لماذا تعثّر الهجوم الأوكرانيّ المضاد؟

نتيجة الميدان العسكريّ هي التي تقرّر وترسم صورة الصراع المستقبليّ

صورة من الجو وزَّعها الجيش الأوكراني لدبابة تحترق قرب باخموت في 15 يوليو الجاري (رويترز)
صورة من الجو وزَّعها الجيش الأوكراني لدبابة تحترق قرب باخموت في 15 يوليو الجاري (رويترز)
TT

لماذا تعثّر الهجوم الأوكرانيّ المضاد؟

صورة من الجو وزَّعها الجيش الأوكراني لدبابة تحترق قرب باخموت في 15 يوليو الجاري (رويترز)
صورة من الجو وزَّعها الجيش الأوكراني لدبابة تحترق قرب باخموت في 15 يوليو الجاري (رويترز)

بغضّ النظر عما آلت إليه حال أوكرانيا بعد قمّة «الناتو» في ليتوانيا، وبغضّ النظر عن المساعدات العسكريّة المُستمرّة لكييف، كما ضمانة مجموعة الدول السبع، تبقى نتيجة الميدان العسكريّ هي التي تقرّر وترسم صورة الصراع المستقبليّ. بكلام آخر، كل ما جرى في قمّة فيلنيوس يُعد الإطار الكبير، أو الصورة الكبرى، التي من خلالها سيتمّ التعامل مع أي سيناريو مُحتمل للحرب الأوكرانيّة. الحرب الأوكرانيّة هي السدّ أمام روسيا تجاه «الناتو». هي الاستثمار غير المسبوق للغرب، خاصة أميركا، إن كان في حجم المساعدات العسكريّة، نوعيّتها ومفاعيلها، وإن كان في سرعة تلبية الطلب الأوكرانيّ، أو المتطلّبات الميدانيّة. كل ذلك، مقابل كسب الوقت بهدف التحضير لمرحلة الصراع المقبلة مع روسيا، وربما مع الصين أيضاً. هي المطحنة التي تستنزف القدرات العسكريّة الروسيّة، إن كان في العدد أو العتاد، أو حتى في ضرب صورة روسيا الكونيّة التي أرادها الرئيس بوتين.

يعد خطّ التماس في أوكرانيا والممتدّ بطول 900 كلم، من مدينة خاركيف (في الشمال الشرقي)، وحتى أوديسا (في الجنوب)، كأنه الخط البديل عن الستار الحديدي الذي بشّر به ونستون تشرشل عام 1946، حين قال: «من ستيتين (Stettin) في البلطيق، إلى تريستي (Trieste) في الأدرياتيك، أُنزل ستار حديدي (Iron Curtain) على القارة الأوروبيّة». شكّل هذا الستار، الحدّ الفاصل للصراع خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركيّة لأكثر من نصف قرن.

جندي أوكراني عند جسر على نهر سيفيرسكي دونيتس بإقليم دونيتسك اليوم (رويترز)

الستار الحديدي الجديد

بعكس الستار الحديدي السابق، الذي ظلّ ثابتاً حتى سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991، لا يزال الستار الجديد متغيّراً، متحرّكاً، وديناميكيّاً. يُرسم خطوة بعد خطوة، لكن بالدم والدمار. ويعود سبب هذه الديناميكيّة الدمويّة إلى أمرين مهمّين هما: أولاً، اقتناع الرئيس بوتين بأن الوقت يعمل لصالحه، وهو قادر على تحقيق كل الأهداف التي وضعها في بداية الحرب. ثانياً، اقتناع الرئيس الأوكراني بأنه يمكن تحرير كلّ الأراضي الأوكرانيّة من الاحتلال الروسيّ، وضمناً شبه جزيرة القرم.

وفي هذه الديناميّة، وبسببها، لا تزال المعارك الطاحنة مستمرّة. لكن للغرب حسابات مختلفة، تبدأ من الحسابات في البُعد التكتيكي، وصولاً إلى البُعد الجيوسياسيّ، الذي يتخطّى القارة العجوز، وصولاً إلى بحر الصين. فالبُعد التكتيكي هو الذي يُثبّت، في حال نجاحه، مسار الستار الحديدي (الجغرافيّ) الجديد. كما يُساعد على رسم الصورة الجيوسياسيّة الكبرى، وبشكل يُناسب مصالح الغرب.

جنديان أوكرانيان قرب الجبهة في باخموت يوم 13 يوليو الحالي (رويترز)

الهجوم الأوكرانيّ

تحتلّ روسيا تقريباً 20 في المائة من مساحة أوكرانيا، أي ما يُقارب الـ120 ألف كلم2، استردّت أوكرانيا منها فقط 253 كلم2، وذلك منذ بدء الهجوم المضاد منذ شهر تقريباً، فماذا عن المتبقّي؟

كتبت جريدة «نيويورك تايمز» أن أوكرانيا خسرت ما يقرب من 20 في المائة من العتاد الجديد منذ 5 يونيو (حزيران) الماضي وحتى الآن، وهذه نسبة تقريباً مرتفعة، وهي لا تُبشّر بالخير. لكن لماذا هذا التعثّر الأوكرانيّ؟

• الحصول على العتاد الجديد، لا يعني أن النجاح مضمون. فالعتاد جديد، والعسكر جديد، كان قد تم التدرّب عليه بسرعة فائقة، وفي مناطق آمنة. والتحدّي الأكبر هو القتال المشترك لهذا العتاد، مع الأسلحة الأخرى، في مسرح حرب مليء بالمفاجآت. فقيادة الدبابة في التدريب هي غيرها في حقل المعركة، حيث القذائف حيّة والمخاطر كبيرة.

• كانت روسيا قد حصّنت خطّ التماس (900 كلم)، أو الستار الحديدي الجديد، بشكل يصعب اختراقه، خاصة مع عدوّ لا يملك العديد والعتاد الكافيين. وعلى طول هذه الجبهة، اعتمد الجيش الروسي استراتيجيّة الدفاع المرن، بعمق يصل إلى 30 كلم. وحضّر الجيش الروسي العمق الدفاعي (30 كلم) على الشكل التالي: منطقة رماديّة لتأخير واستنزاف القوات الأوكرانيّة، تليها منطقة، تكثر فيها الألغام من كلّ الأنواع، المُضادة للأشخاص، كما المُضادة للآليات. تلي هذه المنطقة، الحُفر والخنادق، كما تحوي قوات احتياط للقيام بالهجوم العكسي في حال حصل الخرق الأوكرانيّ.

• تحمي هذه المنظومة الروسيّة، الطوافات، كما المسيّرات مع تفعيل مهمّ للحرب الإلكترونيّة (EW).

• تقف أوكرانيا عاجزة حتى الآن عن إحداث خرق، باستثناء خرق متواضع في محيط مدينة بخموت. ويعود سبب هذا التعثّر الأوكرانيّ، إلى افتقار القوات المهاجمة إلى الدعم الناري الكثيف، وإلى الحماية الجوّية المتنقّلة، من هنا التعويض الأميركي بالذخيرة العنقوديّة.

• ورداً على هذا النقص التقنيّ، تلجأ أوكرانيا حالياً إلى اعتماد «استراتيجيّة المنع، والحرمان» للقوات الروسيّة المنتشرة على الجبهة. فماذا يعني هذا الأمر؟

o لدى أوكرانيا أسلحة دعم ناري بعيدة المدى، متنوّعة وهي: المدفعيّة العادية 30 كلم، والهايمارس 80 كلم، والستورم شادو الإنجليزي 250 كلم.

o تنتظر أوكرانيا تسلم الصاروخ الفرنسي سكالب (Scalp) 250 كلم، كما الصاروخ الأميركي (ATACMS) 300 كلم، الذي يُطلق من نفس راجمة الهايمارس.

o بدل نزع الألغام بواسطة الكاسحات، يسعى الجيش الأوكراني حالياً إلى نزعها عبر سلاح الهندسة يدوياً، وبالطريقة التقليديّة.

o تسعى حالياً أوكرانيا إلى ضرب عمق انتشار الجيش الروسي المنتشر على طول الجبهة، وذلك عبر ضرب الخطوط اللوجستيّة، والأهداف ذات القيمة الاستراتيجيّة العالية، وذلك يهدف لعزل الوحدات المقاتلة عن قواعدها الخلفيّة، خاصة أن الجيش الروسي يُعد مستهلكاً للذخيرة بشكل كبير جدّاً.

o جرّبت أوكرانيا «استراتيجيّة المنع والحرمان» في مدينة خيرسون ونجحت، فهل ستنجح على خط الستار الحديدي الجديد؟


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
المشرق العربي قوات روسية في سوريا (أرشيفية)

روسيا المنخرطة في أوكرانيا... كيف تواجه معارك سوريا؟

دخلت موسكو على خط المعارك الساخنة في سوريا بعد اندلاع أوسع مواجهات تشهدها البلاد منذ عام 2020؛ فما خيارات روسيا المنخرطة في الحرب الأوكرانية؟

رائد جبر (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الروسي أندري بيلوسوف مع نظيره الكوري الشمالي نو كوانغ تشول (أ.ب)

أوكرانيا تقصف مستودعاً للنفط ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي

أوكرانيا تقصف ليلاً مستودعاً للنفط بروستوف في روسيا ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي في منطقة زابوريجيا بجنوب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (باريس) «الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور (رويترز - أرشيفية)

المخابرات البريطانية: روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا

قال مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور، إن روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا، وإن بوتين لن يتوقف عند حد تحويل أوكرانيا إلى دولة خاضعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

ناشدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أوكرانيا وداعميها التفكير بالتوازي في حلول دبلوماسية، في خضم معترك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

تقرير: أوكرانيا نجحت في إعادة توجيه طائرات من دون طيار انتحارية إيرانية الصنع إلى روسيا

تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)
تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)
TT

تقرير: أوكرانيا نجحت في إعادة توجيه طائرات من دون طيار انتحارية إيرانية الصنع إلى روسيا

تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)
تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن أوكرانيا تعلمت كيفية اختراق الطائرات من دون طيار الانتحارية إيرانية الصنع، وإرسالها مرة أخرى إلى روسيا وبيلاروسيا، وفقاً للتقارير.

وتنتج روسيا الآن أكثر من 6 آلاف طائرة من دون طيار من طراز «شاهد» سنوياً، وتطلق قواتها ما بين 30 و80 من المسيرات في اتجاه المدن الأوكرانية كل يوم.

وكان حجم الهجمات يشكل تحدياً لوحدات الدفاع الجوي الأوكرانية، التي تعاني من نقص الصواريخ الأرضية - الجو الغربية المكلفة.

وأطلقت روسيا، يوم الثلاثاء، 188 طائرة من دون طيار من طراز «شاهد» و4 صواريخ باليستية من طراز «إسكندر» باتجاه أوكرانيا، وهو رقم قياسي جديد في 1000 يوم من الحرب، وفقاً للقوات الجوية الأوكرانية.

وتقول أوكرانيا إنها لم تتمكن من إيقاف صواريخ إسكندر لكنها تمكنت من منع 90 في المائة من الطائرات من دون طيار من الوصول إلى أهدافها.

ووفقاً لصحيفة «لوموند» الفرنسية، التي نقلت عن «مصدر مقرب من الاستخبارات العسكرية الأوكرانية»، تمَّت «إعادة توجيه» 95 طائرة من دون طيار بنجاح من أهدافها الأصلية نحو الأراضي الروسية.

وأكد المصدر أن هذا تم من خلال الاستيلاء على إحداثيات الأقمار الاصطناعية التي تستخدمها الطائرات من دون طيار والصواريخ لتوجيه نفسها عبر المجال الجوي.

ونقلت الصحيفة عن المصدر قوله: «هذه الطائرات من دون طيار تُرسل عمداً إلى روسيا وبيلاروسيا».

وقالت لوموند إن هذه القدرة لم تعترف بها السلطات الروسية ولا البيلاروسية علناً.

مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

ويبلغ مدى الطائرة «شاهد» (وهي طائرة من دون طيار يبلغ طول جناحيها 3.5 متر وتحمل شحنة متفجرة تزن 40 - 50 كغم) ما يصل إلى 1000 كيلومتر (621 ميلاً)، وأصبح صوتها المميز الذي يشبه صوت الدراجة النارية مألوفاً بشكل مخيف لدى الأوكرانيين، بعد عامين من القصف.

وتم تصميمها من قبل إيران وسيلةً رخيصةً للتجسُّس، وتم تصنيعها مع بعض التعديلات بموجب ترخيص من روسيا خلال العام ونصف العام الماضيين، تحت اسم «جيران - 2»، وتم تصميم شحنتها المتفجرة في الأصل لتدمير المباني ولكنها تحمل الآن أيضاً شحنات مصمَّمة للقتل، عبر القنابل الحرارية.

وأصبحت الهجمات أكثر عدداً وتعقيداً على نحو متزايد. وبعد كل منها، تنشر مصادر مقربة من القوات الجوية الأوكرانية خرائط توضح مساراتها وكيف تهربت من أنظمة الدفاع المضادة الأوكرانية.

وفي الشهر الماضي، كشفت «تلغراف» أن أوكرانيا تعمل على تطوير الطائرة من دون طيار من نوع «ستينغ»، لتكون قادرة على اعتراض الطائرات «شاهد»، بدلاً من الدفاع الجوي التقليدي، لحماية المدن الأوكرانية ضد القصف الروسي.