موسكو تتهم واشنطن ولندن بتنسيق الهجمات الأوكرانية في البحر الأسود

لائحة عقوبات روسية جديدة تضم مسؤولين عسكريين وأمنيين في بريطانيا

TT

موسكو تتهم واشنطن ولندن بتنسيق الهجمات الأوكرانية في البحر الأسود

صورة وزّعتها وزارة الدفاع الروسية لقصفٍ براجمات الصواريخ في موقع غير محدد في أوكرانيا (وزارة الدفاع الروسية - أ.ف.ب)
صورة وزّعتها وزارة الدفاع الروسية لقصفٍ براجمات الصواريخ في موقع غير محدد في أوكرانيا (وزارة الدفاع الروسية - أ.ف.ب)

صعّدت موسكو لهجة اتهاماتها ضد لندن وواشنطن بالانخراط في الحرب الأوكرانية، بعد مرور يوم واحد على إعلان مسؤولين روس أن بلادهم تقترب من «المواجهة المباشرة» مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأعلنت الخارجية الروسية أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية نسّقت بشكل مباشر هجمات على الأسطول الروسي في شبه جزيرة القرم، في حين نشرت وسائل إعلام قريبة من الكرملين تفاصيل عن تنشيط تحركات أنظمة المراقبة والرصد الغربية في البحر الأسود.

اتهامات بتورط عسكري مباشر

وفي امتداد لحملة موسكو القوية على الغرب، بعد الإعلان أخيراً عن تزويد أوكرانيا بشحنة من دبابات أميركية من طراز «ابرامز»، وجّهت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اتهامات مباشرة إلى لندن وواشنطن بتنسيق الهجمات الأوكرانية التي تركزت في الأسابيع الأخيرة على شبه جزيرة القرم. وكان نائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري مدفيديف قال الثلاثاء: إن «الخيارات تتقلص أمام موسكو، والوضع ينزلق أكثر نحو مواجهة مباشرة مع حلف الأطلسي»، متعهداً بالانتصار على التكتل الذي وصفه بأنه «مثل محور هتلر».

ماريا زاخاروفا (وزارة الخارجية الروسية - إكس)

وقالت زاخاروفا، اليوم (الأربعاء): إن تنفيذ الهجوم الأوكراني على قيادة أسطول البحر الأسود الروسي في مدينة سيفاستوبول حصل بـ«تنسيق وثيق مع خبراء أميركيين وبريطانيين». وأضافت خلال تقديمها إيجازاً صحافياً أنه «في 22 سبتمبر (أيلول) تعرّضت سيفاستوبول للهجوم مرة أخرى، وليس هناك أدنى شك في أن الهجوم تم التخطيط له مسبقاً باستخدام وسائل الاستخبارات الغربية، ومعدات الأقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع التابعة لدول (الناتو)، وتم تنفيذه بتحريض وتنسيق وثيق مع أجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية».

وكانت كييف شنّت هجوماً صاروخياً قوياً على مقر الأسطول الروسي أسفر عن تدمير أجزاء منه.

وتزامنت الاتهامات الروسية الجديدة مع نشر وسائل إعلام قريبة من الكرملين معطيات عن تنشيط تحركات وسائل الاستطلاع والتجسس الغربية في البحر الأسود. وأفادت أرقام نُسبت إلى منصة «فلايت رادار» المتخصصة، بأن الأميركيين مع حلفائهم في «الناتو» ضاعفوا عدد طلعات الاستطلاع الجوي في محيط منطقة القرم ثلاث مرات.

جنود أوكرانيون يستعدون للمشاركة في العمليات العسكرية ضد القوات الروسية في إقليم دونيتسك أمس الثلاثاء (أ.ف.ب)

تصعيد النشاط التجسسي لـ«الناتو»

ووفق المعطيات ذاتها، نفّذت طائرات الاستطلاع الأميركية والطائرات من دون طيار الاستراتيجية، بالإضافة إلى طائرات الاستطلاع التابعة لدول «الناتو»، 21 رحلة جوية في منطقة شبه جزيرة القرم خلال الأسبوع من 18 إلى 24 سبتمبر. وقد غطت تحركات طائرات التجسس البريطانية منطقة الساحل الشرقي لرومانيا، بينما حلّقت طائرات الاستطلاع الاستراتيجي الأميركية فوق الجزء الأوسط والشرقي من البحر الأسود.

وتؤكد معلومات الموقع أن معظم هذه الطلعات الجوية (16 من أصل 21) قامت بها طائرات أميركية.

وتشير المعطيات الروسية إلى أنه بالمقارنة مع الوضع في مطلع العام، فقد ارتفعت وتيرة التحركات الغربية في البحر الأسود من طلعة واحدة في المتوسط أسبوعياً إلى عشرات الطلعات شهرياً. وتزامن هذا النشاط مع تنشيط الهجمات الأوكرانية على شبه جزيرة القرم.

وأفادت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية بأنه «قبل يوم من الضربة التي استهدفت مقر أسطول البحر الأسود، والتي نفذتها القوات الأوكرانية باستخدام صواريخ كروز، ارتفع نشاط الطلعات الاستطلاعية للطائرات الأميركية وحلفائها بشكل ملحوظ».

في الوقت ذاته، نقلت الوكالة عن رئيس تحرير مجلة «الدفاع الوطني» التابعة لوزارة الدفاع إيغور كوروتشينكو، أن الأميركيين أقاموا منظومة استطلاع ضاربة في منطقة البحر الأسود تشارك مباشرة في الأعمال القتالية ضد روسيا.

وشدد كوروتشينكو على أن مسيّرات «غلوبال هوك» الجوية الأميركية التي تحلّق فوق المياه المحايدة للبحر الأسود، سوف تصبح هدفاً مشروعاً للدفاع الجوي الروسي، ورأى أن «تدمير حتى واحدة منها سيقلل من خطر الهجمات الأوكرانية على شبه جزيرة القرم».

قائد أسطول البحر الأسود الروسي الذي قالت أوكرانيا إنها قتلته بالقصف على مقر الأسطول في شبه جزيرة القرم... لكنه ظهر اليوم حياً في فيديو وزّعته الخدمة الإعلامية لأسطول البحر الأسود الروسي (رويترز)

عقوبات ضد لندن

تزامن الحديث الروسي عن تكثيف التدخل الغربي المباشر في الحرب، مع تصعيد جديد ضد لندن. وأعلنت الخارجية الروسية الأربعاء عن إدراج 23 شخصاً من بريطانيا على لائحة العقوبات الروسية بسبب انخراطهم بشكل مباشر في الحرب إلى جانب أوكرانيا.

ووفقاً للقرار الذي نُشر نصه على المنصة الإلكترونية للوزارة، فقد حظرت موسكو دخول 23 بريطانياً إلى روسيا واتخذت ضدهم إجراءات.

وأشار القرار الروسي إلى أنه «مع تزايد انخراط لندن في الدورة المناهضة لروسيا (...) تم اتخاذ قرار بتوسيع قائمة العقوبات الروسية لتشمل ممثلين عن المؤسسة العسكرية السياسية والهيئة الصحافية والمجتمع العلمي في بريطانيا».

وضمت القائمة المحدثة رئيس أركان الدفاع في القوات المسلحة أنتوني راداكين الذي تقول موسكو: إنه يُشرف على تدريب مقاتلي القوات المسلحة الأوكرانية على الأراضي البريطانية، ورئيسة لجنة الاستخبارات المشتركة الحكومية، مادلين أليساندري، التي تشارك في صياغة استراتيجية لندن في الاتجاه الأوكراني، وكذلك رئيسة مجلس إدارة شركة «بي إيه إي سيستمز» الدفاعية كريسيدا هوغ.

كما تنطبق القيود الجديدة على موظفي المراكز النفسية البريطانية «المشاركين في جمع وتحليل المعلومات لمكافحة روسيا». وتشمل هذه المؤسسات المعهد الملكي للدراسات الدفاعية، ومؤسسة هنري جاكسون، ومعهد سيفيتاس للأبحاث.

وأشارت وزارة الخارجية الروسية، في قرارها، إلى أن «العمل على توسيع قائمة العقوبات رداً على تصرفات لندن العدائية سوف يستمر».

تحمل كلبها معها أمام منزل متضرر بفعل القتال في إقليم دونيتسك اليوم الأربعاء (رويترز)

وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا فرضتا أوائل الشهر الحالي عقوبات على 11 روسياً متهمين بشن هجمات إلكترونية على البنية التحتية الحيوية خلال جائحة «كوفيد - 19». شملت اللائحة أشخاصاً متهمين بالمسؤولية عن ابتزاز ما لا يقل عن 180 مليون دولار في جميع أنحاء العالم وما لا يقل عن 27 مليون جنيه إسترليني من 149 ضحية في المملكة المتحدة، وفقاً للوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة. ونص قرار العقوبات ضدهم على منعهم من دخول البلاد وتجميد أصولهم.

هجوم على خيرسون وتقدم في خاركيف

ميدانياً، كشفت وزارة الدفاع الروسية عن أن وحداتها الصاروخية نفذت هجوماً قوياً قبل يومين.

وقالت الوزارة في بيان: إن الجيش «وجّه في 25 سبتمبر ضربة بصواريخ عالية الدقة ضد مستودعات للأسلحة والذخيرة تابع للقوات الأوكرانية في منطقة كيسيليوفكا بمقاطعة خيرسون». وأسفرت الضربة الصاروخية، وفقاً لمعطيات الوزارة، عن انفجارات واندلاع النيران في 12 مستودع ذخيرة وتدميرها.

مسعفون في منزل أُصيب بالقصف في منطقة تسيطر عليها روسيا بإقليم دونيتسك اليوم الأربعاء (رويترز)

وأشارت الوزارة في بيانها إلى أن هذه المستودعات كانت تحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف طن من الذخيرة والقذائف من مختلف العيارات.

وتقع قرية كيسيليوفكا، على الضفة اليمنى لنهر الدنيبر، شمال غرب مدينة خيرسون، بالقرب من الطريق السريعة المؤدية إلى نيكولاييف.

في غضون ذلك، تحدث مسؤولون عسكريون روس عن إحراز تقدم ميداني مباشر على عدد من المحاور. خصوصاً في إقليم خاركيف (شرق). وقال رئيس الإدارة العسكرية المدنية الذي عيّنته موسكو في المنطقة فيتالي غانشيف: إن القوات الروسية «تقدمت بشكل جيد» في الآونة الأخيرة وحصلت على موطئ قدم في معاقل كانت تابعة للقوات الأوكرانية في السابق في منطقة خاركيف.

وزاد: «لقد تقدم مقاتلونا بشكل جيد للغاية (...) العدو يجلب المزيد والمزيد من الاحتياطيات الجديدة ويبدي مقاومة شرسة. إنهم يعانون بالفعل من خسائر فادحة للغاية».

ووفقاً لغانشيف، اتخذ الجيش الروسي مواقع «ملائمة استراتيجياً لمزيد من التقدم».

وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قد أعلن في اجتماع عسكري الثلاثاء، أن القوات المسلحة الروسية نجحت في توسيع منطقة السيطرة بالقرب من سينكوفكا وبتروبافلوفكا في منطقة كوبيانسك في محيط خاركيف.


مقالات ذات صلة

ترمب يعين جنرالاً سابقاً مقرباً منه موفداً إلى أوكرانيا وروسيا

الولايات المتحدة​ ترمب وكيلوغ خلال لقاء سابق عام 2017 (أ.ف.ب)

ترمب يعين جنرالاً سابقاً مقرباً منه موفداً إلى أوكرانيا وروسيا

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، اليوم (الأربعاء)، أنه عيّن الجنرال السابق كيث كيلوغ المقرب منه للغاية، موفداً إلى أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جانب من الدمار جراء الغارات الروسية على أوكرانيا (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة قلقة بشأن «تصعيد جديد» للحرب في أوكرانيا

أعرب مسؤول كبير في الأمم المتحدة، اليوم (الأربعاء)، عن قلقه بشأن «تصعيد جديد» للحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا دبابة تابعة لقوات من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (إ.ب.أ)

15 ألف «مرتزق أجنبي» من 100 بلد يقاتلون الروس إلى جانب أوكرانيا

شكل انخراط آلاف من «المرتزقة الأجانب» من زهاء 100 بلد في العمليات العسكرية إضافة نوعية إلى الدعم العسكري والاستخباراتي الواسع الذي تحصل عليه أوكرانيا

رائد جبر (موسكو)
أرشيفية لتجربة أجرتها كوريا الشمالية لصاروخ باليستي (أ.ب)

موسكو ستبقي القنوات مفتوحة مع واشنطن... لكن تحذرها من «دوامة التصعيد»

حثت موسكو الأربعاء الولايات المتحدة على ضرورة وقف ما سمته «دوامة تصعيد» بشأن أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا رجال إطفاء أوكرانيون يعملون في مكان ما بعد هجوم جوي في دنيبرو وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

باحثة روسية: بوتين لا يخادع وإطلاق صاروخ فرط صوتي متوسط المدى يُعدّ «تحذيراً»

ردت روسيا باختبار صاروخ «أوريشنيك» الذي تفوق سرعته سرعة الصوت؛ ليؤكد بذلك قوته مع تجنب تصعيد أوسع نطاقاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)

باحثة روسية: بوتين لا يخادع وإطلاق صاروخ فرط صوتي متوسط المدى يُعدّ «تحذيراً»

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

باحثة روسية: بوتين لا يخادع وإطلاق صاروخ فرط صوتي متوسط المدى يُعدّ «تحذيراً»

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)

في خطوة مثيرة للجدل خلال فترته الانتقالية، كثَّف الرئيس الأميركي جو بايدن دعم بلاده لأوكرانيا من خلال الموافقة على نشر مقاولين عسكريين ونقل ألغامٍ مضادة للأفراد والسماح باستخدام صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع لشن ضربات داخل روسيا. وتستهدف هذه الإجراءات تعزيز دفاعات أوكرانيا قبل تولي خليفة بايدن الرئيس المنتخب دونالد ترمب السلطة، إلا أنها تخاطر بالتعرض لانتقادات دولية، خصوصاً إذا فشلت الصواريخ الغربية. فقد ردت روسيا باختبار صاروخ «أوريشنيك» الذي تفوق سرعته سرعة الصوت؛ ليؤكد بذلك قوته مع تجنب تصعيد أوسع نطاقاً.

«أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، قالت الدكتورة آنا ماتفيفا، الباحثة الزائرة بمعهد روسيا، التابع لكلية كينغز كوليدج لندن، ومؤلفة كتاب «خلال أوقات المتاعب»، إن الرئيس جو بايدن لم يلتزم الحذر وقرر استغلال الفترة الانتقالية لزيادة مخاطر الحرب في أوكرانيا. فقد سمح بانتشار المقاولين العسكريين الأميركيين داخل أوكرانيا ونقل ألغامٍ مضادة للأفراد إلى أوكرانيا. ولا تعدّ هذه الخطوة الأخيرة عملاً غير قانوني؛ نظراً لأن الولايات المتحدة لم توقّع مطلقاً على اتفاقية أوتاوا، إلا أنها تظل موضع شك من الناحية الأخلاقية. وبشكل عام، فإن الرغبة في تعظيم دعم أميركا لحليفتها واضحة لكي تتمكن أوكرانيا من الصمود لفترة بعد انتهاء ولاية بايدن في البيت الأبيض. ومن المتوقع أن يتم تقديم المزيد من الدعم.

فلاديمير بوتين يصافح دونالد ترمب خلال لقاء في اليابان (أ.ب)

ومن الناحية العسكرية، من غير المرجح أن تغير صواريخ «أتاكمز» وصواريخ «ستورم شادو» البريطانية الصنع الأوضاع في أوكرانيا، حيث إن الجيش الروسي على دراية بها من المعارك التي خاضها من قبل، ومن المتوقع أن تكون روسيا قد أبعدت أصولها القيّمة من المدى الذي تصل إليه هذه الصواريخ. ولا تمتلك أوكرانيا مخزونات كبيرة من الصواريخ، وتكمن أولويتها في الدفاع عن أراضيها بدلاً من الاحتفاظ بموطئ قدم في منطقة كورسك الروسية إلى أجل غير مسمى.

وترى الدكتورة ماتفيفا، التي عملت لدى الأمم المتحدة وعاشت في آسيا الوسطى بصفتها المستشارة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعني بالسلام والتنمية، أنه إذا حدث خطأ في الملاحة وتسبب في سقوط صاروخ غربي على روضة أطفال روسية، فسيضيف هذا إلى تضرر سمعة الغرب على الصعيد الدولي.

وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر الواضح هو أن بايدن عازم على ترك إرث معقد في السياسة الخارجية لخليفته قدر الإمكان وعرقلة طموحات ترمب لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا.

وظهر الانطباع بأنه يحاول استفزاز روسيا للقيام برد فعل متهور، يجعل مفاوضات السلام مع بوتين صعبة للغاية، حتى بالنسبة لترمب. ولا يستند نهج الرئيس القادم إزاء الصراع إلى هزيمة روسيا، لكنه قد لا يكون قادراً على تحمُّل تصعيد خطير. وهذا ما تردد أن ترمب حذر بوتين من القيام به.

وهكذا، فإن الضربات التي وافقت عليها الولايات المتحدة على منطقتي كورسك وبريانسك الروسيتين يومي 19 و21 نوفمبر (تشرين الثاني) وضعت موسكو أمام معضلة: إما الرد بقوة والتخلي عن آمال السلام أو ابتلاع كبريائها والانتظار لمدة شهرين حتى تنصيب ترمب. ونظراً لأن بوتين يحقق النجاح لأنه يفعل ما يقول، فإنه لا يمكن أن يترك ضربة تمر دون أن يرد عليها ـ وإلا فإن صورة القوة الروسية ستتضرر وستفقد تهديداتها للغرب مصداقيتها. وكان يتعين على بوتين أن يتحرك، على الأقل بدافع احترام الذات.

خبراء أوكرانيون يعاينون بقايا صاروخ روسي الاثنين في خاركيف (إ.ب.أ)

وقالت ماتفيفا إن موسكو اختارت الرد في ساحة المعركة الحالية بدلاً من مهاجمة مصالح غربية في مختلف أنحاء العالم. وقد حققت روسيا هذا الغرض من خلال إطلاق الصاروخ «أوريشنيك» الباليستي متوسط المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت ومن دون رأس حربية نووية على أوكرانيا المدمرة بالكامل. فقد أظهر هذا الهجوم قوة روسيا دون أن يتسبب في ضرر جسيم. وأظهرت روسيا أن لديها سلاحاً، كشفت عنه في السابق، وأنها مستعدة لاستخدامه.

وقد كانت عملية إطلاق الصاروخ تجربة مذهلة وناجحة وإن كانت محفوفة بالمخاطر. فقد نجح الصاروخ في اختبار ظروف القتال ووصل إلى هدفه وهو منشأة «يوجماش» الأوكرانية للإنتاج العسكري في دنيبرو دون أن يتم اعتراضه.

وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر المشجع هو أن نظام التحذير الروسي - الأميركي أثبت نجاحه، فقد أصدر المركز الروسي للحد من الخطر النووي إشارة إخطار مسبق إلى نظيره الأميركي قبل ثلاثين دقيقة من الإطلاق لكي يعرف نظام تتبع الصواريخ الأميركي أن هذا الإطلاق لم يكن نووياً.

وحذَّر بوتين الذي اكتسب جرأة من أنه يمكن أن يكون هناك المزيد من تجارب إطلاق الصواريخ؛ وذلك بناءً على الطريقة التي سيتصرف بها الغرب، في إشارة واضحة إلى دعوات بعض السياسيين الأوروبيين لإرسال قواتهم إلى أوكرانيا.

واختتمت ماتفيفا تحليلها بالقول إن هذه الأحداث أظهرت أن انتقال السلطة في الولايات المتحدة يمثل فترة غير مستقرة للغاية قد تشهد تصعيداً كبيراً. ويبدو أن الضمانة الرئيسة ضد اندلاع حرب كبرى هي وجود العقل في موسكو وليس الحكمة الصادرة من واشنطن. فهل مات فن الدبلوماسية الدفاعية في الغرب؟ لقد زاد الطلب عليه الآن.