ضربات متبادلة على مواقع حساسة وخبير غربي يتوقع توسيع الهجوم الروسي في أوكرانيا

موسكو تصدر مذكرات توقيف بحق مسؤولين أوروبيين

جندي من حرس الحدود الأوكراني يعاين أهدافه في منطقة لوبيانسك (إ.ب.أ)
جندي من حرس الحدود الأوكراني يعاين أهدافه في منطقة لوبيانسك (إ.ب.أ)
TT

ضربات متبادلة على مواقع حساسة وخبير غربي يتوقع توسيع الهجوم الروسي في أوكرانيا

جندي من حرس الحدود الأوكراني يعاين أهدافه في منطقة لوبيانسك (إ.ب.أ)
جندي من حرس الحدود الأوكراني يعاين أهدافه في منطقة لوبيانسك (إ.ب.أ)

حمل إصدار وزارة الداخلية الروسية مذكرات توقيف بحق مسؤولين في بلدان منطقة حوض البلطيق، تصعيداً جديداً ينذر بتدهور أوسع للعلاقات بين روسيا من جانب والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من الجانب الآخر. واللافت أن التطور جاء بعد مرور يومين فقط على تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين استعداده لفتح قنوات حوار مع الغرب.

وشملت قائمة «الملاحقين جنائياً» من جانب روسيا، وفقاً لمذكرات البحث، رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس، وعدداً من المسؤولين البارزين في إستونيا والدول المجاورة.

وبرّر الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، التطور بتأكيد أن «هؤلاء الأشخاص يقومون بأعمال عدائية تجاه روسيا»، وأضاف «يتحمل هؤلاء المسؤولية المباشرة عن القرارات التي تسيء للذاكرة التاريخية. هؤلاء الأشخاص اتخذوا ويتخذون إجراءات عدائية ضد الذاكرة التاريخية وضد روسيا الاتحادية».

رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس (رويترز)

ومع رئيسة الوزراء في إستونيا، أعلنت موسكو على لائحة المطلوبين جنائياً، تيمار بيتركوب وزير الدولة الإستوني، ووزير الثقافة في ليتوانيا سيموناس كايريس وبعض أعضاء البرلمان في لاتفيا. وجاء في بيان الوزارة أن «كالاس مطلوبة للعدالة بموجب مادة من قانون العقوبات الجنائية الروسي».

واللافت أن الوزارة، لم تحدد في قرار الملاحقة، المادة الجنائية التي تم إصدار مذكرة التوقيف بموجبها.

وتعد كالاس أبرز مسؤول أوروبي، يوضع على لائحة الملاحقين من جانب روسيا، وهذه أول مرة تصدر فيها روسيا مذكرة اعتقال ضد رئيس في بلد أجنبي.

وكالاس من أكثر المؤيدين المتحمسين من بين قادة الاتحاد الأوروبي، لدعم أوكرانيا، وأعلنت العام الماضي أنها ستخصص جزءاً من الناتج المحلي الإجمالي لإستونيا لتلبية الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا خلال 4 سنوات. كما اقترحت أن يفرض جيران روسيا حظراً تجارياً موحداً، ودعمت إصدار قانون مصادرة الأصول الروسية في أوروبا.

وهي ابنة السياسي الإستوني سيم كالاس، الذي انتقل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق من عضو سابق في الحزب الشيوعي السوفياتي، إلى محارب عنيد للهيمنة الروسية على بلدان حوض البلطيق.

ويشكل إصدار مذكرات الملاحقة الحالية لمسؤولين في منطقة حوض البلطيق، تطوراً سيئاً بالنسبة إلى العلاقات الروسية الأوروبية، خصوصاً على خلفية تزايد المخاوف من احتمال تعرض بلدان الحوض الثلاثة (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) لهجوم روسي إذا انتصرت موسكو في معركتها في أوكرانيا، خصوصاً أن لدى روسيا «مطالبات تاريخية» في هذه المنطقة على غرار أوكرانيا، وتعيش فيها أقليات ناطقة بالروسية تقول موسكو إنها «تتعرض لمضايقات دائمة».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

وشغل هذا الموضوع حيزاً مهماً من النقاشات في أوروبا، وكان من ذرائع تنشيط الدعمين العسكري والمالي لأوكرانيا.

وقبل يومين فقط، قال بوتين إن بلاده «لا تنوي مهاجمة ليتوانيا أو أي بلد أوروبي آخر». وأوضح أن تطوراً من هذا النوع يمكن أن يحدث فقط إذا «تعرضنا لهجوم». كما دعا بوتين إلى «الإقرار بالواقعين العسكري والسياسي الجديدين في أوكرانيا»، مشيراً إلى ضم أراض أوكرانية لبلاده، ومعرباً عن الاستعداد لحوار مع الغرب على هذا الأساس.

 

الميدان

على صعيد عسكري، تبادلت موسكو وكييف الاتهامات باستهداف مواقع حساسة ومراكز لتخزين ونقل الوقود ومستلزمات أخرى. ومع إعلان موسكو إسقاط عدد من المسيّرات التي هاجمت مناطق حدودية، الثلاثاء، قالت مصادر أوكرانية، إنها أحبطت هجمات روسية على مستودعات ومنشآت حيوية في عدد من المدن.

وفي هذا السياق، أكد سيرغي ليبيدف وهو مسؤول عسكري روسي يدير عمليات داخل الأراضي الأوكرانية، أن ضربات روسية ليلية على مقاطعة نيكولايف استهدفت ميناءين لصناعة السفن على البحر الأسود، ومستودعاً للنفط ومصنعاً عسكرياً. وقال ليبيديف الذي وصفته وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية بأنه «منسق العمليات السرية»، إن الهجمات الروسية تم توثيقها بمقاطع فيديو سيتم نشرها لاحقاً.

في الأثناء، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي إحباط «عملية تخريبية واسعة» كانت تستهدف تدمير محطة لتوزيع الغاز في مقاطعة لينينغراد، وقال إن قواته «اعتقلت أجنبياً خطط لتنفيذ الهجوم، وعثرت على عبوات ناسفة، ومواد متفجرة تم إعدادها لهذا الغرض».

وقال مكتب الاتصالات التابع لـ«جهاز الأمن الفيدرالي» الروسي في بيان الثلاثاء: «على أراضي مقاطعة لينينغراد (ضواحي سان بطرسبورغ)، تم إحباط عمل تخريبي إرهابي خططت له الأجهزة الأمنية الأوكرانية في إحدى منشآت البنية التحتية للوقود والطاقة». وأضاف أن «مخطط الهجوم مواطن أوكراني».

وفي كييف قال مسؤولون ووسائل إعلام أوكرانية إن روسيا هاجمت مدينة دنيبرو بالصواريخ والطائرات المسيرة، الثلاثاء، ما ألحق أضراراً بمحطة للكهرباء وقطع إمدادات المياه عن بعض السكان.

وذكرت القوات الجوية الأوكرانية عبر تطبيق «تلغرام»، أن المدينة التي يسكنها أقل من مليون نسمة بقليل، تعرضت لهجوم بصاروخ وأربع مجموعات من الطائرات المسيرة اقتربت من الجنوب والشرق والشمال. وقالت، إنها أسقطت 16 طائرة مسيرة من أصل 23.

وقالت «شركة دي تي إي كيه»، أكبر مزود خاص للكهرباء في أوكرانيا، إن محطة تعرضت لأضرار جسيمة، لكن لم تقع إصابات.

دبابة أوكرانية في منطقة زابوروجيا (أ.ف.ب)

ولم تذكر الشركة موقع محطة الكهرباء، لكن شركة مرافق المياه في دنيبرو، قالت إنه «بسبب انقطاع التيار الكهربائي»، جرى تعليق إمدادات المياه جزئياً.

وقال بوريس فيلاتوف رئيس بلدية مدينة دنيبرو، إن السلطات أغلقت المدارس في أحد الأحياء، وأخلت مستشفى واحداً على الأقل، قبل موجة أجواء باردة متوقعة ستؤدي إلى زيادة الضغط على شبكة الكهرباء.

 

أرقام...

إلى ذلك، أعلن الجيش الأوكراني، الثلاثاء، ارتفاع عدد قتلى الجنود الروس منذ بداية الحرب، إلى نحو 397 ألفاً و80 جندياً، بينهم 1090 جندياً لقوا حتفهم خلال الساعات الأربع وعشرين ساعة الماضية.

وجاء في بيان أصدرته هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وأوردته

«وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية» (يوكرينفورم) أن القوات الأوكرانية دمرت 6424 دبابة، منها 8 دبابات الاثنين فقط، و12004 مركبات قتالية مدرعة و9500 نظام مدفعية، و981 من أنظمة راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق، و667 من أنظمة الدفاع الجوي.

وأضاف البيان أنه تم أيضاً تدمير 332 طائرة، و325 مروحية، و7332 طائرة مسيرة، و1882 صاروخ كروز، و24 سفينة حربية، وغواصة واحدة، و12623 من المركبات وخزانات الوقود، و1518 من وحدات المعدات الخاصة.

عناصر من الحرس الوطني الأوكراني في منطقة لوبيانسك بالشرق الأوكراني (إ.ب.أ)

على صعيد متصل، رجح ضابط المخابرات الأميركي السابق سكوت ريتر، توسيع الهجوم الروسي خلال المرحلة المقبلة بهدف بسط سيطرة الجيش الروسي على مدن أوديسا ونيكولاييف ودنيبروبيتروفسك وخاركيف. وقال في مقابلة صحافية: «سوف يصل (الجيش الروسي) إلى أوديسا، وسيأخذ نيكولاييف ودنيبروبيتروفسك وخاركيف. هذا سيحدث، هذه المدن الأربع ليس لديها فرصة الآن، لأنه بعد انهيار القوات الأوكرانية، لا شيء يمكن أن يوقف تقدم روسيا».

وأشار الخبير إلى «تحقيق الجيش الروسي نجاحاً في رصد وتدمير مراكز تشغيل الطائرات المسيرة الأوكرانية، ما يحرم القوات المسلحة الأوكرانية تدريجياً على المدى المتوسط، من الدعم الجوي لتلك الطائرات، ويسمح للوحدات الروسية بالتقدم تحت غطاء مدفعي».


مقالات ذات صلة

مصادر: بوتين سيطالب بعدم انضمام أوكرانيا لـ«الناتو» أبداً ضمن أي محادثات مع ترمب

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

مصادر: بوتين سيطالب بعدم انضمام أوكرانيا لـ«الناتو» أبداً ضمن أي محادثات مع ترمب

كشفت مصادر مطلعة عن أن روسيا ستطالب بأن تقلص أوكرانيا علاقاتها العسكرية بشكل كبير مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأن تصبح دولة محايدة تمتلك جيشاً محدوداً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتبادلان وثائق اتفاق حول التعاون بمجال الدفاع في وارسو الاثنين (أ.ب)

موسكو تستهدف قطاع الطاقة الأوكرانية بعشرات الصواريخ

تعرّض قطاع الطاقة الأوكراني إلى هجوم روسي بعشرات الصواريخ والمسيَّرات.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الوساطة الإماراتية نجحت حتى الآن في إتمام 11 عملية تبادل أسرى حرب بين روسيا وأوكرانيا (الشرق الأوسط)

وساطة إماراتية جديدة بين روسيا وأوكرانيا تنجح في إطلاق 50 أسيراً

قالت الإمارات إنها نجحت في جهود وساطة بين روسيا وأوكرانيا في إنجاز عملية تبادل أسرى حرب جديدة شملت 50 أسيراً من الجانبين الأوكراني والروسي.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
أوروبا بولندا: روسيا خططت لأعمال «إرهاب جوي» ضد شركات طيران حول العالم

بولندا: روسيا خططت لأعمال «إرهاب جوي» ضد شركات طيران حول العالم

قال رئيس وزراء بولندا دونالد توسك إن روسيا خططت لأعمال «إرهاب جوي» ضد شركات طيران حول العالم.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

روسيا: لا نستبعد أي رد على العقوبات النفطية الأميركية

موسكو لا تستبعد أي احتمال من جانبها فيما يتعلق بالرد على العقوبات الأميركية الجديدة التي تستهدف قطاع النفط.

«الشرق الأوسط» (موسكو )

لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
TT

لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)

أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد بلاده للمساهمة في دفع مسار العملية السياسية في سوريا، وقال إن موسكو «لم ولن تنسحب من الشرق الأوسط» مشدداً على استمرار التواصل مع القيادة السورية الجديدة.

وحمل الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي في موسكو، الثلاثاء، النظام السوري السابق المسؤولية عن تدهور الوضع في البلاد. وقال إن «عدم رغبة النظام السوري السابق في تغيير أي شيء، وتقاسم السلطة مع المعارضة كان من أهم أسباب انهياره».

وأوضح أنه «على مدار السنوات العشر الماضية بعد أن طلب الرئيس السوري السبق بشار الأسد من روسيا التدخل، وبعد إطلاق صيغة أستانا، ورغم المساعدة التي برزت من جانب الدول العربية، أبدت السلطات في دمشق مماطلة في العملية السياسية ورغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه».

صورة نشرتها وكالة «سانا» الرسمية في 26 يونيو للقاء الرئيس بشار الأسد مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق (أ.ف.ب)

وزاد أن موسكو «دعت الحكومة السورية مراراً لدعم عمل اللجنة الدستورية التي أنشأت في سوتشي خلال المؤتمر السوري السوري في 2018، ودفع جهود وضع الدستور».

ووفقاً للافروف، فإن «الحكومة السورية لم تبد أي استعداد لتقاسم السلطة مع المعارضة، ولا يدور الحديث هنا عن المعارضة الإرهابية»، مضيفاً أن هذه المماطلة رافقتها مشكلات ناتجة عن العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد السوري، بينما تعرض الجزء الشرقي من سوريا الغني بالنفط للاحتلال من الولايات المتحدة، وتم استغلال الموارد المستخرجة هناك لصالح دعم الروح الانفصالية في شمال شرقي سوريا.

وكشف لافروف عن جانب من الحوارات التي أجرتها موسكو في وقت سابق مع الجانب الكردي، وقال إن موسكو «تحدثت مع الأكراد عن ضرورة وجود سلطة مركزية (في سوريا)، لكنهم قالوا إن الولايات المتحدة ستساعدهم على إنشاء حكومتهم، فقلنا لهم إن تركيا وإيران لن تسمحا بقيام دولة خاصة بكم»، مؤكداً على أن الموقف الروسي ركز على أن حقوق الأكراد يجب أن تؤمن في إطار الوضع الدستوري للبلدان سوريا والعراق وإيران وتركيا.

وأعرب عن قناعة بأن تجاهل دمشق (بشار الأسد) للنقاش في عهد السلطات السابقة: «أوصل الإصلاحات التي تحدثت عنها الأمم المتحدة ومنصة موسكو ومنصة القاهرة والمعارضة التي كانت في إسطنبول، وكذلك الاتصالات بين هذه الأطراف، إلى طريق مسدود وإلى فراغ أسفر عن هذا الانفجار».

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

وانتقد لافروف الاستنتاجات التي تحدثت عن أن «خروج روسيا من سوريا يعني مغادرة مواقعها في الشرق الأوسط»، وقال إن روسيا «لم ولن تغادر المنطقة». ومن دون أن يتطرق مباشرة لوضع القواعد العسكرية الروسية في سوريا، قال الوزير إن «سفارتنا لم تغادر دمشق، ولدينا تواصل دائم مع السلطات هناك».

وأكد أن موسكو «ترغب في أن تكون ذات فائدة في الأوضاع الراهنة، فيما يتعلق بإقامة حوار جامع بمشاركة كل القوى القومية والسياسية والطائفية، وبمشاركة جميع الأطراف الخارجية المعنية».

وذكر لافروف أن اتصالاته مع تركيا ودول الخليج العربي ونتائج الاجتماعات الأخيرة حول التسوية السورية بمشاركة دول عربية وتركيا وبعض الدول الغربية، تظهر أن «الجميع ينطلقون من أن هذه العملية يجب أن تشارك بها روسيا وإيران، إذا كانت هناك رغبة حقيقية في الوصول إلى نتائج مستدامة وملموسة، وليس فقط تصفية الحسابات بين المتنافسين على الأراضي السورية».

دمشق... أولويات موسكو

بدوره، قال نائب الوزير ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إن روسيا تتابع باهتمام تطورات الوضع في سوريا، وتنظر إلى العلاقات مع دمشق بوصفها «من أولويات سياستها الخارجية»، وشدد على أن «علاقات الشراكة والتعاون بين الشعبين والدولتين تمتد إلى عقود طويلة، بل إنها تغور عميقاً في التاريخ السحيق».

وأضاف أن موسكو السوفياتية ومن ثم روسيا، أسدت الدعم والمساعدة لسوريا في تحقيق السيادة والاستقلال، وحرصت دوماً وفي مختلف المراحل على مبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية وبناء علاقات متكافئة تقوم على المصالح المشتركة.

ووفقاً له، فإن «العلاقات بين روسيا الاتحادية وسوريا تدخل اليوم في منعطف نوعي جديد، وعلى الجانبين الانطلاق من الإرث العميق للصداقة بين الشعبين الروسي والسوري للحفاظ على المكتسبات والمنجزات والمضي إلى الأمام في خلق مناخات جديدة للتعاون البنَّاء».

وأشار إلى ارتياح الدبلوماسية الروسية لـ«التصريحات الإيجابية الصادرة عن الإدارة السورية الجديدة تجاه روسيا، والحرص على العلاقات الاستراتيجية بين بلدينا». وأكد أن موسكو ترى في المواقف الإيجابية «أرضية قوية للانطلاق نحو الأفضل».

وترددت معطيات، الثلاثاء، بأن بوغدانوف سوف يرأس وفداً روسياً إلى دمشق قريباً، لكن مصدراً دبلوماسياً روسياً أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه لم يتم بعد تحديد موعد لهذه الزيارة» التي بدا أنها كانت مقررة، وتم إرجاؤها لوقت لاحق. وفي حال تم تحديد موعد للزيارة سيكون بوغدانوف أول مسؤول روسي يزور العاصمة السورية منذ سقوط نظام الأسد.

عنصر سوري يحرس مدخل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية الساحلية السورية (رويترز)

قيود سورية

في غضون ذلك، أكدت معلومات متطابقة نشرتها وسائل إعلام روسية وغربية، على أن عملية إخلاء أسلحة ومعدات القوات المسلحة الروسية من سوريا، تواجه صعوبات بسبب قيود فرضتها السلطات السورية على تحرك السفن الروسية في المياه الإقليمية.

ووفقاً لمعطيات نشرتها النسخة الإنجليزية لقناة «آر تي» على موقعها الإلكتروني، فقد منعت السفينة الروسية «سبارتا 2»، التي كانت مخصصة لنقل المعدات والأسلحة الروسية من دخول ميناء طرطوس، حيث توجد القاعدة البحرية الأجنبية الوحيدة لروسيا الاتحادية.

وأكدت بيانات محللي «OSINT» وخدمات مراقبة الشحن المفتوحة وتقارير المدونين العسكريين الروس، أن السفينة التي غادرت بالتييسك (منطقة كالينينغراد في الاتحاد الروسي) في 11 ديسمبر (كانون الأول) تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير (كانون الثاني)، دون الحصول على إذن لدخول الميناء.

صورة للسفينة الروسية «سبارتا 2» نشرتها صحيفة «آر بي كا» الروسية تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير دون الحصول على إذن لدخول الميناء

وتخضع سفينة «سبارتا 2» التي كانت تستخدم سابقاً لنقل المعدات بين شبه جزيرة القرم وسوريا، لعقوبات أميركية، ما قد يكون أسهم أيضاً في منع الوصول إلى الميناء. في حين تقول مصادر سورية، إن السلطات الجديدة فرضت قيوداً للحد من مجالات تهريب أنصار النظام السابق على متن سفن روسية.

وتشير صور الأقمار الاصطناعية من «ماكسار» تراكماً كبيراً للمعدات العسكرية الروسية في الميناء، بما في ذلك أكثر من 100 شاحنة ومعدات دفاع جوي. ويقول المحللون إنه إذا فشلت السفن في الرسو، فإن البديل الوحيد يظل قاعدة حميميم الجوية. وهناك، تستمر الرحلات الجوية المنتظمة لوزارة الدفاع الروسية لضمان نقل الأفراد والبضائع. وفي الوقت نفسه، أرسلت الولايات المتحدة طائرة دورية إلى المنطقة لمراقبة الوضع.

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

إضافة إلى ذلك، وبينما تؤكد موسكو استمرار المفاوضات مع السلطات السورية الجديدة، لكن محللين في روسيا رأوا أن «احتمال انسحاب روسيا الكامل من البلاد آخذ في الازدياد»، وفقاً لما نقلته صحيفة «موسكو تايمز»، بالإضافة إلى ذلك، أشارت تقديرات محللي الصحيفة إلى أن الوحدات الروسية في سوريا «غدت محاصرة فعلياً في أماكن انتشارها».

في هذا الإطار، قال الخبير السياسي روستيسلاف إيفاتشينكو، في مقابلة مع موقع «برافدا رو»، إن القواعد العسكرية الروسية في المنطقة، فقدت عملياً أهميتها الاستراتيجية. ويكمن السبب في رأيه في «تغيير ميزان القوى: فتركيا، التي تتمتع بالسيطرة الجغرافية على المضائق والمنطقة كلها، يمكنها أن تمنع الوصول إلى هذه القواعد في أي وقت».

ووفقاً لإيفاشتشينكو، فإن هذا لا يعني ضرورة سحب القواعد، لكن الحفاظ عليها يصبح مكلفاً سياسياً واقتصادياً، مبرراً بأن «اعتماد روسيا المتزايد على تركيا في هذا الشأن يضع موسكو في موقف صعب».