كيف يبدو المشهد الميداني بعد سقوط أفدييفكا؟

خطوط جديدة للتماس... وروسيا تحتفي بنصر كبير... والغرب أمام استحقاق تسريع تسليح أوكرانيا

سكان يمرون أمام مبانٍ مدمرة في سلوفيانسك إثر تعرضها لقصف روسي بعد سقوط بلدة أفدييفكا (د.ب.أ)
سكان يمرون أمام مبانٍ مدمرة في سلوفيانسك إثر تعرضها لقصف روسي بعد سقوط بلدة أفدييفكا (د.ب.أ)
TT

كيف يبدو المشهد الميداني بعد سقوط أفدييفكا؟

سكان يمرون أمام مبانٍ مدمرة في سلوفيانسك إثر تعرضها لقصف روسي بعد سقوط بلدة أفدييفكا (د.ب.أ)
سكان يمرون أمام مبانٍ مدمرة في سلوفيانسك إثر تعرضها لقصف روسي بعد سقوط بلدة أفدييفكا (د.ب.أ)

يُعد سقوط مدينة أفدييفكا الاستراتيجية في مقاطعة دونيتسك، أبرز انتصار ميداني تحرزه القوات الروسية منذ إحكام سيطرتها بصعوبة على مدينة باخموت في مايو (أيار) من العام الماضي، بعد معارك ضارية للاستيلاء عليها استمرت 224 يوما.

لم تكن الطريق الروسية إلى أفدييفكا سهلة أيضا؛ فهذه المنطقة شهدت مواجهات متواصلة منذ اندلاع الحرب في فبراير (شباط) 2022، لكن أعنف المعارك فيها بدأت قبل نحو خمسة أشهر، وأسفرت تدريجياً عن إحكام القوات الروسية الطوق حولها في مطلع الشهر الحالي، وقطع كل خطوط الإمداد عن القوات الأوكرانية التي باتت محاصرة فيها.

مقطع فيديو يظهر مغادرة جنود أوكرانيين لمدرعة عسكرية في موقع يعتقد أنه أفدييفكا السبت (رويترز)

إجبار على الانسحاب

وفي الوقت نفسه، أُجبر الجيش الأوكراني على الخروج من عدد من المواقع المجهزة تجهيزاً جيداً، ولا سيما من منطقة زينيت المحصنة جنوب أفدييفكا ومن حزام الغابات إلى الشمال الغربي.

في الواقع، تم تقسيم المجموعات التي دافعت عن المدينة إلى قسمين. حاول الأول الهروب من المدينة. وتم على الفور تنفيذ ضربات دقيقة على الوحدات المتفرقة المنسحبة.

أما الجزء الثاني من الحامية، الذي يتكون العمود الفقري منه من جنود اللواء الهجومي المنفصل الثالث، فقد استقر على أراضي مصنع فحم الكوك على أطراف المدينة، وأرسل القائد الأعلى للجيش الأوكراني تشكيل النخبة من الجيش الأوكراني لمساعدة الحامية المحاصرة. ومع ذلك، تم تطويق الطائرات الهجومية على الفور تقريباً.

ووفقاً لبيانات الجيش الروسي فقد لعب الطيران أحد الأدوار الرئيسية في تحرير أفدييفكا. منذ بداية العملية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، قامت قاذفات الخطوط الأمامية من طراز «سوخوي 35» بتوجيه ضربات قوية على المنطقة المحصنة يومياً بقنابل شديدة الانفجار، كانت قوة القنابل التي يبلغ وزنها 500 كيلوغرام كافية لتسوية التحصينات الخرسانية للقوات المسلحة الأوكرانية.

ولعب مشاة الهجوم دوراً مهماً، فقد قام الجنود الروس، بالاستيلاء تدريجياً على المناطق المحصنة واحدة تلو الأخرى، واخترقوا المدينة من الشمال والجنوب من أجل إحكام الحصار.

عسكريون ورجال إنقاذ يحملون جثة أحد السكان الذين قُتلوا بهجوم صاروخي روسي في كراماتورسك بإقليم دونيتسك (أ.ف.ب)

أفدييفكا وباخموت

وفي الأيام الأخيرة، غدت النتيجة الحتمية معروفة، ومشاهد الانسحاب العشوائي لبعض الوحدات الأوكرانية التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية السبت أظهرت أن كييف لم تنجح حتى في ترتيب انسحاب منسق بسبب الضغط الناري الكثيف.

للمقارنة، فإن باخموت لم تكن منطقة استراتيجية بالمعنى العسكري، بسبب قلة عدد سكانها، وكونها لا تقع على ممر أو تقاطع لنقل المؤن والمعدات، ما يعني أن سقوطها شكّل ضربة معنوية فقط للأوكرانيين، لكن أفدييفكا في المقابل، تحظى بأهمية قصوى. هنا كانت تتمركز الحامية الأوكرانية الأقوى منذ عام 2014 عندما اندلعت المواجهات مع الانفصاليين الموالين لموسكو في إقليم دونيتسك. ومن هذه المنطقة تحديدا كانت توجه طوال السنوات الماضية كل الضربات القوية على أراضي دونيتسك التي وقعت تحت السيطرة الروسية.

ولذلك فإن السيطرة عليها تكتسب أبعاداً لا تقتصر على الجانب المعنوي، بل تمتد إلى تداعيات ميدانية محتملة شديدة الأهمية.

وعلى الرغم من أن مساحة التقدم الروسي ليست كبيرة جدا، فهي لا تزيد على 31.5 كيلومتر، لكن هذا الانتصار كان سبباً في إعادة ثقة الروس بالقدرة على إحراز تقدم مهم في وقت تزايد الحديث عن «جمود الجبهات».

وفقط خلال اليومين الأخيرين، وأثناء عملية الاستيلاء على أفدييفكا، تقدمت القوات المسلحة الروسية بما يقرب من تسعة كيلومترات في عمق مواقع القوات المسلحة الأوكرانية، حسبما أفادت وزارة الدفاع في إفادة عن مسار العملية.

وللتوضيح فإن أفدييفكا هي الضاحية الشمالية لمدينة دونيتسك. وهذا سبب إضافي للاحتفاء الروسي بالحدث. فهو يؤكد على مواصلة تنفيذ الوعود التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين بإحكام سيطرة كاملة على كل مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، وهي المناطق الأربع التي أعلنت روسيا رسميا ضمها العام الماضي.

بأجواء استعراضية نقلتها قنوات التلفزيون الروسية أبلغ وزير الدفاع سيرغي شويغو القائد الأعلى للقوات المسلحة (بوتين) عن النجاح، مع إشارات إلى أن أفدييفكا كانت «مركزاً دفاعياً قوياً للقوات المسلحة الأوكرانية».

«تطهير المدينة»

وأفادت وزارة الدفاع الروسية السبت بأن القوات الروسية بعد إحكام السيطرة على المدينة تعمل على «تطهير المدينة بالكامل من المسلحين ومحاصرة الوحدات الأوكرانية التي غادرت المدينة واستقرت في مصنع فحم الكوك على أطرافها».

يمكن لموسكو أن تتباهى بالإنجاز الكبير، فهو الأول تقريباً خلال عام، وتوقيت هذا الانتصار مهم جداً للداخل الروسي، فهو شكل دفعة قوية لحملة بوتين الرئاسية، وأعاد منح الأمل لأنصار الرئيس الذي يستعد لولاية جديدة سوف تبقيه في الكرملين على الأقل حتى عام 2030 بأن المسار الذي اختاره عندما أعلن الحرب كان صحيحاً.

في المقابل، يشكل التطور ضربة معنوية قوية للأوكرانيين، تدق مرة جديدة ناقوس الخطر بأن نقص الإمدادات والتفوق الروسي في العتاد سيكون حاسماً في المرة المقبلة.

لكن مع البُعد المعنوي، يقول خبراء عسكريون روس إن «تحرير أفدييفكا جعل من الممكن نقل خط المواجهة بعيداً عن دونيتسك التي تعرضت للقصف لفترة طويلة».

خطوط جديدة للتماس

ويضع التطور، إذن، خطوطاً جديدة للتماس بشكل أو بآخر، وسيكون على القوات الأوكرانية أن تعيد تنظيم صفوفها، وتعيد ترتيب نقاط تمركز تجعلها قادرة على استئناف أي هجمات في المنطقة مستقبلاً. وهنا لا يلعب الوقت دائماً لصالح كييف.

العنصر الثاني، أن ضربة أفدييفكا تجعل من الممكن مواصلة التقدم نحو البلدات المحيطة. وتستفيد موسكو هنا من عنصري الإرباك والإحباط لدى الأوكرانيين، وتأخر وصول المساعدات الغربية، والزخم القوي في مشاعر الجنود الروس.

صحيح أن المهمة لاستكمال السيطرة تماماً على كل أراضي دونيتسك ما زالت عسيرة، وقد تستغرق كثيراً من الوقت، لكن كل تقدم على خطوط التماس سوف تكون له تأثيرات قوية في الداخل الأوكراني وهذا ما يسعى إليه الكرملين.

ويشار إلى أن موسكو تسيطر حالياً على نحو 60 في المائة فقط من إقليم دونيتسك، وفقا للتقسيمات الإدارية التي سبقت أحداث عام 2014.

مبنى سكني عليه لوحة جدارية تصور جندياً روسياً يحمل فتاة بين ذراعيه في منطقة تشيرنومورسكوي بشبه جزيرة القرم الأحد (رويترز)

هل انتهى الهجوم المضاد؟

ومع التأكيد على أهمية الحدث، يقول خبراء إن «تحرير أفدييفكا لن يؤدي إلى انهيار الجبهة، ولن يؤدي إلى هزيمة مباشرة لكييف. لكن مع ذلك، فليس لدى أوكرانيا منطقة محصنة قوية ثانية مثل تلك الموجودة بالقرب من دونيتسك. لذلك من المحتمل جداً أن يكون من الأسهل على الجيش الروسي التقدم أكثر». عموماً على رأس التأثيرات المحتملة ميدانياً على خطوط التماس قد تظهر تلك القناعة التي عبر عنها بعض الخبراء بأن الاستيلاء على أفدييفكا سوف يعني انتهاء «الهجوم الأوكراني المضاد» بما يحمل ذلك من انعكاسات على كل خطوط التماس.

لكن في المقابل الاحتفاء الروسي بنصر تم إحرازه، فإن معركة أفدييفكا قد تكون لها تداعيات مهمة أيضاً على ملف تسليح أوكرانيا. ومع تأكيد الرئيس فولوديمير زيلينسكي ورئيس أركانه على أن نقص السلاح هو سبب هذه النكسة المباشر، كان لافتاً مسارعة أطراف غربية عدة على رأسها الولايات المتحدة إلى التأكيد على ضرورة تجاوز التباينات الداخلية، وتسريع عمليات الإمداد بالسلاح والمساعدات المالية لأوكرانيا.

وقد رجح الرئيس الأميركي جو بايدن أن تفقد القوات الأوكرانية مدناً أخرى بعد انسحابها من مدينة أفدييفكا، إذا لم يوافق الكونغرس الأميركي على تمويل إضافي لمساعدة كييف.

في الوقت ذاته، سارعت بلدان أوروبية إلى تأكيد نيتها تسريع وصول بعض الإمدادات وبينها مسيرات انتحارية تعهدت فرنسا بتأمينها سريعا لكييف.


مقالات ذات صلة

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

أوروبا أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

قالت المخابرات العسكرية الأوكرانية إن القوات الكورية الشمالية تتكبد خسائر فادحة في القتال في منطقة كورسك الروسية، وتواجه صعوبات لوجيستية نتيجة هجمات أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بوتين: روسيا تسعى للانتهاء من الحرب في أوكرانيا

نقلت وكالات أنباء روسية عن الرئيس فلاديمير بوتين القول اليوم الخميس إن موسكو تسعى جاهدة للانتهاء من الصراع في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا ميناء سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم (رويترز)

سجن امرأة متهمة بالخيانة في القرم 15 عاماً

حُكم على امرأة في سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، بالسجن 15 عاماً بتهمة الخيانة؛ على خلفية عملها لحساب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

لافروف: على فريق ترمب أن يتحرك أولاً نحو تحسين العلاقات مع موسكو

قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اليوم الخميس، إن روسيا مستعدة للعمل مع الإدارة الأميركية المقبلة بقيادة دونالد ترمب لتحسين العلاقات.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجل شرطة روسي يرافق المواطن الأوزبكي أحمد كوربانوف خلال جلسة استماع في المحكمة للاشتباه في تورطه بقتل الفريق الروسي إيغور كيريلوف في موسكو 19 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تعلن إحباط مخططات أوكرانية لقتل ضباط كبار

قال جهاز الأمن الاتحادي الروسي، اليوم (الخميس)، إنه أحبط عدداً من مخططات أجهزة المخابرات الأوكرانية لقتل ضباط روس كبار وأفراد عائلاتهم في موسكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)
أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)
أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)

قالت المخابرات العسكرية الأوكرانية، اليوم الخميس، إن القوات الكورية الشمالية تتكبد خسائر فادحة في القتال في منطقة كورسك الروسية، وتواجه صعوبات لوجيستية نتيجة للهجمات الأوكرانية.

وأوضحت وكالة الاستخبارات، التي تعرف اختصاراً باسم «جي يو آر»، أن الهجمات الأوكرانية بالقرب من نوفويفانوفكا ألحقت خسائر فادحة في الوحدات الكورية الشمالية، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

وأضافت الوكالة أن الهجمات الأوكرانية على طول خط المواجهة جعلت القوات الكورية الشمالية تواجه أيضاً مشاكل في الإمدادات، ونقصاً في مياه الشرب.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن، في وقت سابق هذا الأسبوع، سقوط 3000 جندي كوري شمالي ما بين قتيل وجريح في القتال في منطقة كورسك.

وكانت هذه أول تقديرات مهمة من جانب أوكرانيا لحصيلة الضحايا الكوريين الشماليين بعد عدة أسابيع من إعلان كييف أن كوريا الشمالية أرسلت ما بين 10 آلاف إلى 12 ألف جندي إلى روسيا لمساعدتها في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات تقريباً.

جنود يشاركون في عرض عسكري لإحياء الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية في بيونغ يانغ - كوريا الشمالية 27 يوليو 2023 (رويترز)

وجاء الكشف عن حصيلة الضحايا الكوريين الشماليين في الوقت الذي تضغط فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإرسال أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترمب منصبه.