مراسم دفن «سرية» لبريغوجين... «بطل روسيا» لم يجد مكاناً في «مقبرة العظماء»

بوتين غاب والنخب السياسية قاطعت... وإجراءات التشييع لفها الغموض

صورة يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة «فاغنر» ودميتري أوتكين أحد قادة المجموعة في نصب تذكاري مؤقت في نيجني نوفغورود بروسيا 27 أغسطس 2023 (رويترز)
صورة يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة «فاغنر» ودميتري أوتكين أحد قادة المجموعة في نصب تذكاري مؤقت في نيجني نوفغورود بروسيا 27 أغسطس 2023 (رويترز)
TT

مراسم دفن «سرية» لبريغوجين... «بطل روسيا» لم يجد مكاناً في «مقبرة العظماء»

صورة يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة «فاغنر» ودميتري أوتكين أحد قادة المجموعة في نصب تذكاري مؤقت في نيجني نوفغورود بروسيا 27 أغسطس 2023 (رويترز)
صورة يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة «فاغنر» ودميتري أوتكين أحد قادة المجموعة في نصب تذكاري مؤقت في نيجني نوفغورود بروسيا 27 أغسطس 2023 (رويترز)

مثلما كان في حياته محاطا بالغموض ومثيرا للجدل، فإن مراسم وداع زعيم «فاغنر» يفغيني بريغوجين ورفاقه أحيطت أيضا بكثير من السجالات وسيطر عليها الغموض والتكتم، فضلا عن الارتباك الذي ظهر من خلال تنظيم عمليات دفن الجثامين، وسط حضور شعبي وغياب رسمي كامل.

صورة لبريغوجين يقدم الطعام لبوتين عام 2011 (أ.ب)

حتى عصر الثلاثاء لم يكن معروفا أين وكيف سوف يدفن بريغوجين. ما اتضح خلال ساعات النهار أن قيادة «فاغنر» أو ما تبقى منها على الأقل، غيرت خططا كانت معدة لدفن زعيمها. وبعد أن كان قد أعلن صباحا أن جنازة بريغوجين سوف تنطلق في سان بطرسبورغ من ساحة عامة قريبة من المكتب الرئيسي للمجموعة، ليتم دفنه في مقبرة تاريخية شمال المدينة، تم إلغاء هذه المراسم من دون توضيح الأسباب، وأطلق المكتب الصحافي لـ«فاغنر» بعد ظهر الثلاثاء، بيانا مقتضبا شابه الغموض، نفى معطيات تناقلتها وسائل الإعلام حول ترتيبات الدفن، وأعلن أنه سيتم الإفصاح لاحقا عن مراسم وداع قائد «فاغنر».

مركز «فاغنر» في سان بطرسبورغ... قد يكون تحديد مصير أصولها الاقتصادية أكثر صعوبة من الأصول الأمنية (أ.ف.ب)

أيضا بات معروفا منذ الصباح، أن النخب السياسية البرلمانية الروسية لن تشارك في أي فعاليات متعلقة بدفن ضحايا حادث تحطم الطائرة الذي أسفر عن غياب الجزء الأكبر من الصف الأول في قيادة «فاغنر». وبعد إعلان الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف أن الرئيس فلاديمير بوتين لن يحضر مراسم التشييع، لاحظ صحافيون غطوا التحركات النشطة التي شهدتها ثلاث مقابر في سان بطرسبورغ غياب كل ممثلي الأحزاب والنخب السياسية والمالية والاقتصادية التي كان بريغوجين حتى وقت قريب يعد من أشد المقربين إليها.

وردة على علم يحمل شعار «فاغنر» في نصب تذكاري بالقرب من مركز المجموعة السابق في سان بطرسبورغ (رويترز)

وباستثناء وجود اثنين من أعضاء مجلس الدوما (النواب) أحدهما عن الحزب «القومي الليبرالي الديمقراطي» وآخر عن حزب «روسيا الموحدة» فقد نقلت وسائل إعلام مقربة من «فاغنر» أن «غياب النخب الروسية كان كاملا».

روس أمام نصب تذكاري مؤقت لتذكر زعيم «فاغنر» الراحل في موسكو أمس (أ.ف.ب)

لكن الأبرز من ذلك، أنه اتضح خلال ساعات النهار أن قيادة «فاغنر» أحاطت بسرية مطلقة خطط دفن زعيمها، واكتفت بالإعلان عن دفن بعض المقربين منه. وعزت بعض المصادر الإعلامية ذلك لعدم اتضاح الموقف حول مكان الدفن، وما إذا كان سوف يسمح بدفن بريغوجين في المقبرة التاريخية حيث يرقد عدد من الشخصيات المرموقة. وهو أمر له دلالات خاصة لأن بريغوجين الحاصل على ثلاثة أوسمة من رئيس البلاد، لديه أيضا لقب «بطل روسيا»، ما يوجب إقامة جنازة عسكرية بحضور رسمي وأن يدفن في مقبرة «تليق بلقبه»، وفقا لما أوردته شبكة «فانتانكا» المحلية في سان بطرسبورغ.

مشيعون يمشون إلى جانب سيارة تحمل جثمان فاليري تشيكالوف أحد قادة «فاغنر» خلال جنازته في سان بطرسبورغ بروسيا 29 أغسطس 2023 (رويترز)

دفن أبرز مساعدي بريغوجين

يوم الاثنين، بدأت كثير من المقابر في سان بطرسبرغ الاستعدادات لجنازات قادة «فاغنر» الذين لقوا حتفهم في حادث تحطم طائرة رجل الأعمال الثلاثاء الماضي. ومع تجمهر آلاف المشيعين، اتضح أن المنظمين اكتفوا بدفن فاليري تشيكالوف وهو أحد أقرب مساعدي بريغوجين.

صباح الثلاثاء، تم إغلاق مدخلي مقبرتين في سان بطرسبورغ، سيفيرنوي وسيرافيموفسكوي، حيث توقع الجميع أن يرقد بريغوجين. وسرعان ما بدأ الناس يتدفقون على مقبرة «سيفيرنوي» وتم إحضار تابوت وتجمعت سيارات التشييع، وكان من بين المشيعين أنصار بريغوجين، بالإضافة إلى أشخاص يرتدون قمصان «فاغنر». ولم يتضح إلا في وقت متأخر أن مراسم دفن بريغوجين قد تأجلت، وغادرت سيارات التشييع المكان بشكل مفاجئ.

يفغيني بريغوجين خلال مراسم دفن ديميتري مينشكوف (أ.ب)

والمعلومات المعروفة عن فاليري تشيكالوف البالغ من العمر 47 عاماً أنه كان يرأس شركات في سان بطرسبورغ مرتبطة ببريغوجين. وتم إدراجه على قوائم العقوبات الأوكرانية والأميركية.

وقد تم تعيينه في وقت سابق نائباً لبريغوجين في «فاغنر» وكان مسؤولاً عن لوجستيات النقل. وبين الأعوام 2011-2018، قاد تشيكالوف شركة خدمات في سان بطرسبورغ. في عام 2012، أصبحت هذه الشركة من الهياكل المتعاونة مع بريغوجين في تنفيذ عقد ضخم لتزويد الجيش الروسي بالمواد الغذائية.

كما ترأس تشيكالوف شركة «نيفا» التي تم إنشاؤها عام 2014، وامتلك نصف أصول الشركة. وتمتلك هذه الشركة مجموعة «يورو بوليس» التي نشطت منذ عام 2017، في سوريا. وكتبت «فونتانكا» نقلاً عن مصدر مقرب من وزارة الطاقة الروسية، أنه في ذلك الوقت، حصلت الشركة على حق حماية وتطوير حقول النفط والغاز في سوريا. وتخضع «يورو بوليس» لعقوبات الاتحاد الأوروبي منذ عام 2021.

 

جنازة «سرية» لبريغوجين

في الوقت نفسه، استمرت الاستعدادات لجنازة بريغوجين نفسه وسط ترتيبات وصفت بأنها سرية. لم تظهر أي معلومات محددة عن مكان جنازة رجل الأعمال إلا في وقت متأخر للغاية. لكن اللافت أن ترتيبات كبرى أقيمت في ساحة «فيلق كاديت» على جسر يونيفرسيتيتسكايا. القريبة من المكتب الرئيسي لـ«فاغنر» لكن اتضح لاحقا أن المراسم ألغيت.

اللافت أن منصات إعلامية قريبة من «فاغنر» كتبت أنه «لم يظهر أي حضور للأمن ورجال الشرطة في المنطقة» في إشارة إلى أن ترتيبات الجنازة لم يتم تنسيقها مع الجهات الرسمية.

وفي وقت لاحق تبين أن تناقض المعلومات حول الجنازة مرتبط بعدم منح مكان في مقبرة «سيفيرنوي» لدفن بريغوجين وأقرب مساعديه ديمتري أوتكين. ونقلت منصات أن التبرير كان «عدم وجود أماكن» وترددت معطيات عن أنه تم توجيه المجموعة لدفن رجل الأعمال في مقبرة «سيرافيموفسكي» مع أوتكين. وما زاد من حال الإرباك أن ترتيبات سريعة ظهرت في مقبرة ثالثة حيث وصلت إليها سيارات تنقل جثامين، قبل أن تغادرها بعد ساعات من دون القيام بعمليات الدفن.

تجمهر آلاف المشيعين لدفن فاليري تشيكالوف وهو أحد أقرب مساعدي بريغوجين (أ.ب)

وبدا أن قيادة «فاغنر» لم ترغب في الموافقة على دفن زعيمها في مقبرة «سيرافيموفسكي»، وكتبت «فونتانكا» أن «هذه مقبرة بسيطة، حيث تم دفن (الفاغنريين) الذين قتلوا في الحرب»، وكان بريغوجين نفسه قد خاض معارك وسجالات مع سلطات المدينة من أجل السماح بدفن قتلاه في هذه المقبرة، ووافقت السلطات بعد تمنع طويل، قالت وسائل إعلام إنه مرتبط بأن غالبية القتلى كانوا من أصحاب السوابق الذين أخرجهم بريغوجين من السجون وأرسلهم إلى ساحات القتال. في ذلك الوقت رد زعيم «فاغنر» بقسوة مذكرا بأن «هؤلاء قتلوا وهم يدافعون عن روسيا بينما البيروقراطيون الخونة يجمعون الأموال، ويقضون سهراتهم بأمان في منازلهم». لم يكن بريغوجين يعلم في ذلك الوقت أنه كان يخوض معركة للدفاع عن مكان قد يدفن فيه هو لاحقا. لكن اتضح لاحقا أن قيادة «فاغنر» دفنت زعيمها في مقبرة نائية وغير معروفة كثيرا، واكتفت المنصة الإعلامية للمجموعة ببث بيان مقتضب كتبت فيه: «تم دفن يفغيني بريغوجين في مقبرة بوروخوفسكوي، وكانت مراسم التشييع مغلقة واقتصرت على مقربين»، فيما لم تعلن أي تفاصيل عن مكان وموعد دفن الشخص الثاني في «فاغنر» ديمتري أوتكين.


مقالات ذات صلة

نداء أممي لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

العالم فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

نداء أممي لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا مبنى كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية التي أجرت الدراسة (رويترز)

تقرير: طائرات الكرملين نقلت أطفالا أوكرانيين قسراً للتبني في روسيا

أظهر تقرير صادر عن كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية أن طائرات رئاسية روسية استُخدمت ضمن برنامج لنقل أطفال من الأراضي الأوكرانية المحتلة وتجريدهم من هويتهم

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
أوروبا وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان خلال مؤتمر صحافي في كوريا الجنوبية (أ.ف.ب)

إصرار إدارة بايدن على إنفاق كل مساعدات أوكرانيا قبل تسلم ترمب السلطة

قال وزيرا الدفاع الأميركي والأوكراني إنهما ناقشا إطلاق روسيا صواريخ باليستية جديدة والاستعدادات للاجتماع المقبل لمجموعة الاتصال الداعمة لأوكرانيا.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا يقف أفراد من الخدمة الروسية على دبابات «T-72» خلال تدريبات عسكرية أجريت في ميدان رماية وسط الصراع بين روسيا وأوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا «تصد» محاولة تقدّم روسية في الشرق

أعلنت أوكرانيا اليوم (الثلاثاء)، أن قواتها صدّت محاولة روسية لعبور نهر أوسكيل الذي لطالما عُدّ خط مواجهة في شرق أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وسائط دفاع جوي أوكرانية من طراز «زد يو 23» المضادة للطائرات تتصدى للمسيرات الروسية (رويترز)

هجوم روسي يترك مدينة تيرنوبل الأوكرانية من دون كهرباء

قالت أوكرانيا اليوم الثلاثاء إن هجوما روسيا بطائرات مسيرة خلال الليل ترك مدينة تيرنوبل في غربها من دون كهرباء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

تقرير: طائرات الكرملين نقلت أطفالا أوكرانيين قسراً للتبني في روسيا

مبنى كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية التي أجرت الدراسة (رويترز)
مبنى كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية التي أجرت الدراسة (رويترز)
TT

تقرير: طائرات الكرملين نقلت أطفالا أوكرانيين قسراً للتبني في روسيا

مبنى كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية التي أجرت الدراسة (رويترز)
مبنى كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية التي أجرت الدراسة (رويترز)

أظهر تقرير صادر عن كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية أن طائرات رئاسية روسية استُخدمت ضمن برنامج لنقل أطفال من الأراضي الأوكرانية المحتلة وتجريدهم من هويتهم ووضعهم مع عائلات روسية.

وحدد البحث المدعوم من وزارة الخارجية الأميركية ونُشر أمس الثلاثاء أن 314 طفلا أوكرانيا نقلوا إلى روسيا في الأشهر الأولى من الحرب في أوكرانيا في إطار ما تقول عنه الوزارة إنه برنامج ممنهج موله الكرملين «لتحويلهم إلى الروسية». ولم تتمكن رويترز من التحقق من نتائج التقرير على نحو مستقل.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في مارس (آذار) 2023 مذكرات اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومفوضة حقوق الطفل في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا بتهمة ارتكاب جريمة الحرب تتعلق بترحيل أطفال أوكرانيين. ويقدم البحث الجديد، الذي كانت رويترز أول من يورد أنباء بشأنه، تفاصيل عن برنامج الترحيل المزعوم والأشخاص المتورطين فيه، فضلا عما قال معده الرئيسي إنها صلات جديدة ببوتين.

وقال الباحث ناثانيال رتيموند، المدير التنفيذي لمختبر أبحاث الشؤون الإنسانية بجامعة ييل، إنه من المقرر أن يقدم النتائج إلى مجلس الأمن الدولي اليوم الأربعاء. وتتولى الولايات المتحدة الرئاسة الدورية للهيئة المكونة من 15 عضوا هذا الشهر.

وأضاف رايموند أن البحث يقدم أدلة من شأنها أن تدعم الاتهامات الإضافية التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية إلى بوتن «بالنقل القسري» لأشخاص من مجموعة وطنية وعرقية إلى أخرى. وقال أيضا إن التقرير أثبت أن «ترحيل أطفال أوكرانيا هو جزء من برنامج ممنهج بقيادة الكرملين» لجعلهم مواطنين روسا.

والنقل القسري جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، والجرائم الإنسانية أخطر من جرائم الحرب لأنها واسعة النطاق وممنهجة. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ردا على التقرير على منصة إكس «تعمل أوكرانيا بلا كلل لضمان عودة أطفالنا إلى الوطن وأن يُعاقب كل المسؤولين عن تلك الجرائم الشنيعة».

وقالت لفوفا بيلوفا ردا على اتهامات المحكمة الجنائية الدولية العام الماضي إن روسيا لم تنقل أي شخص رغما عنه أو والديه أو الأوصياء القانونيين عليه، حيث كانت موافقتهم مطلوبة دوما إلا إذا كانوا مفقودين. وأضافت أن الأطفال وضعوا مع أوصياء قانونيين مؤقتين ولم يواجهوا التبني.

وقال ناثنيال رايموند أن البحث يستند إلى بيانات من ثلاث قواعد بيانات حكومية روسية للتبني على مدار 20 شهرا. وتعقب تحقيق جامعة ييل الجوانب اللوجستية والتمويلية للبرنامج المزعوم وتأكد من هوية الأطفال البالغ عددهم 314.