نفاد مخزونات أوكرانيا من الدفاعات الجوية دفع واشنطن إلى «ترقيعها» قبيل الهجوم المضاد

يؤكد أن حرمان الطائرات الروسية من حرية العمل فوق أوكرانيا كان شرطاً طوال الحرب بأكملها

منظومة صواريخ باتريوت المضادة للطيران التي زودت ألمانيا بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيرات الروسي
منظومة صواريخ باتريوت المضادة للطيران التي زودت ألمانيا بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيرات الروسي
TT
20

نفاد مخزونات أوكرانيا من الدفاعات الجوية دفع واشنطن إلى «ترقيعها» قبيل الهجوم المضاد

منظومة صواريخ باتريوت المضادة للطيران التي زودت ألمانيا بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيرات الروسي
منظومة صواريخ باتريوت المضادة للطيران التي زودت ألمانيا بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيرات الروسي

كشف تقرير أميركي أن الولايات المتحدة والدول الحليفة، تعمل جاهدة لدعم الدفاعات الجوية الأوكرانية، في هجومها المضاد المتوقع، بعد تزايد المخاوف من احتمال أن تفقد كييف ميزة السيطرة على أجوائها حتى الآن، بسبب نفاد مخزوناتها.

يقول التقرير الذي صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقتطفات عنه، إن واشنطن عمدت مع حلفائها إلى سد النقص في مخزونات كييف الدفاعية الجوية، عبر عملية «ترقيع»، من خلال دمج صواريخ غربية بمنصات إطلاق روسية من الحقبة السوفياتية تمتلكها أوكرانيا، ونفض الغبار عن معدات وأنظمة قديمة وإعادة وضعها في الخدمة، بعد إدخال تعديلات لجعلها صالحة للاستخدام. فالهجمات الصاروخية الروسية المكثفة، وخصوصاً قبيل نهاية العام الماضي، قللت من مخزون كييف من الصواريخ المضادة للطائرات.

صورة التقطتها الأقمار الصناعية لمطار مليتبول الأوكراني(رويترز)
صورة التقطتها الأقمار الصناعية لمطار مليتبول الأوكراني(رويترز)

ورغم أن أياً من الجانبين لم يتمكن من السيطرة على الأجواء فوق أوكرانيا طوال الحرب التي دخلت الآن عامها الثاني، فإن نجاح الهجوم المضاد لأوكرانيا يعتمد على قدرتها في منع الطائرات الحربية الروسية من قصف قواتها وبنيتها التحتية.

ويؤكد التقرير أن «حرمان الطائرات الروسية من حرية العمل فوق أوكرانيا، كان شرطاً مسبقاً لكل نجاح أوكراني طوال الحرب بأكملها، وهذا صحيح اليوم أكثر من أي وقت مضى».

وكانت «وثائق البنتاغون» المسربة قد حذرت من أن الطائرات الحربية الروسية يمكن أن تخترق المجال الجوي الأوكراني، بعدما نفدت كييف هذا الربيع من صواريخ أرض - جو من طراز، «إس إيه - 10» و«إس إيه - 11»، التي يمكن أن تتصدى لأهداف فوق 20 ألف قدم.

وبحسب المسؤولين الأميركيين، فقد عمدت واشنطن إلى كسب الوقت، من خلال تسليم أنظمة أميركية قديمة الصنع، والبحث عن صواريخ من الحقبة السوفياتية، وعملت على تدريب الأوكرانيين على كيفية إطلاق صواريخهم بشكل أكثر انتقائية، للحفاظ على مخزوناتهم. وزودت الولايات المتحدة مع 7 دول، بينها السويد وإسبانيا، أوكرانيا بأنظمة «هوك» للدفاع الجوي، القديمة.

كما قامت بالارتجال من خلال توفير صواريخ «سي سبارو» المضادة للسفن، لمنصات «بوك» من الحقبة السوفياتية في أوكرانيا، في ابتكار سماه المسؤولون الأميركيون «فرانكنسام». وقال ويليام لابالانت، مسؤول إدارة المقتنيات في البنتاغون، لمجلس العلاقات الخارجية، يوم الأربعاء، إن بعض الدفاعات الجوية كانت مختلطة بأجزاء متنوعة من الأنظمة، في إشارة إلى عملية الارتجال.

وزير الدفاع الألماني بعد اجتماع مجموعة الدعم الخاصة بأوكرانيا في القاعدة الأميركية في ألمانيا(ا.ف.ب)
وزير الدفاع الألماني بعد اجتماع مجموعة الدعم الخاصة بأوكرانيا في القاعدة الأميركية في ألمانيا(ا.ف.ب)

كما أرسلت الولايات المتحدة والنرويج والدنمارك أيضاً صواريخ جو - جو من طراز «امراآم»، لاستخدامها في قاذفات الدفاع الجوي «ناسام»، وفقاً للوثائق المسربة. وقال مسؤول أميركي إن بطارية الدفاع الجوي «باتريوت» التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، تم سحبها من ساحات القتال، إلى جانب معدات عسكرية أخرى، على الرغم من استعدادها لبدء هجومها المضاد.

يقول التقرير إن أوكرانيا تواجه تحديات هائلة، خلال جهودها المبذولة لضمان إمدادات صواريخ الدفاع الجوي. عليها الدفاع عن بنيتها التحتية المدنية والعسكرية ضد الضربات الصاروخية، وحماية قواتها أيضاً. وإذا لم يتم تجديد مخزونها من الصواريخ، «فسيصبح هذا التوازن أكثر صعوبة»؛ إذ ومن بين مزاياها العديدة على أوكرانيا، يمكن لروسيا إطلاق صواريخ من مواقع خارج نطاق القوة النارية الأوكرانية، من خارج أراضيها أو من سفنها في البحر الأسود. وبينما خسرت موسكو أكثر من 70 طائرة في الصراع، فإن معظم قواتها الجوية سليمة، وتمتلك مخزوناً كبيراً من القنابل غير الموجهة التي يمكن أن تسقطها على أوكرانيا إذا تعثرت دفاعات كييف الجوية.

يقول مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إنه حين اندلعت الحرب كانت أوكرانيا تمتلك واحدة من أقوى شبكات صواريخ أرض - جو في العالم، ورثتها من الاتحاد السوفياتي. وشمل ذلك أكثر من 30 كتيبة من أنظمة «إس - 300» بعيدة المدى، بالإضافة إلى بطاريات «بوك أم1» و«تور»، ذات المدى القصير، وأنظمة قديمة مثل «أوسا» و«إس - 125».

وبحسب مؤسسة «راند» البحثية في واشنطن، فقد حث الأميركيون الجيش الأوكراني على إبقاء قاذفاته في حالة حركة، لإبقائها مخفية عن المراقبة الروسية. كما زودت الأقمار الصناعية وطائرات المراقبة التي تسيطر عليها الجيوش الغربية وحلف الناتو، أوكرانيا بتحذير مبكر عن حركة الطائرات والصواريخ الروسية. وهذا ما مكن بطاريات الدفاع الجوي الأوكرانية من تشغيل وإيقاف أنظمة الرادار الخاصة بها حسب الحاجة، مما زاد من تقويض المحاولات الروسية للكشف عنها والقضاء عليها، فضلاً عن استفادة الأوكرانيين من سوء التكتيكات والتدريب للقوات الجوية الروسية.

وقال الجنرال المتقاعد فيليب بريدلوف، الذي شغل منصب قائد حلف الناتو من 2013 إلى 2016: «تمتلك روسيا طائرات أحدث بكثير وأسطولاً أكبر بكثير». كان يتعين على القوات الجوية الروسية تدمير الدفاعات الجوية لخصمها، «وهذا هو المكان الذي أعتقد أنه كان فيه أكبر فشل روسي».

ومع فشلها في السيطرة على الأجواء، اعتمدت الطائرات الروسية بشكل كبير على إطلاق الصواريخ الموجهة من خارج المجال الجوي الأوكراني. وأطلق الروس في البداية، بعضاً من صواريخ كروز الأكثر تقدماً من الجو والبحر من القاذفات الاستراتيجية والسفن. ومع تضاؤل هذه الإمدادات، بدأ الروس في استهداف أوكرانيا بأنواع أقل تطوراً من الأسلحة، بما في ذلك من صواريخ «إس - 300» التي جرى استخدامها في هجمات برية لم تحقق نجاحاً.

ومع استمرار الحرب، تغيرت الأهداف التي ركزت عليها روسيا، وسعت في البداية لضرب المطارات ثم روابط النقل. وبحلول أكتوبر (تشرين الأول)، بذلت روسيا جهوداً حثيثة لتدمير الشبكة الكهربائية في أوكرانيا، وأطلقت أكثر من 600 صاروخ كروز من الجو والبحر، بين 10 أكتوبر ونهاية عام 2022. كما بدأت في استخدام طائرات إيرانية من دون طيار؛ للبحث عن فجوات في شبكة مضادات الطائرات الأوكرانية ومحاولة التغلب على دفاعاتها. ودفعت موجات الهجمات الروسية الأوكرانيين إلى استخدام العديد من صواريخ الدفاع الجوي الخاصة بهم. وهو ما أدى إلى وصول أوكرانيا إلى حافة نفاد مخزوناتها من صواريخ «إس - 300» و«بوك»، وطلبها المكثف للحصول على وسائل دفاع جوي غربية، بحسب تقرير مركز استراتيجيات الدفاع.


مقالات ذات صلة

سجال روسي - أوكراني حول «هدنة بوتين»... وتوقعات بفشل جهود التهدئة

أوروبا يتهم البعض ترمب بالتودد إلى بوتين (أ.ف.ب) play-circle

سجال روسي - أوكراني حول «هدنة بوتين»... وتوقعات بفشل جهود التهدئة

سجال روسي - أوكراني حول «هدنة بوتين»... وتوقعات بفشل جهود التهدئة وتحضيرات في موسكو وكييف لخطة «ب» إذا انسحبت واشنطن من الوساطة

رائد جبر (موسكو)
أوروبا تضرر مبنى سكني من تسعة طوابق جراء غارة لطائرة روسية مسيرة في منطقة دنيبروبيتروفسك الأوكرانية (د.ب.أ)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان الهجمات بطائرات مسيرة

قال مسؤولون أوكرانيون، اليوم (الثلاثاء)، إن هجمات روسية بطائرات مسيرة أدت إلى مقتل طفلة تبلغ 12 عاماً في وسط أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ) play-circle

«هدنة بوتين»... بداية سلام أم تكتيك للمماطلة؟

بعد أيام من هجوم ترمب على بوتين بسبب استمرار روسيا في شن ضربات على أوكرانيا خلال عملية التفاوض بشأن اتفاق السلام، أعلن بوتين عن هدنة لثلاثة أيام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا سيارة محترقة أمام منزل خاص متضرر في أعقاب الغارة الجوية الروسية بمنطقة دونيتسك بأوكرانيا (أ.ب) play-circle

وزير الدفاع الألماني: أمن أوروبا يمثل «أهمية قصوى» للولايات المتحدة

عول وزير الدفاع الألماني المنتهية ولايته، بوريس بيستوريوس، على استمرار دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في دفاعها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا يرفع جنديان روسيان علم بلدهما فوق مبنى في كاميانكا بمنطقة خاركيف في أوكرانيا (أ.ب) play-circle

كييف تطالب موسكو بالكف عن عرقلة جهود السلام ووقف الحرب

طالب أندريه يارماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم (الثلاثاء)، روسيا بوقف الحرب والكف عن عرقلة جهود السلام التي يقودها الرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (كييف)

سجال روسي - أوكراني حول «هدنة بوتين»... وتوقعات بفشل جهود التهدئة

الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب يتحدثان في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (إ.ب.أ)
الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب يتحدثان في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (إ.ب.أ)
TT
20

سجال روسي - أوكراني حول «هدنة بوتين»... وتوقعات بفشل جهود التهدئة

الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب يتحدثان في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (إ.ب.أ)
الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب يتحدثان في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (إ.ب.أ)

أثار إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدنة مؤقتة بمناسبة احتفالات عيد النصر على النازية، الشهر المقبل، سجالات بين موسكو وكييف أظهرت صعوبة التوصل إلى اتفاق يوقف القتال ويمهد لإطلاق عملية التفاوض.

وعكست إشارات البيت الأبيض حول تنامي الشعور بـ«خيبة الأمل» لدى الرئيس دونالد ترمب. وحذّرت واشنطن من أن الأسبوع الحالي قد يكون «مفصلياً» لتبيان ما إذا كان من الممكن إرساء السلام أم لا.

وبدا أن التلويح بانسحاب الولايات المتحدة من جهود الوساطة دفع الطرفين: الروسي والأوكراني لبدء التحضير لمرحلة جديدة في الصراع.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

وفور إعلان بوتين عن هدنة بين 7 و11 أيار مايو (أيار) المقبل، وهي الفترة التي تشهد فيها روسيا وعدد كبير من البلدان الأوروبية احتفالات بمناسبة ذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية، جاء الرد الأوكراني مشككاً بنيات بوتين، ووصف سياسيون في كييف الهدنة المقترحة بأنها «مراوغة جديدة من جانب الكرملين»، و«محاولة لكسب الوقت لتجنب ضغوط أميركية».

وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اقتراحاً بديلاً بوقف لإطلاق النار لمدة شهر. على أن توفر هذه الفترة أرضية لإطلاق عملية تفاوضية تهدف إلى وضع أسس لتسوية سياسية دائمة. وقال زيلينسكي في مداخلته اليومية: «هناك محاولة تلاعب جديدة لسبب أن الجميع سينتظرون الثامن من مايو، وفقط بعد ذلك يتم وقف إطلاق النار لضمان الصمت»، خلال العرض العسكري الذي يقام في التاسع من مايو في الساحة الحمراء بموسكو.

ورأى الكرملين أن الرد الأوكراني يعكس تجاهلاً لاقتراح الهدنة. وقال الناطق الرئاسي دميتري بيسكوف إن موسكو «ليس لديها أي فكرة عما إذا كانت كييف ستنضم إلى وقف إطلاق النار في الذكرى الثمانين للنصر».

ووصف بيسكوف إعلان بوتين بأنه «بادرة حسن نية»، وقال إنها «لم تلق أي رد فعل من نظام كييف حتى الآن (...) من الصعب جداً فهم ما إذا كان نظام كييف سينضم أم لا». وكتب وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيغا في منشور على منصة «إكس»: «إذا كانت روسيا تريد السلام حقاً، فعليها وقف إطلاق النار فوراً. لماذا الانتظار حتى الثامن من مايو؟».

في الوقت ذاته، حملت عبارات الناطق الروسي رفضاً مباشراً لاقتراح الهدنة الأوكراني لمدة شهر. وقال بيسكوف للصحافيين إن «هذا أمر مستحيل من دون مراعاة جميع التفاصيل الدقيقة التي سبق أن أثرناها»، مذكراً بأن بوتين كان قد رد في وقت سابق على اقتراح ترمب بإعلان هدنة شاملة لمدة شهر بإعلان استعداده لمناقشة هذا الموضوع على أن تؤخذ في الاعتبار «تفاصيل دقيقة ينبغي التوصل إلى توافقات بشأنها»، وقال بيسكوف إن «التفاصيل الدقيقة التي تحدث عنها الرئيس بوتين في الكرملين مهمة جداً. ومن دون إجابة عن هذه الأسئلة، من الصعب الوصول إلى هدنة طويلة الأمد. علينا أن نتذكر هذه الكلمات دائماً».

وكان بوتين أوضح في وقت سابق أن بين الشروط الروسية للموافقة على هدنة طويلة، عدم السماح باستغلال الفترة لتكثيف إمدادات الأسلحة من أوروبا، وإيجاد آليات للرقابة على سلوك كييف والدول الأوروبية، فضلاً عن مطالبته برفع جزء من العقوبات والقيود المفروضة على موسكو.

زيلينسكي: هدنة بوتين محاولة تلاعب
زيلينسكي: هدنة بوتين محاولة تلاعب

وفي وقت لاحق الثلاثاء، أورد بيسكوف أسباباً أخرى تمنع كييف، من وجهة نظره، من الالتزام باقتراح الهدنة. وقال خلال مقابلة تلفزيونية إن «نظام كييف لا يستطيع ضمان التزام القوات المسلحة الأوكرانية بوقف إطلاق النار خلال الذكرى الثمانين للنصر؛ لأنه لا يسيطر بشكل كامل على جميع الوحدات». وزاد: «لقد رأينا بأنفسنا مراراً وتكراراً أن نظام كييف لا يتمتع بنفوذ كامل على جميع وحداته. ولذلك، بطبيعة الحال، سيواجه نظام كييف صعوبة بالغة في ضمان التزام القوات المسلحة الأوكرانية بهذه الهدنة المؤقتة. ومع ذلك، فإن رئيس دولتنا يتخذ هذا القرار انطلاقاً من اعتبارات إنسانية. وهذه حقاً بادرة حسن نية من جانب روسيا».

وهذه ليست المبادرة الأولى من نوعها من جانب بوتين الذي كان أعلن عشية عيد الفصح وقفاً لإطلاق النار لمدة 30 ساعة. لكن الهدنة القصيرة لم تنجح في ذلك الوقت وتبادل الطرفان: الروسي والأوكراني اتهامات بوقوع انتهاكات واسعة.

الرئيس بوتين مستقبلاً الجمعة المبعوث الأميركي الخاص للملف الأوكراني ستيف ويتكوف في الكرملين في زيارته الرابعة لموسكو (أ.ب)
الرئيس بوتين مستقبلاً الجمعة المبعوث الأميركي الخاص للملف الأوكراني ستيف ويتكوف في الكرملين في زيارته الرابعة لموسكو (أ.ب)

وقالت موسكو إن القوات المسلحة الأوكرانية انتهكت وقف إطلاق النار 4.9 ألف مرة. وبالإضافة إلى القصف المدفعي والغارات الجوية بطائرات دون طيار، نفذت ست هجمات في دونيتسك وداخل منطقة كورسك. في المقابل اتهمت كييف الروس بشن هجمات واسعة النطاق على عدة محاور؛ أبرزها منطقتا سومي وخاركيف. وقالت إنها سجلت 2900 انتهاك لوقف النار من جانب الجيش الروسي.

في غضون ذلك، بدا أن مواقف الرئيس الأميركي الذي عبّر عن استياء بسبب عدم تقدم العملية السياسية لتسوية الأزمة، تدفع الطرفين: الروسي والأوكراني لوضع خطط بديلة للمرحلة المقبلة في حال نفذ ترمب وعيده بالانسحاب من جهود الوساطة.

وكان لافتاً أن ترمب لم يرحب بالهدنة المعلنة من جانب بوتين، وأعلن البيت الأبيض أنه (ترمب) «يشعر بخيبة أمل متزايدة تجاه تصرفات الرئيسين الروسي والأوكراني»، وفقاً لتصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت. وقالت خلال إفادة صحافية: «لقد أوضح الرئيس أنه يريد أن يرى، أولاً وقبل كل شيء، وقفاً دائماً لإطلاق النار».

اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفاليري جيراسيموف رئيس الأركان (الكرملين)
اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفاليري جيراسيموف رئيس الأركان (الكرملين)

وأضافت ليفيت أنه يتعين على الجانبين الجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد طريقة للخروج من الصراع. وبحسبها، فإن لقاء ترمب مع زيلينسكي في الفاتيكان يظهر مشاركته الجادة في عملية التسوية.

واللافت أن تقارير تحدثت عن تحضيرات يقوم بها الطرفان: الروسي والأوكراني للتعامل مع واقع جديد إذا قلصت واشنطن حضورها بالفعل في هذه الأزمة.

وفي موسكو، قال خبير مقرب من الكرملين، إن التوقعات للمرحلة المقبلة تدور حول استمرار العمليات القتالية، بعد فشل جهود ترمب، مع انتظار وقوع تبدل جوهري، يقوم على تقليص الحضور الأميركي في هذه المواجهة في مقابل تعاظم حضور أوروبا. ورأى الخبير أن هذا لن ينعكس كثيراً على رغبة موسكو وواشنطن في دفع عملية التقارب في بعض الملفات، خصوصاً بسبب وجود مصالح مشتركة للطرفين لتنشيط هذا المسار.

وفي الإطار العملياتي لم تستبعد مصادر روسية أن يؤدي وقف الجهود الأميركية إلى تصعيد ميداني واسع، خصوصاً أن موسكو حسنت مواقعها في الفترة الأخيرة، واستعادت السيطرة على كورسك، وشنت هجمات مكثفة للغاية على مواقع الإمدادات في المناطق المحاذية للحدود الروسية. في هذا الإطار، رأى عسكريون أن موسكو يمكن أن تواصل عملياتها القوية لفرض منطقة عازلة على طول الحدود التي تمتد من سومي (على مقربة من كورسك) جنوباً على طول منطقة خاركيف. وفي جنوب وشرق البلاد توقعت أوساط عسكرية توسيع نطاق المعارك لبسط السيطرة على المناطق التي ظلت خارجة عن نفوذ الجيش الروسي في الأقاليم التي ضمتها موسكو بشكل أحادي في عام 2022.

في الاتجاه ذاته، كتب موقع «ناشيونال إنترست»، نقلاً عن خبراء عسكريين، أن «انسحاب الرئيس الأميركي من عملية السلام في أوكرانيا سيكون بمثابة خبر سار بالنسبة لروسيا»؛ كونه سوف يواصل تطبيع العلاقات مع موسكو، وسوف يعمل على تقليص حجم المساعدات الأميركية لكييف من دون أن يضغط على روسيا لتقديم تنازلات.

وزاد الموقع أنه «من المحتمل أن يكون ترمب، المعروف بنزعته التجارية في كل شيء، قد توصل إلى استنتاج مفاده أن لا فائدة لأميركا. ربما لم تعد الولايات المتحدة تسعى للسلام في أوكرانيا؛ لأنها لا تريد وجودها هناك. قد يكون هذا خبراً ساراً للكرملين».

الرؤساء الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتحدثون في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (إ.ب.أ)
الرؤساء الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتحدثون في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (إ.ب.أ)

في السياق ذاته، ذكرت وسائل إعلام حكومية روسية أن كييف «وضعت خطة بديلة» للتعامل مع الموقف في حال انسحب ترمب فعلاً من عملية السلام. ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية عن صحيفة «نيويورك تايمز» أن «تنشيط برنامج الطائرات دون طيار الموسع يشكل خطة بديلة لكييف في حال فشل المفاوضات لإنهاء الصراع».

ورأت أن البرنامج الذي كان قيد الإعداد منذ الخريف الماضي ولكن تم الإعلان عنه رسمياً في فبراير (شباط)، هو الخطة البديلة لكييف، بعدما أظهرت هذه التقنيات قدرة كبيرة على إيقاع خسائر بالقوات والمعدات الروسية بتكلفة زهيدة.

وفي فبراير الماضي، أعلن وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف إطلاق مشروع «خط الطائرات دون طيار». وبحسب قوله، فإن الهدف هو إنشاء خط دفاع من وحدات الطائرات دون طيار الأفضل تدريباً، والتي ستشمل خمسة تشكيلات في الوقت الراهن. وقال وزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني جيرمان سميتانين، في وقت سابق، إن كييف تمتلك صواريخ بيكلو دون طيار القادرة على ضرب أهداف على مسافة تصل إلى 700 كيلومتر.

وفي أغسطس (آب)، أعلن فولوديمير زيلينسكي عن اختبار صواريخ من طراز «باليانيتسا» قبل أن تعلن كييف في وقت لاحق عن بدء الإنتاج التسلسلي لهذا النوع من الأسلحة.