المستشار الألماني في الصين رغم مخاوف الحلفاء

محادثات تتناول التجارة والتغير المناخي والحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط

المستشار الألماني أولاف شولتس يتحدث إلى طلاب من جامعة «تونغي» في مدينة شنغهاي الاثنين (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس يتحدث إلى طلاب من جامعة «تونغي» في مدينة شنغهاي الاثنين (د.ب.أ)
TT

المستشار الألماني في الصين رغم مخاوف الحلفاء

المستشار الألماني أولاف شولتس يتحدث إلى طلاب من جامعة «تونغي» في مدينة شنغهاي الاثنين (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس يتحدث إلى طلاب من جامعة «تونغي» في مدينة شنغهاي الاثنين (د.ب.أ)

فيماكان المسؤولون الغربيون يراقبون، ليل الأحد، عن كثب عملية إيران في محاولتها الهجوم على إسرائيل بمئات الصواريخ والطائرات من دون طيار، كان المستشار الألماني أولاف شولتس في طائرته متجهاً من برلين إلى شونغ كينغ في الصين، وبقي «غائباً» حتى ساعات الصباح حين هبطت طائرته وخرج منها ليُدين الهجوم الإيراني.

ورغم الترقب الغربي للرد الإيراني ليل السبت - فجر الأحد، وتغيير مسؤولين برامجهم مثل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قطع إجازته وعاد للبيت الأبيض، أبقى شولتس برنامجه لزيارة للصين من دون تأجيل.

المستشار الألماني أولاف شولتس يزور مصنع «كافيسترو» لإنتاج مواد مُعاد تدويرها في مدينة شنغهاي الصينية (د.ب.أ)

ويعكس قرار المستشار الألماني المضيّ قدماً في الزيارة التي تستمر 3 أيام، أهميتها بالنسبة إليه، خصوصاً أنها أطول زيارة خارجية يقوم بها منذ تسلمه منصبه عام 2021، ورغم أن شولتس زار الصين في السابق عام 2022، فقد كانت زيارته آنذاك سريعة ومقيّدة بوباء كورونا. كما لم تأتِ في أوج مراجعة أوروبية - أميركية للسياسة التجارية مع الصين. فالزيارة التي سيراقبها من دون شك حلفاء ألمانيا، الأوروبيون والأميركيون عن كثب، تأتي في ظل مخاوف غربية متصاعدة من سياسة الصين التجارية وبحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات عقابية على السيارات الكهربائية الصينية، وقطع أشباه الموصلات التي تُستخدم في القطع الإلكترونية.

وفيما تعارض ألمانيا مساعي الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات عقابية على الصين، يبدو أن زيارة شولتس وشكل الوفد المرافق له، تعزز الانقسام الأوروبي حول مقاربة موحدة من الصين. فالرحلة التي تستمر 3 أيام، خصص المستشار يومين لها لبحث العلاقات التجارية ويوماً واحداً أخيراً لبحث المواضيع السياسية. ويصحب شولتس في رحلته، إضافةً إلى عدد كبير من الوزراء، رؤساء كبرى الشركات الألمانية، منها شركات سيارات «بي إم في» و«مرسيدس» و«فولكسفاغن». وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاستثمارات المباشرة لألمانيا في الصين زادت على 7 مليارات يورو عام 2022، وهي تعادل 79 في المائة من مجموع الاستثمارات الأوروبية هناك، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2022 ما قيمته 253 مليار يورو.

زيارة للمستشار الألماني أولاف شولتس لمصنع «بوش» لإنتاج الهيدروجين في مدينة شونغ بينغ الأحد (د.ب.أ)

وفي الأشهر الماضية، كرر شولتس رفضه المطالب الأميركية «فصل» الاقتصاد الألماني عن الصيني، وهو يعارض بشدة الخطوات الأوروبية في بروكسل لتقليص الاعتماد على الصين في الكثير من الصناعات، رغم أن ألمانيا أقرت العام الماضي سياسة استراتيجية جديدة للتعامل مع الصين، بشكل أساسي بضغط من حزب الخضر المشارك في الحكومة والذي يدعو للتشدد مع بكين، فلا يبدو حتى الآن أن برلين عازمة على تغيير سياستها تجاه الصين.

ومع ذلك، لم يتردد شولتس في انتقاد سياسة الصين التجارية خلال زيارته شنغهاي، إذ دعا إلى «منافسة عادلة» بعد أن عبّر عن اعتقاده أن السوق الأوروبية يجب أن تكون مفتوحة أمام السيارات الصينية.

وقال شولتس في حديث مع طلاب في جامعة تونغي في شنغهاي، إنه عندما أُطلقت السيارات اليابانية والكورية في أوروبا كانت هناك مخاوف من أن السوق ستتجه نحو آسيا، «ولكن تبين أن هذه المخاوف لا أساس لها». وأضاف: «هناك الآن سيارات يابانية في ألمانيا، وسيارات ألمانية في اليابان، والأمر نفسه يجب تطبيقه بين الصين وألمانيا». وتابع يقول: «في وقت ما، ستكون هناك سيارات صينية في ألمانيا وأوروبا، والأمر الوحيد الذي يجب أن يكون واضحاً أن المنافسة يجب أن تكون عادلة، ويجب ألا يحدث تعويم وإغراق للسوق وألا يتم انتهاك حقوق الإنتاج». وغالباً ما تواجه الشركات الألمانية عواقب بيروقراطية وتقييدات في عملها في الصين، رغم أن العكس غير صحيح مع الشركات الصينية العاملة في ألمانيا.

المستشار الألماني أولاف شولتز في جامعة «تونغي» بمدينة شنغهاي الاثنين (د.ب.أ)

ويخشى البعض من أن تكون ألمانيا تكرر الخطأ نفسه الذي ارتكبته مع روسيا في ظل حكومات أنجيلا ميركل المتعاقبة، التي روجت لسياسة اقتصادية قريبة مع روسيا وزادت مع اعتماد بلادها بشكل كبير على الغاز الروسي، معتقدةً أن العلاقات التجارية الجيدة يمكن أن تؤدي لعلاقات سياسية أفضل.

وقبل زيارة شولتس، حذرت النائبة عن حزب الخضر، ديبرا دورينغ، من «النظر إلى الصين على أنها مجرد فرصة اقتصادية»، وقالت: «مَن يتجاهل المخاطر بعيدة المدى لتحقيق مكاسب قريبة المدى، يخاطر بتكرار أخطاء الماضي والسياسة المضللة مع روسيا».

ويعكس برنامج المستشار ووفده المرافق أولويات الزيارة التي تحدثت عنها مصادر في الحكومة الألمانية قبل يومين، وحددت 3 أهداف؛ على رأسها الاقتصاد والتجارة، وثانياً الحماية من التغير المناخي، وثالثاً التحديات الجيوسياسية بدءاً من أوكرانيا وروسيا إلى الشرق الأوسط. وعادت المصادر وكررت أن الصين «شريك تجاري مهم بالنسبة لألمانيا وأوروبا»، وأن ألمانيا لا تريد أي «فصل» لاقتصادها عن الاقتصاد الصيني، بل على العكس تريد «التزاماً باستمرار وتقديم التجارة مع الصين».

ومع ذلك أشار المصدر إلى هناك «قلقاً يتعلق بالتنويع»، مؤكداً أن «تخفيف المخاطر» من الاعتماد الألماني على الاقتصاد الصيني «يبقى أساسياً»، رغم أنه لم يفصّل أي خطوات عملية لتخفيف هذا الاعتماد.

المستشار الألماني أولاف شولتز يتحدث للإعلام في مدينة شنغهاي الاثنين (د.ب.أ)

وتحدث المصدر عن النقطة الثانية في اهتمامات الوفد الألماني في هذه الزيارة، وهي تتعلق بالتغير المناخي، مشيراً إلى أن «مواجهة التغير المناخي لن تكون ناجحة من دون الصين». وأشار إلى المبادرة التي أطلقها العام الماضي وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، حول «حوار المناخ والتحول».

وفي النقطة الثالثة، التي قال المصدر إن شولتس سيناقشها في اليوم الأخير من الزيارة خلال لقاءاته مع المسؤولين السياسيين على رأسهم الرئيس الصيني شي جينبينغ، فإن الحرب في أوكرانيا ستكون في طليعة هذه المناقشات. وأشار المصدر إلى أن المستشار يريد أن يوضح خلال هذه المشاورات أن الحرب في أوكرانيا لها تأثير مباشر في الصين ومصالحها في ألمانيا وأوروبا، وسيؤكد كذلك ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة حول النظام العالمي القائم على القوانين. وأشار إلى أن الصين «تتمتع بتأثير على روسيا ويمكنها أن تلعب دوراً بتذكيرها بهذه الأسس».

وأشار المصدر إلى أن شولتس سيتطرق إلى مؤتمر السلام الذي أعلنت سويسرا أنها ستستضيفه في الصيف، استكمالاً لمؤتمر جدة. وعبّر المصدر عن أمله أن «تعتمد الصين موقفاً أكثر فاعلية فيما يتعلق بجهود السلام» بين روسيا وأوكرانيا، مشيراً إلى وجود «فرص كثيرة للحوار»، وإلى زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى بكين، قبل أيام.

وقال المصدر إن شولتس سيتطرق كذلك إلى الأزمة في الشرق الأوسط وإلى إيران وتصعيدها الأخير مع إسرائيل، مضيفاً أن هناك «فرصة من دون شك» للصين في هذا المجال، مشيراً إلى وساطتها الأخيرة بين السعودية وإيران.

ويواجه شولتس ضغوطاً من شريكه في الحكومة، حزب «الخضر»، إضافةً إلى ضغوط من المعارضة، لطرح مسألة حقوق الإنسان مع المسؤولين الصينيين. وأكد المصدر الذي تحدث عن الزيارة، أن المستشار سيطرح النقاط المتعلقة بحقوق الإنسان «ولكن من دون إثارة ضجة علنية»، وأن الهدف «تحقيق نتائج وليس تسجيل نقاط في العلاقات العامة».


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صحافيون يلتقطون صوراً لبقايا صاروخ استهدف منطقة دنيبرو في مركز لتحليل الطب الشرعي بمكان غير محدد بأوكرانيا الأحد (أ.ب)

موسكو تؤكد عزمها الرد على التصعيد الأميركي «غير المسبوق»

أكدت موسكو، الأحد، عزمها الرد على ما سمّته التصعيد الأميركي «غير المسبوق»، فيما دعا الرئيس الأوكراني إلى تعزيز الدفاعات الجوية لبلاده بعدما أسقطت وحدات الدفاع…

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا القوات الروسية تتقدم بأسرع وتيرة بأوكرانيا منذ بدء الغزو في 2022 (تاس)

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

قال مدونون ووسائل إعلام روسية إن موسكو أقالت جنرالاً كبيراً في أوكرانيا لتقديمه تقارير مضللة عن تقدم في الحرب، بينما يحاول وزير الدفاع إقصاء القادة غير الأكفاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

الكرملين: عقيدتنا النووية المحدَّثة إشارة إلى الغرب

قال الكرملين، الأحد، إن موسكو يجب أن ترد على التصعيد غير المسبوق الذي أثارته واشنطن، بسماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى قلب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مسيرات مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية في المملكة المتحدة

قاعدة "لاكينهيث" تعد بالغة الأهمية للعمليات العسكرية الأميركية في أوروبا (أرشيفية - سلاح الجو البريطاني - وكالة بي إي ميديا)
قاعدة "لاكينهيث" تعد بالغة الأهمية للعمليات العسكرية الأميركية في أوروبا (أرشيفية - سلاح الجو البريطاني - وكالة بي إي ميديا)
TT

مسيرات مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية في المملكة المتحدة

قاعدة "لاكينهيث" تعد بالغة الأهمية للعمليات العسكرية الأميركية في أوروبا (أرشيفية - سلاح الجو البريطاني - وكالة بي إي ميديا)
قاعدة "لاكينهيث" تعد بالغة الأهمية للعمليات العسكرية الأميركية في أوروبا (أرشيفية - سلاح الجو البريطاني - وكالة بي إي ميديا)

أكد سلاح الجو الأميركي رصد عدد من المسيرات المجهولة فوق 3 قواعد جوية في بريطانيا.

وذكرت وكالة «بي إيه ميديا» البريطانية أن الحوادث وقعت خلال الفترة بين 20 و22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وتم خلالها رصد «مسيرات صغيرة» فوق قواعد «لاكينهيث» و«ميلدنهول» في سافولك، و«فيلتويل» في نورفولك التي تتبع سلاح الجو الملكي البريطاني.

وقال سلاح الجو الأميركي، الذي يستخدم هذه القواعد، إنه من غير الواضح في هذه المرحلة ما إذا كانت المسيرات تمثل تهديداً معادياً أم لا.

كما رفض سلاح الجو الأميركي التعليق على ما إذا كانت قد تم استخدام آليات دفاعية، لكنه أشار إلى أنه يحتفظ «بحق حماية» المنشآت.

وقال المتحدث باسم القوات الجوية الأميركية في أوروبا: «يمكننا تأكيد أنه تم رصد أنظمة جوية غير مأهولة صغيرة في محيط فوق قواعد (رايف لاكينهيث)، و(ميلدنهول)، و(فيلتويل)، بين 20 و22 نوفمبر. وتفاوتت المسيرات في العدد والحجم والشكل».

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية، التي تمتلك القواعد: «نأخذ التهديدات على محمل الجد، ونحافظ على تدابير قوية في مواقع الدفاع»، حسبما نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)».