الهجرة تفجّر أزمة جديدة بين إيطاليا وألمانيا

حكومة ميلوني لوّحت بـ«إغلاق» حدودها البحرية أمام المهاجرين

رجال أمن إيطاليون يخاطبون مهاجرين في لامبيدوسا، السبت (أ.ب)
رجال أمن إيطاليون يخاطبون مهاجرين في لامبيدوسا، السبت (أ.ب)
TT

الهجرة تفجّر أزمة جديدة بين إيطاليا وألمانيا

رجال أمن إيطاليون يخاطبون مهاجرين في لامبيدوسا، السبت (أ.ب)
رجال أمن إيطاليون يخاطبون مهاجرين في لامبيدوسا، السبت (أ.ب)

بعد التوتر الشديد الذي ساد العلاقات الإيطالية - الفرنسية طيلة أشهر العام الماضي حول الخلاف على استقبال مئات المهاجرين غير الشرعيين الذين أنقذتهم قوارب الإغاثة في المتوسط، عادت قضية الهجرة لتفجّر أزمة جديدة بين حكومة جيورجيا ميلوني والحكومة الألمانية التي أعلنت تجميد جميع إجراءات الاستقبال الطوعي للمهاجرين الوافدين من إيطاليا. وتحثّ برلين دوماً على العودة لتطبيق اتفاقية دبلن، التي تشكّل حالياً الإطار القانوني الذي ينظّم حق اللجوء في الاتحاد الأوروبي، الذي ينصّ على أن الدولة التي يدخل منها المهاجرون إلى الاتحاد هي التي يجب أن تتولّى استقبالهم والتأكد من هوياتهم وجمع المعلومات عن الطرق التي سلكوها للوصول إلى الأراضي الأوروبية.

تجميد التعاون

وبعد أن أكّدت برلين قرارها على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي قال إن بلاده ستجمّد تعاونها مع إيطاليا في هذا المجال، صعدّت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني في تصريحاتها قائلة إن بلادها لم تعد قادرة على استيعاب هذا التدفق الهائل من المهاجرين غير الشرعيين. وحذّرت من أنها ستقفل حدودها البحرية إذا لم يسارع الاتحاد الأوروبي إلى المساعدة في مراقبة الحدود الخارجية.

قارب مهاجرين في سواحل لامبيدوسا، السبت (أ.ب)

وكانت جزيرة لامبيدوسا قد شهدت تدفق عدد غير مسبوق من المهاجرين في يوم واحد، الأربعاء الفائت، حيث وصل إلى شواطئها ما يزيد على 7 آلاف مهاجر.

وتأتي هذه الأزمة في الوقت الذي تجهد فيه المفوضية الأوروبية لإنجاز ميثاق الهجرة الذي ما زال موضع تباين عميق بين الدول الأعضاء، خاصة ما يتعلق منه بإدارة الأزمة. كما تسعى إلى حلول للحد من تدفقات الهجرة عبر اتفاقات كالذي وقّعته مؤخراً مع تونس، والذي لم يثمر حتى الآن النتائج المنشودة منه، باعتراف المسؤولين في المفوضية.

انتقادات حادة

وتتعرّض ميلوني لانتقادات شديدة من المعارضة التي تتهمها باتباع سياسة للهجرة فاشلة، أدّت إلى مضاعفة عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وبأنها تسببت في تدهور العلاقات مع اثنين من أهم الشركاء الأوروبيين؛ فرنسا وإيطاليا. لكنها تواجه أيضاً جبهة داخلية أخرى فتحها حليفها في الحكومة زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف ماتّيو سالفيني، الذي يحاول المزايدة عليها بدعواته المتكررة إلى اتخاذ تدابير أكثر تشدداً لوقف الهجرة وعدم التقيّد بالاتفاقات الأوروبية المعقودة لمعالجتها.

ميلوني تلقي كلمة في مؤتمر ببودابست (رويترز)

ويقرأ المراقبون في العاصمة الإيطالية قرار الحكومة الألمانية كخطوة تعلن عن مواجهة سياسية بين برلين وروما، رغم أن ملف الهجرة سبق أن تسبب في توتر العلاقات بين الطرفين خلال وجود حكومات أخرى. ويأتي هذا القرار الألماني برفض استقبال المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من إيطاليا في فترة تشهد فيها الحكومة الائتلافية التي يرأسها أولاف شولتس توتراً على الصعيد الداخلي، وتتعرّض للضغط من السلطات المحلية التي تتذمّر وتحتجّ منذ أشهر لعدم قدرتها على استيعاب مزيد من طلبات اللجوء، وعدم تمكنها من توفير الخدمات الأساسية اللازمة للمهاجرين.

توزيع أعباء الهجرة

ومنذ وصولها إلى الحكومة لم تتوقف جيورجيا ميلوني عن اتهام الشركاء في الاتحاد الأوروبي بالتنصّل من أي مسؤولية أو مساعدة في استقبال تدفقات المهاجرين الذين تضطر إيطاليا أيضاً لمعالجة ملفات تسجيلهم وطلبات اللجوء وتوزيعهم على الدول الأعضاء الأخرى.

سيدة تبكي خارج مركز هجرة بصقلية، السبت (أ.ب)

وفيما لا يزال الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبات لإنجاز ميثاق الهجرة واللجوء، الذي بدأت المفاوضات حوله في عام 2020، تسعى المفوضية إلى اتخاذ مبادرات من شأنها توزيع أعباء استقبال المهاجرين بصورة منصفة بين الدول الأعضاء، مثل آلية التضامن الطوعي التي وقّعتها مؤخراً 23 دولة، من بينها ألمانيا، وتتعهد مساعدة الدول المتوسطية الخمس (إيطاليا، إسبانيا، اليونان، قبرص، مالطا) التي يصل المهاجرون إلى شواطئها. لكن هذه الآلية، التي احتفت بها المفوضية عند إبرامها، تبيّن أنها عاجزة أيضاً عن إدارة هذا الملف الشائك.

ويقول المسؤولون في وزارة الداخلية الألمانية إن برلين قد استقبلت منذ مطلع العام ما يزيد على 1700 مهاجر غير شرعي، من أصل 3500 تعهدت باستقبالهم بموجب الآلية، وإن أكثر من 1000 من بينهم جاؤوا من إيطاليا. ويضيفون أن ألمانيا تنظر حالياً في أكثر من 200 ألف طلب للجوء قدّمها مهاجرون منذ مطلع هذا العام حتى نهاية الشهر الماضي، فضلاً عن استقبالها 1.1 مليون نازح أوكراني منذ بداية الغزو الروسي.


مقالات ذات صلة

المعارضة اليونانية تطالب بالتحقيق في مزاعم إلقاء مهاجرين في البحر

أوروبا مهاجرون خارج عربة إسعاف بعد عملية إنقاذ نفّذها خفر السواحل اليوناني (أرشيفية - أ.ب)

المعارضة اليونانية تطالب بالتحقيق في مزاعم إلقاء مهاجرين في البحر

طالب حزب المعارضة اليوناني بفتح تحقيق بعد تقرير «بي بي سي»، يزعم أن خفر السواحل اليوناني كان مسؤولاً عن وفاة عشرات المهاجرين خلال السنوات الثلاث الماضية.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
شمال افريقيا دورية لخفر السواحل الجزائري في البحر المتوسط (وزارة الدفاع الجزائرية)

قلق في الجزائر بسبب تفاقم الهجرة السرية مع بداية الصيف

وصول 160 مهاجراً جزائرياً إلى سواحل إسبانيا خلال الأسبوع الحالي، تزامناً مع قلق السلطات الجزائرية من تفاقم الهجرة السرية مع بداية الصيف.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الاقتصاد رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية ألفرو لاريو (الشرق الأوسط)

«الصندوق الدولي للتنمية الزراعية» يحذر من تحديات كبيرة تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

حذّر الصندوق الدولي للتنمية الزراعية من تحديات كبيرة تواجه منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا تتمثل في الهشاشة والهجرة والتغير المناخي والأمن الغذائي

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
شمال افريقيا ميلوني (أقصى اليمين) وسعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته في قرطاج يونيو الماضي (أ.ف.ب)

ميلوني تناقش في تونس ملف الهجرة الشائك

تترقب تونس زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، الأربعاء المقبل، حيث سيكون على رأس اهتماماتها ملف الهجرة غير الشرعية المنطلقة من تونس.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجيش يوقف تجار مخدرات (وزارة الدفاع)

الأمن الجزائري يوقف المئات من الأشخاص بين مهربين ومهاجرين

بينما اعتقلت وحدات من الجيش 833 شخصاً بين مهربين غير شرعيين، في عمليات متفرقة، صرَح قائد الجيش سلاح الدرك «دعامة أساسية» في خطة محاربة الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
TT

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)

تواصل السبت الاضطراب في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة إعلان الشركة الوطنية لسكك الحديد عن تعرّضها «لهجوم ضخم» أتى قبل ساعات من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية «باريس 2024».

وسجّلت حركة القطارات السريعة تحسناً لكن الاضطرابات ما زالت قائمة. وسيشهد الخطان الشمالي الغربي والجنوبي الغربي تشغيل قطارين سريعين من ثلاثة، بينما سيشهد الخط الشمالي 80 في المائة من الحركة المعتادة للقطارات السريعة، وفق تقديرات شركة لسكك الحديد التي أوضحت أن الحركة عبر الخط الشرقي ستجري كالمعتاد، مرجحة أن تستمر الاضطرابات الأحد على الخط الشمالي وأن يشهد الخط الأطلسي تحسّناً.

الا أن الشركة أكدت أن «كل عمليات النقل للفرق والمعتمدين» للمشاركة في أولمبياد باريس مؤمنة.

وتعرضت الشركة لـ«هجوم ضخم» ليل الخميس الجمعة مما تسبب باضطراب كبير في حركة القطارات أثّر على 800 ألف مسافر قبل حفلة الافتتاح. وقالت الجمعة إن «العديد من الأعمال الخبيثة المتزامنة» أثرت على خطوطها الأطلسية والشمالية والشرقية.

وفتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً في الهجمات. وأفاد مصدر مقرب من التحقيق بأن العملية كانت «محضّرة بشكل جيد» وتقف خلفها «الهيكلية ذاتها»، بينما أكد مصدر مقرّب من الملف أن أي طرف لم يعلن مسؤوليته.

وأوضحت الشركة الجمعة أن حرائق متعمدة عطّلت محطات الإشارات في كورتالين على مسافة نحو 140 كيلومترا جنوب غرب باريس، وفي كرواسي على مسافة 200 كيلومتر شمال العاصمة، وبايني-سور-موزيل على مسافة 300 كيلومتر إلى الشرق.

وعلى خط الجنوب الشرقي تمكن عمال السكك الحديد من «إحباط عمل خبيث» أثناء قيامهم بعمليات صيانة ليلية في فيرجيني، على مسافة 140 كيلومترا جنوب شرق باريس. ورصد العمال أشخاصا وأبلغوا قوات الدرك، ما دفع المخرّبين إلى الهروب، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.