تمرد «فاغنر» يدفع روسيا للجوء لتجنيد كوبيين

عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم  في روستوف أون دون (أ.ب)
عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم في روستوف أون دون (أ.ب)
TT

تمرد «فاغنر» يدفع روسيا للجوء لتجنيد كوبيين

عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم  في روستوف أون دون (أ.ب)
عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم في روستوف أون دون (أ.ب)

ذكرت «مؤسسة الدفاع عن السجناء» غير الحكومية، التي تتخذ من مدريد مقراً لها، أن الحكومتين الروسية والكوبية وقّعتا اتفاقاً ترسل كوبا بمقتضاه مساجين للمشاركة في الحرب بأوكرانيا. ويقول المحلل الأميركي الدكتور لويس فلايشمان، أستاذ العلوم الاجتماعية بكلية بالم بيتش، المشارك في تأسيس «مركز بالم بيتش لأبحاث الديمقراطية والسياسة»، إن مثل هذا التطور يثير كثيراً من التساؤلات المهمة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

ويضيف فلايشمان، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، أن تمرد مجموعة «فاغنر» الفاشل كشف عن أمر كان «الكرملين» على دراية به منذ وقت طويل؛ وهو أن المجموعة، بما في ذلك قائدها يفغيني بريغوجين، أصبحت تمثل مشكلة بالنسبة لروسيا، ولا سيما على الجبهة الأوكرانية.

فالمجموعة لم تتمتع بقدر كبير من التدريب العسكري، وكانت مجرد وقود للمدافع في الحرب. وسقط الآلاف من مقاتليها في المعركة. وكانت مجموعة «فاغنر» ملائمة لروسيا، حيث إن كثيراً من مُجنَّديها كانوا من المجرمين الذين جرى تجنيدهم من السجون. بمعنى آخر، كانوا جنوداً أرواحهم قابلة للتضحية بها. وبالإضافة إلى ذلك، ساعدت الاستعانة بجنود «فاغنر»، بدلاً من الجنود الرسميين، في تجنب حدوث أزمة بالشرعية الداخلية في روسيا.

وبالمثل، كان لمجموعة «فاغنر» دور أساسي في أنحاء مختلفة من العالم، حيث ترتبط عملياتها بالجيش الروسي وأجهزة المخابرات الروسية، فالمجموعة تقدم خدمات أمنية، ومساعدات شبه عسكرية، وقامت بحملات تضليل لحساب نُظُم حكم ومنظمات سياسية في السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وموزمبيق، ومالي، وغيرها.

ويقول فلايشمان إن فائدة المجموعة تفسر موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتحفظ تجاه بريغوجين، الذي كان ينتقد بشدة المؤسسة العسكرية الروسية، والسبب المنطقي للحرب في أوكرانيا نفسها، وهو أكثر ما كان ينذر بالسوء، بالنسبة لبوتين.

ومع ازدياد عداء بريغوجين تجاه الجيش، سعى نظام بوتين للبحث عن بدائل لمجموعة «فاغنر»، التي أصبحت تهديداً أكثر منها مجموعة مفيدة. وكانت وزارة الدفاع الروسية تعتزم تفكيك مجموعة «فاغنر»، بحلول الأول من الشهر الحالي.

ويضيف فلايشمان أن هذه هي الخلفية التي على أساسها يمكن فهم سبب تجنيد روسيا للجنود الكوبيين. ووفقاً لـ«منظمة الدفاع عن السجناء»، ستدفع روسيا 2000 دولار شهرياً لكل جندي، لكن الحكومة الكوبية سوف تحصل على 75 إلى 95 في المائة من هذا المبلغ، كما ذكرت المنظمة أنه ليس لدى هؤلاء الجنود أي خيار سوى الانضمام إلى القوات الروسية، وإلا فسوف يتعرضون للانتقام والعقاب.

وأوضح فلايشمان أن هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها الاستعانة بالجنود الكوبيين بهذه الطريقة؛ فقد شاركوا في حروب بدول مختلفة، مثل أنغولا، وإثيوبيا، والكونغو. وفقدت كوبا نحو 5 آلاف جندي في أفريقيا وحدها.

ومن المنطقي افتراض أن عدد القتلى الكوبيين سيكون أكثر من ذلك في الحرب الأوكرانية الحالية، حيث من المرجح أن يكونوا في الوضع الذي كان فيه السجناء المجنَّدون ضمن مجموعة «فاغنر».

وسوف تستفيد الحكومة الكوبية اقتصادياً من مثل هذا الاتفاق، وسوف يبدأ الروس الحد من اعتمادهم على مجموعة «فاغنر».

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يفترض أن ذلك سوف يعزز التحالف بين روسيا ونُظُم الحكم في أمريكا اللاتينية، مثل فنزويلا، ونيكاراجوا، وكوبا، التي دعّمت بوتين أثناء تمرد «فاغنر».

وهناك تحالف استراتيجي بين روسيا ونُظُم الحكم اليسارية غير الليبرالية في أمريكا اللاتينية. كما قامت روسيا بإرسال مُعدات عسكرية، وقوات، ومرتزقة إلى فنزويلا، بما في ذلك أفراد من مجموعة «فاغنر»، كما أرسلت نُظُم دفاع جوي «إس300-»، ووفّرت المئات من المستشارين العسكريين. كما أرسلت روسيا قاذفات قنابل نووية طراز «توبولوف تي يو 160-» إلى فنزويلا ونيكاراجوا. وفي نيكاراجوا سمح نظام حكم دانيال أورتيجا لما بين 180 و230 من الجنود الروس، والطائرات والسفن والأسلحة الروسية، بالعمل على أراضيها.

وبالمثل، تتدرب القوات الروسية في فنزويلا ونيكاراجوا.

ومن المنطقي إذن أنه كجزء من هذا التحالف، سوف يحاول بوتين عرض اتفاقات مماثلة على رئيسيْ فنزويلا ونيكاراجوا لتجنيد مزيد من الجنود.

واختتم فلايشمان تقريره بالقول إنه ليس من المرجح أن يؤدي عناد بوتين إلى أية نهاية للحرب في أي وقت قريب. وسوف يتضاعف عدد القتلى، ويحتمل أن تضحِّي نُظُم الحكم السلطوية بصورة متزايدة في أمريكا اللاتينية بأبنائها في حرب لا معنى لها ويطيلون أمدها إلى ما لا نهاية.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

أوروبا بريطانيا تفرض 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين لديهم صلات بمجموعة فاغنر (رويترز)

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

قالت الحكومة البريطانية، اليوم (الخميس)، إنها فرضت 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين على صلة بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية، وفق «رويترز».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

الجزائر تطالب بعقوبات ضد مالي بعد هجوم شنته فوق أراضيها

طالبت الجزائر بإنزال عقوبات دولية على الحكومة المالية، بعد الهجوم الذي شنّه الجيش المالي على مواقع للطوارق المعارضين في بلدة تقع على الحدود مع الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا عناصر من القوات التركية تتولى تدريب قوات ليبية (وزارة الدفاع التركية)

​تقارير أممية تكشف عن تورط تركيا في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا

كشفت تقارير للأمم المتحدة عن تورط شركة «سادات للاستشارات الدفاعية الدولية» التركية في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتجنيد آلاف المرتزقة السوريين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

قتلى وجرحى في هجوم للجيش المالي على مواقع للطوارق قرب بلدة جزائرية

القصف يدلّ على تصاعد التوتر منذ أن قرّر الحاكم العسكري في باماكو إلغاء «اتفاق السلام»، مطالباً الجزائر بـ«التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لمالي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
خاص معمّر القذافي (رويترز)

خاص «تركة القذافي»... ليبيا منقسمة وعملية سياسية ميتة

تغيَّرت ليبيا كثيراً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. فشل الليبيون في إقامة نظام جديد أفضل منه. ولكن من هم المتنافسون على تركة القذافي؟

كميل الطويل (لندن)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
TT

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

فجّر المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو، الاثنين، مفاجأة مدوية بتصدّره الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، حسب النتائج شبه النهائية، وسينافس سياسية مغمورة في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وبعد فرز أكثر من 99 في المائة من الأصوات، حصل كالين جورجيسكو (62 عاماً) المنتمي إلى اليمين المتطرف، والمعارض لمنح أوكرانيا المجاورة مساعدات والمناهض لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، على 22.94 في المائة من الأصوات، متقدماً على إيلينا لاسكوني (52 عاماً)، وهي رئيسة بلدية مدينة صغيرة تترأس حزباً من اليمين الوسط وحلّت في المركز الثاني بـ19.17 في المائة من الأصوات في الانتخابات التي أُجريت، الأحد.

إيلينا لاسكوني (52 عاماً) التي ستخوض الجولة الثانية في أثناء إدلائها بصوتها الأحد (إ.ب.أ)

وتراجع رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو الذي كان المرشح الأوفر حظاً، إلى المركز الثالث، بفارق نحو ألف صوت فقط عن لاسكوني (19.15 في المائة).

وحقّق جورجيسكو هذه النتيجة المفاجئة بعد أن أطلق حملة عبر تطبيق «تيك توك» ركزت على ضرورة وقف كل مساعدة لكييف، وحقّقت انتشاراً واسعاً خلال الأيام الماضية.

وعلّق جورجيسكو، الأحد، بالقول: «هذا المساء، هتف الشعب الروماني من أجل السلام، وهتف بصوت عالٍ للغاية».

وكان من المتوقع أن يبلغ الجولة الثانية جورج سيميون (38 عاماً)، زعيم تحالف اليمين المتطرف من أجل وحدة الرومانيين (أور)، لكنه حلّ رابعاً بـ13.87 في المائة من الأصوات. وهنّأ خصمه، معرباً عن سعادته بأن «سيادياً» سيترشح للجولة الثانية.

رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو يلقي خطاباً وهو محاط بكبار المسؤولين في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

وعوّل سيميون المعجب بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على خطاباته القومية، للاستفادة من غضب مواطنيه الذين يعانون الفقر بسبب التضخم القياسي.

كما أراد أن يُظهر نفسه معتدلاً؛ لكن ذلك «انعكس عليه سلباً بين الأكثر تطرفاً»، وفق ما قاله المحلل السياسي كريستيان بيرفوليسكو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

تصويت مناهض للنظام

وأشار المحلل بيرفوليسكو إلى أن «اليمين المتطرف هو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات»؛ إذ نال أكثر من ثلث الأصوات، متوقعاً أن تنعكس هذه النتائج لصالح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل. لكن حصول ذلك يؤشّر إلى مفاوضات صعبة لتشكيل ائتلاف.

جورج سيميون (38 عاماً) زعيم تحالف اليمين المتطرف يتحدّث للإعلام في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

ويحكم الديمقراطيون الاشتراكيون، ورثة الحزب الشيوعي القديم الذي هيمن على الحياة السياسية في البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، حالياً في ائتلاف مع الليبراليين من حزب التحرير الوطني الذي هُزم مرشحه أيضاً.

وبات الرومانيون يعوّلون على المرشحين المناهضين للنظام، في ظل صعود الحركات المحافظة المتشددة في أوروبا، بعد عقد من حكم الليبرالي كلاوس يوهانيس، وهو من أشد المؤيدين لكييف. وتراجعت شعبيته لا سيما بسبب رحلاته المكلفة إلى الخارج المموّلة بالمال العام. ويرى خبراء أن اليمين المتطرف استفاد من مناخ اجتماعي وجيوسياسي متوتر في رومانيا المنضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبات لهذه الدولة الواقعة على حدود أوكرانيا دور استراتيجي منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا؛ حيث ينتشر على أراضيها أكثر من 5 آلاف جندي من حلف «الناتو»، وتشكّل ممراً لعبور الحبوب الأوكرانية.

وتُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا المجاورتين. ويشغل رئيس الجمهورية منصباً فخرياً إلى حد كبير، لكنه يتمتع بسلطة معنوية ونفوذ في السياسة الخارجية. وتباينت المواقف حيال هذه النتائج في شوارع بوخارست، الاثنين. ورأى البعض فيها مفاجأة سارّة، مثل المتقاعدة ماريا شيس (70 عاماً) التي عدّت أن جورجيسكو «يبدو رجلاً نزيهاً وجاداً ووطنياً وقادراً على إحداث التغيير». وأوضحت أنها أُعجبت بمقاطع الفيديو التي نشرها على «تيك توك» مشيراً فيها إلى موقفه من الحرب في أوكرانيا وتعهّده بـ«السلام والهدوء». وأضافت: «انتهى الخنوع للغرب، وليُفسح المجال لمزيد من الاعتزاز والكرامة».

في المقابل، أعرب آخرون، مثل أليكس تودوز، وهو صاحب شركة إنشاءات، عن «الحزن وخيبة الأمل أمام هذا التصويت المؤيّد لروسيا بعد سنوات عدة في تكتلات أوروبية أطلسية». وعدّ أنه بمثابة تصويت ضد الأحزاب التقليدية التي لحقت بها حملة «تضليل» على الشبكات الاجتماعية أكثر من كونه موقفاً مؤيداً لـ«الكرملين». وحول الجولة الثانية، فقد أعرب عن خشيته من أن «الرومانيين ليسوا مستعدين لانتخاب امرأة (لاسكوني)»؛ لصد اليمين المتطرف في هذا البلد؛ حيث لا تزال النعرات الذكورية راسخة.