عزلة الرئيس الفرنسي في الداخل والخارج بسبب نهجه المتشدد إزاء الحرب الأوكرانية

وزير دفاعه: «كلامه أُخرج من سياقه» وباريس لن ترسل قوات مقاتلة إلى الجبهة

الرئيس إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً في ساحة الفاندوم حيث مقر وزارة العدل بمناسبة يوم المرأة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً في ساحة الفاندوم حيث مقر وزارة العدل بمناسبة يوم المرأة (أ.ف.ب)
TT

عزلة الرئيس الفرنسي في الداخل والخارج بسبب نهجه المتشدد إزاء الحرب الأوكرانية

الرئيس إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً في ساحة الفاندوم حيث مقر وزارة العدل بمناسبة يوم المرأة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً في ساحة الفاندوم حيث مقر وزارة العدل بمناسبة يوم المرأة (أ.ف.ب)

يوماً بعد يوم، تتعمق القناعة القائلة إن تصريحات الرئيس الفرنسي، عقب اجتماع قادة وممثلي 28 دولة غربية في 26 فبراير (شباط)، في قصر الإليزيه للتباحث في كيفية تعزيز الدعم العسكري المقدم لأوكرانيا، لم تكن عفوية أو غير مدروسة. فيوم الخميس، التقى إيمانويل ماكرون قادة الأحزاب الفرنسية الممثلة في البرلمان لمدة ساعتين ونصف ساعة ليعرض لهم آخر تطورات المواقف الفرنسية من الحرب في أوكرانيا، والحيثيات التي أحاطت بتصريحاته وأهم ما جاء فيها أنه «لا يستبعد أي إجراء» ممكن لدعم أوكرانيا، «بما في ذلك إرسال قوات غربية» إلى أراضيها.

الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان بحرارة في 16 فبراير الماضي بمناسبة التوقيع على اتفاقية أمنية طويلة المدى بين البلدين (أ.ب)

وبذلك، كان ماكرون أول زعيم غربي يخطو هذه الخطوة التي تعدّ من المحرمات؛ لأنها تعني احتمال قيام حرب مباشرة مع روسيا. وخرج هؤلاء بقناعة مفادها أن ماكرون يعتمد نهجاً «بلا حدود» لمساعدة القوات الأوكرانية التي تواجه القوات الروسية في الميدان. وقالت النائبة مارين توندوليه، الأمينة العامة لحزب «الخضر» إنه من المقلق جداً «أن يقول ماكرون في الاجتماع إنه علينا أن نظهر أنه ليس لدينا حدود؛ لأن بوتين لا يقف عند أي حدود، كما هو واضح».

وقال مانويل بومبارد، الشخصية البارزة في حزب «فرنسا الأبية» الواقع على أقصى اليسار: «وصلت قلقاً إلى الاجتماع وغادرت أكثر قلقاً». أما جوردان بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف فقد أفاد بأن نهج ماكرون يقوم على أنه «لا حدود ولا خطوط حمراء» في مواجهة روسيا على الأراضي الأوكرانية.

وفيما كان الرئيس الفرنسي يقول سابقاً إنه «لا يتعين تمكين بوتين من تحقيق الانتصار» في أوكرانيا، اعتمد، في الأسابيع الأخيرة، لغة أكثر تشدداً؛ إذ قال في 26 الشهر الماضي: «إنه يتعين إنزال الهزيمة بيوتين؛ لأن هزيمته ضرورية لأمن أوروبا». وباستثناء حزب ماكرون «النهضة» والحزبين الإضافيين الداعمين له «الحركة الديمقراطية (موديم)» و«هورايزون»، فإن الطبقة السياسية الفرنسية بشكل عام صدمتها تصريحات الرئيس ونبرته الحربية، كما صدمت شركاء فرنسا الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وألمانيا.

اليوم، انتفت الحاجة للتذكير بالتنبيه الصادم الذي أطلقه ماكرون من براغ في الخامس من الشهر الحالي، حيث حث الغربيين على «ألا يكونوا جبناء» في توفير الدعم لأوكرانيا، أو برد المتكلم باسم الكرملين بأن ماكرون أصبح شريكاً في الحرب وهو «يواصل رفع مستوى مشاركة فرنسا المباشرة». بيد أن الرد الأعنف جاء، كما في كل مرة، من الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي الذي رأى أن كلام الرئيس الفرنسي يعني أنه لم يعد أمام روسيا «خطوط حمر فيما يتصل بفرنسا»، بحيث أصبح «كل شيء مباح في وجه العدو»، بما في ذلك اللجوء إلى السلاح النووي.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإلى يمينه المستشار الألماني أولاف شولتس بمناسبة اجتماع دعم أوكرانيا في قصر الإليزيه يوم 26 فبراير (أ.ب)

ثمة أمران تتعين الإشارة إليهما: الأول أن ماكرون يبدو ساعياً لفرض نفسه «زعيماً» للمعسكر الغربي أو على الأقل الأوروبي الداعم لأوكرانيا، رغم أن فرنسا ليست الدولة التي توفر الحجم الأكبر من المساعدات لكييف، وهي بعيدة كثيراً عن ألمانيا التي تتصدر المشهد الأوروبي وتحل مباشرة بعد الولايات المتحدة. والثاني اعتبار أن الرئيس ماكرون، من خلال التشدد في لهجته، يسعى لكسب سياسي في الداخل الفرنسي قبل الانتخابات الأوروبية التي ستجرى في شهر يونيو (حزيران) المقبل. وهمه الرئيسي تقليص الفارق الانتخابي بين حزبه والحزبين الآخرين المرتبطين به من جهة، وحزب «الجبهة الوطنية» من جهة أخرى.

وزير الخرجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه (أ.ف.ب)

استطلاعات الرأي تبين، أسبوعاً وراء أسبوع، أن لائحة اليمين المتطرف التي يقودها جوردان بارديلا تتقدم على الأحزاب الثلاثة الملتفة حول ماكرون بنسبة عشرة في المائة من الأصوات، ما سيعني إلحاق هزيمة سياسية بالرئيس الفرنسي، وإضعاف موقعه للسنوات الثلاث المتبقية له في القصر الرئاسي.

ويرى متهمو ماكرون أن تركيزه المتمادي على دعم أوكرانيا سيشكل، وفق خطته، «الحد الفاصل» بين من يريد حقيقة انتصار أوكرانيا أي «الديمقراطية والعالم الحر»، ومن هم «أصدقاء» بوتين «الديكتاتوري والمتسلط». وسبق للإعلام الفرنسي أن كشف عن علاقة مالية بين حزب «التجمع الوطني» وموسكو التي زارتها زعيمة الحزب مارين لوبن كما التقت الرئيس بوتين مراراً. وبشكل عام، لا يعد اليمين المتطرف في أوروبا من الداعمين المتحمسين لأوكرانيا، وأفضل ممثل لهم هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي رفضت بلاده حتى اليوم، تقديم أي دعم عسكري لكييف.

ثمة أمر محير في الأداء الفرنسي: فمن جهة، يثابر ماكرون ويتمسك بموقفه المتشدد. وبالمقابل، فإن مهمة وزيريه الرئيسيين «الخارجية والدفاع» تقوم على توضيح مواقفه؛ بمعنى التخفيف من وطأتها.

وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو في صورة له تعود لـ27 فبراير بمناسبة احتفال في قصر الأنفاليد (إ.ب.أ)

فوزير الدفاع، سيباستيان لوكورنو، الذي نظم بالتعاون مع نظيره في الخارجية ستيفان سيجورنيه، اجتماعاً، الخميس، عبر تقنية الفيديو ضم وزراء خارجية ودفاع من 28 دولة؛ للنظر في كيفية ترجمة توصيات قادة بلدانهم إلى أفعال، قلل من أهمية الجملة التي قالها ماكرون «عدم استبعاد إرسال قوات إلى أوكرانيا»، موضحاً أن السياسيين والمحللين «أخرجوها إلى حد كبير من سياقها».

ولمزيد من الإيضاح، أضاف وزير الدفاع أن إرسال «قوات قتالية على الأرض» غير مطروح. لكنه عدّد بالمقابل «مسارات» يمكن بحثها، ومنها «إزالة الألغام، وتدريب الجنود الأوكرانيين على الأراضي الأوكرانية، والشراكة في إنتاج الأسلحة في أوكرانيا نفسها، والدفاع السيبراني والإعلامي، وحماية الحدود، ونزع الألغام».

ماكرون مع شولتس (أ.ب)

وأجمع المراقبون والمحللون والسياسيون على أنه كان يمكن تلافي الضجة التي أثارتها تصريحات ماكرون لو وضح أن المقصود ليس إرسال قوات لمقاتلة الروس؛ لأن ذلك يعني أن فرنسا أصبحت «شريكة» في الحرب، لما لذلك من تبعات. وترجمةً لهذه التوجهات، أفاد لوكورنو، في حديث لقناة «ب إف إم» الإخبارية، بأن ثلاث شركات فرنسية ستنتج أو تتولى صيانة الأسلحة على الأراضي الأوكرانية.

مرة أخرى، سيحتدم النقاش حول توجهات ماكرون، وذلك بمناسبة اجتماع مخصص للاستراتيجية الفرنسية في أوكرانيا من زاوية الاتفاقية الأمنية التي أبرمت بين الجانبين، ومدتها عشر سنوات، ومما تضمنته توفير 3 مليارات يورو من المساعدات العسكرية لكييف في العام الحالي.


مقالات ذات صلة

ترمب سيلتقي مع بوتين «سريعاً جداً» بعد تنصيبه

أوروبا دونالد ترمب يصافح فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)

ترمب سيلتقي مع بوتين «سريعاً جداً» بعد تنصيبه

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إنه سيلتقي نظيره الروسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «سريعاً جدّاً» بعد تنصيبه الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا قناصة روس يغيِّرون موقعهم لإطلاق النار على القوات الأوكرانية من مكان غير معلوم (وزارة الدفاع الروسية- أ.ب)

أوكرانيا تشن هجوماً ضخماً على روسيا وتستهدف مصنعاً يزوِّد القاذفات الروسية للمرة الثانية

أوكرانيا تشن هجوماً بطائرات مُسيَّرة، استهدف عدة مناطق روسية، وألحق الضرر بكثير من المواقع، منها مصنع كيميائي لوقود الصواريخ والذخيرة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا دبابة أوكرانية بعد أن أصابتها طائرة من دون طيار روسية بالقرب من مستوطنة فوزدفيزينكا شرق أوكرانيا (أ.ب)

موسكو تتهم كييف بإطلاق صواريخ غربية في هجوم استهدف مصنعاً عسكرياً

أعلن الجيش الروسي اليوم (الثلاثاء) أن أوكرانيا أطلقت صواريخ غربية في هجومها على الأراضي الروسية ليلاً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقي وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في كييف (د.ب.أ)

زيلينسكي يناقش مع وزير الدفاع الألماني بناء درع شاملة للدفاع الجوي

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه ناقش مع وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بناء درع شاملة للدفاع الجوي، وتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

استقالة وزيرة بريطانية للاشتباه بتورطها بقضايا فساد في بنغلاديش

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة (وسط) وتوليب صديق يحضرون حفلاً في الكرملين عام 2013 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة (وسط) وتوليب صديق يحضرون حفلاً في الكرملين عام 2013 (أ.ب)
TT

استقالة وزيرة بريطانية للاشتباه بتورطها بقضايا فساد في بنغلاديش

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة (وسط) وتوليب صديق يحضرون حفلاً في الكرملين عام 2013 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة (وسط) وتوليب صديق يحضرون حفلاً في الكرملين عام 2013 (أ.ب)

أعلنت الوزيرة البريطانية توليب صديق، اليوم الثلاثاء، استقالتها من حكومة كير ستارمر، بعدما ورد اسمها في تحقيقات تجريها بنغلاديش حول الفساد، وتستهدف خالتها رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأكدت توليب صديق التي تشغل منصب وزيرة الدولة البريطانية للخدمات المالية في رسالة استقالتها، أنها تصرفت «بشفافية كاملة»، معتبرة أن بقاءها في منصبها سيصرف الأنظار عن عمل حكومة حزب العمال.

في نهاية ديسمبر (كانون الأول)، أعلنت لجنة مكافحة الفساد في بنغلاديش أنها فتحت تحقيقاً في احتمال اختلاس الشيخة حسينة وعائلتها خمسة مليارات دولار في إطار صفقة لبناء محطة للطاقة النووية مع روسيا.

وأعلنت اللجنة نفسها، الاثنين، فتح تحقيق آخر ضد الشيخة حسينة وأقاربها، في قضية الاستيلاء على أراض في ضواحي العاصمة دكا.

ومن بين المشتبه بهم في هذه الملفات ابنة أخت الشيخة حسينة، توليب صديق.

وأمر محقّقون في قضايا غسل الأموال في بنغلاديش البنوك الكبرى في البلاد بالإفصاح عن تفاصيل المعاملات المتعلقة بصديق، بوصفه جزءاً من التحقيق.

وقالت صديق في خطاب استقالتها إنها تصرفت «بشفافية كاملة». وشدّدت على أن «ولاءها كان وسيظل دائماً» لحكومة حزب العمال، و«برنامج التجديد والتحول الوطني الذي شرعت فيه». وأضافت: «لذلك قررت الاستقالة من منصبي الوزاري».

وشكر ستارمر صديق على عملها، وقال متوجهاً إليها إنه «لم يتم العثور على أي دليل على مخالفات مالية من جانبك».

وأضاف: «أقدر أنه بهدف وضع حد للتشتيت المستمر عن تنفيذ أجندتنا لتغيير بريطانيا، اتخذتِ قراراً صعباً، وأريد أن أوضح أن الباب ما زال مفتوحاً أمامك للتقدّم».

وبالإضافة إلى منصبها الوزاري، انتُخبت صديق نائبة عن إحدى دوائر لندن.

وكشفت صحف بريطانية، مطلع يناير (كانون الثاني)، عن أن توليب صديق (42 عاماً) كانت تعيش في شقة في لندن حصلت عليها من رجل أعمال مرتبط بحزب «رابطة عوامي»، حزب الشيخة حسينة. وأشير إلى أنها عاشت في السابق في شقة بلندن اشتراها محام دافع عن خالتها.

وذكرت صحف أن صديق وعائلتها حصلوا على عقارات أخرى عديدة في لندن، أو استخدموها بعدما اشتراها أعضاء في حزب «رابطة عوامي» أو شركاء لهم.