حذر مسؤول في الأمم المتحدة من اتساع رقعة العنف وازدياد خطر الإرهاب في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، ودعا إلى تبني مقاربات جديدة تركّز على الحوار المجتمعي والتربية على السلام سبيلاً لمواجهة «الإرهاب» و«التطرف العنيف».
جاء ذلك في ظل ازدياد المخاوف من استمرار تصاعد الهجمات الإرهابية، وتنامي نفوذ الجماعات المتطرفة في ظل تراجع الجهود الأمنية الإقليمية والدولية، فيما تتحدث تقارير أممية عن منطقة الساحل بصفتها البؤرة الأكثر دموية في العالم.
فُتح النقاش حول أسباب التطرف العنيف والإرهاب، في المؤتمر الإسلامي الأول لغرب أفريقيا حول الأمن والحكامة، الذي اختُتم، الخميس، في العاصمة النيجيرية أبوجا، تحت عنوان «دور المنظمات الإسلامية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل».
المؤتمر استمر ليومين، وكان منظماً من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بالتعاون مع جمعيات دينية في منطقة غرب أفريقيا، وجمع نخبة من العلماء والدعاة والخبراء الأمنيين وصناع القرار لمناقشة الاستراتيجيات الكفيلة بالتصدي للتطرف والإرهاب، وتعزيز السلم المجتمعي في غرب أفريقيا والساحل.
الحوار المجتمعي
خلال جلسة افتتاح المؤتمر، قال محمد بن شمباس، الممثل الخاص للأمم المتحدة لغرب أفريقيا ومنطقة الساحل، إن «غياب الحوار والتفاعل بين المكونات المجتمعية شكّل أرضاً خصبة لتطرف الشباب، الذين يُستغلون لاحقاً في تنفيذ أعمال العنف والإرهاب».

وأوضح شمباس أن التطرف هو في جوهره «عملية غسل دماغ تجعل الإنسان غير متسامح مع التجارب والآراء الأخرى»، مضيفاً أن العالم يشهد اليوم «موجة غير مسبوقة من العنف والنزاعات، تغذيها الحروب بين الدول، والانقلابات غير الدستورية، والتوترات الدينية والقبلية، وأعمال الإرهاب والجريمة المنظمة».
وهي أوضاع عالمية، قال المسؤول الأممي إنها أسفرت عن معاناة وانعدام أمن واسعَين في عديد من الدول والمجتمعات، أدت إلى حالة من عدم اليقين تدفع الشباب نحو التطرف والإرهاب بحثاً عن الأمان وتحقيق الذات.
وأضاف المسؤول الأممي أن انعدام قبول الآخر أصبح من أبرز مسببات الصراعات في العالم، وقال إن «رفض المجتمعات للتعايش مع الآخر ولّد التطرف والعنف والاضطهاد، وهي عوامل أساسية وراء غياب الأمن والسلام الإيجابي اليوم».
بؤرة الإرهاب
في سياق حديثه عن المنطقة، قال شمباس إن مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024، أظهر أن منطقة الساحل استحوذت على 19 في المائة من الهجمات الإرهابية على مستوى العالم، و51 في المائة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب على مستوى العالم، مؤكداً أن «غياب التفاعل والحوار بين المكونات العرقية والدينية في غرب أفريقيا ساهم في تأجيج التوترات وإذكاء التطرف».
ودعا الممثل الأممي إلى تبني «مقاربة تصاعدية» تبدأ من القاعدة المجتمعية، وترتكز على إشراك رجال الدين والزعماء التقليديين وقادة المجتمع المحلي في جهود الصمود ومكافحة التطرف، موضحاً أن «التربية على السلام والتوعية العملية بالعلاقات الإنسانية السليمة تمثلان حجر الأساس للتنمية المستدامة».
كما شدد شمباس، الذي يشغل أيضاً منصب الممثل السامي للاتحاد الأفريقي لمبادرة (إسكات البنادق)، على أن «السلام لا يتحقق بالقوة، بل عبر السلطة الأخلاقية والهداية الروحية والمشاركة الشاملة»، داعياً إلى تبادل الخبرات والممارسات المجتمعية الإيجابية وسيلةً لتعزيز قدرة المجتمعات على مقاومة الهجمات المتكررة.
سلاح التربية
من جانبه، دعا الدكتور عبد الفتاح موسى، مفوض المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للشؤون السياسية والسلام والأمن، المنظمات الإسلامية وقادتها إلى التركيز على «توعية الشباب ضد التطرف»، وذلك من خلال «إدماج مفاهيم السلام والتعايش في المناهج الدراسية والمؤسسات التعليمية».
وقال موسى: «علينا أن نزرع في نفوس الشباب حب الآخرين وجيرانهم عبر التربية على السلام، وأن نعمل باستمرار على تعزيز التماسك الاجتماعي في منطقتنا».

يأتي المؤتمر في وقتٍ تزداد فيه التحذيرات من تحول غرب أفريقيا إلى المركز العالمي الجديد للجماعات المتطرفة، بعد تراجع تنظيم (داعش) في الشرق الأوسط، وسط دعواتٍ متزايدة لإشراك المجتمعات المحلية في صياغة استراتيجيات الأمن ومكافحة الإرهاب بدل الاقتصار على المقاربات العسكرية وحدها.
التعليم أولاً
ناقشت المنظمات والجمعيات المشاركة في المؤتمر ملفات عديدة، من أبرزها «تفعيل التدابير الإقليمية لمكافحة الإرهاب واعتماد مقاربات غير عسكرية لمواجهة التطرف العنيف»، بالإضافة إلى «إصلاح نظام التعليم التقليدي»، وذلك من خلال «الحد من تهميش طلبة المدارس الإسلامية التقليدية».
وركز المؤتمر بشكل كبير على معضلة التعليم، حيث ناقش «إشكالية الأطفال غير الملتحقين بالمدارس»، وسعى المؤتمر إلى «البحث عن حلول عملية للظاهرة في المنطقة»، وتأثيرها على «تعزيز السلام والاستقرار».
وقال أحد المشاركين في المؤتمر إنه من الضروري «تحديث التعليم التقليدي الإسلامي» حتى يكون أكثر تماشياً مع متطلبات العصر وتحديات الحاضر، مشيراً إلى أنه تقدم بمقترح «إنشاء معاهد تقليدية للتدريب المهني، وإنشاء مراكز تعليم ومدارس انتقالية في أنحاء البلاد، مع وضع خريطة شاملة للأطفال غير الملتحقين بالمدارس.
ومن المعروف أن كثيراً من الأطفال في منطقة الساحل ونيجيريا لم يذهبوا إلى المدارس بسبب ضغط الجماعات الإرهابية المسلحة التي تعارض هذه المدارس، خصوصاً جماعة «بوكو حرام» التي يعني اسمها باللهجة المحلية (التعليم العصري حرام).









