اليمين المتطرف يعزز مواقعه في أوروبا ومخاوف من هيمنته على الانتخابات الأوروبية المقبلة

قاعدته الآيديولوجية: الدفاع عن الهوية ومعاداة الإسلام ورفض الهجرات

مبنى المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)
مبنى المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)
TT

اليمين المتطرف يعزز مواقعه في أوروبا ومخاوف من هيمنته على الانتخابات الأوروبية المقبلة

مبنى المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)
مبنى المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)

أحدث فوز «حزب الحرية» الهولندي الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، اليميني الشعبوي المتطرف المعادي جهاراً للإسلام وللمهاجرين وللاتحاد الأوروبي، زلزالاً سياسياً داخل الاتحاد، وأثار مخاوف جدية من تواصل انهيار لعبة الدومينو السياسية، التي تشهد في السنوات الأخيرة وصول اليمين المتطرف بتنوعاته إلى السلطة، سواء أكان منفرداً أو بالتحالف مع أحزاب تقليدية.





والاختراق غير المسبوق الذي حققه الحزب المذكور الذي تسلل إلى الندوة البرلمانية في هولندا منذ 25 عاماً، وإن جاء مفاجئاً وصادماً، فإنه يعكس انزلاقاً متواصلاً للناخبين الأوروبيين نحو الآيديولوجية اليمينية المتطرفة. وعلى مسافة 7 أشهر من الانتخابات الأوروبية التي ستجرى في البلدان الـ27 ، ينتاب الخوف كثيراً من السياسيين والمسؤولين من حصول «انقلاب» برلماني نتيجة فقدان الأحزاب التقليدية من اليمين والوسط والخضر الأكثرية النيابية، ما سينعكس على سياسة النادي الأوروبي الداخلية والخارجية.

البرلمان الأوروبي يدين إيران (د.ب.أ)

وبعد «البريكست» الذي شهد خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد في بداية عام 2021، برزت مخاوف من أن تسلك هولندا المسار نفسه، إذ بدأ الحديث عن «الهركست». والفارق بين بريطانيا وهولندا أن الثانية كانت من مؤسسي الاتحاد الأوروبي ومن أكثر الداعمين لتحولاته المختلفة خلال العقود التي انقضت على وجوده، والتي أفضت إلى صورته الراهنة.

خفر السواحل البريطاني ينقذ مهاجرين في قناة المانش (أ.ف.ب)

بانتظار معرفة ما إذا كان خيرت فيلدرز، الذي احتل حزبه المرتبة الأولى في البرلمان بحصوله على 37 مقعداً (من أصل 150 مقعداً)، سينجح في تشكيل تحالف حكومي، فإنه على أي حال قلب التوازنات السياسية في هولندا، وقزّم التحالف اليساري برئاسة مارك روته، زعيم الحزب الشعبي من أجل الحرية والديموقراطية، الذي أمضى 13 عاماً رئيساً لحكومة بلاده. واختصر خيرت فيلدرز الوضع السياسي الجديد في هولندا بجملة واحدة، إذ قال عقب انتصاره: «لم يعد من الممكن تجاهل حزب الحرية... سوف نحكم البلاد».

خيرت فيلدرز يحيي أنصاره خلال اجتماع في لاهاي، الخميس (أ.ف.ب)

تحل صدمة فيلدرز بعد صدمة أخرى لا تقل أهمية، وتتمثل بوصول جيورجيا ميلوني، قبل عام (وتحديداً في 22 أكتوبر - تشرين الأول 2022) إلى رئاسة الحكومة الإيطالية. ميلوني ترأس حزب «إخوة إيطاليا» منذ عام 2014، وقد انتخبت نائبة منذ عام 2006 وشغلت منصباً وزارياً لـ3 سنوات زمن حكومة سيلفيو برلسكوني. و«إخوة إيطاليا» الذي رأى النور في عام 2012 حزب يميني شعبي متطرف، وريث إلى حد ما التيار الفاشي الإيطالي، وعناوينه السياسية معاداة المهاجرين والتطرف القومي الإيطالي وأطلسي الهوى والتشكيك بالبناء الأوروبي من غير أن يصل ذلك إلى الرغبة في الخروج من الاتحاد.

جيورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، خلال حضورها جلسة لمجلس الشيوخ، 23 نوفمبر (أ.ف.ب)

ويدعو الحزب إلى المحافظة على «الهوية الإيطالية» بوجه ما يعتبره مخاطر تراجعها بفعل تدفق الهجرات غير الأوروبية، وخصوصاً الإسلامية. ومنذ وصولها إلى السلطة، سعت ميلوني إلى «تجميل» صورة حزبها لسببين؛ أولهما أنها تقود حكومة ائتلافية، والثاني حاجة إيطاليا التي تعاني من وضع اقتصادي صعب للأموال الأوروبية.

لا يصح الحديث عن صعود اليمين المتطرف في أوروبا من غير التوقف عند حالة المجر، التي حكمها فيكتور أوربان بيد من حديد ما بين عام 1998 وعام 2010 ثم من عام 2013 حتى اليوم من غير انقطاع.

المستشار الألماني أولاف شولتس مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)

أوربان يتكئ على حزبه «الاتحاد المدني المجري» المعادي لأوروبا التي يتسبب لها بالصداع منذ وصوله إلى السلطة. ودأب أوربان، المتهم بنسف الديموقراطية وخنق الحريات والابتعاد عن دولة القانون، بالوقوف بوجه سياسات الاتحاد، خصوصاً في ملف الهجرات ودعم أوكرانيا والتوجه إلى قبول عضويتها سريعاً. ولم يتأخر قبل أيام قليلة عن الإعلان أنها «ما زالت على بعد سنوات ضوئية» من الانضمام إلى النادي الأوروبي، كما تميز بمواقفه القريبة من روسيا في حربها على أوكرانيا، ما يشكل إلى حد بعيد انفصالاً عن سياسة الاتحاد، الذي عاقبه بتجميد 28 مليار يورو من الأموال الأوروبية المخصصة لبودابست.

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل اجتماعهما في بكين (إ.ب.أ)

لا تكتمل صورة التقدم المتسارع لليمين المتطرف إلا مع الإشارة إلى أن سلوفاكيا انضوت الشهر الماضي تحت راية اليمين المتطرف، مع وصول روبيرت فيتسو إلى السلطة فيها، على رأس حزبه القومي الاشتراكي متحالفاً مع حزبين؛ اليميني المتطرف «إس إن إس»، واليسار المتطرف «هيلاس ـ إس دي». وروبيرت فيتسو قريب جداً من أوربان، وينهج السياسة نفسها في الداخل والخارج.

روبيرت فيتو (يسار الصورة) رئيس وزراء سلوفاكيا في لقاء مع نظيره التشيكي في براغ (أ.ف.ب)

ففي الداخل ينهج سياسة شعبوية. وفي الخارج يعارض تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا ويحابي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومن جهة ثانية، تتعين الإشارة إلى أن اليمين المتطرف جزء من التحالفات الحكومية في كل من فنلندا وليتوانيا والسويد، أو يدعم حكوماتها، ما يعني قدرته على التأثير على السياسات المتبعة. ثم إن اليمين المتطرف يتأهب للانقضاض على السلطة في ألمانيا حيث حزب «البديل لألمانيا» يحتل المرتبة الثانية في البلاد، وفق استطلاعات الرأي، حيث يحصل على 21 بالمائة من الأصوات.

وبيّنت الانتخابات الإقليمية التي جرت الشهر الماضي في ولايتي بافاريا وهس إحراز «البديل لألمانيا» تقدماً واضحاً في نسبة الأصوات التي حصل عليها. بيد أن الخطر الأكبر قد يأتي من فرنسا حيث إن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن واجهت الرئيس إيمانويل ماكرون في الدورة الثانية من انتخابات عام 2017 و2022. وتبين استطلاعات الرأي أن حزبها «التجمع الوطني» آخذ في التقدم، وسبق له أن احتل المرتبة الأولى في الانتخابات الأوروبية السابقة، وهو يتأهب لإنجاز مشابه في الانتخابات المقبلة. وفي أي حال، فإن انتخابات يونيو (حزيران) المقبل، على المستوى الأوروبي، سوف تشكل الاختبار الحقيقي لمدى قدرة اليمين المتطرف على مواصلة التقدم.

مارين لوبن، زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، في لشبونة، ساعية للوصول إلى الرئاسة في فرنسا، 24 نوفمبر (أ.ف.ب)

يقول الباحث السياسي جيل إيفالدي، المتخصص بتاريخ الأحزاب الأوروبية الشعبوية والقومية اليمينية المتطرفة، إن «الزمن الحاضر يعكس وجود دينامية قوية لليمين المتطرف، وذلك منذ أزمة الهجرات الكبرى التي شهدها عام 2015، خصوصاً في دول أوروبا الشرقية».

ويؤكد إيفالدي أن اليمين المتطرف يتقدم ويقوي مواقعه منذ 40 عاماً، ولكن الجديد أنه في السنوات الأخيرة أخذ يتبدل ويطبع صورته، ما يعكس رغبته بالوصول إلى السلطة، وليس البقاء على الهامش في المعارضة.

ويربط الباحث الفرنسي بين الدينامية الاستثنائية لليمين المتطرف في السنوات الأخيرة، وبين الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ترافقت مع تفشي وباء «كوفيد 19» حيث استغلت الأحزاب اليمينية الصعوبات المرتبطة بالوباء ضد الحكومات القائمة. بيد أن الخيط الجامع والقاعدة الآيديولوجية لكافة الأحزاب اليمينية المتطرفة يتمثلان في الدفاع عن الهوية الأوروبية ومعاداة الإسلام ورفض الهجرات والربط بينها وبين الاعتداءات الإرهابية التي عرفها كثير من البلدان الأوروبية.

مظاهرات مناوئة لزعيم اليمين المتطرف في أمستردام، 24 نوفمبر (رويترز)

وما زالت هذه القاعدة الآيديولوجية تتنامي اليوم، ولا يعتقد أن الأحزاب المعنية سوف تتخلى عنها، بل إن الأحزاب التقليدية آخذة إلى حد بعيد باستنساخ مقولات اليمين المتطرف، ما يعكس التحولات العميقة في الرأي العام. والملفت أن هذه التحولات الأكثر إثارة تظهر في بلدان شمال أوروبا التي كانت الأكثر انفتاحاً بالنسبة للهجرات، وتقبل التنوع الثقافي والديني، وهي تنهج اليوم خطاً متشدداً وتفتح الباب أمام صعود اليمين المتطرف.


مقالات ذات صلة

كندا «لن تتراجع أبداً» في مواجهة تهديدات ترمب

العالم جزء من مباني البرلمان الكندي في أوتاوا (رويترز)

كندا «لن تتراجع أبداً» في مواجهة تهديدات ترمب

احتجت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، أمس (الثلاثاء)، على تعليقات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب حول إمكانية استخدام القوة الاقتصادية ضد البلاد.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
أوروبا إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» ومالك منصة «إكس» يحضر مؤتمراً في كراكوف ببولندا 22 يناير 2024 (رويترز) play-circle 01:58

الحكومة الألمانية: إيلون ماسك لا يمكنه التأثير على بلد عدد سكانه 84 مليون نسمة

قال متحدث باسم الحكومة الألمانية، اليوم، إن تأثير إيلون ماسك على الشعب الألماني محدود، مقللاً من شأن الملياردير الأميركي بعد انتقاده المستشار أولاف شولتس

«الشرق الأوسط» (برلين)
آسيا مواطنون يشاركون في احتجاج ضد الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول بالقرب من مقر إقامته الرسمي في سيول (رويترز)

الأزمة الكورية الجنوبية إلى أين... بعد فشل توقيف الرئيس المعزول؟

وصول وزير الخارجية الأميركي، الاثنين، إلى سيول مع تفاقم الأزمة والسيناريوهات المحتملة للدولة الحليفة الأساسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (سيول)
آسيا متظاهرون مؤيدون ليون يتجمعون خارج المقر الرسمي للرئيس الكوري الجنوبي المعزول (رويترز)

انفتاح الأزمة الكورية الجنوبية على المزيد من الفصول التصعيدية

عادت الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع والشرطة نشرت 3 آلاف من عناصرها في منطقة مكتب الرئيس تحسباً لمواجهات محتملة.

شوقي الريّس (بروكسيل )
آسيا محققون من كوريا الجنوبية ومسؤولون من «NTSB» وشركة «بوينغ» يتفقدون مكان تحطم الطائرة في مطار موان على بعد 288 كيلومتراً جنوب غربي سيول (أ.ف.ب)

«المعجزات» الاقتصادية والسياسية في آسيا على محك الاستدامة والاستقرار

تختتم سيول أسوأ سنة مرّت عليها منذ عقود، حيث تهديدات جارتها بيونغيانغ، وأزمة الحكم التي ما زالت مفتوحة على احتمالات تصعيدية يصعب جداً التكهن بخواتيمها.

شوقي الريّس (مدريد)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)
رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)
TT

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)
رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

قالت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا؛ وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.

وسيطرت أوكرانيا على جزء من منطقة كورسك أوائل أغسطس (آب)، واحتفظت بمواقعها هناك منذ 5 أشهر، قبل أن تشن هجوماً جديداً على المنطقة، يوم الأحد، لكنها لم تُقدِّم تفاصيل عن العملية، أو تحدد أهدافها.

صورة مأخوذة من مقطع فيديو وزعته دائرة الصحافة التابعة لوزارة الدفاع الروسية 4 يناير 2025 يشارك عسكريون روس في تدريب قتالي في مكان غير معلوم (أ.ب)

وأعلنت هيئة الأركان العامة في الجيش الأوكراني، الثلاثاء، عن وقوع 94 اشتباكاً في منطقة كورسك، الاثنين، مقارنةً مع 47 يوم الأحد.

وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان أن قواتها ألحقت الهزيمة بألوية أوكرانية في 6 مواقع، ونفّذت ضربات على قوات ومعدات أوكرانية في 7 مواقع أخرى، تضمّنت موقعاً على الجانب الأوكراني من الحدود.

جنود أوكرانيون يوجِّهون مدفع «هاوتزر» باتجاه القوات الروسية وسط هجوم روسي على كييف في منطقة خاركيف 3 يناير 2025 (رويترز)

من جهته، قال الجيش الأوكراني، الثلاثاء، إن قواته بدأت عمليات هجومية جديدة في منطقة كورسك غرب روسيا. وقالت هيئة الأركان العامة أيضاً على تطبيق «تلغرام» إن القوات الأوكرانية ضربت مركز قيادة روسيا في المنطقة، الثلاثاء.

وقالت هيئة الأركان الأوكرانية على «تلغرام» إن الضربة ضد المقر القيادي قرب بيلايا بمنطقة كورسك «جرت بالتنسيق مع القوات البرية الأوكرانية التي تُنفّذ عمليات قتالية على أراضي روسيا الاتحادية».

ومساء الاثنين، أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابه اليومي إلى «أهمية» تثبيت الجيش الروسي في منطقة كورسك، لمنعه من نشر كل قواته على الجبهتين الشرقية والجنوبية.

وأكد: «نحن نحافظ على منطقة عازلة في الأراضي الروسية، وندمّر بشكل فعال الإمكانات العسكرية الروسية». كما تحدث مدونون عسكريون روس، مقربون من الجيش، عن الهجوم الأوكراني الجديد منذ الأحد.

صورة ملتقطة في 2 يناير 2025 تظهر جنوداً أوكرانيين يغادرون ملجأً على خط المواجهة بالقرب من بلدة تشاسيف يار بمنطقة دونيتسك (أ.ب)

ولم يُحدد الجيش الأوكراني الثلاثاء في بيانه ما إذا استعمل صواريخ «أتاكمس» الأميركية أو «ستورم شادو» البريطانية في «ضربته عالية الدقة» ضد مركز قيادة روسي قرب بيلايا.

وتعد روسيا الهجمات الأوكرانية على أراضيها بالصواريخ الغربية تجاوزاً للخط الأحمر، وتتوعد في كل مرة «بالرد»، وخصوصاً ضرب كييف.