وصل البابا فرنسيس، الجمعة، إلى مدينة مرسيليا الفرنسية المطلة على البحر المتوسط في زيارة قصيرة وغير رسمية لفرنسا، التي لم يأت إلى عاصمتها أبداً منذ انتخابه في عام 2014. ونقل عن البابا قوله إنه «يزور مرسيليا وليس فرنسا». ورغم ذلك، فإن رئيسة الحكومة إليزابيث بورن ستكون عند سلم الطائرة لدى نزوله منها في مطار مارينيان القريب من المدينة، كما أنه سيلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون غداً في قصر «فارو» المطل على ميناء المدينة القديم. كذلك، فإن ماكرون وزوجته سيحضران القداس الذي يقيمه البابا في ملعب المدينة الكبير الذي يستوعب 67 ألف شخص.
ورداً على الانتقادات التي وجهت إليه بسبب حضوره مناسبة دينية وكون فرنسا دولة علمانية، قال ماكرون في فيديو قصير إنه يقوم بذلك بصفته «رئيساً لفرنسا، وليس بصفته مؤمناً مسيحياً»، مشيراً إلى أنه سبق له أن حضر مناسبات دينية لديانات أخرى.
«مقبرة اللاجئين»
وقالت مصادر قصر الإليزيه، في معرض تقديمها للزيارة، إن ملف الهجرة سيكون أحد المواضيع الرئيسية التي سيتباحث بها رئيسا الدولتين إلى جانب ملفات أخرى تتناول المناطق الساخنة في العالم؛ كالحرب في أوكرانيا والسودان. وسيكون للملف اللبناني مكان خاص في اللقاء نظراً لاهتمام الجانبين: البابوي والفرنسي، بتطورات الأزمة اللبنانية والفراغ الرئاسي، فضلاً عن موجة النزوح السورية الجديدة إليه. ورغم أن الدبلوماسية الفاتيكانية ناشطة جداً، فإنها تفضل العمل الصامت البعيد عن الإعلام.
وتأتي الزيارة البابوية إلى مرسيليا فيما أزمة الهجرات العشوائية إلى أوروبا بلغت حدها الأقصى، كما برز ذلك من خلال وصول الآلاف من اللاجئين، الأسبوع الماضي، إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية انطلاقاً من الشواطئ التونسية والليبية. والجزيرة الإيطالية الصغيرة الواقعة على مسافة 150 كلم من الشاطئ التونسي كانت وجهة زيارته الأولى مباشرة بعد انتخابه. ويولي البابا مسألة اللاجئين اهتماماً ثابتاً في كل تنقلاته ووعظاته الرعوية، مندداً بالإهمال الذي يواجههم.
ولم يتردد البابا فرنسيس، الأسبوع الماضي، في وصف البحر المتوسط بأنه «مقبرة اللاجئين». ووفق مصادر الفاتيكان، فإن السبب الرسمي لزيارة مرسيليا عنوانه المشاركة في اختتام أعمال منتدى واسع احتضنه «قصر فارو» تحت عنوان «اللقاءات المتوسطية» حول ملف الهجرات واللجوء والتغيرات البيئية.
ويشارك في المنتدى 60 أسقفاً و70 شاباً، والعديد من السياسيين والمنظمات من الدول المطلة على المتوسط. وستكون الكلمة الختامية للبابا الذي سبق له أن قال إن «ما يجري في مياه المتوسط مسألة تقلقني، ولذا فأنا ذاهب إلى فرنسا. كما أنني أعتبر أنه من الإجرام استغلال اللاجئين». وندد البابا، الأرجنتيني الأصل، مراراً بما سماه «عولمة اللامبالاة» إزاء وفاة الآلاف من اللاجئين لدى محاولتهم الوصول إلى الشواطئ الأوروبية. وينتظر الجميع الكلمة التي سيلقيها البابا، ظهر السبت، في اختتام أعمال المنتدى.
وقبل ذلك، سيزور مباشرة بعد وصوله إلى مرسيليا النصب المرفوع في إحدى ساحات المدنية؛ تكريماً لضحايا البحر برفقة مسؤولين دينيين وجمعيات الدفاع عن اللاجئين؛ للتعبير عن إدانته لمصيرهم البائس. ومن المحطات الأخرى في الزيارة البابوية لقاء مجموعة من الأشخاص المهمشين والأكثر هشاشة في محطة سان شارل للقطارات، صباح السبت، وتجوال في السيارة البابوية المصفحة للقاء سكان المدينة على الواجهة البحرية.
تعزيزات أمنية
بيد أن البابا يحل في فرنسا التي تنهج سياسة متشددة إزاء اللجوء. فقد أكّد جيرالد درامانان، وزير الداخلية، تعليقاً على ما يحصل في الجزيرة الإيطالية، أن فرنسا «تستقبل أياً من اللاجئين» الذين وصلوا إلى لامبدوسا في الوقت الذي تشكو فيه إيطاليا من انعدام التضامن الأوروبي معها. ويسعى الأوروبيون إلى دفع دول شمال أفريقيا، وتحديداً تونس وليبيا، إلى احتواء المهاجرين عن طريق تقديم المساعدات المالية والوسائل اللوجيستية اقتداء بما قاموا به مع تركيا، بينما يرى الخبراء أن تدفق اللجوء لن يتوقف بسبب الأزمات المعيشية والحروب والتصحر وانعدام فرص العمل الذي تعاني منه العديد من الدول الأفريقية، وبالتالي يتعين معالجة جذور المشكلة، وليس الاكتفاء فقط بالمعالجة الأمنية القاصرة.
تعد زيارة البابا إلى مرسيليا الأولى من نوعها بعد 500 عام على الزيارة التي قام بها البابا كليمان السابع في عام 1533. وتشكل الاهتمامات الأمنية أحد أبرز التحديات لوزارة الداخلية التي قررت نشر ما لا يقل عن خمسة آلاف رجل في المدينة الساحلية يومي الجمعة والسبت.
والمعروف أن مرسيليا هي المدينة الأكثر معاناة من مشاكل تجارة المخدرات ومن أعمال العنف والقتل وسيلة لتصفية النزاعات بين المجموعات والعصابات المتناحرة للسيطرة على عدد من أحياء المدينة التي تعرف معدلاً مرتفعاً من المهاجرين قياساً بالمدن الفرنسية الأخرى.