الأمم المتحدة: وضع «كارثي» في هايتي

حذّرت من أن مؤسسات الدولة أصبحت على شفير الانهيار

هايتية تحمل طفلها بانتظار الكشف عليه في عيادة متنقلة لـ«يونيسيف» في العاصمة بور أو برنس (أرشيفية - رويترز)
هايتية تحمل طفلها بانتظار الكشف عليه في عيادة متنقلة لـ«يونيسيف» في العاصمة بور أو برنس (أرشيفية - رويترز)
TT

الأمم المتحدة: وضع «كارثي» في هايتي

هايتية تحمل طفلها بانتظار الكشف عليه في عيادة متنقلة لـ«يونيسيف» في العاصمة بور أو برنس (أرشيفية - رويترز)
هايتية تحمل طفلها بانتظار الكشف عليه في عيادة متنقلة لـ«يونيسيف» في العاصمة بور أو برنس (أرشيفية - رويترز)

حذرت الأمم المتحدة، الخميس، من أن الوضع «كارثي» في هايتي التي تعمّها الفوضى، حيث قُتل أكثر من 1500 شخص في أعمال عنف تمارسها العصابات هذه السنة، منددةً باستمرار وصول أسلحة إلى البلاد.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في مقدمة تقرير جديد: «من المثير للصدمة أنه رغم الوضع المرعب على الأرض، لا تزال الأسلحة تتدفق. أدعو إلى تطبيق حظر الأسلحة بشكل أكثر فاعلية».

وجاء في التقرير: «قادت عوامل هيكلية وتخيلية هايتي إلى وضع كارثي يتسم بعدم الاستقرار السياسي البالغ وبمؤسسات هشة للغاية».

هايتيون ينتظرون دورهم للحصول على علاج من عيادة متنقلة لـ«يونيسيف» في العاصمة بور أو برنس (أرشيفية - رويترز)

وتشهد هايتي، التي كانت تعاني أصلاً أزمة سياسية وأمنية عميقة، تصاعداً للعنف منذ بداية الشهر الحالي، عندما اتّحدت عدّة عصابات لمهاجمة مواقع استراتيجية في العاصمة، مطالبةً بتنحّي رئيس الوزراء أرييل هنري.

وقدّم هنري، الذي لطالما كان محور خلاف، استقالته في 11 مارس (آذار) وقد تعهَّد المجلس الرئاسي الانتقالي، الذي يُفترض أن يتسلم مقاليد السلطة في البلاد، الأربعاء، بإعادة «النظام العام والديمقراطي».

وأشارت الأمم المتحدة في تقريرها إلى أن «الفساد والإفلات من العقاب وسوء الإدارة، بالإضافة إلى المستويات المتزايدة من عنف العصابات، أدى إلى تآكل سيادة القانون وتقويض مؤسسات الدولة... التي أصبحت على شفير الانهيار».

هايتية تفر من منطقة أحرقتها العصابات في العاصمة بور أو برنس (أرشيفية - أ.ف.ب)

حسب تقرير الأمم المتحدة ارتفع عدد القتلى والجرحى بسبب عنف العصابات بشكل ملحوظ في عام 2023 مع سقوط 4451 قتيلاً و1668 جريحاً. وارتفع عدد الضحايا بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، حيث قُتل 1554 شخصاً وأُصيب 826 حتى 22 مارس.

«قوة نيران متفوقة»

وأشارت المفوضية السامية إلى أنه على الرغم من حظر الأسلحة، فإن «الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخيرة عبر الحدود السهلة الاختراق قد وفَّر للعصابات سلسلة إمداد موثوقة»، بحيث باتت «تحظى في كثير من الأحيان بقوة نيران متفوقة على قوة الشرطة الوطنية الهايتية».

وأكدت أهمية نشر بعثة متعددة الجنسيات لدعم الأمن عاجلاً من أجل مساعدة الشرطة الوطنية على الحد من العنف وبسط سيادة القانون.

وشدد تورك على أنه «من الضروري أن تقوم البعثة بدمج حقوق الإنسان بشكل فعال في إدارة عملياتها».

عجوز بقي في المستشفي الجامعي رغم هجره في بور أو برنس (أرشيفية - إ.ب.أ)

ووفقاً للتقرير، تواصل العصابات استخدام العنف الجنسي لقمع السكان ومعاقبتهم والتحكم بهم. لكن نادراً ما يتم الإبلاغ عن العنف الجنسي، وفي أغلب الأحيان يمر دون عقاب.

كما تواصل العصابات تجنيد الأطفال وإساءة معاملتهم، من الذكور والإناث، الذين قُتل بعضهم في أثناء محاولتهم ترك صفوف هذه المجموعات.

وفي موازاة تصاعد عنف العصابات وعجز الشرطة عن مواجهته، تتشكل «فرق الدفاع الذاتي» وتتولى تطبيق القانون بنفسها، وفق التقرير.

تم الإبلاغ عن 528 حالة إعدام خارج نطاق القانون على الأقل (510 رجال و18 امرأة) في عام 2023، و59 حالة في عام 2024.

وإذ بدت بعض عمليات القتل عشوائية، إلا أن بعضها الآخر تم تشجيعه أو دعمه أو تسهيله من أفراد في الشرطة وفي العصابات المنتمين إلى تحالف العصابات يُعرف باسم «مجموعة التسعة» وحلفائها، حسب التقرير.

بقايا عربات أحرقتها العصابات قرب القصر الرئاسي في العاصمة بور أو برنس (أرشيفية - رويترز)

كانت مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كاترين روسيل، حذرت من أن «عدداً لا يُحصى من الأطفال» يواجه خطر الموت بسبب الأزمة متعددة الأبعاد التي تشهدها هايتي، معربةً عن قلقها خصوصاً على 125 ألف طفل مهدّدين بسوء التغذية الحاد.

وقالت كاترين روسيل في بيان إن «للعنف وانعدام الاستقرار في هايتي تداعيات أبعد من مخاطر العنف بذاته. ويتسبب الوضع في أزمة صحية وغذائية قد تُزهق أرواح عدد لا يحصى من الأطفال».

وأضافت: «آلاف الأطفال على شفير الهاوية، في حين أن المساعدات الحيوية جاهزة للتوزيع في حال توقّف العنف وأُعيد فتح الطرق والمستشفيات».

وحسب التقرير الأخير حول التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الذي صدر قبل بضعة أيام، تدهور الوضع في البلد وبات نحو 5 ملايين شخص، أي قرابة نصف سكان هايتي، في حالة خطرة من انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 1.64 مليون شخص مصنّفين في المستوى الرابع (مستوى الطوارئ) من هذا التصنيف المتضمن خمسة مستويات.

وأدّى تصاعد عنف العصابات خصوصاً في مقاطعة أرتيبونيت والمقاطعة الغربية التي تشمل العاصمة بور أو برنس، إلى الحد من عمليات توزيع المساعدات الإنسانية وتقويض نظام صحي ضعيف أصلاً، «مما يشكّل تهديداً وشيكاً على حياة أكثر من 125 ألف طفل يواجهون خطر سوء التغذية الحادّ»، حسب «يونيسيف».

ودعت المنظمة الأممية المجتمع الدولي إلى الإسراع في إعادة الأمن وزيادة الدعم المالي، في حين لم ترسل بعد بعثة دولية بقيادة كينيا تُعنى بالحفاظ على الأمن.


مقالات ذات صلة

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

قمة الـ20 تعطي معالجة الفقر والمناخ زخماً... لكنها منقسمة حول حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا وترمب

لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)
لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)
TT

قمة الـ20 تعطي معالجة الفقر والمناخ زخماً... لكنها منقسمة حول حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا وترمب

لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)
لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)

في اليوم الثاني الأخير أعطت قمة مجموعة العشرين زخماً محدوداً لمفاوضات مناخية متعثّرة في باكو وسادها انقسام في المواقف بشأن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط وخيّم عليها طيف ترمب العائد إلى البيت الأبيض. وتضمّن البيان تعهّداً «بالحرص على أن يدفع أصحاب الثروات الطائلة ضرائب كما ينبغي» وبوضع آليات لمنعهم من التهرّب من دفع الضرائب.

الجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

سعى الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إلى توجيه دفّة المناقشات حول المسائل الاجتماعية في صلب نهجه اليساري ونجح في حشد دعم القادة لمقترح يقضي بفرض مزيد من الضرائب على أكبر الأثرياء.

غير أن هذه المسألة لقيت تحفّظات من الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي المعجب بنهج ترمب. ولم يعرقل ميلي صدور البيان، لكنه أعرب علناً عن معارضته تلك البنود وغيرها، مثل زيادة تدخّل الدولة لمكافحة الجوع.

إلا أن البرازيل نجحت بصفتها الدولة المضيفة، في تشكيل جدول أعمال القمة، وإدراج أولويات رئيسية من رئاستها في الوثيقة، بما في ذلك مكافحة الجوع وتغير المناخ، إلى جانب جهود إصلاح المنظمات الدولية. وأكد البيان الختامي أن الجوع لا ينجم عن نقص الموارد أو المعرفة، بل عن نقص الإرادة السياسية لضمان وصول الغذاء للجميع.

إذ أعلن الرئيس البرازيلي عن إطلاق «التحالف العالمي ضد الجوع والفقر» في بداية القمة. وقال لولا: «الجوع والفقر ليسا نتيجة للندرة أو الظواهر الطبيعية»، بل هما نتيجة لقرارات سياسية تؤدي إلى استبعاد جزء كبير من الإنسانية. وتعد هذه المبادرة من الموضوعات الرئيسية للمجموعة، التي تجمع أكبر اقتصادات العالم، وقد لقيت دعماً علنياً من 81 دولة. وقال لولا إن المجموعة ستتبادل الخبرات وتنسق التدابير من أجل الأمن الغذائي: «سيكون هذا أعظم إرث لنا». وأضاف الرئيس البرازيلي أن مكافحة الجوع والفقر هي شرط أساسي لبناء عالم سلمي.

تمكنت مجموعة العشرين، التي انطلقت قمتها في ريو دي جانيرو، الاثنين، من التوصل إلى إعلان مشترك مكون من 85 نقطة. وهناك نقطة رئيسية تم الاتفاق عليها خلال القمة كانت الدفع نحو إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث دعا الإعلان الختامي إلى مجلس أكثر «تمثيلاً وشمولاً وكفاءة وفاعلية وديمقراطية وخضوعاً للمساءلة».

الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إلى توجيه دفّة المناقشات حول المسائل الاجتماعية (أ.ب)

ودعا لولا أيضاً إلى تعزيز التعددية، مؤكداً الحاجة إلى مؤسسات عالمية أكثر شمولاً وتمثيلاً لضمان الاستقرار وتعزيز السلام. وقال لولا: «استقرار العالم يعتمد على مؤسسات أكثر تمثيلاً»، مشيراً إلى أهمية تضمين أصوات متنوعة في منتديات اتخاذ القرار. ووصف هذا التنوع بأنه «طريق السلام» وضروري لتحقيق التوازن في الحوكمة العالمية.

4 مليارات دولار من بايدن و25 من بنك التنمية الأمريكي

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الاثنين، أن الولايات المتّحدة ستقدّم مساهمة «تاريخية» بأربعة مليارات دولار لصندوق تابع للبنك الدولي يدعم البلدان الأكثر فقراً، في خطوة تسبق تسليمه السلطة إلى دونالد ترمب العازم على خفض الإنفاق العام. وتعهد بايدن بتقديم هذا المبلغ لـ«المؤسسة الدولية للتنمية». وهذا آخر اجتماع لبايدن مع كبار زعماء العالم قبل مغادرته البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني).

وقال مسؤول أميركي كبير إنّ هذه مساهمة بـ«أربعة مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات»، ما يعني أنّها غير ملزمة للإدارة الجمهورية المقبلة برئاسة دونالد ترمب.

لكنّ المسؤول عينه أشار إلى أنّ الجمهوريين، عندما كانوا في السلطة، أيّدوا ضخّ أموال في هذا الصندوق. والمؤسسة الدولية للتنمية هي ذراع للبنك الدولي تساعد أفقر بلدان الكوكب. وتمنح المؤسسة قروضاً وهبات مخصّصة لبرامج مثل مكافحة عدم المساواة ومكافحة الاحتباس الحراري.

وتعهد بنك التنمية الأميركي بالفعل بتقديم 25 مليار دولار للمبادرة. من جانبها، طالبت منظمة أوكسفام غير الربحية بأن تقوم دول مجموعة العشرين نفسها بالاستثمار العام بشكل كبير في أعمال الزراعة الصغيرة. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن الاتحاد الأوروبي سيشارك أيضاً في هذه المبادرة.

الرئيس الأميركي جو بايدن لدى مشاركته خلال اليوم الأول من قمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ب)

«كوب 29» يرحب بالمؤشّرات الإيجابية

رحّب المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 29) بالمؤشّرات الإيجابية الصادرة عن بيان المجموعة في ريو بشأن تمويل الحلول المناخية للبلدان النامية، لكنهم شدّدوا على أن الشقّ الأصعب من المهمّة ينبغي إنجازه في باكو. ورغم المخاوف الأولية بشأن احتمال وجود خلافات من الرئيس الأرجنتيني المتطرف، خافيير ميلي، ركزت المجموعة على تغير المناخ مع ختام القمة، وأعرب قادة الدول الصناعية والناشئة الرائدة في العالم عن التزامهم بفرض ضرائب أكثر فاعلية على فائقي الثراء، وأكدوا الهدف الدولي المتفق عليه للحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة.

ولم يتطرّق بيان ريو إلى مسألة الخروج التدريجي من مصادر الطاقة الأحفورية التي تمّ الاتفاق عليها خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للمناخ في دبي، ما أثار استياء في أوساط المنظمات غير الحكومية.

وقال سيمن ستيل، الأمين التنفيدي لاتفاقية الأمم المتحدة حول تغيّر المناخ، الثلاثاء، إن «وفود مجموعة العشرين لها نظامها الخاص هنا في باكو حيث نحن بأشدّ الحاجة إلى أن تتوقّف البلدان عن التشبّث بمواقفها وتتّجه سريعاً نحو أرضية مشتركة للتفاهم». وقد دعا القادة في تصريحاتهم إلى «زيادة الموارد التمويلية والاستثمارات العامة والخاصة لصالح المناخ في البلدان النامية». وتطرّقت عدّة فقرات من البيان إلى الحاجة إلى تعزيز الاستثمارات الخاصة والمتعددة الأطراف باتّجاه البلدان قيد النموّ.

وجاء في بيان المجموعة: «نقرّ بالحاجة إلى تعزيز الاستثمارات وزيادتها من كلّ المصادر والقنوات المالية لسدّ الثغرة التمويلية فيما يخصّ الانتقال بمجال الطاقة في العالم، لا سيّما في البلدان النامية».

وأثار البيان أيضاً فكرة فرض ضريبة على كبار الأغنياء على نحو مبدئي. وهي فكرة أشادت بها عدّة منظمات غير حكومية، متلمّسة فيها بصمة الرئيس البرازيلي لولا.

وفي تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من باكو، أشاد رئيس فريق المفاوضات الذي يمثّل أغلبية البلدان النامية المعروف باسم «مجموعة السبع والسبعين+الصين»، الدبلوماسي الأوغندي أدونيا أييباري، بإقرار مجموعة العشرين «بالحاجة إلى زيادة التمويل في مجال المناخ لرفعه من مليارات إلى آلاف المليارات المتأتية من المصادر كافة»، وفق الصياغة المستخدمة في بيان ريو.

وقدّر عالما اقتصاد معروفان مفوّضان من الأمم المتحدة المساعدة المناخية الخارجية للبلدان النامية بألف مليار في السنة. غير أن الدبلوماسي الأوغندي أعرب عن الأسف على أن البيان لم يحدّد الجهات الواجب عليها تقديم التمويل، مع الاكتفاء باستخدام عبارة «من المصادر كافة» بدلاً من استعراض جهات التمويل العام بوضوح، وهي إحدى المسائل الخلافية في باكو.

وقال أدونيا أييباري: «طلبنا بوضوح أن يأتي ذلك من مصادر عامة على شكل قروض بأسعار فائدة تفضيلية أو مساعدات»، مشيراً إلى أن البيان يبقى على الرغم من ذلك «خطوة جيّدة» للتوصّل إلى اتفاق بحلول نهاية المؤتمر، الجمعة.

وقال محمّد أدوو من مجموعة «باوورشيفت أفريكا» البحثية: «كنّا بحاجة إلى مؤشّر قويّ من مجموعة العشرين وحصلنا عليه على الصعيد المالي». غير أن آخرين هم أكثر حذراً فيما يتعلّق بالأثر الفعلي على مؤتمر «كوب 29»، إذ إن بيان مجموعة العشرين لم يتطرّق إلى صلب المناقشات الجارية في باكو والقائمة على القيمة الإجمالية للمبلغ ومساهمة بلدان مثل الصين.

وكشف مفاوض أوروبي رفيع المستوى لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» عن أنه بدأ العمل يوم الثلاثاء، ككلّ المشاركين في «كوب 29»، بتفحّص بيان مجموعة العشرين الممتدّ على 22 صفحة «كنّا ننتظر زخماً كبيراً ولعلّ توقّعاتنا كانت جدّ مرتفعة».

وقالت فريديريكي رودر من منظمة «غلوبال سيتيزن» غير الحكومية إن مجموعة العشرين «أعادت رمي الكرة في مرمى الكوب»، مقرّة بأن «البرازيل أدّت دورها على أكمل وجه لكن مجموعة العشرين لم تحذ حذوها».

المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله للمشاركة في قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وصرّحت ريبيكا تيسن من الشبكة الواسعة للمنظمات غير الحكومية «كلايمت أكشن نتوورك» بأن «قادة مجموعة العشرين لم يرسلوا الإشارات السياسية اللازمة من ريو». واكتفت المجموعة بالقول بشأن المفاوضات الجارية في باكو: «نتوقّع النجاح للهدف الكمّي الجماعي الجديد في باكو».

ولفتت تيسن إلى أن «الصمت بشأن الهدف الجديد لتمويل مكافحة التغير المناخي وبشأن التخلّي التدريجي عن الوقود الأحفوري غير مقبول من أكبر الاقتصادات وأكبر الملوّثين». وعدّ هارجيت سينغ من المبادرة من أجل اتفاق لعدم انتشار الوقود الأحفوري أن «القادة العالميين الملتئمين في قمّة مجموعة العشرين أظهروا نقصاً فادحاً في الحسّ القيادي وغفلوا عن إعادة التأكيد على التزامهم بالتخلّي عن الوقود الأحفوري، وهو محور رئيسي من العمل المناخي العالمي».

الشرق الأوسط

وأعرب الإعلان الختامي عن «قلق عميق بشأن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة والتصعيد في لبنان»، ودعت القمّة إلى وقف «شامل» لإطلاق النار.

وأشار البيان إلى ضرورة توسيع المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وتعزيز حماية السكان المدنيين، في رسالة واضحة لإسرائيل. كما أكدت مجموعة العشرين على «حق الفلسطينيين في تقرير المصير»، و«التزام لا يتزعزع برؤية حل الدولتين، حيث تعيش إسرائيل ودولة فلسطينية جنباً إلى جنب في سلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».

لافروف مع نظيره الصيني (أ.ف.ب)

ولم يتم التطرق في الإعلان الختامي لهجمات حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل. وقبل القمة، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مجموعة العشرين إلى الاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، والمطالبة بالإفراج عن جميع الرهائن، وإدانة «حماس» و«حزب الله»، اللذين تخوض إسرائيل حرباً ضدهما في قطاع غزة ولبنان على التوالي. وكتب ساعر أن أي بيان لا يتناول هذه النقاط سيشجع إيران وحلفاءها على مواصلة نشر عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

أعلنت دول المجموعة في بيان مشترك صدر الاثنين أنّها «متّحدة في دعم وقف لإطلاق النار» في كل من غزة ولبنان. وقال قادة الدول العشرين في بيانهم: «نحن متّحدون في دعم وقف شامل لإطلاق النار في غزة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735، وفي لبنان بما يمكّن المواطنين من العودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الخط الأزرق» الذي يقوم مقام خط الحدود بين إسرائيل ولبنان. وأضاف القادة في بيانهم الختامي: «إنّنا وإذ نعرب عن قلقنا العميق إزاء الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة والتصعيد في لبنان، فإنّنا نؤكّد على الحاجة الملحّة لزيادة تدفّق المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيّين».

وتابعوا: «نحن نسلّط الضوء على المعاناة الإنسانية والآثار السلبية للحرب» في قطاع غزة، و«نكرّر التزامنا الثابت بحلّ الدولتين الذي تعيش فيه إسرائيل ودولة فلسطينية جنباً إلى جنب بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».

الحرب في أوكرانيا والتوتر بين الكوريتين

وفي ظلّ هذه التطوّرات، رحّبت المجموعة «بكلّ المبادرات الوجيهة والبنّاءة التي تدعم سلاماً شاملاً وعادلاً ومستداماً» في أوكرانيا. وفي البيان الختامي قال القادة إنّهم «يرحّبون بكلّ المبادرات ذات الصلة والبنّاءة التي تدعم التوصّل إلى سلام شامل وعادل ودائم» في أوكرانيا يتّفق مع مبادئ الأمم المتحدة ويشيع علاقات «سلمية وودّية وطيّبة» بين الدول المتجاورة. لكن كما الحال في القمم السابقة للمجموعة، لم يأت البيان على ذكر الغزو الروسي. وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جانبه بالخطوة «الجيّدة» التي صدرت عن بايدن بخصوص الصواريخ البعيدة المدى.

الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اتخذت «قراراً جيداً» بالسماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة أميركية الصنع لضرب داخل روسيا.

وعلى هامش قمة زعماء مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو، قال ماكرون إن دعوة إدارة بايدن جاءت بسبب تدخل جنود من كوريا الشمالية في أوكرانيا، ووصف قرار روسيا في هذا الشأن بأنه «تصعيدي». غير أن المستشار الألماني أولاف شولتس أكّد أنه لن يتأثّر بخطوة بايدن وتمسّك بموقفه بعدم تسليم كييف صواريخ متطوّرة ألمانية الصنع. وعلى هامش القمّة، اجتمع شولتس بالرئيس الصيني في لقاء ثنائي للتطرّق إلى مسائل عدّة منها، العلاقات بين البلدين، لا سيما في المجال التجاري، والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط.

وبحث وزيرا خارجية الصين وروسيا الحرب في أوكرانيا والتوترات بين الكوريتين خلال لقاء على هامش القمة، وفق ما أوردت «القناة التلفزيونية الصينية» الرسمية، الثلاثاء. واجتمع وانغ يي وسيرغي لافروف في ريو دي جانيرو، و«تبادلا وجهات النظر حول الأزمة في أوكرانيا والوضع في شبه الجزيرة الكورية»، بحسب قناة «سي سي تي في». ونقلت القناة عن وانغ يي قوله إن الصين «مستعدة للعمل مع الجانب الروسي من أجل تعزيز التعاون والتحالف الاستراتيجي».

وقال لافروف، الثلاثاء، إن شن أوكرانيا هجمات بصواريخ أميركية الصنع على منطقة بريانسك الروسية إشارة واضحة إلى أن الغرب يريد تصعيد الصراع. وأضاف لافروف: «حقيقة استخدام صواريخ أتاكمز مراراً في منطقة بريانسك خلال الليل هي بالطبع إشارة إلى أنهم يريدون التصعيد». وتابع: «من المستحيل استخدام هذه الصواريخ المزودة بتكنولوجيا متطورة من دون الأميركيين، مثلما قال (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين مراراً وتكراراً». غير أن لافروف قال إن روسيا ستفعل كل ما بوسعها لتجنب اندلاع حرب نووية. وذكر للصحافيين أن الأسلحة النووية ستمثل رادعاً عن شن حرب نووية. وقالت روسيا إن أوكرانيا أطلقت ستة صواريخ أتاكمز أميركية الصنع صوب منطقة بريانسك غرب البلاد.

ووجهت دول غربية حليفة لكييف انتقادات إلى بكين على خلفية عدم إدانتها الغزو صراحة. لكن بعض الخبراء يرون أن بكين لا تشعر بالارتياح إزاء قرار كوريا الشمالية بإرسال قوات إلى روسيا بهدف احتمال نشرها في أوكرانيا، خشية عواقبها على الأمن في شرق آسيا، بسبب اتفاقية الدفاع الموقعة بين موسكو وبيونغ يانغ. والصين حليف دبلوماسي تقليدي لكوريا الشمالية، وتقدم لها الدعم الاقتصادي الحيوي. وحذّر الرئيس الصيني شي جينبينغ من أن العالم يواجه مرحلة جديدة من «الاضطراب»، مشدّداً على ضرورة «تجنّب التصعيد في الحروب وتأجيج النيران».