس».
وأشار المصدر إلى أن شولتس سيتطرق إلى مؤتمر السلام الذي أعلنت سويسرا أنها ستستضيفه في الصيف، استكمالاً لمؤتمر جدة. وعبّر المصدر عن أمله أن «تعتمد الصين موقفاً أكثر فاعلية فيما يتعلق بجهود السلام» بين روسيا وأوكرانيا، مشيراً إلى وجود «فرص كثيرة للحوار»، وإلى زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى بكين، قبل أيام.
وقال المصدر إن شولتس سيتطرق كذلك إلى الأزمة في الشرق الأوسط وإلى إيران وتصعيدها الأخير مع إسرائيل، مضيفاً أن هناك «فرصة من دون شك» للصين في هذا المجال، مشيراً إلى وساطتها الأخيرة بين السعودية وإيران.
ويواجه شولتس ضغوطاً من شريكه في الحكومة، حزب «الخضر»، إضافةً إلى ضغوط من المعارضة، لطرح مسألة حقوق الإنسان مع المسؤولين الصينيين. وأكد المصدر الذي تحدث عن الزيارة، أن المستشار سيطرح النقاط المتعلقة بحقوق الإنسان «ولكن من دون إثارة ضجة علنية»، وأن الهدف «تحقيق نتائج وليس تسجيل نقاط في العلاقات العامة».