في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن عن قراره المفاجئ بالعودة عن رفضه بناء جدار على الحدود مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من البلدان الأميركية اللاتينية، كان الخط المتشدد حيال الهجرة غير الشرعية يشقّ طريقه داخل الصف الأوروبي الذي يواجه منذ سنوات صعوبات جمّة في التوافق على هذا الملف الحسّاس بين الدول الأعضاء.
وفي لقاء مغلق وغير مبرمج على هامش قمة المجموعة السياسية الأوروبية مساء الخميس، قرر قادة فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وألبانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية اتخاذ حزمة من التدابير المشتركة لمنع تدفق المهاجرين عبر الحدود الخارجية للاتحاد، ومطاردة الزوارق التي تستخدمها المنظمات الإجرامية التي تتاجر بالمهاجرين لمصادرتها وملاحقة المسؤولين عنها. ورغم التعقيدات التي تحيط بهذا الملف الشائك على صعيد القانون الدولي والاتفاقات والمواثيق الأوروبية في مجال حقوق الإنسان، أصبح حضوره إلزامياً على جداول أعمال القمم الأوروبية بعد أن بات موضع خلاف عميق وتجاذبات سياسية قوية بين الدول الأعضاء.
استياء مجري - بولندي
ومنذ وصولهما إلى غرناطة لم يتوقف الزعيمان المجري والبولندي عن التهديد بمنع صدور أي بيان مشترك عن القمة إذا أصرّت بقية الدول الأعضاء على معالجة ملف الهجرة. وقبل دخوله قاعة الاجتماعات صباح الجمعة، انتقد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ميثاق الهجرة الأوروبي، وقال إن الاتفاق الأخير الذي اضطرت بلاده وبولندا على القبول به هو «انتهاك شرعي» لسيادتهما، إذ يفرض عليهما استقبال عدد محدد من طالبي اللجوء عندما تحصل تدفقات كثيفة للمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الأوروبية. وأضاف: «لقد أُجبرنا، بموجب القانون، على قبول ما ليست لنا فيه رغبة».
في موازاة ذلك، كان رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيسكي يشكو من «تسلّط المفوضية الأوروبية وألمانيا» وهيمنتهما على القرار. وكان المندوبون الدائمون للدول الأعضاء في بروكسل قد توصلوا، الأربعاء الماضي، إلى اتفاق حول النظام الأخير المتبقي لإنجاز ميثاق الهجرة، والذي يتضمن حزمة من التدابير تفرض قيوداً شديدة على الدخول إلى بلدان الاتحاد وطلب اللجوء، وتحدد حصصاً للدول الأعضاء لاستقبال المهاجرين، أو دفع مبلغ 20 ألف يورو عن كل مهاجر يرفض استقباله.
وتشترط المجر وبولندا للموافقة على نص البيان الختامي للقمة أن يتضمن إشارة إلى عدم اتخاذ أي قرار يتعلق بالهجرة من غير موافقة الدول الأعضاء بالإجماع.
تباين أوروبي
لم يكن موضوع الهجرة مدرجاً على جدول أعمال قمة المجموعة السياسية الأوروبية، نظراً للخلافات الحادة التي يثيرها بين الدول الأعضاء ولحساسيته السياسية التي ترتفع بشدة خلال الحملات الانتخابية، لكن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ونظيرته الإيطالية جيورجيا ميلوني دفعاً باتجاه عقد لقاء سداسي لمناقشة هذا الملف على هامش القمة، الأمر الذي أثار امتعاضاً واضحاً لدى الرئاسة الإسبانية، وألمانيا التي أُبعدت عمداً عن اللقاء، ما يبيّن مدى عمق الخلافات وتباين الآراء بين الدول الأعضاء حول هذا الموضوع.
وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني قد طالبت منذ أيام بأن يسيّر الاتحاد الأوروبي دوريّات بحرية لمنع وصول زوارق المهاجرين إلى السواحل الأوروبية. ومن جهتها، فاجأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين التي يجنح خطابها حول الهجرة إلى اليمين منذ فترة، بتصريحات أدلت بها بعد الزيارة التي قامت بها إلى جزيرة لامبيدوسا في معية ميلوني، قالت فيها إنها مستعدة للنظر في اقتراح تنظيم دوريات بحرية أوروبية في المتوسط. وقد نبهّت أوساط حقوقية، بعد تلك التصريحات، بأن تسيير دوريات بحرية في المياه الدولية لمراقبة حركة السفن والزوارق بهدف اعتراضها أو مطاردتها، قد تتعارض مع أحكام القانون الدولي، فضلاً على تعقيداتها ومحاذيرها الأمنية.
وصرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد نهاية الاجتماع السداسي، على هامش قمة المجموعة السياسية الأوروبية، بأنه تمّ الاتفاق على التعاون المشترك لملاحقة المنظمات التي تتاجر بالمهاجرين غير الشرعيين وتعقب جميع تحركاتها، «لأن الهجرة غير الشرعية لا تبدأ، ولا تنتهي على الحدود الخارجية للاتحاد». وتجدر الإشارة إلى أن البلدان الستة تؤيد بقوة التوصل إلى اتفاقات مع بلدان المصدر والعبور بهدف السيطرة على حركة الهجرة وتنظيمها، على غرار الاتفاق الذي جرى توقيعه مؤخراً مع تونس، وما زال حبراً على ورق وموضع خلاف عميق بين الطرفين الأوروبي والتونسي. وعلمت «الشرق الأوسط» أن المفوضية الأوروبية تتجه إلى التجاوب مع المطالب التونسية لإحياء الاتفاق وتفعيله في أقرب فرصة، بينما تجري مفاوضات مع مصر ونيجيريا لتوقيع اتفاقات مماثلة.