مقتل نائل يفجّر أزمة الضواحي الفرنسية

«سياسة المدينة» فشلت في تحسين أوضاع سكان الأحياء المهمّشة

منية والدة نائل خلال «المسيرة البيضاء» لتكريم ذكرى ابنها في نانتير، 29 يونيو (أ.ف.ب)
منية والدة نائل خلال «المسيرة البيضاء» لتكريم ذكرى ابنها في نانتير، 29 يونيو (أ.ف.ب)
TT

مقتل نائل يفجّر أزمة الضواحي الفرنسية

منية والدة نائل خلال «المسيرة البيضاء» لتكريم ذكرى ابنها في نانتير، 29 يونيو (أ.ف.ب)
منية والدة نائل خلال «المسيرة البيضاء» لتكريم ذكرى ابنها في نانتير، 29 يونيو (أ.ف.ب)

أعادت الاحتجاجات العنيفة التي تهزّ فرنسا، منذ مقتل شاب برصاص شرطي، أزمة الضواحي إلى الواجهة. وبخلاف الأزمات السابقة، تميّزت أعمال الشغب التي عمّت عدداً من المدن الفرنسية بمشاركة عدد كبير من الشباب «الصغار جداً» في تدمير الممتلكات العامّة وإحراق السيارات ونهب المتاجر والاشتباك مع الشرطة.

عنف متجدّد

كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ثلث الأشخاص الـ875 الذين أوقفتهم الشرطة على خلفية أعمال النهب والشغب ليل الخميس كانوا من الشباب، و«أحياناً فتية صغار جداً». ووفقاً لوزير الداخلية جيرالد دارمانان، فإنّ «متوسّط العمر هو 17 عاماً». وبعض هؤلاء الموقوفين بدأوا بالمثول أمام محاكم المنطقة الباريسية. وقد تبيّن أنّ بعضهم هم تلامذة في المرحلة الثانوية، وآخرين تلامذة في معاهد مهنية، بينما يعمل بعضهم الآخر في مطاعم وحانات، وكثيرون منهم بلغوا سنّ الـ18 عاماً، وغالبيتهم ليس لديه أيّ سجلّ إجراميّ.

سيارة تحترق خلال مواجهات بين مثيري شغب والأمن في نانتير، 29 يونيو (أ.ف.ب)

وفيما لا تعدّ هذه المرة الأولى التي تتحول فيها بعض شوارع فرنسا إلى ما يشبه ساحة الحرب بين الأمن ومثيري شغب، فإنها المرة الأولى التي يشارك فيها عدد كبير من القاصرين. ففي عام 2005، اشتعلت ضواحي المدن الفرنسية الكبرى غضباً إثر مصرع مراهقين صعقاً بالكهرباء في حيّ كليشي - سو - بوا بضاحية سين - سان - دوني الباريسية، أثناء محاولتهما الفرار من الشرطة. وقالت مارتين أوبري، رئيسة بلدية مدينة ليل، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنّه في 2005 «كان هناك عدد أكبر من الشبّان في الشوارع، وكانوا أكبر سنّاً. كانوا يضرمون النار في السيارات وعربات الإطفاء، لكن كان بإمكاننا أن نتواصل معهم». وأضافت المسؤولة الاشتراكية أنّ في الاحتجاجات الراهنة «هناك عدد كبير من الأطفال» الذين «لا يمكننا أن نتحاور معهم».

تحرّك منظّم

يتنقل كثير من مرتكبي أعمال الشغب ضمن مجموعات صغيرة تتميّز بقدرتها العالية على الحركة وسرعتها في التفرّق، كما ذكر تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. وفي حيّ بابلو بيكاسو بضاحية نانتير (غرب باريس)، حيث كان يقطن الشاب «نائل م». الذي أشعل مقتله الاحتجاجات، توزّع المحتجّون ضمن مجموعات، واتّبعوا طريقة محدّدة للتحرّك. وتتولّى مجموعات شبابية جيّدة التنظيم مهمّة مراقبة مداخل الحيّ لإخطار البقية عند رصد أيّ تعزيزات أمنية، فتنتشر عند كلّ من هذه المداخل مجموعة شبابية، في حين تتجوّل بين المجموعة والأخرى درّاجات نارية أخفيت لوحاتها. وفي حين تتولّى هذه المجموعات عند المداخل مهمّة الرصد والمراقبة، تتوزّع داخل الحيّ مجموعات أخرى، مهمّتها التصدّي لقوات الشرطة وإطلاق المفرقعات والأسهم النارية باتّجاهها.

جانب من الصدامات بين متظاهرين والأمن في أحد شوارع مارسيليا، 30 يونيو (أ.ف.ب)

وما يميّز هؤلاء الشبّان هو أنّهم دائمو التنقّل ويتواصلون بعضهم مع بعض باستمرار بواسطة هواتفهم النقّالة ويتوزّعون في أنحاء مختلفة من حيّهم، وما أن يهبط الليل حتى ينضمّ إليهم شبّان آخرون، غالباً ما يرتدون ملابس سوداء ويخفون وجوههم خلف أوشحة.

وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لما يقوم به هؤلاء الشبان، الذين قال عنهم ماكرون إنّ «بعضهم يطبّقون في الشارع ما يعيشونه في ألعاب الفيديو التي سمّمتهم». ووجّه الرئيس الفرنسي أصابع الاتّهام بالخصوص إلى منصّتي «سناب تشات» و«تيك توك» حيث يتمّ تنظيم «تجمّعات عنيفة»، معتبراً أنّ هاتين المنصّتين «تثيران أيضاً شكلاً من أشكال محاكاة العنف، ما يؤدّي في صفوف الأصغر سنّاً إلى شكل من أشكال الخروج من الواقع».

فشل سياسة المدينة

تراهن فرنسا بقوة منذ 30 عاماً على تحديث الأحياء الشعبية، وهي سياسة اعتبرها البعض «مفيدة، لكن غير كافية» لاحتواء مشاكل الضواحي. وفي مواجهة دعوات لتوسيع سياسة المدينة، رفض ماكرون في العام 2018 تقريراً يدافع عن اعتماد سياسة للمناطق الحضرية، تتمحور حول التربية والعمل ومكافحة التمييز، بما يتجاوز تحديث المدن المحض.

شعار يدعو إلى تحقيق العدالة لنائل في أحد أحياء نانتير (أ.ف.ب)

وقال يوان ميو، الأستاذ المحاضر في جامعة «غوستاف إيفل» قرب باريس، إنّ «ثمّة ميلاً إلى اعتبار أنه لا ينبغي استثمار مزيد من المال، بما أن (سياسة المدينة) تطبّق في هذه الأحياء»، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. واعتبر الوزير الفرنسي لشؤون المدينة، أوليفيه كلين، أن «سياسة المدينة تؤتي ثمارها، ولا يمكن القول إنها غير فعالة».

واعتمدت سياسة المدينة في العام 1990، مع استحداث وزارة المدينة استجابةً لأعمال عنف في فو - إن - فلان قرب ليون، في وسط البلاد الشرقي.

وفي أول برنامج لها بين العامين 2004 و2020، أنفقت الوكالة الوطنية للتحديث الحضري، المعنية بتطبيق سياسة المدينة، 12 مليار يورو، استُخدمت خصوصاً في هدم صفوف الأبنية الشاهقة في الأحياء التي تحظى بالأولوية، لتشييد أبنية أصغر فيها. كما خُصّص 12 مليار يورو إضافي لبرنامج ثانٍ ينفذ حتى العام 2030. وفيما نجحت هذه السياسة في تغيير وجه عدد من الضواحي، عبر تحسين وسائل النقل العام التي تصلها بالمدن، وتشييد مباني حديثة، فإنها لم تنجح في وضع حدّ للتمييز العرقي ومستويات الفقر المرتفعة والتهميش الاجتماعي.

شرطيان من وحدة «ريد» الخاصة في أحد شوارع ليل، 29 يونيو (أ.ف.ب)

وتقول ستيفاني فيرميرش، مديرة الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، إن «التحديث غيّر وجه عدد لا بأس به من الأحياء، لكن على صعيد المدرسة والتمييز والحصول على عمل والعلاقة مع الشرطة فلم يتغير الكثير». ويوضح يوان ميو: «هناك أيضاً وطأة التمييز النُظمي الذي يواجهه جزء من سكان الأحياء الشعبية، من تدقيق بحسب السحنة وصعوبة الإجراءات للوصول إلى خدمات قانونية والتمييز في الحصول على مسكن شعبي، ما يخلّف شعوراً بالظلم». وتابعت ستيفاني فيرميرش: «عملياً يذهب الشخص إلى المدرسة في الحي، ومن ثم يدرك من خلال الأمثلة التي تحيط به أن المدرسة لن تفتح الأبواب أمامه بعد ذلك».


مقالات ذات صلة

أقارب الرهائن الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو

شؤون إقليمية عائلات ومتضامنون مع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة يحملون صور أحبائهم خلال احتجاج يطالب بالإفراج عنهم أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس الاثنين 18 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أقارب الرهائن الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو

تظاهر أقارب رهائن محتجزين في قطاع غزة أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، الاثنين، مطالبين بالتوصل إلى اتفاق مع «حماس» للإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا أشخاص يرفعون صور عبد الله أوجلان أثناء المسيرة في كولونيا (د.ب.أ)

آلاف يتظاهرون في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن زعيم «العمال الكردستاني» أوجلان

تظاهر آلاف الأشخاص في مدينة كولونيا بغرب ألمانيا، السبت، للمطالبة بالإفراج عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي اعتُقل قبل 25 عاماً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا متظاهرون يقتحمون مبنى البرلمان في جمهورية أبخازيا 15 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

زعيم أبخازيا يعلن استعداده للتنحي إذا أخلى متظاهرون مبنى البرلمان

قال رئيس جمهورية أبخازيا التي أعلنت انفصالها عن جورجيا والمدعومة من موسكو، السبت، إنه مستعد للاستقالة بعد اقتحام متظاهرين مبنى البرلمان.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا خلال مواجهات بين محتجّين والشرطة الهولندية في أمستردام يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

الائتلاف الحاكم في هولندا يتجنب الانهيار وسط صراع بشأن «تعليقات عنصرية»

عقد مجلس الوزراء الهولندي جلسة طارئة، اليوم الجمعة، وسط تقارير عن احتمال انهيار الائتلاف الحاكم بسبب طريقة تعامل الحكومة مع أحداث العنف الأخيرة في أمستردام.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
أوروبا متظاهرون يتجمعون خارج مبنى البرلمان في منطقة أبخازيا الانفصالية الجورجية (أ.ب)

اقتحام برلمان إقليم أبخازيا المنشق عن جورجيا بسبب اتفاق استثمار مع روسيا

اقتحم محتجون برلمان إقليم أبخازيا المنشق عن جورجيا والمدعوم من روسيا، اليوم (الجمعة)، وطالب سياسيون من المعارضة باستقالة رئيس الإقليم بسبب اتفاق مع موسكو.

«الشرق الأوسط» (تبيليسي)

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

TT

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ)
خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ)

قالت روسيا، الاثنين، إن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زودها بها الغرب ضد روسيا.

وأفادت وزارة الدفاع الروسية في مؤتمر صحافي بأن «الدفاعات الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية و6 قنابل جوية موجهة من طراز (JDAM) أميركية الصنع، بالإضافة إلى 45 مسيّرة» من دون تفاصيل حول نوع الصواريخ أو المكان الذي أُسقطت فيه، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

من جهته، قال الجيش الأوكراني، الاثنين، إنه ضرب مستودعاً للنفط في منطقة كالوجا بغرب روسيا خلال الليل.

وأضاف أنه استهدف أيضاً «عدداً من الأهداف المهمة» في منطقتي بريانسك وكورسك الروسيتين المتاخمتين لأوكرانيا، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

ويأتي ذلك مع إعلان السلطات في خاركيف، ثاني كبرى المدن الأوكرانية، إصابة 19 شخصاً بهجوم صاروخي روسي استهدف وسط المدينة القريبة من الحدود الروسية.

وكثفت موسكو وكييف الهجمات المتبادلة بالصواريخ والطائرات المسيَّرة عبر الحدود، وأطلقت روسيا، الأسبوع الماضي، صاروخها الجديد «أوريشنيك» على أوكرانيا؛ ما أثار دعوات دولية إلى وقف التصعيد.

وقال المصدر: «نتيجة عملية قامت بها الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية، أصيبت منشأة للوقود والطاقة في منطقة كالوغا في روسيا ليلاً».

وقال حاكم مدينة كالوغا الروسية الواقعة إلى جنوب العاصمة موسكو، إن أنظمة الدفاع الجوي في المنطقة أسقطت 8 مسيّرات، مؤكّداً أن «مؤسسة صناعية» اشتعلت فيها النيران.

وأوضح المصدر الأوكراني أن «هدف الهجوم كان مستودع نفط لشركة (Kaluganefteprodukt JSC) التي تشارك في دعم العدوان الروسي المسلح على أوكرانيا».

في السياق نفسه، أعلن الجيش الأوكراني، الاثنين، ارتفاع عدد قتلى وجرحى العسكريين الروس منذ بداية الحرب على أوكرانيا في فبراير (شباط) عام 2022، إلى نحو 732 ألفاً و350 جندياً، بينهم 1610 لقوا حتفهم، أو أصيبوا، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حسبما أفادت «وكالة الأنباء الألمانية».

جاء ذلك وفق بيان نشرته هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وأوردته وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية (يوكرينفورم)، الاثنين.

وبحسب البيان، دمرت القوات الأوكرانية منذ بداية الحرب 9429 دبابة، منها 6 دبابات، الأحد، و19236 مركبة قتالية مدرعة، و20787 نظام مدفعية، و1254 من أنظمة راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق، و1004 من أنظمة الدفاع الجوي.

وأضاف البيان أنه تم أيضاً تدمير 369 طائرة حربية، و329 مروحية، و19480 طائرة مسيَّرة، و2764 صاروخ «كروز»، و28 سفينة حربية، وغواصة واحدة، و29948 من المركبات وخزانات الوقود، و3681 من وحدات المعدات الخاصة.