ماكرون: «عمليات برية» غربية في أوكرانيا قد تكون ضرورية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (د.ب.أ)
TT

ماكرون: «عمليات برية» غربية في أوكرانيا قد تكون ضرورية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (د.ب.أ)

أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقابلة نشرتها صحيفة «لوباريزيان»، مساء السبت، أنّ عمليّات برّية في أوكرانيا من جانب الغربيين قد تكون ضروريّة «في مرحلة ما».

وقال ماكرون في المقابلة التي أجراها الجمعة بعد عودته من برلين؛ حيث التقى الزعيمين الألماني والبولندي: «ربما في مرحلة ما -أنا لا أريد ذلك ولن آخذ زمام المبادرة- يجب أن تكون هناك عمليّات على الأرض، أيّاً يكُن شكلها، لمواجهة القوّات الروسيّة». مضيفاً: «قوّة فرنسا تتمثّل في أنّنا نستطيع فعل ذلك».

في العاصمة الألمانيّة، التقى ماكرون المستشار أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، في استعراض للوحدة بين الدول الثلاث.

رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك ومستشار ألمانيا أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (أ.ف.ب)

ويرفض ماكرون استبعاد فكرة إرسال قوّات برّية إلى أوكرانيا، وقد أثارت تصريحاته المتكرّرة حول هذا الموضوع مشكلات بين حلفاء باريس، في مقدّمهم ألمانيا، وقد قوبلت برفض شبه جماعي من المعارضة في فرنسا، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

في مقابلته مع «لوباريزيان»، استبعد ماكرون وجود أي خلاف بين الفرنسيين والألمان حول هذه القضيّة. وقال: «أردت أن آتي إلى ألمانيا بسرعة كبيرة، حتى لا يُثار نقاش حول اختلافات استراتيجيّة قد تكون موجودة؛ لأنها غير موجودة».

وأضاف: «لم يكن هناك يوماً أي خلاف بيني وبين المستشار على الإطلاق. لدينا توافق كبير جداً في وجهات النظر حول الأهداف والوضع. إنّ طريقة ترجمتها هي التي تختلف»، مسلّطاً الضوء على ما سمَّاها «الثقافات الاستراتيجيّة» في البلدين.

مستشار ألمانيا أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (أ.ف.ب)

وأوضح: «ألمانيا لديها ثقافة استراتيجيّة من الحذر الشديد وعدم التدخّل، وهي تُبقي على مسافة من السلاح النووي. وهذا نموذج مختلف تماماً عن نموذج فرنسا المجهّزة بالسلاح النووي، والتي حافظت على جيش محترف وعزّزته».

وأضاف الرئيس الفرنسي أنّه قرّر عدم زيارة كييف، وتوجّه بدلاً من ذلك إلى برلين، يوم الجمعة، لإجراء محادثات مع شولتس وتوسك. وقد أكّد أنه سيلتقي الرئيس فولوديمير زيلينسكي في أوكرانيا قبل منتصف مارس (آذار)، في رحلة كان مقرراً إجراؤها أصلاً في فبراير (شباط) قبل أن يتم إرجاؤها.

وقد ذكر ماكرون أنّ زيارته لكييف ستتمّ في الأسابيع المقبلة. كما شدّد الرئيس الفرنسي في المقابلة على أوجه التكامل في مجال المساعدات التي يمكن لفرنسا وألمانيا توفيرها.

مستشار ألمانيا أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (د.ب.أ)

وقال: «ألمانيا تُنفق أكثر من فرنسا، ولديها مساحة أكبر في الميزانيّة، وهذه فرصة»، مضيفاً في المقابل أنه «يمكن لفرنسا أن تفعل أشياء لا تستطيع ألمانيا القيام بها».

وعلّق ماكرون على قوّة روسيا، قائلاً: «يجب ألا نستسلم للترهيب، نحن لا نواجه قوّة عظمى. روسيا قوّة متوسّطة تمتلك أسلحة نوويّة؛ لكن ناتجها المحلّي الإجمالي أقلّ بكثير من الناتج المحلّي الإجمالي للأوروبيين، وأقلّ من الناتج المحلّي الإجمالي لألمانيا وفرنسا».

أولمبياد باريس

وقال الرئيس الفرنسي، في مقابلة من باريس بثها التلفزيون الأوكراني، ونشرتها صحافية أوكرانية على قناتها على موقع «يوتيوب»، أمس (السبت)، إنه سيُطلب من روسيا الالتزام بوقف إطلاق النار في أوكرانيا خلال أولمبياد باريس.

وقال ماكرون متحدثاً من خلال مترجم، وفقاً لوكالة «رويترز»: «نطالب بوقف إطلاق النار خلال دورة الألعاب الأولمبية. يتعين عليهم (الروس) أن يفعلوا ذلك. وهذا ما كان يحدث دائماً». وأضاف بالفرنسية: «سوف يتم طلب ذلك».

رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك ومستشار ألمانيا أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (د.ب.أ)

ونقل المترجم عن ماكرون قوله: «قاعدة الدولة المضيفة هي التحرك بما يتماشى مع الحركة الأولمبية». وتابع: «هذه رسالة سلام. وسنتبع أيضاً قرار اللجنة الأولمبية».

ونددت اللجنة الأولمبية الدولية بالغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، قائلة إن الحكومة الروسية انتهكت الهدنة الأولمبية التي تهدف إلى تسخير قوة الرياضة لتعزيز السلام والحوار.

وقال رئيس اللجنة الأولمبية الروسية، يوم الخميس، إن اللجنة الأولمبية الروسية لن تقاطع أولمبياد باريس هذا العام، على الرغم من القيود التي فرضتها اللجنة الأولمبية الدولية على الرياضيين كعقاب على غزو أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

ماكرون: نتانياهو سيرتكب خطأ إن رفض وقف إطلاق النار مع «حزب الله»

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 26 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

ماكرون: نتانياهو سيرتكب خطأ إن رفض وقف إطلاق النار مع «حزب الله»

 قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الخميس)، إن فرنسا تعارض أن يصبح لبنان غزة جديدة وطالب إسرائيل بوقف هجماتها وحزب الله بالتوقف عن الرد.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
شؤون إقليمية البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)

جهود فرنسية لمنع اشتعال الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية

الدبلوماسية الفرنسية تنشط لتجنب الحرب الواسعة، والرئيس ماكرون يسير على خطى سلفه جاك شيراك.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حضر اجتماع غداء في الأمم المتحدة (رويترز)

ماكرون يدعو لتقييد حق استخدام «الفيتو» بمجلس الأمن في حالات «القتل الجماعي»

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأربعاء)، إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي عبر تقييد حقّ استخدام «الفيتو» في حالات «القتل الجماعي».

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا منصة إطلاق الصواريخ الباليستية الاستراتيجية الروسية «RS-24 Yars» خارج حظيرة طائرات خلال تدريبات في منطقة إيفانوفو (أ.ب)

ماكرون حذَّر بزشكيان من تقديم دعم لروسيا

أعلن قصر الإليزيه أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذّر نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، من تقديم دعم عسكري لروسيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شؤون إقليمية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو (أ.ف.ب)

مسؤول إسرائيلي: نتنياهو انتقد دعم فرنسا للقرار الأممي بشأن الانسحاب من الضفة

انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصويت فرنسا الأسبوع الماضي لصالح قرار الأمم المتحدة

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

تعديل العقيدة النووية الروسية... بوتين يصعّد لهجة تحذيراته للغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
TT

تعديل العقيدة النووية الروسية... بوتين يصعّد لهجة تحذيراته للغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)

رفعت موسكو سقف تهديداتها للغرب، في إطار مواجهة ما وصف بأنه «تهديدات جديدة» تتعرض لها روسيا. وفي أول خطوة عملية للرد على زيادة معدلات الانخراط الغربي في الحرب الأوكرانية، وضعت التعديلات التي استحدثها الرئيس فلاديمير بوتين في العقيدة النووية الروسية مجالات أوسع لاستخدام محتمل للسلاح غير التقليدي، وخفضت سقف الشروط التي كانت تقيّد اللجوء إلى الترسانة النووية للدفاع عن مصالح روسيا وحماية وحدة أراضيها وسيادتها.

الرئيس الروسي ترأس اجتماعاً الأربعاء لمجلس الأمن القومي خُصّص لمناقشة ملف «الردع النووي» (رويترز)

عقب إعلان الرئيس الروسي اتهمت أوكرانيا القيادة في موسكو بـ«الابتزاز النووي». وقال أندري يرماك، كبير مسؤولي مكتب الرئيس الأوكراني، عبر تطبيق «تلغرام»: «لم يتبق لروسيا سوى الابتزاز النووي. ليس لديها أي وسيلة أخرى لترويع العالم»، مضيفاً أن محاولة الترويع لن تجدي نفعاً.

ولم يخفِ الكرملين أن الرسالة الأولى والأهم في التعديلات على العقيدة النووية موجهة مباشرة إلى الغرب الذي تتهمه موسكو بالانخراط المباشر في الأعمال العدائية على جبهات القتال. وهو أمر أوضحه بشكل جلي الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف عندما قال، الخميس، إن «التغييرات في العقيدة النووية الروسية تحمل إشارة مباشرة للدول غير الصديقة».

وأوضح: «هذه إشارة تحذير لتلك الدول من العواقب إذا شاركت في هجوم على بلادنا بوسائل مختلفة، وليس بالضرورة بالوسائل النووية فقط».

ونبَّه إلى أن «رؤساء الدول العقلاء» كانوا يدركون في السابق خطورة تصريحات بوتين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بـ«مثل هذه المواجهة غير المسبوقة» التي أثارتها المشاركة المباشرة للدول الغربية في الصراع الأوكراني.

المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف (إ.ب.أ)

وأضاف بيسكوف أن إمكانات روسيا النووية ودورها الرادع معروفان في جميع أنحاء العالم. ووفقاً له، يجري الآن «تعديل مقومات الردع النووي»، مع الوضع في الحسبان التوتر المتفاقم على طول محيط حدود البلاد. وشدد ممثل الكرملين على أن «ضامن الردع هو الثالوث النووي الروسي» (الحاملات للرؤوس النووية والمقصود هنا الغواصات والطائرات والصواريخ الاستراتيجية).

وكما أوضح بيسكوف، فإن العقيدة النووية تتكون من وثيقتين: «العقيدة العسكرية النووية» و«أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي». وقد صاغ الرئيس الروسي تعديلات على الوثيقة الثانية، الأربعاء، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي، وهي الوثيقة التي تنظم آليات وشروط استخدام الترسانة النووية. على أن يتم اصدار مرسوم رئاسي في هذا الشأن قريباً، يكون ملزماً بشكل فوري ولا يحتاج إلى تدابير داخلية مثل مصادقة الهيئات التشريعية في البلاد عليه.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يستمع إلى الخطاب الافتتاحي للجمعية العمومية (د.ب.أ)

ماذا عدلت روسيا في وثيقتها؟

أعلن بوتين في مستهل اجتماع لمجلس الأمن المخصص لملف الردع النووي، عن قرار تحديث «أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي». وحدَّد أبرز ملامح التعديلات من خلال التأكيد على أن «العدوان على روسيا من قِبل أي دولة غير نووية بدعم من قوة نووية سيعدّ بمثابة هجوم مشترك؛ ما يمنح روسيا الحق في استخدام الأسلحة النووية حتى لو كان العدوان الذي تواجهه روسيا يتم باستخدام أسلحة تقليدية، بشكل يهدد سيادتها».

عملياً، تم تخفيض عتبة استخدام جميع الأسلحة الموجودة في الترسانة النووية الروسية التي وصفها بوتين بأنها «الأكبر والأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم».

بعبارة أخرى، فقد تم سدّ الثغرة التي واجهتها روسيا لفترة طويلة، خصوصاً منذ اندلاع الأعمال الحربية في أوكرانيا. وهي التي، وفقاً لبوتين «سمحت للقوى الغربية بمحاربة روسيا بالوكالة، باستخدام القوة البشرية للأوكرانيين». مع التعديل بات لدى بوتين سند قانوني وفقاً لتشريعات بلاده يسمح باتخاذ قرار استخدام أسلحة نووية ضد دول غير النووية إذا شنت عدواناً على روسيا بمساعدة قوى نووية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)

هذه هي الرسالة التحذيرية الصارمة التي حملتها التعديلات للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وهي البلدان النووية المنخرطة في الحرب وفقاً لوجهة نظر الكرملين. كما أن التهديد ينسحب بشكل مباشر على أوكرانيا وبولندا ورومانيا وبلدان حوض البلطيق وهي بلدان غير نووية تشارك بوتائر مختلفة في الجهد الحربي.

العنصر الثاني اللافت في التعديلات، تمثل في تحديد أنواع الخطر الذي يمكن تفسيره بأنه يسمح باللجوء إلى السلاح النووي. وهكذا نصت التعديلات على إمكانية استخدام الأسلحة النووية رداً على هجمات بالطائرات والصواريخ والطائرات من دون طيار. وهذه طرازات الأسلحة والمعدات التي تستخدمها أوكرانيا بنشاط في شن هجمات داخل الأراضي الروسية. هنا، لم تعد القيود على استخدام الترسانة النووية تقف عند مواجهة طرازات المعدات القادرة على حمل رؤوس نووية، الآن تستطيع روسيا الرد بشكل حاسم على أي محاولة لتحقيق اختراقات كبرى عبر الحدود باستخدام معدات جوية بما في ذلك المسيّرات.

وقد أوضح الرئيس الروسي أن الوضع الجديد يجب أن يكون واضحاً لكل «خصومنا الاستراتيجيين». محدداً أن «شروط انتقال روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية يبرز بوضوح أيضاً، وسننظر في هذا الاحتمال بمجرد أن نتلقى معلومات موثوقة حول إطلاق ضخم للأسلحة الهجومية الجوية وعبورها حدود دولتنا». وأوضح مجدداً أن هذا يشمل «صواريخ كروز والطائرات من دون طيار والطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وغيرها من الطائرات».

بوتين يزور مصنعاً للطائرات المسيّرة (رويترز)

العنصر الثالث الذي برز في التعديلات أن روسيا سوف تستخدم أيضاً الردع النووي لحماية أقرب حلفائها، بيلاروسيا. ومعلوم أن موسكو نقلت في وقت سابق أسلحة نووية تكتيكية إلى البلد الجار وهددت باستخدامها في حال تعرّض الحليف البيلاروسي أو المناطق الحدودية المجاورة له إلى خطر أو تهديد. وهكذا باتت التعديلات الجديدة تضع سنداً قانونياً لكبس الزر الأحمر في هذه الحالة.

الخيار النووي.. أخير

لكن التعديلات المطروحة لا تعني انتقال روسيا تلقائياً إلى استخدام الأسلحة النووية، فهي تحمل طابعاً تحذيرياً وعنصراً ضاغطاً على السياسات الغربية من دون أن تستثني اللجوء إلى «الخيار الأخير» في حالات التهديد الخطر والمباشر.

وقد لفت نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف الانتباه إلى نقطة مبدأ العدوان من قِبل دولة غير نووية. ووفقاً له، الجميع يفهم ما هي البلدان التي نتحدث عنها. وأكد أن «التغيير ذاته في الشروط التنظيمية لاستخدام بلادنا المكون النووي يمكن أن يهدئ حماسة هؤلاء للانخراط أكثر في عدوانهم المتواصل».

وهذا الأمر ركز عليه بوتين أيضاً في خطابه عندما شدد على أن التطور يهدف «أولاً وقبل كل شيء، إلى تحديد المبدأ الأساسي لاستخدام الأسلحة النووية، وهو أن استخدام القوات النووية هو إجراء متطرف لحماية سيادة البلاد». مجدداً التأكيد على أن بلاده «تعاملت دائماً مع مثل هذه القضايا بأقصى قدر من المسؤولية. وإذ ندرك جيداً القوة الهائلة التي تمتلكها هذه الأسلحة، فقد سعينا إلى تعزيز الإطار القانوني الدولي للاستقرار العالمي ومنع «انتشار» الأسلحة النووية ومكوناتها».

ووصف الثالوث النووي بأنه «أهم ضمانة للأمن» بالنسبة لروسيا، و»أداة للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي وتوازن القوى في العالم». ومع ذلك، تابع بوتين، أن الوضع العسكري السياسي آخذ في التغير، وتظهر مصادر جديدة للتهديدات العسكرية لروسيا وحلفائها، وبالتالي يجب تكييف العقيدة «مع الحقائق الحالية»، مع توضيح شروط استخدام الأسلحة النووية.

زيلينسكي يزور مصنعاً للذخيرة في الولايات المتحدة (أ.ب)

تجب الإشارة إلى الفوارق الرئيسية التي أحدثتها التعديلات عن النسخة السابقة للعقيدة النووية؛ إذ كانت الشروط التي يمكن بموجبها لموسكو استخدام الأسلحة النووية منصوصاً عليها في أساسيات سياسة الدولة للاتحاد الروسي في مجال الردع النووي لعام 2020 تقوم على أربعة شروط رئيسية:

حصول روسيا على معلومات موثوقة حول إطلاق صواريخ باليستية تهاجم أراضيها و/أو أراضي حلفائها؛ يستخدم العدو أسلحة نووية أو أنواعاً أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا و/أو حلفائها؛ إذا شن الخصم هجوماً بأي وسيلة ضد منشآت حكومية أو عسكرية بشكل يمكن أن يعطل رد فعل القوات النووية الروسية؛ وتعرّض روسيا لهجوم واسع بالأسلحة التقليدية؛ مما يهدد وجود الدولة ذاته.

مع التعديلات لم تعد روسيا في حاجة إلى تحري معلومات أو انتظار هجوم، فهي بات بمقدورها شن هجوم استباقي حتى لو شعرت بخطر عبر استخدام مسيّرات أو هجمات جوية تقليدية.

كيف سار العمل على تغيير العقيدة؟

بدأت القيادة الروسية الحديث عن تغييرات في العقيدة النووية منذ بداية يونيو (حزيران) 2024. ولأول مرة، أدلى بوتين ببيان حول هذه المسألة خلال مشاركته في أعمال نادي «فالداي» للحوار الاستراتيجي أمام عشرات الخبراء من مختلف دول العالم. في تلك الجلسة أثير الحديث عن «فاعلية العقيدة النووية الروسية بنسختها الحالية في مواجهة التهديدات الجديدة»، خصوصاً المتمثلة في «عدوان واسع تشنّه بلدان نووية بشكل غير مباشر».

في ذلك الوقت قال بوتين: «علينا المضي بشكل أكثر صرامة على سلم التصعيد والاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية». إلى ذلك، أشار بوتين إلى بند العقيدة النووية القائل بأن روسيا ستستخدم مثل هذه الأسلحة في حالات استثنائية - إذا كان هناك تهديد مباشر لسيادتها وسلامتها الإقليمية. وخلص إلى أنه «لا أعتقد أن مثل هذه الحالة قد نشأت - ليست هناك حاجة إلى مثل هذه الحالة بعد (...)، لكن هذه العقيدة أداة حية، ونحن نراقب بعناية ما يحدث في العالم، من حولنا، ولا نستبعد إجراء بعض التغييرات على هذه العقيدة».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يمين) يزور مصنع ذخيرة الجيش في سكرانتون بولاية بنسلفانيا (إ.ب.أ)

في تلك الفترة تحديداً، أمر بوتين بإجراء تدريبات واسعة على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وبعد أسابيع من تلك التدريبات التي شملت إجراءات عملية مباشرة، بينها تدريبات على نقل الرؤوس النووية وتخزينها على مقربة من خطوط التماس ثم تفجيرها ضد مواقع العدو الافتراضي، أعلنت قيادة القوات النووية التكتيكية في رسالة وجهت إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة (بوتين) أنها باتت على أهبة الاستعداد.

السلاح النووي التكتيكي

لم تنص التعديلات التي تم الحديث عنها في العقيدة النووية على بند خاص يحدد آليات وظروف استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، على الأقل في الشق المعلن من هذه الوثيقة. لكن بوتين كان قد أشار أكثر من مرة في السابق إلى أن التطور المرتبط باستخدام محتمل للسلاح النووي التكتيكي بات على طاولة النقاش الروسي الداخلي.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يخاطب «قمة المستقبل» في «الأمم المتحدة» (إ.ب.أ)

وأوضح في وقت سابق أن سبب التركيز على هذا الموضوع «يرجع إلى ظهور عناصر جديدة - على أي حال، نحن نعلم أن الخصم المحتمل يعمل على ذلك - عناصر تتعلق بخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية. على وجه الخصوص، يجري تطوير أجهزة نووية متفجرة ذات طاقة منخفضة للغاية، ونحن نعلم أنه في دوائر الخبراء في الغرب هناك أفكار تتداول حول إمكانية استخدام مثل هذه الأسلحة وليس هناك أي شيء فظيع في هذا الأمر».

ونبّه خلال زيارة نادرة إلى فيتنام قبل أسابيع «قد لا يكون الأمر فظيعاً، لكن يجب أن ننتبه لذلك». ولم يحدد في حينها كيف ستتغير العقيدة في مجالات الاستخدام المحتمل للسلاح النووي التكتيكي. والشيء الوحيد الذي قاله هو أننا «لسنا في حاجة إلى ضربة وقائية بعد... لأنه في الضربة الانتقامية سيتم تدمير العدو بشكل مضمون».