مجنّدون أوكرانيون يفرّون من الخدمة عبر شبكة معقّدة من الفساد

إيفغين كوروتش ضابط احتياط أوكراني يبلغ من العمر 38 سنة وهو الآن يعمل سائق سيارة أجرة يسير في أحد شوارع وارسو عاصمة بولندا في 31 يوليو 2023 (أ.ف.ب)
إيفغين كوروتش ضابط احتياط أوكراني يبلغ من العمر 38 سنة وهو الآن يعمل سائق سيارة أجرة يسير في أحد شوارع وارسو عاصمة بولندا في 31 يوليو 2023 (أ.ف.ب)
TT

مجنّدون أوكرانيون يفرّون من الخدمة عبر شبكة معقّدة من الفساد

إيفغين كوروتش ضابط احتياط أوكراني يبلغ من العمر 38 سنة وهو الآن يعمل سائق سيارة أجرة يسير في أحد شوارع وارسو عاصمة بولندا في 31 يوليو 2023 (أ.ف.ب)
إيفغين كوروتش ضابط احتياط أوكراني يبلغ من العمر 38 سنة وهو الآن يعمل سائق سيارة أجرة يسير في أحد شوارع وارسو عاصمة بولندا في 31 يوليو 2023 (أ.ف.ب)

دفع المجند الأوكراني إيفان إيشتشينكو رشاوى وخاطر باتهامه بالجبن بعد شهر من وجوده على إحدى الجبهات في مواجهة الجيش الروسي، ويروي: «رأيت رأساً مقطوعاً وشخصاً يعرّض نفسه لإطلاق النار»، في تصوير مروّع لعنف النزاع، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ومثله فضّل مجندون آخرون، عقدوا العزم في البداية على محاربة الغزو الروسي، الفرارَ بسبب عنف النزاع من خلال الاستفادة من شبكات الفساد التي يحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القضاء عليها.

وصرح الشاب الثلاثيني ذو الشعر الطويل واللحية الكثيفة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنت أظن نفسي بطلاً خارقاً، لكن عندما تشاهد حقيقة الحرب من كثب، تدرك أنك عاجز تماماً أمامها».

و«لعدم رؤية هذه المشاهد» دفع رشوة مقدارها 5 آلاف دولار لتقوم سيارة تحمل لوحة تسجيل حكومية بنقله إلى غابة قريبة من المجر، حيث سمح له ثقب في السياج بعبور الحدود بشكل غير قانوني.

وبسبب الحرب، لا يُسمح للأوكرانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً بمغادرة الأراضي الأوكرانية إلا بإذن خاص.

ويتعرض الفارون لعقوبات تصل إلى السجن 12 عاماً، فيما يتعرض من يرفضون الخدمة لعقوبة السجن 5 سنوات.

وبات إيفان إيشتشينكو مضطراً للعيش في المنفى. وتنقّل في أوروبا وهو يقيم حالياً في مدينة درسدن الألمانية.

شهادة طبية مزورة

إذا كان الغزو الروسي قد ساهم في توحيد الأمة الأوكرانية، فإن البعض لا يزال يفضل الرحيل. منذ بداية الحرب، تم اعتقال 13600 شخص حاولوا مغادرة البلاد بشكل غير قانوني، وفقاً للمتحدث باسم حرس الحدود أندري ديمشينكو.

وألقي القبض على نحو 6100 آخرين بحوزتهم وثائق مزورة، ما يعطي فكرة عن هذه الظاهرة.

وتطرق زيلينسكي علناً للمشكلة مطلع أغسطس (آب) من خلال إقالة جميع المسؤولين الإقليميين المكلفين بعملية التجنيد، وتم دهم أكثر من 200 مركز تجنيد.

ودان الرئيس الأوكراني فساد إدارة المجندين، واصفاً إياه بأنه «خيانة».

ومع ذلك، فإن هذا النوع من الترتيبات ليس بالجديد؛ إذ إن الفساد متأصل منذ عقود في أوكرانيا.

يؤكد شخص آخر يدعى إيفان رفض كشف اسمه الكامل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الجميع يعرف شخصاً يمكنه تقديم المساعدة».

نجح إيفان في الفرار في مايو (أيار) بفضل شهادة طبية مزورة دفع مقابلها 5 آلاف دولار.

وقال الشاب البالغ 24 عاماً: «أعلم أن ما فعلته خطأ وهو أمر مزعج».

مشاعر متضاربة

يشعر هؤلاء الأوكرانيون الذين يرفضون القتال بالذنب عندما يلتقون مواطنيهم في دول أوروبا الغربية. تلك هي حال إيفغين كوروتش الذي يواجه أحياناً مواقف محرجة أثناء قيادته سيارة الأجرة في وارسو.

قال ضابط الاحتياط البالغ 38 عاماً، والذي كان في بولندا عندما اندلعت الحرب وعدل عن العودة إلى بلاده: «قيل لي: أزواجنا يقاتلون على الجبهة وأنتم الجبناء تختبئون!».

من المستحيل عدم ملاحظة رجل بين ملايين الأوكرانيين الذين استقبلوا في بولندا: نصف اللاجئين من الأطفال وأكثر من ثلاثة أرباع البالغين من النساء اللواتي تركن أزواجهن في أوكرانيا بعدما لبوا نداء الوطن.

يدرك إيفغين أنه موضوع «مؤلم» و«مثير للجدل». ويضيف: «أعلم أن عليّ الدفاع عن وطني لكن في الوقت نفسه عائلتي تحتاج إليّ، ومن واجبي الاعتناء بها».

يتحدر من أوديسا في جنوب أوكرانيا، وأتى بطفله كيريل البالغ 5 سنوات وابنته أناستازيا البالغة 8 سنوات، وزوجته من أوكرانيا.

ويعلق: «عندما أنظر إليهم يمنحني ذلك القوة، وأتأكد من أنني لا أفعل هذا عبثاً».

ولضمان مستقبل عائلته، توجه بوغدان مارينينكو إلى بولندا في أغسطس 2022، قبل يومين من عيد ميلاده الثامن عشر، بعدما شجعه أقاربه على المغادرة، بينما يحمل والده السلاح في أوكرانيا.

ويقول الشاب مرتدياً ملابس فضفاضة: «إذا أصابه مكروه فلن يبقى غيري لإعالة والدتي وشقيقاتي».


مقالات ذات صلة

«الناتو»: أوكرانيا قد تواجه «أصعب شتاء» منذ نشوب الحرب

أوروبا سيدتان تقفان بجوار مبنى سكني تضرّر خلال غارة روسية على بلدة أوكرانية (رويترز)

«الناتو»: أوكرانيا قد تواجه «أصعب شتاء» منذ نشوب الحرب

حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، الثلاثاء، من أن أوكرانيا قد «تواجه أصعب شتاء» على الإطلاق منذ بدء الغزو الروسي الشامل لها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم دونالد ترمب وفلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)

ترمب تَوَاصَلَ «سراً» مع بوتين بعد مغادرة البيت الأبيض

ذكر الصحافي الأميركي بوب ودورد في كتابه الجديد، المقرَّر نشره الأسبوع المقبل، أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تواصل سراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا مسيّرات روسية هاجمت أوديسا الأوكرانية (رويترز)

القوات الروسية تتقدم نحو توريتسك بعد أيام من سقوط فوليدار

قوات موسكو تتقدم نحو بلدة توريتسك المتنازع عليها منذ فترة طويلة، وذلك بعد أقل من أسبوع من سقوط بلدة فوليدار.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا زيلينسكي مع وزير الدفاع الأميركي (أ.ب)

الاتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات جديدة لمواجهة الهجمات الروسية الهجينة

تعتزم دول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على روسيا وزيلينسكي يطالب بمزيد من الأسلحة قبيل اجتماع رامشتاين.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (برلين) «الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس في المؤتمر السنوي الثالث والعشرين للمجلس الألماني للتنمية المستدامة (د.ب.أ)

حرب أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط أولوية اجتماع بين شولتس وبايدن وماكرون وستارمر

يستقبل المستشار الألماني أولاف شولتس، في برلين، الرئيسَين الأميركي والفرنسي، ورئيس الوزراء البريطاني؛ لبحث الحرب في أوكرانيا، والوضع في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (برلين)

القضاء الأوروبي يدين قبرص لإعادتها لاجئيْن سورييْن إلى لبنان

مبنى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (رويترز)
مبنى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (رويترز)
TT

القضاء الأوروبي يدين قبرص لإعادتها لاجئيْن سورييْن إلى لبنان

مبنى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (رويترز)
مبنى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (رويترز)

دانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الثلاثاء، قبرص؛ لاعتراضها في البحر لاجئيْن سورييْن، وإعادتهما إلى لبنان دون النظر في طلب اللجوء الخاص بهما.

وحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، فرّ السوريان المولودان عام 1983 في إدلب (شمال غرب) من بلادهما عام 2016 بسبب الحرب، للذهاب إلى لبنان، حيث عاشا في مخيمات للاجئين، وخوفاً من إعادتهما إلى سوريا قرّرا طلب اللجوء في قبرص.

وفي سبتمبر (أيلول) 2020، ذهبا مع مهرّب في قارب ضمن مجموعة من 30 مهاجراً، واعترضت السلطات القبرصية القارب وأعادتهما إلى لبنان.

وتوجه مقدِّما الطلبين إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، واشتكيا من أنه تمت إعادتهما إلى لبنان في إطار إجراء جماعي، دون النظر في طلبهما للجوء، ولا وضعهما الفردي، ودون إمكانية الوصول إلى سبيل طعن داخلي.

وأصدرت محكمة ستراسبورغ، الثلاثاء، حكماً في صالحهما، مشيرةً إلى أنه حصل انتهاك للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، المتعلقة بحظر المعاملة اللاإنسانية أو المُهينة، وانتهاك للمادة 4 من البروتوكول رقم 4 (حظر الطرد الجماعي للأجانب)، وكذلك انتهاك للمادة 13، المتعلقة بالحق في الانتصاف الفعّال.

وقضت المحكمة المكلّفة بتطبيق الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان في الدول الـ46 الموقعة، بأن السلطات القبرصية أعادت السورييْن إلى لبنان دون معالجة طلب اللجوء الخاص بهما، ودون استكمال كل الخطوات المطلوبة بموجب القانون المتعلق باللاجئين.

وأكّدت المحكمة أن السلطات الوطنية لم تعمد إلى تقييم الخطر الذي يواجهه الشخصان المعنيان من عدم الوصول إلى إجراءات لجوء فعّالة في لبنان، ولا الظروف المعيشية لطالبي اللجوء في هذا البلد، ولا خطر الإعادة القسرية، أي العودة القسرية إلى بلد يواجه فيه الأشخاص المعنيون خطر الاضطهاد، ولا الوضع الخاص للشخصين المعنييْن.

ويتعيّن على قبرص دفع 22 ألف يورو لكل مقدّم طلب مقابل الأضرار غير المعنوية، و4700 يورو بشكل مشترك لتغطية التكاليف القانونية.