الحرّ يجتاح أجزاء كبيرة من العالم... و«ينهك» الأنظمة الصحية

رجال إطفاء خلال محاولتهم إخماد حريق غرب العاصمة أثينا (أ.ف.ب)
رجال إطفاء خلال محاولتهم إخماد حريق غرب العاصمة أثينا (أ.ف.ب)
TT

الحرّ يجتاح أجزاء كبيرة من العالم... و«ينهك» الأنظمة الصحية

رجال إطفاء خلال محاولتهم إخماد حريق غرب العاصمة أثينا (أ.ف.ب)
رجال إطفاء خلال محاولتهم إخماد حريق غرب العاصمة أثينا (أ.ف.ب)

يستمر الحر الشديد في الهيمنة على أجزاء كبيرة من أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، اليوم (الأربعاء)، حيث تسببت درجات الحرارة العالية بحرائق غابات كبيرة في الأيام الأخيرة، لا سيما في اليونان، حيث تخوض فرق الإطفاء «معركة هائلة» لإخماد النيران. يأتي ذلك في وقت قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم، إن الحرارة الشديدة في نصف الكرة الشمالي تفرض ضغوطاً متزايدة على أنظمة الرعاية الصحية وتؤثر بشكل خاص على مَن هم أقل قدرة على التأقلم. وأوضحت المنظمة أن الحر يفاقم في أكثر الأحيان الحالات الصحية الموجودة من قبل، مبدية قلقها بشكل خاص بشأن المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والربو.

«تأثيرات واسعة النطاق»

وقال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن «الحرارة الشديدة تلحق أكبر الضرر بأولئك الأقل قدرة على التكيف مع عواقبها، مثل كبار السن والرضع والأطفال والفقراء والمشردين... وتفرض ضغوطاً متزايدة أيضاً على الأنظمة الصحية». وأوضح، في مؤتمر صحافي، أن «التعرض للحرارة المفرطة له تأثيرات واسعة النطاق على الصحة، وغالباً ما يؤدي إلى تضخيم الحالات المرضية الموجودة مسبقاً ويتسبب بالوفاة المبكرة والعجز». وأضاف أن منظمة الصحة العالمية تعمل مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وكلتاهما تابعة للأمم المتحدة ومقرهما في جنيف، لدعم البلدان في تطوير خطط عمل خاصة بالطقس الحار لتنسيق الاستعداد وتقليل آثار الحرارة المفرطة على الصحة.

أوروبا... «خطر كبير»

وحذّرت السلطات من كاليفورنيا إلى الصين من مخاطر الحر على الصحة، داعية السكان إلى الإكثار من شرب المياه والاتقاء من وطأة الشمس.

في أوروبا أيضاً فرض الإنذار الأحمر بسبب «خطر كبير» ناجم عن ارتفاع درجات الحرارة.

ويكافح مئات من عناصر الإطفاء حرائق في أرخبيل الكناري وفي اليونان خصوصاً، حيث ينخرطون في «معركة هائلة» لإخماد النيران غرب أثينا وعلى جزيرة رودوس السياحية على ما قال وزير أزمة المناخ والدفاع المدني فاسيليس كيكيلياس.

وفي حين ينتظر حلول موجة قيظ جديدة في اليونان بدءاً من الخميس مع حرارة قد تصل إلى 44 درجة مئوية الجمعة والسبت، أكد الوزير أن «الأحوال الجوية صعبة» بسبب رياح قوية تصل سرعتها أحياناً إلى 60 كيلومتراً في الساعة تعصف على جزء من البلاد وتؤجج الحرائق.

من جهته، قال يانيس أرتوبيوس، المتحدث باسم خدمات الإطفاء اليونانية، إنّه سيتمّ إرسال 230 عنصر إطفاء من رومانيا وسلوفاكيا وبولندا بوصفهم تعزيزات للبلاد بحلول يوم الجمعة، واعتبار ذلك جزءاً من المساعدة الأوروبية المتبادلة.

ووفقاً للحكومة في رومانيا، يوجد 40 عنصر إطفاء من هذا البلد في اليونان وسينضمّ إليهم 40 آخرون.

ورغم أوامر الإخلاء، فقد رفض بعض السكان مغادرة منازلهم.

وقال ديميتريس ميخايلوس من بلدة بورناري شمال غرب العاصمة لوكالة الصحافة الفرنسية: «لن أرحل. بدأت بناء هذا المنزل عندما كنت في السابعة والعشرين. سأبقى هنا لأراه يحترق».

موجة الحر «شارون»

بعد سيربيروس، جاء دور موجة الحر «شارون» لتُحيط بالساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط. وقد سُمّيت باسم ربّان المركب الذي أوصل الأرواح إلى العالم السفلي في الأساطير اليونانية.

في جنوب فرنسا، سجلت مستويات قياسية خصوصاً في منطقة الألب جنوباً والبيرينيه غرباً وجزيرة كورسيكا، على ما أفادت هيئة الأرصاد الجوية. وكانت هذه المستويات القياسية أعلى بـ8 إلى 11.9 درجة مئوية من المعدلات الموسمية.

في إسبانيا، قالت المصطافة ليديا رودريغيس البالغة 29 عاماً في مدريد: «لا يمكننا الخروج إلى الشارع، الأمر رهيب. أنا من صقلية ومعتادة على الحر لكننا نختنق هنا».

مجموعة من السياح يحملون المظلات تجنباً لحرارة الشمس المرتفعة في مدريد (أ.ب)

وقالت مصلحة الأرصاد الجوية الإسبانية إن الحرارة بلغت 45.3 درجة مئوية الثلاثاء في فيغويريس في كتالونيا في شمال شرق البلاد و43.7 درجة مئوية في جزر الباليار.

ووصلت درجة حرارة البحر إلى مستوى قياسي بالنسبة للموسم على السواحل الإسبانية، بمتوسط 24.6 درجة مئوية مسجّلة على شاطئ البحر، أي 2.2 درجة مئوية أعلى من المعدل الطبيعي للموسم وأعلى بكثير من السجلات السابقة لعام 2015 (24 درجة مئوية) ولعام 2022 (23.7 درجة مئوية).

في إيطاليا أُعلن الإنذار الأحمر في 20 مدينة.

في روما بلغت الحرارة 40 درجة مئوية، في حين سجل المستوى القياسي المحلي 40.5 درجة في أغسطس (آب) 2007، لكن الحر لم يمنع السياح من الخروج إلى شوارع العاصمة الإيطالية، حيث يمكنهم أن يستخدموا مياه 2500 نافورة مياه لتخفيف وطأة الحر.

في مطلع بعد ظهر الثلاثاء، سُجلت الحرارة الأعلى في إيطاليا مع 44 درجة مئوية في راغوزا في صقلية. وسُجلت في إيطاليا الحرارة القصوى في أوروبا القارية مع 48.8 درجة مئوية في صقلية في 11 أغسطس 2021.

«خطط مكافحة»

وسجلت مستويات حرارة قياسية في العالم بأسره، الثلاثاء، ويتوقع موجات حر جديدة الأربعاء.

ورأت الأمم المتحدة أن على العالم الاستعداد «لموجات حر أقوى»، داعية الأفراد إلى تحضير «خطط مكافحة» خاصة بهم لمواجهة درجات حرارة قصوى خلال الليل والنهار.

وحطمت بكين مستوى قياسياً صامداً منذ 23 عاماً، مع تسجيل حرارة تفوق 35 درجة مئوية على مدى 27 يوماً متتالياً على ما أفاد خبراء الأرصاد الجوية.

وقالت الطالبة كيو يشونغ البالغة 22 عاماً: «عند الظهر أشعر وكأن الشمس تحرق رجلي».

وأكد هان ويلي، عامل التسليمات البالغ 38 عاماً الذي يعمل على غرار ملايين الأشخاص الآخرين في العالم في ظروف غاية في الصعوبة: «آخذ زجاجة مياه مثلجة وأحاول أن أشرب بانتظام لتجنب ضربات الشمس».

وسجلت فينيكس عاصمة ولاية أريزونا الأميركية مستوى قياسياً جديداً بعد 49 عاماً مع حرارة تفوق أو تعادل 43.3 درجة مئوية على مدى 19 يوماً متتالياً، بحسب مصلحة الأرصاد الجوية.

في الولايات المتحدة، تتابع مصلحة الأرصاد الجوية موجة حر خانقة في جنوب البلاد.

وتسببت حرائق عنيفة عدة في كاليفورنيا بإجلاء سكان. وأتى حريق «رابيت فاير» وهو الأعنف على نحو 3200 هكتار.

في كندا، التهمت النيران أكثر من 11 مليون هكتار هذه السنة، وما زال 885 حريقاً مستعرة من بينها 566 تُعد خارج السيطرة بحسب مركز مكافحة الحرائق في كندا، الاثنين.

وقضى عنصرا إطفاء خلال مكافحة هذه الحرائق الضخمة.

وأصدرت اليابان تنبيهات من ضربات شمس في 32 من مناطق البلاد الـ47 مع حرارة قريبة من المستوى القياسي المطلق البالغ 41.1 درجة مئوية والمسجل في 2018.


مقالات ذات صلة

«اليونيسيف» تحذر من أن مستقبل الأطفال «في خطر»

العالم طفل فلسطيني أثناء فرز القمامة في مكب نفايات بقطاع غزة (أ.ب)

«اليونيسيف» تحذر من أن مستقبل الأطفال «في خطر»

حذّرت منظمة «اليونيسيف» من التحول الديموغرافي والتداعيات المتزايدة لظاهرة الاحترار وتهديد التكنولوجيا المتصلة، وكلها «توجهات كبرى» ترسم مستقبلاً قاتماً للأطفال.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (أميركا))
بيئة رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

تشير دراسة جديدة إلى أن موجات الحر قد تزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في ضربات القلب، إلى ضعفين أو 3 أضعاف، لا سيما إذا لم يكن القلب بصحة جيدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تغير المناخ يرفع درجات الحرارة إلى مستويات جديدة خطيرة (أ.ف.ب)

تقرير: مستويات قياسية من الوفيات المرتبطة بالحرارة في عام 2023

حذّر تقرير جديد أعدّه مجموعة من الأطباء وخبراء الصحة من أن تغير المناخ يرفع درجات الحرارة إلى مستويات جديدة خطيرة، كما يفاقم مشكلة الجفاف والأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

TT

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أسلحة أوكراني. وهذا السلاح، غير المعروف حتى الآن، استخدمته روسيا للمرة الأولى ضد أوكرانيا ولتحذير الغرب.

فيما يلي ما نعرفه عن هذا الصاروخ التجريبي الذي أُطلق عليه اسم «أوريشنيك»:

آلاف الكيلومترات

حتى استخدامه يوم الخميس، لم يكن هذا السلاح الجديد معروفاً. ووصفه بوتين بأنه صاروخ باليستي «متوسط المدى»، يمكنه بالتالي بلوغ أهداف يتراوح مداها بين 3000 و5500 كيلومتر، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي قبل إطلاقه (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

وحسب الرئيس الروسي، فإن إطلاق الصاروخ كان بمثابة تجربة في الظروف القتالية؛ مما يعني أن هذا السلاح لا يزال قيد التطوير. ولم يعطِ أي إشارة إلى عدد الأنظمة الموجودة، لكنه هدّد بإعادة استخدامه.

تبلغ المسافة بين منطقة أستراخان الروسية التي أُطلق منها صاروخ «أوريشنيك»، الخميس، حسب كييف، ومصنع تصنيع الأقمار الاصطناعية بيفدينماش الذي أصابه الصاروخ في دنيبرو (وسط شرق أوكرانيا)، تقريباً 1000 كيلومتر.

وإذا كان لا يدخل ضمن فئة الصواريخ العابرة للقارات (التي يزيد مداها على 5500 كيلومتر) يمكن لـ«أوريشنيك» إذا أُطلق من الشرق الأقصى الروسي نظرياً أن يضرب أهدافاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وقال الباحث في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح (Unidir) في جنيف، بافيل بودفيغ، في مقابلة مع وسيلة الإعلام «أوستوروزنو نوفوستي»، إن «(أوريشنيك) يمكنه (أيضاً) أن يهدّد أوروبا بأكملها تقريباً».

وحتى عام 2019 لم يكن بوسع روسيا والولايات المتحدة نشر مثل هذه الصواريخ بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقّعة في عام 1987 خلال الحرب الباردة.

لكن في عام 2019 سحب دونالد ترمب واشنطن من هذا النص، متهماً موسكو بانتهاكه؛ مما فتح الطريق أمام سباق تسلح جديد.

3 كلم في الثانية

أوضحت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، للصحافة، الخميس، أن «(أوريشنيك) يعتمد على النموذج الروسي للصاروخ الباليستي العابر للقارات RS - 26 Roubej» (المشتق نفسه من RS - 24 Yars).

وقال الخبير العسكري إيان ماتفييف، على تطبيق «تلغرام»، إن «هذا النظام مكلف كثيراً، ولا يتم إنتاجه بكميات كبيرة»، مؤكداً أن الصاروخ يمكن أن يحمل شحنة متفجرة تزن «عدة أطنان».

في عام 2018، تم تجميد برنامج التسليح «RS - 26 Roubej»، الذي يعود أول اختبار ناجح له إلى عام 2012، حسب وكالة «تاس» الحكومية، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع «بالتزامن» مع تطوير الجيل الجديد من أنظمة «Avangard» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويُفترض أنها قادرة على الوصول إلى هدف في أي مكان في العالم تقريباً.

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي على متن شاحنة مدولبة (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

حسب بوتين فإن الصاروخ «أوريشنيك» «في تكوينه غير النووي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت» يمكن أن تصل سرعته إلى 10 ماخ، «أو 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية» (نحو 12350 كلم في الساعة). وأضاف: «لا توجد أي طريقة اليوم للتصدي لمثل هذه الأسلحة».

عدة رؤوس

أخيراً، سيتم تجهيز «أوريشنيك» أيضاً بشحنات قابلة للمناورة في الهواء؛ مما يزيد من صعوبة اعتراضه.

وشدد بوتين على أن «أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً في العالم، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي نصبها الأميركيون في أوروبا، لا تعترض هذه الصواريخ. هذا مستبعد».

وأظهر مقطع فيديو للإطلاق الروسي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ست ومضات قوية متتالية تسقط من السماء وقت الهجوم، في إشارة -حسب الخبراء- إلى أن الصاروخ يحمل ست شحنات على الأقل. يقوم هذا على تجهيز صاروخ بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مساراً مستقلاً عند دخوله الغلاف الجوي.