الكرملين يلوّح بـردٍ حازم على استهداف موسكو

روسيا تقول إن ضرباتها على أوكرانيا دمّرت مقراً للمخابرات العسكرية

TT

الكرملين يلوّح بـردٍ حازم على استهداف موسكو

خبير يتفحص الأضرار التي لحقت بمبنى في موسكو خلال هجوم المسيّرات الثلاثاء (أ.ف.ب)
خبير يتفحص الأضرار التي لحقت بمبنى في موسكو خلال هجوم المسيّرات الثلاثاء (أ.ف.ب)

لوّح الكرملين بـردٍ حازم بعد تعرّض العاصمة الروسية لهجوم غير مسبوق بحجمه استخدمت خلاله ثماني مسيّرات. وندد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«الهجوم الإرهابي»، ورأى انه يهدف إلى ترويع سكان موسكو، واتهم الغرب بتحويل أوكرانيا «كياناً معادياً لروسيا». وربطت موسكو بين هجوم المسيّرات والضربات القوية التي وجّهها الجيش الروسي على العاصمة الأوكرانية، وكشفت وزارة الدفاع الروسية عن أن ضرباتها المركّزة على كييف في اليومين الأخيرين أسفرت عن تدمير «مراكز صنع القرار»، وبينها مقر الاستخبارات العسكرية الأوكرانية.

واستيقظ الروس صباح الثلاثاء على أنباء هجوم بثماني طائرات مسيّرة استهدفت موقعين في العاصمة الروسية من دون أن توقع خسائر فادحة. ورجّحت أوساط إعلامية روسية أن يكون هدف المسيّرات ضرب طريق يسلكها عادة الرئيس الروسي خلال تنقله من مقر إقامته خارج موسكو إلى الكرملين، لكن الدفاعات الجوية نجحت في إسقاط خمس من المسيّرات باستخدام أنظمة صاروخية قصيرة المدى من طراز «بانتسير» في حين تم حرف 3 مسيّرات أخرى وتعطيل تحركها باستخدام آليات التعطيل الإلكتروني.

شرطي أمام مبنى أُصيب بأضرار في هجوم الطائرات المسيّرة في موسكو الثلاثاء (أ.ف.ب)

ويعدّ هذا الحادث الأسوأ منذ أن أعلنت موسكو في بداية الشهر أن الكرملين تعرّض لهجوم بمسيّرتين. ونفت كييف في حينها علاقتها بالأحداث ورجحت أن يكون معارضون روس شنوا الهجوم. بينما ألمحت جهات غربية إلى احتمال أن يكون الحادث مدبراً من جانب الأجهزة الروسية لتبرير توسيع الهجوم الروسي على المدن الأوكرانية واستهداف أركان القيادة في كييف.

ورأت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية أن الهجوم على موسكو الثلاثاء شكّل رداً أوكرانياً على تكثيف استهداف كييف ومدن أوكرانية أخرى في الأيام الماضية. ونشرت نداءً وجهه عمدة كييف فيتالي كليتشكو إلى رئيس أركان الجيش الأوكراني فاليري زالوجني مساء الاثنين وناشد فيه «استهداف سكان العاصمة موسكو». ووفقاً للوكالة، فقد دعا كليتشكو عبر برنامج تلفزيوني إلى تحقيق «توازن الرعب»، وقال إن «السؤال عن ذلك ينبغي طرحه على زالوجني... لماذا يمكن للروس أن يرعبوا العاصمة الأوكرانية بينما سكان موسكو ينعمون بالهدوء والراحة؟».

ملصق إعلاني يشجّع على التطوع في الجيش قرب شقة أصيبت في هجوم الطائرات المسيرة في العاصمة الروسية الثلاثاء (رويترز)

وجاء الهجوم على موسكو، بعد توجيه ضربات ليلية روسية جديدة بمسيّرات على العاصمة الأوكرانية كييف، أسفرت عن سقوط قتيل على الأقل، على ما قال رئيس بلدية المدينة فيتالي كليتشكو.

وشكّل الهجوم امتداداً لعمليات قصف مركّزة استخدمت فيها روسيا المسيّرات وقاذفات بعيدة المدى، وتواصلت الهجمات الروسية خلال الأيام الماضية على مطارات ومنشآت البنى التحتية في كييف وضواحيها وعدد من المدن الأوكرانية الأخرى.

عمل إرهابي

ورأى الرئيس الروسي، في تصريحات أدلى بها الثلاثاء، أن هدف الضربات الأوكرانية في موسكو «ترويع» السكان، واصفاً الهجوم بأنه «عمل إرهابي». وأشاد بدقة عمل الدفاعات الروسية، مشيراً إلى أن كييف «تتعمد استهداف مدنيين في حين أن كل الضربات الروسية موجّهة على منشآت ومواقع عسكرية». واستغل المناسبة ليكشف عن أن القوات الروسية نجحت في ضربة مركزة الأحد بتقويض مقرّ الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، وهو أمر أكدت تفاصيله في وقت لاحق الاثنين وزارة الدفاع الروسية.

الرئيس فلاديمير بوتين يتحدث مع المديرة العامة لوكالة المبادرات الاستراتيجية سفيتلانا شوبشيفا على هامش زيارته معرضاً في موسكو الثلاثاء (سبوتنيك - رويترز)

وشنّ بوتين هجوماً جديداً على حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقال إنه خدع روسيا بتعهداته عدم التمدد نحو الشرق وسعى إلى ضم أوكرانيا، ملاحظاً أن الغرب «حوّل الإقليم الذي يسمى أوكرانيا في السنوات الأخيرة كياناً معادياً لروسيا».

وفي إشارة لافتة، قال بوتين إن جيش بلاده «واجه مثل هذه الهجمات في سوريا على الرغم من أن حجم العاصمة الروسية لا يقارن مع المدن السورية».

الاحتفاظ بحق الرد

في غضون ذلك، نددت الخارجية الروسية بهجوم القوات الأوكرانية على موسكو، بحسب ما قالت، وأكدت أن روسيا «تحتفظ بحقها في اتخاذ أكثر الإجراءات صرامة رداً على ذلك». وأفاد بيان الوزارة بأن «الهجمات التي حاولت كييف تنفيذها باستخدام طائرات من دون طيار ضد مناطق في موسكو وضواحيها، موجهة حصرياً ضد السكان المدنيين من أجل بث الذعر». وأضاف البيان أن «الدعم الغربي لنظام كييف يدفع القيادة الأوكرانية نحو مزيد من الأعمال الإجرامية المتهورة».

اللافت، أن وسائل إعلام روسية ربطت الهجوم بما وصف بأنه «تصاعد الغضب الأوكراني بسبب النجاحات التي حققتها روسيا خلال توجيه ضربات قوية ومركزة على منشآت البنى التحتية ومراكز صنع القرار قي أوكرانيا خلال الأيام الأخيرة. وبالإضافة إلى الإعلان عن استهداف جهاز المخابرات العسكرية، كشفت وسائل إعلام، عن أن الضربات الروسية أسفرت عن تدمير جزء كبير من ميناء أوديسا الذي يستخدم بكثافة لاستقبال التقنيات العسكرية الغربية، كما تؤكد موسكو.

مدينة ألعاب قرب الكرملين اليوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

وكان سيرغي براتشوك، مستشار رئيس الإدارة العسكرية لمنطقة أوديسا، قال إن القوات الروسية أطلقت وابلاً من ثمانية صواريخ «كاليبر» المجنحة على منطقة أوديسا.

لكن المثير في هذا الاستهداف أن الميناء يستخدم بالدرجة الأولى لتنفيذ «صفقة الحبوب» المبرمة تحت رعاية الأمم المتحدة.

وقال الخبير العسكري الروسي فلاديمير غونداروف إن موسكو سعت إلى توجيه ضرباتها بدقة بالغة لتـتجنب إصابة السفن المحملة بالحبوب، لكنها ضربت المستودعات التي تحوي الذخيرة والمعدات الغربية والبنية التحتية للميناء بهدف بتعطيل «الهجوم المضاد» الأوكراني، الذي تستعد له أوكرانيا بنشاط.

وقالت وكالة الإعلام الروسية، اليوم (الثلاثاء)، إن وزارة الداخلية الروسية وضعت فاليري زالوجني، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، على إحدى «قوائم المطلوبين». وأفادت الوكالة نقلاً عن قاعدة بيانات المطلوبين لدى الوزارة، بأن البند المطلوب بموجبه زالوجني غير محدد.

وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يرأس مؤتمراً دفاعياً في موسكو اليوم (وزارة الدفاع الروسية - رويترز)

في السياق، أعلنت وزارة الدفاع الروسية في إيجازها اليومي لمجريات العمليات العسكرية أن قواتها نجحت في استهداف «مراكز صنع القرار في أوكرانيا، حيث كانت أجهزة المخابرات الغربية تخطط لعمليات ضد روسيا، وحققت الضربة أهدافها بنجاح».

ووفقاً لبيان الوزارة، فقد أصابت الضربات الجوية الروسية ونيران المدفعية لمجموعة «الغرب» نقاط تمركز الأفراد والمعدات العسكرية في كوبيانسك، في حين تم صد أعمال «مجموعات تخريب واستطلاع أوكرانية» في لوغانسك وخاركيف، و«بلغت خسائر العدو على هذا المحور ما يصل إلى 40 جندياً، وتدمير 3 مركبات»

وفي دونيتسك وجّه الطيران العملياتي التكتيكي للجيش الروسي ضربات أسفرت عن مقتل 145 جندياً أوكرانياً، فضلاً عن تدمير مستودع ذخيرة تابع للقوات المسلحة الأوكرانية بالقرب من قرية كراسنوي، بحسب معلومات وزارة الدفاع الروسية.

وعموماً، فقد وجّه الطيران العملياتي والتكتيكي للجيش، وكذلك سلاح المدفعية لمجموعات القوات المسلحة الروسية ضربات خلال الـ24 ساعة الماضية إلى 88 وحدة مدفعية تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في مواقع إطلاق النار، ونقاط تمركز الأفراد والمعدات العسكرية في 96 موقعاً أوكرانياً.


مقالات ذات صلة

السجن مدى الحياة لجنديين روسيين قتلا عائلة أوكرانية

أوروبا عناصر من قوات الشرطة الروسية بالقرب من مركز الاعتقال الذي شهد حادث احتجاز رهينتين في روستوف أون دون 16 يونيو (حزيران) 2024 (أ.ب)

السجن مدى الحياة لجنديين روسيين قتلا عائلة أوكرانية

قضت محكمة روسية بسجن جنديين مدى الحياة بعد إدانتهما بتهمة قتل عائلة مكونة من تسعة أشخاص في منزلها في إحدى المناطق المحتلة من أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود أوكرانيون يطلقون قذيفة مدفعية باتجاه القوات الروسية على الجبهة قرب دونيتسك (رويترز)

«البنتاغون» يجيز إرسال متعاقدين لأوكرانيا لإصلاح أسلحة أميركية

قررت إدارة الرئيس جو بايدن السماح لمتعاقدين دفاعيين أميركيين بالعمل في أوكرانيا لصيانة وإصلاح الأسلحة المقدمة لها من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يراجع إحدى الخطط القتالية خلال زيارته لأحد معسكرات الجيش (وكالة أنباء كوريا الشمالية)

«الناتو» يدين التدخل الكوري الشمالي في أوكرانيا

أدان حلف شمال الأطلسي (ناتو) وشركاؤه في آسيا (كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا) «بشدة» تدخُّل كوريا الشمالية إلى جانب روسيا في حربها.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب مستقبلاً زيلينسكي بنيويورك في 27 سبتمبر (رويترز)

«خطة ترمب» للسلام تُربك أوكرانيا

اقترح جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي المنتخب، أن تُحافظ روسيا على مكاسبها الحالية في الحرب، ضامناً في الوقت نفسه سيادة «بقية أوكرانيا» واستقلالها.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا الوسيطة الروسية تاتيانا موسكالكوفا خلال اجتماع مع ممثلي أوكرانيا المعنيين بحقوق الإنسان (قناة تاتيانا موسكالكوفا على تلغرام)

اجتماع نادر بين وسطاء روس وأوكرانيين معنيين بحقوق الإنسان

أعلن وسيطان مكلفان من روسيا وأوكرانيا بملفات حقوق الإنسان، الجمعة، أنهما التقيا في بيلاروسيا لبحث قضايا إنسانية، في اجتماع نادر بين ممثلين للبلدين.

«الشرق الأوسط» (كييف)

«هيومان رايتس»: تسليح الغرب لإسرائيل يشجع الحروب بمناطق أخرى

تظهر هذه الصورة الدمار في موقع الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة الدمار في موقع الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

«هيومان رايتس»: تسليح الغرب لإسرائيل يشجع الحروب بمناطق أخرى

تظهر هذه الصورة الدمار في موقع الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة الدمار في موقع الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

قالت تيرانا حسن، المديرة التنفيذية لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، اليوم (الجمعة)، إن الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة في صراعاتها في غزة ولبنان على الرغم من وجود أدلة على انتهاكات للقانون الدولي؛ تشجع الدول المحاربة في مناطق أخرى.

وأضافت أن دولاً مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا بوسعها التأثير على تصرفات إسرائيل، ويجب عليها وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل. وقالت في مقابلة مع «رويترز»: «إذا استمر الدعم العسكري لقوات الدفاع الإسرائيلية و(الحكومات الغربية) تعلم أن هذه الأسلحة تستخدم في ارتكاب جرائم حرب، فيجب أن يكون هذا كافياً لوقف بيع الأسلحة ونقلها».

وأضافت: «في الوقت الراهن، الأطراف التي ربما يكون لها تأثير ما ويمكنها كبح سلوك الأطراف المتحاربة، فيما يتعلق بإسرائيل، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، وذلك من خلال مبيعات الأسلحة وشحنها». وتقول إسرائيل إنها تحرص على عدم إلحاق الضرر بالمدنيين، وتنفي ارتكاب انتهاكات وجرائم حرب في صراعها مع حركة «حماس» في قطاع غزة، و«حزب الله» في لبنان.

وتقول إسرائيل إن أعداءها يقاتلون مندسين وسط السكان المدنيين، مما يجعل عملياتها أكثر صعوبة، وإنها تتصرف دفاعاً عن النفس.

وقالت تيرانا حسن إن الدول التي تنتهك حقوق الإنسان تزداد جرأة في أعمالها حين تجد أن مثل هذه الأمور تمر بلا عواقب. وأضافت أن الحكومات التي تزود هذه الدول بالأسلحة تقوض مصداقيتها بصفتها مدافعة عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، فضلاً عن مصداقية النظام الدولي.

وقالت: «هذا ينقل رسالة مفادها بأن هذه القواعد تطبق علينا وعلى حلفائنا بطريقة مختلفة عما تطبق به على الآخرين، وهذا له عواقب وخيمة حقاً». وأضافت أن هذا يتناقض مع مطالبة الدول الغربية بالمساءلة عن غزو أوكرانيا، وتستغله أيضاً دول مثل روسيا والصين. وأوضحت: «إنهم يسارعون إلى الإشارة إلى المعايير المزدوجة من الغرب ويحاولون استغلال ذلك لتقويض النظام».

وتحدثت تيرانا حسن لـ«رويترز» في الوقت الذي أصدر فيه مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقريراً عن حصيلة القتلى في الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة، قال فيه إن نحو 70 في المائة من الأعداد التي تم التحقق منها من القتلى من النساء والأطفال.

وتقول السلطات الفلسطينية إن أكثر من 43500 شخص قتلوا في غزة خلال الحرب المستمرة منذ 13 شهراً، التي اندلعت بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتقول إسرائيل إن الهجوم أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة. وأضافت تيرانا حسن: «يجب أن يحفز هذا العالم على التحرك الآن. لا مسوغ حقيقي لقتل الأطفال».

وفي 13 أكتوبر، فرضت واشنطن موعداً نهائياً على حليفتها إسرائيل لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة وإلا ستواجه قيوداً محتملة على المساعدات العسكرية الأميركية.

وحين سُئلت عن التأثير المحتمل لانتخاب دونالد ترمب في الولايات المتحدة، قالت إنه لم تكن هناك «ضمانات تذكر» لالتزامه بالقانون الدولي في فترة ولايته السابقة. وأضافت: «رأينا الآن في بعض التصريحات في الحملة الانتخابية تهديدات بالترحيل الجماعي لملايين الأشخاص، وهذا ينقل رسالة مثيرة للقلق بشدة».