في وقت يشدِّد فيه تنظيم «القاعدة» الحصار على مدينة باماكو، عاصمة مالي، أجرى نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لانداو، اتصالاً هاتفياً مع وزير خارجية مالي عبودلاي ديوب؛ ليناقشا إمكانية «تعاون أمني» بين البلدين خلال الفترة المقبلة.
الاتصال الهاتفي وصفه مراقبون بأنه «مفاجئ»، وربما يفتحُ الباب لدعم أميركي يساعد هذا البلد الأفريقي الهش على الخروج من أزمة تهدد وجوده، في ظل اقتراب تنظيم «القاعدة» من العاصمة باماكو، وخنقها بحصار مستمر منذ مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، ويدخل شهره الثالث دون أفق واضح للخروج منه.

دعم معنوي
كريستوفر لانداو، نائب وزير الخارجية الأميركي، بعد نهاية الاتصال الهاتفي مع وزير خارجية مالي، كتب تغريدة على منصة «إكس»، شكَّلت ما يمكن وصفه بأنه «دعم معنوي» من الولايات المتحدة للجيش المالي. وقال المسؤول الأميركي في تغريدته: «الولايات المتحدة تُشيد بالقوات المسلحة في مالي على قتالها ضد المسلحين المتطرفين الإسلاميين (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)». وأضاف في السياق ذاته: «أجريت اليوم محادثة ممتازة مع وزير خارجية مالي؛ لمناقشة مصالحنا الأمنية المشتركة في المنطقة، وأتطلع إلى تعزيز التعاون بيننا».
The US commends the armed forces of Mali in their fight against Islamic extremist militants (JNIM). Today I had an excellent conversation with Mali’s Foreign Minister @AbdoulayeDiop8 to discuss our shared security interests in the region. Look forward to greater cooperation! pic.twitter.com/E3tge3sLnJ
— Christopher Landau (@DeputySecState) November 4, 2025
التغريدة أعادت وزارة الخارجية الأميركية نشرها مع ترجمة إلى اللغة الفرنسية، اللغة الأولى في دولة مالي، في حين رفضت وزارة خارجية مالي التعليق على المحادثات مع الأميركيين، وفق ما أوردت وكالة «أسوشييتد برس» في تقرير نشرته الخميس.
وقالت الوكالة: «بعد أيام قليلة من صدور أوامر للدبلوماسيين والمواطنين الأميركيين بمغادرة مالي، أشاد مسؤول أميركي رفيع بالمجلس العسكري الحاكم، ملمحاً إلى إمكانية التعاون بين الحكومتين بعد سنوات من التوتر في العلاقات الدبلوماسية».

وهو ما وصفته الوكالة بأنه «تحول علني في موقف الحكومة الأميركية تجاه التعاون مع قادة مالي العسكريين»، وذلك في إشارة إلى المجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ 2020 وقرر إنهاء شراكة عسكرية مع فرنسا والغرب، والتوجه نحو شراكة مع روسيا، أثَّرت بشكل كبير على علاقاته مع الولايات المتحدة، خصوصاً بعد استقدام مئات المقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية إلى مالي.
ولكن يبدو أن اقتراب تنظيم «القاعدة» من باماكو غيّر كل القواعد، ودفع الأميركيين نحو التحرك لمنع التنظيم الإرهابي من السيطرة على أول عاصمة في غرب أفريقيا، التي يعني سقوطها انهيار بلد محوري في منطقة الساحل.

ترحيب مالي
رغم الصمت الرسمي تجاه تصريحات نائب وزير الخارجية الأميركي، فإن وكالة «أسوشييتد برس» أكدت أنها لاقت ترحيباً من مسؤولين في الحكومة المالية، يرون أن التعاون مع واشنطن قد يساعد الجيش المالي على مواجهة الجماعة التي باتت تهدد العاصمة.
وقال موسى آغ أشاراتومان، عضو المجلس الوطني الانتقالي (الهيئة التشريعية الانتقالية في مالي)، للوكالة: «نظراً لخبرة الأميركيين في هذا المجال، فإن هذا التعاون لن يكون إلا إيجابياً بالنسبة لنا».
في غضون ذلك، يقول خبراء إنّ نية واشنطن الانخراط مجدداً في منطقة الساحل لا تزال غامضة، ولا توجد مؤشرات على تحرك عسكري قريب.
احتمالات التدخل
مع صعوبة الوضع الميداني في دولة مالي، والعجز الواضح لدى الجيش على الخروج من الأزمة، رغم الدعم العسكري الروسي، فإن الخبراء يطرحون كثيراً من الأسئلة حول إمكانية أن تتدخل الولايات المتحدة لإنقاذ باماكو، كما سبق وفعلت فرنسا عام 2013 حين زحف تنظيم «القاعدة» نحو المدينة آنذاك. ولكن لم تُكشف أي تفاصيل حول حدود ما سمّاه نائب وزير الخارجية الأميركي «التعاون» بين البلدين، وما إن كان تعاوناً عسكرياً ميدانياً، أم ضربات جوية خاطفة، أم سيقتصر التعاون على توفير المعلومات الاستخباراتية.
هُنا لا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كثّفت في الأشهر الأخيرة تعاونها الاستخباراتي مع مالي، رغم أن الأخيرة أصبحت محسوبة بشكل لا جدال فيه على روسيا. وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير نشرته في سبتمبر الماضي، إلى أن وفداً أميركياً برئاسة مسؤول مكافحة الإرهاب رودي عطا الله، زار باماكو وأكد استعداد واشنطن لتقديم المعلومات والتدريب والعتاد.
وكتب عمر الأنصاري، وهو صحافي مختص في الشؤون الأفريقية ويتابع ما يجري في مالي منذ سنوات: «أميركا تعود إلى مالي بعد 3 سنوات من القطيعة... هل بدأ العد التنازلي للتدخل؟!». وأضاف في تغريدة على منصة «إكس» أن الاهتمام الأميركي له أسباب عدة، من أبرزها اقتراب التنظيم من العاصمة باماكو، وامتلاك مالي ثالث أكبر منجم للذهب في أفريقيا، مع اكتشافات نفط ضخمة في حوض توديني، شمال البلاد، وفق ما أورد الصحافي.

وقال الأنصاري: «إن باماكو رفضت قوات خاصة أميركية العام الماضي... لكن اليوم الباب مفتوح!»، قبل أن يتساءل: «هل نشهد قواعد أميركية جديدة في الساحل؟ أم مجرد لعبة ضغط على روسيا والصين؟»، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة حاسمة».
حراك دبلوماسي
إلى ذلك، عقد وزير خارجية مالي، الأربعاء، لقاء مع أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي المعتمد في البلاد، وهو لقاء وصفه الوزير في تغريدة على منصة «إكس» بأنه «يدخل في إطار اللقاءات الدورية وتبادل المعلومات».
Le changement de mode opératoire des terroristes qui s’attaquent à des cibles molles ou économiques est un signal de leur affaiblissement face à nos forces de défense et de sécurité ainsi que de l’exécution de leur projet de déstabilisation du Mali à des fins géopolitiques en... pic.twitter.com/6lL6h6lTxp
— Amb. Abdoulaye Diop (@AbdoulayeDiop8) November 6, 2025
وأضاف الوزير: «خلال النقاش حول القضايا الأمنية وإمداد مالي بالمحروقات، أكدتُ على الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة، وعلى الالتزام المشترك للجنود الشجعان في مالي وكونفدرالية دول التحالف، سواء في مكافحة الإرهابيين الناشطين في منطقتنا أو في تأمين قوافل المنتجات البترولية».

وأوضح وزير الخارجية أن «تغيير الجماعات الإرهابية أسلوب عملها، واستهدافها ما تُعرف بـ(الأهداف السهلة أو الاقتصادية)، يُعدّان دليلاً على ضعفها أمام قواتنا الدفاعية والأمنية، وتراجع مشروعها الرامي إلى زعزعة استقرار مالي لأغراض جيوسياسية فقدت زخمها».


