خصائص الحرب... وطبيعتها

الرئيس الروسي...الحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي...الحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى (إ.ب.أ)
TT

خصائص الحرب... وطبيعتها

الرئيس الروسي...الحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي...الحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى (إ.ب.أ)

يقول المفكّر البروسي كارل فون كلوزفيتز: «الحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى». وهذا يعني أن الحرب تُخاض دائما لأهداف سياسيّة. كما تهدف إلى فرض إرادة فريق على فريق آخر. أما الدبلوماسيّة فهي تلعب دور الرابط لشرعنة المكاسب وتثبيتها. الدبلوماسيّة هي عملية الانتقال من الصدام الدمويّ إلى طاولة التفاوض. وإذا نجحت الدبلوماسيّة في تجنّب الحرب، فهذا أمر يعني أن موازين القوى لعبت الدور الحاسم بين المتصارعين. فالأقوى أخذ ما يستطيع أن يأخذه دون اختبار لقوّته، وبأقل الأثمان. أما الأضعف، فهو قد أعطى ما يستطيع التخلّي عنه دون إلغاء الذات.

وزير الخارجية الروسي... الدبلوماسيّة تلعب دور الرابط لشرعنة المكاسب وتثبيتها (إ.ب.أ)

تفشل الدبلوماسيّة حكما، إذا أراد الفرقاء المتقاتلون الحدّ الأقصى من المكاسب. أما العودة إلى الحدّ الأدنى من المكاسب، وبالتالي إلى الدبلوماسيّة، فتكون عادة بعد تجربة العنف على مسرح الحرب. ألا يبدو السباق هنا وكأنه بين القوة الصلبة والقوة الطريّة؟ بالطبع، لكنه عملية جدليّة معقدّة جدا، يُدفع ثمنها بدم المحاربين، كما بدم الأبرياء من المدنييّن.

تسعى الدبلوماسيّة الناجحة عادة، إلى إطالة مدّة غياب الحرب. لكن للدبلوماسيّة تاريخ انتهاء للصلاحيّة. إذ بمجرّد أن تتبدل الظروف التي أسست إلى غياب الحرب في الفترة السابقة. تبدأ التراكمات الجديدة تعدّ العدة للمعركة القادمة. فهل ما يُسمّى بالسلام، هو فقط غياب الحرب؟ أو كما قال فلاديمير لينين: «إن السلام وببساطة يعني سيطرة الشيوعيّة على العالم»؟

خصائص الحرب

يقول المفكرّ الأميركي كولين إس. غراي، إن خصائص الحرب هي في 3 أبعاد: اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة. ومع تبدّل هذه الأبعاد، تتغيّر طريقة خوض الحروب. وعند كل تكنولوجيا تغييريّة، تتبدّل خصائص الحرب. فمبدأ الحرب الخاطفة مثلا كان ولا يزال قائما. فهو كان مع المغول عبر سرعة الحسم والتقدّم السريع بواسطة الحصان. وعبر التأمين اللوجيستي المُستدام، وأخيرا وليس آخرا، الحرب النفسيّة التي خاضها المغول عبر القتل الجماعي لمن لا يمتثل لإرادتهم.

وزير الدفاع الروسي... الحرب تُخاض دائما لأهداف سياسيّة (أ.ب)

نفّذ هتلر نفس مبدأ الحرب الخاطفة، لكن بواسطة الثالوث الحربي، الذي يرتكز على الدبابة للخرق والحسم، تحميها الطائرة أثناء تقدّمها، مع تأمين وسيلة الاتصال والقيادة والسيطرة عبر اللاسلكيّ الذي يؤمّن الحركيّة والمناورة.

الحرب الأوكرانيّة

لا تزال الحرب الأوكرانيّة تعكس الكثير من الصور التي شهدتها كل من الحربين العالمتيّن السابقتين. لا يزال الدفاع موجودا. لا تزال المدفعية والقوة النارية تلعب دورا أساسيّا. لا تزال الحرب تستنزف العدد والعتاد، كما البيئة. لكن الجديد في خصائص الحرب الأوكرانيّة يتمثّل في: توفّر المجسّات بكثرة مع كلفة منخفضة. تزاوج هذه المجسّات مع أسلحة بعيدة المدى عالية الدقّة تعتمد على بُعد الفضاء للتوجيه الدقيق. الحرب الإلكترونية والسيبرانيّة.

تظهّر أهمية دور المسيّرات في الحرب الأوكرانية (إ.ب.أ)

ويظهّر دور المسيّرات المهمّ في الأبعاد الثلاثة، برّ وبحر وجوّ. كما استعمال الذكاء الاصطناعي في هذه المسيّرات، الأمر الذي يُمكّن هذه المسيرات من إتمام مهمتها الانتحارية، وذلك بالرغم من الحرب الإلكترونية عليها، لفصلها عن التوجيه الفضائيّ (GPS).

بدا ظاهرا تأثير التكنولوجيا الحديثة في طريقة الدفاع التي يعتمدها الجيش الروسيّ حالياّ، خاصة مبدأ الاقتصاد بالقوّة. فعلى سبيل المثال، وخلال الحرب الباردة، كانت مهمّة اللواء تغطية مسافة من الجبهة تُقدّر بين 15-20 كلم. تستعمل حاليا روسيا التكنولوجيا الحديثة عبر دمج الطوافات والألغام والحفر والخنادق، للاقتصاد بالقوى على جبهة طولها 900 كلم. وبذلك، تكون روسيا تستعمل الطوافات وكأنها احتياط جوّي متنقّل.

الرئيس الأوكراني خلال زيارة لجبهة دونيتسك (أ.ب)

لا تزال اللوجيستية تلعب دورا مهمّا في الاستراتيجيات الكبرى. فمن لديه جعبة لوجيستية أعمق هو الذي يستمرّ.

لا تزال الحرب تترنّح بين الهجوم والدفاع. الدفاع يعني الثبات، أما الهجوم فيعني الحركيّة. وهنا تتظهّر فرادة الحرب الأوكرانيّة، إذ إن الأقوى هو من يعتمد الدفاع، أي روسيا. مقابل الأضعف، أي أوكرانيا التي تريد الخرق. وهذه تعدّ مفارقة، لأن الهجوم يحتّم توفّر معادلة 3 مقاتلين للمهاجم، مقابل مقاتل واحد للمدافع، وهذا أمر تفتقده أوكرانيا. من هنا اعتمادها على التكنولوجيا الحديثة عبر قصف العمق الروسي، بهدف حرمان القوات الروسيّة المقاتلة من لوجيستيّتها.


مقالات ذات صلة

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أوروبا أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

قرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

تُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
أوروبا أوكراني في منطقة دمّرها هجوم صاروخي في أوديسا الاثنين (رويترز) play-circle 01:26

الكرملين: دائرة ترمب تتحدّث عن سلام وبايدن يسعى للتصعيد

أكد الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أشار مراراً إلى أن روسيا مستعدة للحوار بشأن أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
TT

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

اختار الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا رسمياً، الاثنين، المستشار أولاف شولتس مرشحاً له للانتخابات المبكرة المقررة في فبراير (شباط) على رغم تراجع شعبيته إلى مستويات غير مسبوقة بعد انهيار ائتلافه الحكومي.

وقال مصدر مقرب من الحزب اليساري الوسطي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن قيادته عبّرت «بالإجماع» عن تأييدها شولتس. وسيصادق أعضاء الحزب على الترشيح خلال مؤتمر في 11 يناير (كانون الثاني).

وكان شولتس (66 عاماً) قد أعلن رغبته في الترشح عن حزبه بعد انهيار ائتلافه الحكومي مع حزب الخضر والليبراليين في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، وواجه ضغوطاً داخل حزبه لترك منصبه لوزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يتمتع بشعبية.

وزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يتمتع بشعبية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (أ.ف.ب)

وقرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

وحصل ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي المعارض المحافظ على أكثر من ضعف هذه النسبة (33 في المائة)، كما يتقدم «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف على حزب شولتس حاصداً 18 في المائة من نوايا التصويت.

وكتبت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن أولاف شولتس هو «على الأرجح المرشح الأكثر ضعفاً وأقل شخصية مناسبة لتولي منصب المستشار رشحها الحزب الاشتراكي الديمقراطي على الإطلاق».

انهار الائتلاف الحكومي الألماني بزعامة شولتس، الذي تولى السلطة منذ نهاية عام 2021، بعد إقالة المستشار وزير المال الليبرالي كريستيان ليندنر إثر خلافات عميقة حول الميزانية والسياسة الاقتصادية التي يجب اتباعها، في خضم معاناة أكبر اقتصاد في أوروبا من أزمة صناعية.

«مستشار السلام»

ويكرر شولتس الهادئ الطباع قناعته بقيادة حزبه إلى النصر مرة أخرى، مذكراً بفوزه في انتخابات عام 2021 بخلاف كل التوقعات؛ إذ استفاد إلى حد كبير من انقسامات في المعسكر المحافظ.

المستشار أولاف شولتس ووزير الدفاع بوريس بيستوريوس بعد إعلان فوز الأول بترشيح الحزب ببرلين الاثنين (رويترز)

وتتمثل استراتيجيته هذه المرة، في تقديم نفسه على أنه رجل ضبط النفس في الدعم العسكري لأوكرانيا على أمل الاستفادة من النزعة إلى السلام المتجذرة لدى الألمان منذ الفظائع النازية، ومن أصوات المؤيدين لروسيا.

وأشار استطلاع حديث أجراه التلفزيون العام «آي آر دي» ARD، إلى أن 61 في المائة ممن شملهم يؤيدون قرار شولتس بعدم تزويد أوكرانيا بصواريخ «توروس» القادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية.

ويتناقض هذا الموقف مع موقف حلفاء ألمانيا الرئيسين، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

وفي السياق نفسه، أثار الاتصال الهاتفي الذي أجراه شولتس مؤخراً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاستياء خصوصاً في كييف.

كما اتهمته المعارضة في ألمانيا، بالمساهمة في الـ«دعاية» الروسية وبالقيام بمناورة انتخابية تقدمه على أنه «مستشار السلام» قبل انتخابات خطيرة.

«خبرة كبيرة»

ولا يخفي المحافظون ارتياحهم لترشيح المستشار. وقال النائب ماتياس ميدلبرغ إن القرار «جيد بالنسبة لنا»، مضيفاً أن «بيستوريوس كان سيسبب إزعاجاً أكبر لائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي» المعارض المحافظ.

لكن أظهر شولتس مرات عدة قدرته على تحدي التوقعات، وهو سياسي مخضرم شغل منصب رئيس بلدية مدينة هامبورغ (شمال)، ونائب المستشارة أنجيلا ميركل (2005 - 2021) في حكومتها الأخيرة متولياً حقيبة المال.

وفي 2021، فاز من خلال تقديم نفسه على أنه الوريث الحقيقي للمستشارة المحافظة.

وينوي هذه المرة أيضاً أن يطمئن الناخبين من خلال تجربته، في خضم سياق جيوسياسي عالمي متوتر وغارق في المجهول بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وشددت رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ساسكيا إسكين في تصريحات للإذاعة البافارية، الاثنين، على أن شولتس يتمتع بـ«خبرة كبيرة جداً، وبقدرة على المناورة، لا سيما على المستوى الدولي».