هل تستعدّ أوروبا لحرب مفتوحة مع روسيا؟

جنود من فرنسا وبولندا يشاركون في مناورة عسكرية مشتركة مع جنود من العديد من دول الناتو على نهر فيستولا في كورزينيو ببولندا، 4 مارس 2024 (د.ب.أ)
جنود من فرنسا وبولندا يشاركون في مناورة عسكرية مشتركة مع جنود من العديد من دول الناتو على نهر فيستولا في كورزينيو ببولندا، 4 مارس 2024 (د.ب.أ)
TT

هل تستعدّ أوروبا لحرب مفتوحة مع روسيا؟

جنود من فرنسا وبولندا يشاركون في مناورة عسكرية مشتركة مع جنود من العديد من دول الناتو على نهر فيستولا في كورزينيو ببولندا، 4 مارس 2024 (د.ب.أ)
جنود من فرنسا وبولندا يشاركون في مناورة عسكرية مشتركة مع جنود من العديد من دول الناتو على نهر فيستولا في كورزينيو ببولندا، 4 مارس 2024 (د.ب.أ)

مزيد من الذخيرة وإنتاج الأسلحة، ومزيد من الاستثمار والتنسيق في القدرات الدفاعية... هل تستعد أوروبا لحرب مفتوحة مع روسيا؟

تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى زيادة إنفاقها الدفاعي، وبات الاتحاد الأوروبي - وهو مشروع من أبرز أهدافه الحفاظ على السلام بين الدول الأعضاء - يركّز بشكل كبير على الدفاع، إذ يهدف إلى حماية نفسه من التهديدات الخارجية في الأوقات المضطربة، وفي ظل تخوّف من نشوب حرب أخرى في أوروبا.

عوامل تصعيد تزداد

مسار هذا التحول الأوروبي نحو التركيز على الإنفاق الدفاعي، تأثّر بشكل كبير بعوامل عديدة أبرزها الحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، حيث دخل الاجتياح العسكري الروسي عامه الثالث، فيما تعاني القوات الأوكرانية بسبب نقص الذخيرة وشلل المساعدات التي تُقدَّم لها، ويثبت الكرملين أنه أكثر مرونة مما كان متوقعاً، وفق تقرير لصحيفة «إل باييس» الإسبانية، الاثنين، 4 مارس (آذار). ومن هذه العوامل أيضاً أنّ الصين تبدو أكثر حزماً، حسب التقرير، وتزداد المخاوف بشأن ما سيحدث للدعم الأميركي لأوكرانيا إذا عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، أو إذا حوّلت واشنطن جهودها من أوروبا نحو آسيا لاحتواء الصين. من ثمّ تسعى القارة الأوروبية لئلا تكون في موقف هش إذا اندلع صراع آخر.

صاروخ توروس ألماني سويدي يُطلق من الجو من طراز Taurus KEPD 350 في أثناء زيارة رئيس حكومة ولاية بافاريا لشركة MBDA الأوروبية المتعددة الجنسيات لصناعة الصواريخ في شروبنهاوزن جنوب ألمانيا في 5 مارس 2024 (أ.ف.ب)

ومن المؤشرات الأخيرة على التصعيد بين روسيا والاتحاد الأوروبي، قول روسيا، الاثنين، إن محتوى المحادثة المسربة بين ضباط ألمان ناقشوا احتمال توجيه ضربات في شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا، «يثبت أن الدول الغربية تشارك في الحرب في أوكرانيا»، وفق الكرملين، في حين أنّ المستشار الألماني أولاف شولتس، ورغم الضغوط الكبيرة عليه من جانب الحلفاء، يرفض مراراً وتكراراً طلباً لكييف طال أمده، هو الحصول على صواريخ توروس. ويبرّر موقفه بأن «السلاح بعيد المدى»، الذي يبلغ مداه حوالي 300 ميل، إذا سلّمته ألمانيا لأوكرانيا، فمن شأنه أن يخاطر بجرّ ألمانيا مباشرة إلى الحرب ضد روسيا، حسب تقرير صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، الثلاثاء 5 مارس.

خلال مناورات أجرتها القوات المسلحة الروسية للمنطقة العسكرية الجنوبية في ميدان كاداموفسكي في منطقة روستوف بروسيا 3 فبراير 2022... في 24 من الشهر نفسه بدأت روسيا بغزو أوكرانيا (رويترز)

تحسباً لهجوم روسي

وسط الجو العام المتوتر بين روسيا والاتحاد الأوروبي، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أمام الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي، إن «التهديد (الروسي) بالحرب قد لا يكون وشيكاً، لكنه ليس مستحيلاً»، مشددة على أنه «حان الوقت لأوروبا أن تستعد».

ويُعَد خطاب فون دير لاين، حسب تقرير «إل باييس»، هو الأحدث في سلسلة من التصريحات التي تحذّر من خطر قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمهاجمة دولة أوروبية وحليفة في الناتو، ليحاول اختبار تعهد الدفاع المشترك للناتو، الذي ينص على أن الهجوم على أي عضو في التحالف يُعَدُّ هجوماً على الجميع. وحذّر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس قبل بضعة أسابيع من أنّ «خبراءنا يتوقعون أن يكون هذا (الهجوم) ممكناً خلال فترة تتراوح بين خمس وثماني سنوات». وفي الوقت نفسه، قال وزير الدفاع الدنماركي، ترويلز لوند بولسن، إن الهجوم الافتراضي يمكن أن يحدث حتى قبل ذلك «لم يكن هذا تقييم الناتو في عام 2023، هذه معرفة جديدة تظهر في المقدمة الآن».

وكشفت المفوضية الأوروبية، أمس (الثلاثاء)، النقاب عن برنامج الصناعة الدفاعية الأوروبية (EDIP) استجابة للحاجة الملحة لاستراتيجية دفاعية منسقة في مواجهة احتمال هجوم روسي.

يلخّص المفوض تييري بريتون البرنامج الأوروبي لصناعة الدفاع الذي اعتمدته المفوضية، الثلاثاء، بأنه «إنتاج أسرع، إنتاج أفضل، إنتاج مشترك، في أوروبا».

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تلقي خطابها حول الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ شرق فرنسا الأربعاء 28 فبراير 2024 (أ.ب)

معالجة الضعف في الصناعة العسكرية

يؤكد هذا البرنامج الصناعي، الذي يهدف إلى معالجة نقاط الضعف في الصناعة العسكرية الأوروبية التي أبرزتها الحرب في أوكرانيا، أهمية الإنتاج بشكل أكثر كفاءة وتعاوناً داخل الاتحاد الأوروبي. فقد أبرزت الحرب أوجه القصور في مجالات عدة في الصناعة العسكرية الأوروبية، أبرزها عدم قدرة المصانع على تأمين الطلب المتزايد على المنتجات العسكرية، والانخفاض الخطير في المخزونات، وهو ما سلّط الضوء على نقاط الضعف في الدفاع الأوروبي، وهو إرث يُطلق عليه اسم «السنوات الثلاثين الكسولة»، التي استمتع الأوروبيون خلالها بمكاسب السلام بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعه المعسكر الشرقي الشيوعي مطلع تسعينات القرن الماضي.

فالجيوش الأوروبية، وفق تقرير لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، الثلاثاء 5 مارس، رغم زيادة قدرات دولها الإنتاجية في قطاع الدفاع، ليست مستعدة بشكل كافٍ لمواجهة التهديدات الحالية. الإنفاق الدفاعي غير الكافي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية لدول الاتحاد الأوروبي، جعل الاتحاد غير مستعد. تهدف المفوضية إذن إلى تصحيح الخلل في الإنفاق الجماعي على الدفاع، وذلك من خلال تشجيع المشتريات العسكرية المشتركة وتبادل المخزونات العسكرية. ومع ذلك، لا تزال القيود المالية تشكل عائقاً.

يقترح برنامج الصناعة الدفاعية الأوروبية مجموعة من الأدوات القانونية والتنظيمية والمالية لتنشيط صناعة الدفاع. وخصصت المفوضية ميزانية قدرها 1.5 مليار يورو لأوكرانيا. وتهدف هذه الجهود إلى تحفيز زيادة القدرات الإنتاجية بين الجهات الفاعلة في صناعة الدفاع. الهدف هو تعزيز الرؤية للمصنعين من خلال تشجيع المشتريات الأوروبية المشتركة، بهدف تحقيق 40 في المائة من عمليات الاستحواذ على المعدات الدفاعية التعاونية بحلول عام 2030.

جنود أوكرانيون يطلقون قذائف من مدفع «قيصر» الفرنسي باتجاه مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، في يونيو 2022 (أ.ف.ب)

نحو تعزيز التعاون الدفاعي

يدرس الاتحاد الأوروبي اتباع نهج تحويلي للتعاون الدفاعي، يهدف إلى تعزيز الكفاءة وخفض التكاليف على الدول الأعضاء. ويتضمن الاقتراح تجميع الموارد والأموال لإنشاء نظام المشتريات الدفاعي المشترك.

ولتحفيز المشاركة في صناعة الدفاع، يقترح الاتحاد الأوروبي تقديم جزء من مبالغ العقود لتسريع الطاقة الإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، يهدف إلى دعم المواقع الصناعية الخاملة، مع وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم تمويل لإحياء الإنتاج بسرعة عند الحاجة. ويتصور الاتحاد الأوروبي تحولاً نموذجياً نحو «اقتصاد الحرب»، ويحث صناعة الدفاع الأوروبية على تحمّل مزيد من المخاطر بدعم من الاتحاد.

ولتعزيز الطلب وتجديد المخزونات بسرعة، يقترح الاتحاد الأوروبي إنشاء كتالوغ دفاعي موحد، على غرار النظام الدفاعي الأميركي، وتوفير الشفافية وتشجيع شراء المعدات العسكرية الأوروبية. والهدف هو الحد من التجزئة (في شراء المعدات) المكلفة لعروض الدفاع وتنمية ثقافة التعاون من خلال أطر قانونية متخصصة، بدعم من أموال الاتحاد.

ومع ذلك، تواجه الخطة الأوروبية الطموح تحديات مالية، مع دفعة أولية متواضعة قدرها 1.5 مليار يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي؛ لذا دعت دول أوروبية إلى تأمين تمويل بقيمة 100 مليار يورو، حيث طالبت فرنسا وإستونيا وبولندا إلى توفير التمويل الكافي من الاتحاد الأوروبي للخطة الدفاعية، واقترحت قرضاً مشتركاً جديداً. وفي حين تظل الدول المقتصدة في الإنفاق العسكري حذرة، وخاصة ألمانيا، فإن المناقشات حول مصادر التمويل، بما في ذلك الاستخدام المحتمل لأموال البنك المركزي الروسي المجمدة، لا تزال مستمرة.

مركبة جوية مسيّرة معروضة عند افتتاح مدرسة الطائرات دون طيار القتالية للجيش الفرنسي في فوج المدفعية 61e Chaumont-Semoutiers (أ.ف.ب)

تعويل على الصناعة العسكرية الفرنسية

يعوّل الاتحاد الأوروبي في جهوده الدفاعية، على فرنسا التي تحتلّ مكانة فريدة من حيث الدفاع. فهي العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والقوة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في الاتحاد الأوروبي منذ خروج بريطانيا من الاتحاد، ولديها أيضاً أراض عديدة وواسعة خارج البر الأوروبي، ما يجعل فرنسا لاعباً من الطراز العالمي، وفق تقرير آخر لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، يوم الثلاثاء.

وأبدت فرنسا في الواقع، لأكثر من ستين عاماً، الرغبة في البقاء لاعباً عسكرياً رائداً دون الاعتماد على دولة أخرى. وقد أدى هذا التوجّه إلى وضع الردع في قلب سياسة فرنسا الدفاعية (52 مليار يورو من أصل 413 ملياراً مخصصة للإنفاق العسكري مخططة بموجب قانون البرمجة العسكرية الفرنسي 2024 - 2030). وتحرص فرنسا على الإبقاء على نموذج عسكري متكامل والحفاظ على صناعة دفاعية قادرة على تصميم وتطوير وإنتاج أسلحة متنوعة، وذلك من أجل تجهيز القوات الفرنسية وأيضاً من أجل تصدير السلاح، ويأتي ذلك غالباً في إطار التعاون الاستراتيجي مع الدول الصديقة. وتولّد المبيعات الدولية (للسلاح) أيضاً دخلاً للاستثمار في أسلحة الجيل الجديد، بحيث تظل الجيوش الفرنسية في طليعة التكنولوجيا.

صورة مدمجة في 6 مارس 2024 تجمع أبرز مرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية... الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

استعداداً لاحتمال فوز ترمب بالانتخابات الأميركية

يأتي قرار الاتحاد الأوروبي بإطلاق برنامج الصناعة الدفاعية الأوروبية (EDIP)، أيضاً في إطار تحسّب دول الاتحاد لاحتمال فوز الرئيس السابق دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. سيناريو يراه قادة أوروبا بشكل عام، مهدّداً للدفاع المشترك العابر للمحيط الأطلنطي، مع تخوّف ألّا يكون ترمب حليفاً قوياً لأوروبا على عكس الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، في حين دخلت روسيا العام الثالث لحربها على أوكرانيا، وتخوّف الاتحاد الأوروبي من إقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الهجوم على دولة (أوروبية) عضو في حلف الناتو.

فعندما فاز الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن على الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب في عام 2020 في الانتخابات الرئاسية الأميركية، شعرت العديد من العواصم الأوروبية بالارتياح. لكنّ هذا الارتياح تحوّل إلى إدراك أنّه قد لا يدوم طويلاً في حال عودة ترمب إلى البيت الأبيض، حسب تقرير سابق لمجلّة «فورين بوليسي» الأميركية.

فوفق صحيفة «آيريش إندبندنت» الآيرلندية، كشف مسؤول أوروبي كبير عن أن زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يدرسون بالفعل تأثير ولاية رئاسية ثانية لترمب على الاتحاد الأوروبي.

وقال المسؤول إن الزعماء السياسيين الأوروبيين يستعدون «ذهنياً» لاحتمال فوز ترمب على الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في انتخابات نوفمبر.

ويشمل هذا الاستعداد النظر في القدرات الدفاعية الأوروبية وموارد الطاقة، حيث يتوقع كثيرون أن ترمب لن يكون حليفاً قوياً للاتحاد الأوروبي.

ومن المتوقع أيضاً أن يأخذ القادة الأوروبيون رئاسة ترمب في الاعتبار في عملية صنع القرار عند اختيار خليفة لرئيس المجلس الأوروبي المنتهية ولايته شارل ميشال.

وقال المسؤول الأوروبي: «السمة الرئيسية للسيد ترمب هي عدم القدرة على التنبؤ (بما سيُقدم عليه)، لذا عليك الاستعداد لما لا يمكن التنبؤ به».


مقالات ذات صلة

ملك الأردن يؤكد ضرورة التوصل لسلام شامل في المنطقة

العالم العربي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (الشرق الأوسط)

ملك الأردن يؤكد ضرورة التوصل لسلام شامل في المنطقة

أفاد الديوان الملكي الأردني بأن الملك عبد الله الثاني أكد لممثلة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على ضرورة التوصل إلى سلام شامل في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبجواره نظيره الصيني شي جينبينغ في سيشوان جنوب غربي الصين (أ.ف.ب)

ماكرون يهدد الصين بفرض رسوم جمركية بسبب الفائض التجاري

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه هدد بكين بفرض رسوم جمركية خلال زيارته للصين، إذا لم تتخذ إجراء لتقليل العجز التجاري المتزايد مع الاتحاد الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)

إيلون ماسك ينتقد الاتحاد الأوروبي بعد فرضه غرامة على «إكس»

انتقد إيلون ماسك الاتحاد الأوروبي، السبت، بعدما فرضت المفوضية الأوروبية غرامة كبيرة على منصة «إكس» التي يمتلكها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا مقرر البرلمان الأوروبي لشؤون تركيا ناتشو سانشيز آمور خلال مؤتمر صحافي في مقر بعثة الاتحاد الأوروبي بأنقرة 5 ديسمبر (من حسابه في «إكس»)

مقرر تركيا في البرلمان الأوروبي ينتقد وضع سيادة القانون وتطبيق الدستور

وصف مسؤول أوروبي وضع سيادة القانون في تركيا بـ«الكارثة»، منتقداً ما سمّاه «الازدواجية» في جميع مناحي الحياة السياسية والتطبيق الجزئي للدستور.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
تحليل إخباري الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

تحليل إخباري استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز».

أنطوان الحاج

مصرع 18 مهاجراً في غرق قارب مطاطي جنوب كريت

عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)
عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)
TT

مصرع 18 مهاجراً في غرق قارب مطاطي جنوب كريت

عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)
عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)

لقي ما لا يقل عن 18 مهاجراً حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط في قارب مطاطي، بعدما انقلب جنوب جزيرة كريت، وفق ما أعلنت السلطات اليونانية، السبت.

وقالت السلطات إن سفينة تجارية تركية عابرة عثرت على القارب الذي غمر نصفه في الماء أمس؛ حيث جرى إنقاذ ناجيين اثنين، فيما تتواصل عمليات البحث عن آخرين.

وتُعدّ اليونان إحدى نقاط الدخول الرئيسية إلى الاتحاد الأوروبي للأشخاص الفارين من النزاعات والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وكثيراً ما تشهد هذه الرحلات وقوع حوادث مميتة.

وكانت الرحلة القصيرة، ولكن الخطيرة من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية القريبة، في قوارب مطاطية أو صغيرة غالباً ما تكون في حالة سيئة، تُعدّ الطريق الرئيسي للهجرة. إلا أن تكثيف الدوريات وعمليات إعادة المهاجرين أسهما في تراجع محاولات العبور. وفي الأشهر الأخيرة، تزايدت محاولات الوصول من ليبيا إلى جزيرة كريت.

ولم تُحدد السلطات بعد الجهة التي أتى منها القارب.

وتُشارك سفينة وطائرة من وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) ومروحية تابعة لخفر السواحل اليوناني و3 سفن تجارية في عملية البحث.


​ «الترويكا» الأوروبية تُكثّف مشاوراتها وسط مخاوف من ضغوط أميركية على أوكرانيا ​

ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)
ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)
TT

​ «الترويكا» الأوروبية تُكثّف مشاوراتها وسط مخاوف من ضغوط أميركية على أوكرانيا ​

ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)
ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)

لا تُوفّر الاتصالات المتسارعة لوضع حد للحرب في أوكرانيا صورة واضحة لما آلت إليه حتى اليوم، نظراً للتصريحات الأخيرة المتضاربة الصادرة عن الأطراف المعنية بالحرب.

فمن جهة، أعلن كيث كيلوغ، المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا، في كلمة له السبت في «منتدى ريغان للدفاع الوطني»، أن التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب أصبح «قريباً جداً» وما زالت دونه «الأمتار العشرة النهائية». وبحسب كيلوغ، فإن عقبتين رئيسيتين ما زالتا عالقتين، هما مصير منطقة الدونباس الأوكرانية التي تطالب موسكو بضمها بالكامل، بما في ذلك الأراضي لم تسيطر عليها عسكرياً، ومصير محطة زابوروجيا للطاقة النووية الأكبر في أوروبا. وبرأيه أنه «إذا حللنا هاتين القضيتين، فإن بقية الأمور ستسير بشكل جيد نسبياً»، مُضيفاً: «نحن على وشك الوصول... نحن قريبون جداً، جداً».

روبيو متحدّثاً خلال اللقاء بين الوفدين الأوكراني والأميركي في هالانديل بيتش بفلوريدا يوم 30 نوفمبر (أ.ف.ب)

في المقابل، نقلت وسائل إعلامية روسية عن يوري أوشاكوف، مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومفاوضه الرئيسي في الملف الأوكراني الأحد، أنه يتعين على الولايات المتحدة «أن تجري تغييرات جدية، بل جذرية» في مقترحاتها بشأن أوكرانيا. وقال أوشاكوف لقناة «آر تي» التلفزيونية الروسية إن الجهود المبذولة لصياغة النصوص الخاصة بأوكرانيا ما زالت في «مراحلها المبكرة». وتجدر الإشارة إلى أن أوشاكوف شارك في اجتماع الساعات الخمس في موسكو، الأسبوع الماضي، إلى جانب الرئيس بوتين، مع المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجارد كوشنر. وبحسب مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس، فإن كلام أوشاكوف، إذا كان يعكس حقيقة المفاوضات الروسية - الأميركية، يعني أن الطرفين «ما زالا بعيدين عن التوصل إلى اتفاق، علماً بأن المقترحات الأميركية تميل بشدة إلى جانب موسكو».

زيلينسكي وحيداً

رغم التضارب البيّن في تقدير التقدم الحاصل في المفاوضات، فإن الترويكا الأوروبية؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تستشعر الهلع من التقارب الأميركي - الروسي من جهة، ومن احتمال أن تعمد إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى فرض حل لا يضمن المصالح الأوكرانية.

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعهما في لاهاي على هامش قمة الحلف الأطلسي 25 يونيو الماضي (د.ب.أ)

وهذا التخوف يفسر تداعي واستعجال الترويكا لعقد قمة جديدة في لندن، هذه المرة، بدعوة من رئيس الوزراء كير ستارمر وحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني ميرتس، وبالطبع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. واللافت أن الأربعة تشاوروا مطولاً بداية الشهر الحالي بمناسبة الزيارة التي قام بها الأخير إلى باريس، وما تبعها من جولة اتصالات واسعة مع كبار القادة الأوروبيين ومع الفريق الأميركي المفاوض.

وما يقلق الأوروبيين، بحسب مصدر الإليزيه، استبعادهم من المفاوضات، «ما يعني ترك زيلينسكي وحيداً بمواجهة ضغوط فريق الرئيس دونالد ترمب». كما يعني أن أي اتفاق يتم إبرامه بعيداً عنهم «لن يأخذ بعين الاعتبار أمن الدول الأوروبية ومصالحها». ولخص وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني بات ماكفادن جانباً من المخاوف بوصف ذلك «اللحظة الراهنة» بأنها «محورية للغاية. الجميع يريد انتهاء الحرب، ولكنهم يريدون أن يتم ذلك بطريقة تمنح أوكرانيا حرية الاختيار في المستقبل».

خلفيات مخاوف «الترويكا»

على ضوء هذين العنصرين، يمكن فهم خلفيات ما كشفت عنه مؤخراً صحيفة «دير شبيغل» الألمانية مع فحوى مكالمة هاتفية جرت الأسبوع الماضي بين ماكرون وميرتس بشأن أوكرانيا، حيث قال الأول إن «هناك احتمالية أن تخون الولايات المتحدة أوكرانيا فيما يتعلق بالأراضي، دون وضوح بشأن الضمانات الأمنية».

الرئيسان الفرنسي ماكرون والأوكراني زيلينسكي ورئيس الوزراء البريطاني ستارمر ونظيره البولندي تاسك والمستشار الألماني ميرتس في كييف يوم 10 مايو (إ.ب.أ)

ولما سُئلت مصادر قصر الإليزيه عن صحة ما نشرته «دير شبيغل»، اكتفت بالقول إن ماكرون لم ينطق بهذه الكلمة؛ أي خيانة. لكن الأهم أن الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً «الترويكا»، غير مطمئنة «لمزاجية» ترمب في إدارة الملف الأوكراني. وكان الأوروبيون قد اطمأنوا نسبياً بعدما عدّوا أنهم نجحوا في تعديل الخطة الأميركية الأصلية المكونة من 28 بنداً، بعد اجتماعات جنيف التي حرصوا على الوجود فيها إلى جانب الوفد الأوكراني.

وعدّت «الترويكا» أن إرغام أوكرانيا على التخلي عن كامل مقاطعة دونباس، ومنع كييف من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ورفض موسكو نشر قوات أوروبية - أطلسية على الأراضي الأوكرانية، وامتناع واشنطن عن الالتزام بتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا لجهة ردع روسيا عن مهاجمتها لاحقاً وبعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام، كل ذلك يشكل عوامل تثير القلق.

صورة جماعية في البيت الأبيض تضم الرئيسين دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين 18 أغسطس 2025 بمناسبة محادثات حول أوكرانيا (رويترز)

بيد أن ما فاقم المخاوف الأوروبية هو ما ورد في وثيقة «الاستراتيجية الأمنية الأميركية» التي نشرت الجمعة، التي تعد أن لأوروبا «توقعات غير واقعية» بالنسبة لنتائج الحرب، وأن واشنطن سوف تعمل على تعزيز «المقاومة السياسية للمسار الحالي» لأوروبا. وما يزيد الطين بلة، أن رؤية الوثيقة لأوروبا ليست من النوع الذي يدعو الأوروبيين إلى الاستكانة لوقوف أميركا إلى جانبهم، أو لمدى قوة الرابط الأطلسي والبند الخامس من معاهدة الحلف التي تنص على الدفاع عن أي عضو فيه يتعرض لاعتداء خارجي.

مصير الأصول الروسية

من هذه الزاوية، يمكن تفهم الاستعجال الأوروبي لمشاورات إضافية.

وتعاني «الترويكا» من وضع غير مريح لها، إذ إنها لا تستطيع، من جهة، الوقوف بشكل واضح وصلب بوجه الرئيس ترمب لتخوفها من ردود فعله، ومن أن ينفض يديه من الملف الأوكراني. كما أنها، من جهة ثانية، لا يمكنها قبول طروحاته والسير بخطته بسبب المخاطر والنتائج المترتبة عليها حاضراً ومستقبلاً.

زيلينسكي وستارمر خلال لقاء «تحالف الراغبين» في لندن يوم 24 أكتوبر (إ.ب.أ)

لذا، فإنها في «منزلة بين المنزلتين»، حيث تؤيد من دون حماسة وتعارض بلطف. ولم يتضح بعدُ أبعاد قول مسؤول أميركي الجمعة إن واشنطن توصلت مع كييف إلى «إطار لترتيبات أمنية». ولا شك أن هذه المسألة ستكون رئيسية في قمة الاثنين في لندن.

ثمة مسألة أخرى ملحة يتعين على الأوروبيين بتّها سريعاً، وتتناول مصير الأصول الروسية المجمدة في مؤسسة «يوروكلير» المالية في لوكسمبورغ، التي يرغب الأوروبيون باستخدام 90 مليار يورو منها لتقديمها، خلال عامي 2026 و2027، بشكل قروض لأوكرانيا لتمويل ماليتها ومجهودها الحربي.

وبالنظر لرفض بارت دي ويفر رئيس وزراء بلجيكا، وفاليري أوبان، المديرة العامة للمؤسسة المالية، المسّ بالأصول الروسية لما يترتب على ذلك من تبعات مالية واقتصادية وقانونية، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وميرتس اجتمعا مطولاً مساء الجمعة مع دي ويفر وأوبان لإقناعهما بقبول استخدام الأصول المذكورة. بيد أن الأخيرين ما زالا يعارضان، رغم الوعود التي أغدقها ميرتس وفون دير لاين. وسيكون ملف الأصول مطروحاً لدى انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي يومي 18 و19 من الشهر الحالي في بروكسل.


«رمادية وعزلة»... ساركوزي يصدر كتاباً يصف فيه تجربته داخل السجن

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)
TT

«رمادية وعزلة»... ساركوزي يصدر كتاباً يصف فيه تجربته داخل السجن

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)

اتسمت الأسابيع الـ3، التي قضاها الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في السجن بالعزلة والرمادية، وفق ما أظهرت مقتطفات نُشرت السبت من كتاب جديد له يصدر قريباً، ويصف فيه تجربته وراء القضبان.

وأصبح ساركوزي البالغ 70 عاماً أول رئيس في تاريخ فرنسا الحديثة يدخل السجن بعد إدانته بالحصول على أموال لحملته الانتخابية الرئاسية عام 2007 من الزعيم الليبي معمر القذافي.

وحُكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، لكنه حصل على إفراج مشروط برقابة قضائية بعد 20 يوماً فقط من دخوله زنزانته.

ووضع ساركوزي كتاباً من 216 صفحة بعنوان «مذكرات سجين» من المقرر أن يصدر في 10 ديسمبر (كانون الأول)، وقد نشرت كثير من وسائل الإعلام الفرنسية مقتطفات منه، السبت.

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي خلال جلسة محاكمته (إ.ب.أ)

وكتب ساركوزي في إحدى الفقرات: «سيطر اللون الرمادي على كل شيء، والتهم بشراهة كل شيء، وغطى كل سطح»، متابعاً: «كنت سأعطي كل شيء مقابل أن أتمكن من النظر عبر النافذة أو للاستمتاع بمشاهدة السيارات وهي تمر».

وفي ليلته الأولى داخل الزنزانة، ركع ساركوزي وصلى بعد مشاهدة مباراة كرة قدم.

سجن «لا سانتيه» وسط باريس الذي نُقل إليه ساركوزي (رويترز)

وقال: «جاء الأمر طبيعياً. بقيت على هذه الحال لدقائق عدة. دعوت الله أن يمنحني القوة لأتحمل صليب هذا الظلم».

وكان ساركوزي الذي تولى الرئاسة بين عامَي 2007 و2012، بحماية ضابطَي أمن في السجن، وظلَّ حبيس زنزانته لمدة 23 ساعة يومياً، باستثناء أوقات الزيارة.

وكتب: «كثيراً ما يقال إن المرء يتعلم في أي عمر. وهذا صحيح لأنني تعلمت كثيراً في سجن لا سانتيه، عن الآخرين وعن نفسي أيضاً».

كان نظامه الغذائي في محبسه يتكوَّن من «منتجات الألبان وألواح حبوب الشوفان والشعير والمياه المعدنية وعصير التفاح وبعض الحلويات».

الشرطة ترافق السيارة التي أقلت الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بعد إطلاق سراحه من السجن بباريس... نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

وفي مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو»، كشف ساركوزي عن أنه خطَّ الكتاب بمعظمه في أثناء وجوده خلف القضبان «بقلم حبر جاف على طاولة خشبية صغيرة يومياً»، وأنهاه بعد إطلاق سراحه في 10 نوفمبر.

ولا يزال ساركوزي شخصية مؤثرة في اليمين الفرنسي على الرغم من المشكلات القانونية التي طاردته منذ مغادرته منصبه.

ويشدد ساركوزي على براءته، ومن المقرر أن تبدأ محاكمته الاستئنافية في مارس (آذار).