فرنسا: القضاء وجهاز الشرطة وجهاً لوجه

تصريحات مدير عام الشرطة الوطنية تثير جدلاً واسعاً ووزير الداخلية صامت

المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية فريدريك فو (أرشيفية: أ.ب)
المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية فريدريك فو (أرشيفية: أ.ب)
TT

فرنسا: القضاء وجهاز الشرطة وجهاً لوجه

المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية فريدريك فو (أرشيفية: أ.ب)
المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية فريدريك فو (أرشيفية: أ.ب)

عملية لي ذراع قائمة حاليا في فرنسا بين الشرطة من جهة والقضاء من جهة ثانية، وبينهما الحكومة والطبقة السياسية المنقسمة على نفسها. وإذا كان من المبالغة القول إن حركة تمرد آخذة بالتمدد داخل جهاز الشرطة، فإن الصحيح أن تيارا من التململ الجاري في أوساط الشرطة منذ أكثر من أسبوع مرشح لأن يتطور في الأيام القليلة القادمة.

نقطة البداية كانت المقابلة التي أجرتها صحيفة «لو باريزيان» ونشرت الأحد الماضي مع فريدريك فو، المدير العام للشرطة الوطنية، الذي زار قبل يوم واحد قواته في مدينة مرسيليا حيث ألقي أحد أفرادها في السجن.

وفي تصريحاته للصحيفة المذكورة، طالب فو بالإفراج عن الشرطي السجين معتبرا أنه «لا مكان لشرطي في السجن، حتى لو ارتكب أخطاء أو أخطاء جسيمة أثناء عمله».

وذهب المسؤول الأمني الكبير إلى حد القول إن «علمي بكون الشرطي قابعا في السجن يمنعني من النوم». وبحسب فو، فقد كان يتعين على القضاء أن يترك الشرطي حرا، حتى بعد توجيه اتهامات له، بانتظار أن تتم محاكمته.

أساس القضية انطلق عندما وجهت اتهامات لأربعة من أفراد الشرطة في المدينة المتوسطية لارتكابهم أعمال عنف بحق شاب (اسمه هادي) يبلغ من العمر 21 عاما عندما كانت الكثير من المدن الفرنسية تشهد أعمال عنف وشغب عقب مقتل الشاب المراهق (نائل المرزوقي) في حادثة تدقيق مروري في مدينة نانتير الواقعة على مدخل باريس الغربي. ووفق الشاب المذكور، فإنه تعرض للضرب من قبل مجموعة من أربعة أو خمسة من رجال الشرطة عقب إصابته برصاصة مطاطية في الصدغ. وقال محاميه أنطوان بريزيوس إن موكله «تم جره مثل الأرنب ثم تعرض للضرب» وهو ما تبينه تسجيلات الكاميرات المنشورة بكثرة في شوارع المدن الفرنسية. وبسبب الدعوى المقدمة من المدعي وعقب التحقيقات التي أجريت، تم توجيه اتهامات لأفراد الشرطة الأربعة. إلا أن القضاء طلب الحبس الاحتياطي لواحد منهم الأمر الذي أثار، بداية، حفيظة زملائه في مرسيليا ثم أخذ التململ يتوسع ليشمل مدنا إضافية رئيسية مثل طولون ونيس وأفينيون (وكلها مدن تقع جنوب البلاد) ولكن أيضا في باريس العاصمة ومدن أخرى في محيطها.

جانب من «مسيرة المواطنين» ضد عنف الشرطة في باريس 8 يوليو الماضي (أ.ب)

وتجدر الإشارة إلى أن الشرطي الذي أطلق الرصاصة القاتلة على نائل المرزوقي صبيحة 27 يونيو أودع هو أيضا الحبس الاحتياطي. إلا أن حركة التضامن معه لم تسفر عن أزمة بين القضاء والشرطة، لكن بالمقابل ثار الجدل حول «صندوق الدعم» لأسرته الذي أطلقه جان مسيحا، وهو ناشط سياسي ينتمي إلى اليمين المتطرف، مصري الجنسية في الأساس. وقد جمع الصندوق ما يزيد على 1.5 مليون يورو بينما التبرعات التي جمعت لدعم والدة نائل بقيت دون سقف الـ500 ألف يورو.

وإلى جانب البيانات الصادرة عن نقابتين رئيسيتين من الشرطة والتي تدين القضاء وتدعو للإفراج عن الشرطي المعتقل، فإن مئات من أفرادها عمدوا إلى تعطيل عملهم بأشكال مختلفة مثل التحجج بالمرض أو بتلقيهم صدمات نفسية بسبب عملهم أو القيام بالحد الأدنى من المهمات والوظائف المناطة بهم... وكل ذلك لغرض زيادة الضغط على الحكومة والقضاء.

كان متوقعا أن تثير كلمة مدير عام الشرطة ردود فعل على أعلى المستويات لأنها تصدر عن مسؤول أمني رفيع ينتقد عمل القضاء.

وجاء الرد الأول من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قال الاثنين: «لا يوجد أحد في الجمهورية فوق القانون». إلا أنه أعرب عن تقديره للعمل الذي قامت به القوى الأمنية لوضع حد لأعمال العنف والشغب مشيرا إلى أن 900 فرد منها أصيبوا بجراح خلال اندلاعها.

اشتباكات بين الشرطة ومحتجين بنانتير في 29 يونيو الماض (أ.ب)

ثم أعقبه وزير العدل أريك دوبون موريتي في تغريدة أكد فيها أنه «لا أحد فوق قوانين الجمهورية ويتعين على القضاء أن يقوم بعمله بكل استقلالية الأمر الذي يعد الشرط الأساسي لاحترام دولة القانون وعمل ديمقراطيتنا».

وكتب أوليفيه لوران، رئيس المحكمة الجنائية في مدينة مرسيليا، حيث اتخذ قرار حبس الشرطي المشار إليه، في بيان أن «استقلالية القضاء هي الضمانة الرئيسية لدولة القانون». وأثنى على البيان المذكور ثلاثة من كبار القضاة هم فرنسوا مولينس، المدعي العام السابق لدى محكمة التمييز ولو بروتون دو فانواز، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في مدينة أيكس أون بروفانس وماري سوزان لو كيو، المدعية العامة في المدينة نفسها.

كذلك أصدرت النقابتان الرئيسيتان للقضاة بيانا اعتبرتا فيه تصريحات مدير عام الشرطة «خطيرة للغاية»، فيما اعتبرت كيم ريفليت، رئيسة نقابة القضاة المصنفة يسارية، أن أحد المبادئ الأساسية المعمول بها في الديمقراطيات هو أن «القانون هو نفسه بالنسبة للجميع». أما زميلتها سيسيل ماميلان، نائبة رئيس اتحاد القضاة، فقد عدت تصريحات فريدريك فو «فاضحة وخطيرة للغاية». وبحسب ماميلان، فإن قرار الحبس الاحتياطي «يخضع لمعايير دقيقة وقانونية وهو قرار لا يدل بالضرورة على ارتكاب جرم» الأمر الذي تقرره المحكمة. ونبه بيان نقابة القضاة إلى أن «مدير عام الشرطة الخاضع لسلطة وزير الداخلية يعمد إلى ممارسة ضغوط على السلطة القضائية وذلك في عملية تخص فردا واحدا من الشرطة». وأخيرا، فإن المجلس الأعلى للقضاء، الضامن الأعلى لاستقلالية العدالة، شدد على أن القضاء هو «الجهة الوحيدة» المخولة إيداع أشخاص في التوقيف الاحتياطي.

المفارقة أن الغائب الأكبر عن هذا الجدل هو وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، المسؤول عن جهاز الشرطة والذي يتبع له مديرها العام.

والحال أن دارمانان الذي يرافق الرئيس ماكرون في جولته في منطقة المحيط الهادئ لم يصدر عنه شيء مباشرة. وأشارت مصادر قريبة منه إلى أنه «يمحض (فريديرك فو) كامل ثقته» كذلك، فإنه لا تدبير تم اتخاذه بحق مدير عام الشرطة على المستوى الرسمي لا بل إن الأخير حظي بدعم من لوران نونيز، مدير الشرطة في العاصمة الفرنسية الذي أكد أنه «يشاطر» زميله الرأي.

رئيسة الحكومة الفرنسية أليزابيت بورن (أ. ف. ب)

ونفت

أليزابيت بورن، رئيسة الحكومة، وجود أي خلاف بين الرئيس ماكرون والوزير دارمانان بخصوص التطورات الجارية في ملف الشرطة، مؤكدة في تعليق لها من مدينة لو هافر الساحلية «شمال غربي فرنسا» أن «الجميع يقول الشيء نفسه» وأن «الضرورة تقضي بأن يقوم القضاء بعمله بكل صفاء».

إلا أن أوليفيه فور، أمين عام الحزب الاشتراكي، وصف ما صدر عن بورن بأنه «مزحة». وتساءل: «بعد يومين من تصريحات (مدير عام الشرطة)، لا أحد (من المسؤولين) يعلق على كلامه ولا أحد يعاقب أعلى هرم الشرطة التي تريد تجاوز المبادئ الجمهورية». ودعا فور لاجتماع طارئ للبرلمان لمناقشة هذا الملف.

أما جان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، فقد عد أن رئيسة الحكومة تدعم «زارعي الفتن» متهما إياها بكلام غير مباشر بـ«الخوف» من التعرض للشرطة. بالمقابل، فإن اليمين الفرنسي لا يبدي الشدة نفسها في توصيف ما صدر عن كبير مسؤولي الشرطة التي يقف إلى جانبها باستمرار.


مقالات ذات صلة

باكستان تغلق الطرق الرئيسية وتنشر قوات الأمن لمنع احتجاجات معيشية

آسيا قوات الأمن تعتقل ناشطين من «حزب الجماعة الإسلامية» في أثناء احتجاجهم على التضخم بإسلام آباد في 26 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

باكستان تغلق الطرق الرئيسية وتنشر قوات الأمن لمنع احتجاجات معيشية

أغلقت السلطات الباكستانية، الجمعة، الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة إسلام آباد، ونشرت آلافاً من قوات الأمن لمنع الاحتجاجات ضد زيادة التضخم.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
آسيا مسيرة في بنغلاديش اليوم للاحتجاج على عمليات القتل العشوائية والاعتقال الجماعي في دكا (أ.ف.ب)

شرطة بنغلاديش تعتقل قادة الحركة الطلابية

اعتقلت الشرطة في بنغلاديش زعيم الحركة الرئيسية التي تنظّم الاحتجاجات المناهضة لحصص توزيع الوظائف الحكومية في بنغلاديش ناهد إسلام واثنين آخرين من مستشفى في دكا.

«الشرق الأوسط» (دكا)
الولايات المتحدة​ اتساع المظاهرات المؤيدة لغزة في الجامعات الأميركية

مظاهرات ضد برنامج تلفزيوني نظم احتجاجاً مزيفاً بجامعة أميركية

اجتمعت مجموعة من المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في حرم كلية «كوينز»، احتجاجاً على تصوير مشهد درامي وهمي نظمته دراما بوليسية تُبث على قناة «CBS».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا الشيخة حسينة باكية بين مرافقيها لدى تفقدها محطة المترو التي لحقت بها أضرار كبيرة خلال الاحتجاجات في دكا (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق في «قمع» المظاهرات ببنغلاديش

دعت الأمم المتحدة الخميس بنغلاديش إلى الكشف فوراً عن تفاصيل قمع المظاهرات الأسبوع الماضي وسط تقارير عن «أعمال عنف مروعة».

«الشرق الأوسط» (دكا)
الولايات المتحدة​ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدى إلقاء خطابه أمام الكونغرس في واشنطن أمس (أ.ف.ب)

إلقاء يرقات داخل فندق نتنياهو في واشنطن (فيديو)

أطلق ناشطون مؤيدون لفلسطين آلاف اليرقات وديدان الطحين والصراصير داخل فندق ووترغيت في واشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
TT

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)

تواصل السبت الاضطراب في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة إعلان الشركة الوطنية لسكك الحديد عن تعرّضها «لهجوم ضخم» أتى قبل ساعات من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية «باريس 2024».

وسجّلت حركة القطارات السريعة تحسناً لكن الاضطرابات ما زالت قائمة. وسيشهد الخطان الشمالي الغربي والجنوبي الغربي تشغيل قطارين سريعين من ثلاثة، بينما سيشهد الخط الشمالي 80 في المائة من الحركة المعتادة للقطارات السريعة، وفق تقديرات شركة لسكك الحديد التي أوضحت أن الحركة عبر الخط الشرقي ستجري كالمعتاد، مرجحة أن تستمر الاضطرابات الأحد على الخط الشمالي وأن يشهد الخط الأطلسي تحسّناً.

الا أن الشركة أكدت أن «كل عمليات النقل للفرق والمعتمدين» للمشاركة في أولمبياد باريس مؤمنة.

وتعرضت الشركة لـ«هجوم ضخم» ليل الخميس الجمعة مما تسبب باضطراب كبير في حركة القطارات أثّر على 800 ألف مسافر قبل حفلة الافتتاح. وقالت الجمعة إن «العديد من الأعمال الخبيثة المتزامنة» أثرت على خطوطها الأطلسية والشمالية والشرقية.

وفتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً في الهجمات. وأفاد مصدر مقرب من التحقيق بأن العملية كانت «محضّرة بشكل جيد» وتقف خلفها «الهيكلية ذاتها»، بينما أكد مصدر مقرّب من الملف أن أي طرف لم يعلن مسؤوليته.

وأوضحت الشركة الجمعة أن حرائق متعمدة عطّلت محطات الإشارات في كورتالين على مسافة نحو 140 كيلومترا جنوب غرب باريس، وفي كرواسي على مسافة 200 كيلومتر شمال العاصمة، وبايني-سور-موزيل على مسافة 300 كيلومتر إلى الشرق.

وعلى خط الجنوب الشرقي تمكن عمال السكك الحديد من «إحباط عمل خبيث» أثناء قيامهم بعمليات صيانة ليلية في فيرجيني، على مسافة 140 كيلومترا جنوب شرق باريس. ورصد العمال أشخاصا وأبلغوا قوات الدرك، ما دفع المخرّبين إلى الهروب، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.