سارت منظمة «الأمن الجماعي» خطوة إضافية نحو تعزيز مجالات التحرك العسكري المشترك لمواجهة ما وصف بأنه «تهديدات خارجية مشتركة». وأقرّت قمة المنظمة بحضور خمسة رؤساء لجمهوريات سوفياتية سابقة رزمة قرارات تؤسس لإنشاء مظلة دفاع جوية موحدة وآليات للتدخل السريع في الحالات الطارئة.
ووقّع قادة الدول الأعضاء في المنظمة التي تضم روسيا، وبيلاروسيا، وأرمينيا، وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان رزمة من الوثائق، خلال القمة التي انعقدت الخميس في مينسك العاصمة البيلاروسية، ركزت في مضمونها على تحديد آليات التحرك المشترك لمواجهة الأزمات وتطوير التعاون العسكري والأمني.
وعلى الرغم من أن مقاطعة أرمينيا، شكّل اللقاء تحدياً كبيراً لوحدة وتماسك هذه المجموعة الإقليمية التي تعد «الذراع الأمنية والعسكرية» للتحالفات التي تقودها موسكو في المنطقة، لكن الكرملين أعرب عن أمله أن تواصل يريفان التعاون مع الشركاء الإقليميين.
وركزت القرارات التي وقّعها الزعماء الخمسة الحاضرون على «تدابير تطوير نظام الاستجابة السريعة للأزمات التي تواجه بلدان المنطقة» في رسالة حملت إشارة دعم لموسكو ومينسك في مواجهة ما وصف بأنه «زيادة التهديدات التي يمثلها تمدد (الناتو) قرب الحدود».
وأوضح الأمين العام للمنظمة إيمانجالي تاسماجامبيتوف، أن الإعلان المشترك الصادر عن القمة يهدف إلى «التأكيد على المبادئ الأساسية لأنشطة المنظمة وإظهار موقفها بشأن القضايا الحالية للأمن الدولي». في حين قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شارك في أعمال القمة: إن منظمة معاهدة الأمن الجماعي «نسقّت المواقف بشأن القضايا العسكرية الاستراتيجية الراهنة».
وأوضح بوتين، أن القادة أقرّوا خطوات مشتركة للتعامل مع التحديدات الجديدة والمشاكل الملحة على الأجندة الإقليمية والدولية. وزاد، أن المنظمة وضعت أساساً لتطوير الاتصالات مع منظمة شنغهاي للتعاون ورابطة الدول المستقلة.
ووفقاً لبوتين، فإنه «بفضل التفاعل المثمر بين وزارات الخارجية ووزارات الدفاع ومجالس الأمن والبرلمانات، تم الاتفاق بسرعة على المواقف المشتركة بشأن القضايا السياسية والعسكرية الاستراتيجية الحالية والمشاكل الملحة في جدول الأعمال الإقليمي والدولي». وأشار إلى إيلاء أهمية خاصة لـ«الجهود المشتركة المبذولة لتحسين النشر الجماعي السريع وقوات الاستجابة العملياتية، وقوات الطيران وحفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي».
وزاد الرئيس الروسي: «تم اتخاذ عدد من الإجراءات للحفاظ على الاستعداد القتالي وتحسين نظام القيادة والسيطرة وزيادة تدريب الأفراد العسكريين».
ووقّع القادة المجتمعون رزمة من القرارات التي تنظم هيكلية التعاون وآليات التحرك. ورغم ذلك، رمى غياب أرمينيا بظلال ثقيلة على مستقبل المنظمة التي تتهمها يريفان بأنها أخفقت في تنفيذ أحد بنود ميثاقها الداخلي الذي ينص على التدخل الفوري لمساعدة أي عضو يتعرض لعدوان خارجي، في إشارة إلى الحرب مع أذربيجان التي نأت منظمة الأمن الجماعي بنفسها عنها.
وسارت يريفان خلال لقاء الخميس خطوة إضافية لإظهار ابتعادها عن المجموعة؛ إذ رفضت إدراج بند على جدول أعمال القمة حول «الدعم الجماعي لأرمينيا» في خطوة زادت من ترجيح احتمال انسحاب أرمينيا من المجموعة قريباً.
في المقابل، بدا رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذي ترأست بلاده هذه القمة، واثقاً من أن الخطوات المتخذة سوف تعزز تماسك المنظمة وعملها المشترك في ظروف المواجهة الحالية التي تخوضها موسكو ومينسك مع الغرب. ولوّح لوكاشينكو خلال كلمة ختامية بخطوات جديدة قد تتخذها المجموعة على صعيد نشر أسلحة ومكونات عسكرية.
وزاد لوكاشينكو في إشارة لافتة إلى أن «الأسلحة النووية وحدها هي التي تضمن الأمن في المنطقة وتعطي القدرة على إعلاء الصوت على الساحة الدولية». وكانت موسكو نشرت في وقت سابق مكونات نووية على أراضي بيلاروسيا المجاورة. وقال لوكاشينكو إن تلك الخطوة ارتبطت بتحركات الأطلسي على طول الحدود مع أوروبا.
وأوضح: «لقد كنا نراقب المناورات الدفاعية المزعومة لدول (الناتو) لفترة طويلة. ومنذ أن تم إزالة الأسلحة النووية من بيلاروسيا في عام 1996 سارت التطورات في منحى لا يخدم الأمن الجماعي لنا، وراقبنا تمدد (الناتو) إلى الشرق». وأضاف، أن «الاتهامات حول نشر أسلحة نووية تكتيكية روسية في بلدنا، سخيفة. لأننا لا نهدد أي طرف، لكن الواقع اليوم هو أن وجود الأسلحة القوية وحده هو الذي يضمن الأمن في المنطقة».
في غضون ذلك، لم يتم الكشف خلال القمة عن تفاصيل اتفاق حول إنشاء منظومة دفاع جوي مشتركة لبلدان المجموعة الأمنية. وهو أمر كان بوتين تطرق إليه عشية توجهه إلى مينسك، عندما أعلن أن «قضية تشكيل نظام دفاع جوي موحد لدول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، دخلت مراحل تنفيذها الأخيرة»، وأوضح أن «موسكو تواصل هذا العمل وقد سلمت مؤخراً بطاريتين من صواريخ (إس - 300) لطاجيكستان». وزاد، أن بلاده «مستعدة لاستكمال عمليات تسليم المعدات اللازمة للبلدان الأخرى لتعزيز هذا النظام المشترك».
إلى ذلك، قال الكرملين: إن الزعماء الحاضرين في مينسك «ناقشوا بشكل مستفيض قضايا التفاعل في المنظمة، بما في ذلك تحسين نظام الأمن الجماعي، فضلاً عن المشاكل الدولية والإقليمية».
وبالإضافة إلى ذلك، تطرق الحوار إلى تنسيق السياسة الخارجية، والتعاون العسكري، ومكافحة الإرهاب الدولي، ومكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، بالإضافة إلى قضايا الأمن البيولوجي.
ونص البيان الختامي على تأكيد تطابق المواقف حيال السياسات الخارجية والملفات الإقليمية الساخنة، وبينها الوضع حول الحرب في الشرق الأوسط، ودعا القادة المجتمعون إلى وقف النار في غزة بأسرع وقت وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية. وكان وزراء الدفاع والخارجية ولجنة أمناء مجالس الأمن لدول منظمة معاهدة الأمن الجماعي عقدوا اجتماعات تمهيدية نسقت الوثائق المشتركة للقمة. وقال الأمين العام للمنظمة: إن المجموعة أنجزت خطتها السابقة ووضعت آليات للتحرك المشترك خلال المرحلة المقبلة.