تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

استمراراً لتعزيز حضورها في أفريقيا وتوسيع وجودها بالساحل

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)

كشفت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان، إلى النيجر عن استمرار التركيز من جانب أنقرة على ترسيخ حضورها في أفريقيا، وسعيها لملء الفراغ الذي تتركه القوى الغربية ذات النفوذ في القارة السمراء، واهتمامها، على وجه الخصوص، بمنطقة الساحل.

رئيس وزراء النيجر علي الأمين زين خلال استقبال الوفد التركي في نيامي («الخارجية» التركية)

وجاءت زيارة الوفد التركي، الذي ضم وزيرَي الدفاع يشار غولر، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، ورئيس المخابرات إبراهيم كالين، إلى جانب نائب وزير التجارة فولكان أغار، إلى النيجر لتؤكد الاهتمام الذي تُوليه تركيا بهذا البلد الأفريقي المستهدَف بالإرهاب، والذي يحكمه الجنرال عبد الرحمن تياني الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري قبل عام تقريباً، وكان في استقبال الوفد التركي لدى وصوله إلى نيامي، الأربعاء.

تعاون عسكري وأمني

وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، كشف عن بعض أهداف زيارة الوفد التركي، قائلاً: «ناقشنا مع النيجر ما يمكن فعله لتحسين صناعة الدفاع والاستخبارات، في إطار مكافحة الإرهاب؛ المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في منطقة الساحل، السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا من بين أولوياتنا».

ولفت فيدان إلى أن علاقات التعاون بين تركيا والدول الأفريقية مستمرة في النمو بمجالات مثل الدبلوماسية والاقتصاد والمالية والأمن والدفاع والتعليم والصحة، وأن تركيا لديها سفارات في 44 دولة أفريقية، من أصل 54 بلداً بالقارة.

وأكد أن السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا هو أيضاً من بين أولويات تركيا، وخصوصاً في منطقة الساحل التي باتت فيها مشكلة عدم الاستقرار والإرهاب مزمنة.

الوفد التركي أثناء المباحثات الموسعة مع المسؤولين في النيجر (وزارة الخارجية التركية)

وأشار إلى أنه بحث، خلال لقاءاته، ما يمكن أن تفعله تركيا في النيجر لتطوير صناعات الدفاع والاستخبارات، في إطار الحرب ضد الإرهاب؛ أسوة بتعاونها مع الصومال.

وتمتلك تركيا قاعدة عسكرية في الصومال تُعد أكبر قواعدها العسكرية في الخارج.

ويُعد البعد العسكري أحد أهم الأبعاد التي تركز عليها أنقرة، إلى جانب الاقتصاد والطاقة، في علاقاتها مع دول أفريقيا، وأصبحت أحد مورّدي الأسلحة لدول القارة.

واشترت النيجر من تركيا 6 طائرات مُسيّرة قتالية «بيرقدار- تي بي 2»، في مايو (أيار) عام 2022، بعدما أعلن البَلدان، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، عن صفقة تشمل توريد أسلحة للنيجر؛ بينها طائرات مُسيّرة «بيرقدار- تي بي 2»، وطائرات التدريب «حر كوش»، ومدرعات لتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية في مواجهة الجماعات الإرهابية.

وتشتهر تركيا بطائراتها المُسيّرة القتالية، التي أصبحت عنصراً أساسياً في جيشيْ مالي وبوركينا فاسو، وهما حليفان للنيجر، يحكمهما أيضاً مجلسان عسكريان ويواجهان جماعات إرهابية.

ملء الفراغ

وعملت النيجر على تغيير شراكاتها الدولية، وطردت خصوصاً من أراضيها الجنود الفرنسيين الذين كانوا منتشرين في إطار القتال ضد الجماعات الإرهابية، وسيخرج الجنود الأميركيون أيضاً بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل. وأعلنت ألمانيا، من جانبها، إنهاء تعاونها العسكري، بحلول نهاية أغسطس (آب) المقبل؛ بسبب غياب «الموثوقية» في علاقاتها مع نيامي.

وسعياً من أنقرة لملء الفراغ في النيجر، كثّفت اتصالاتها مع البلد الأفريقي، وزار رئيس وزرائها علي الأمين زين أنقرة، في فبراير (شباط) الماضي. وأعلن، خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي وجه إليه الدعوة لزيارة تركيا، أن «التحدي الأمني المفروض علينا يتطلب أن تكون لدينا كل الوسائل اللازمة لضمان دفاعنا، ونعلم أنكم قادرون على ضمان ذلك لنا».

وأكد إردوغان، خلال اللقاء الذي حضره وزيرا الخارجية والدفاع التركيان، دعم تركيا خطوات النيجر لتعزيز استقلالها السياسي والعسكري والاقتصادي، وأن تركيا تقف، وستواصل الوقوف ضد التدخلات العسكرية الأجنبية التي تستهدف الشعب النيجري، وستواصل اتخاذ خطوات لزيادة حجم التجارة بين البلدين، وفق ما ذكرت الرئاسة التركية.

وفي الجانب الاقتصادي، قدَّم رئيس وزراء النيجر تأكيدات بأن «كل التسهيلات» ستُمنح للمستثمرين الأتراك.

تركيز على النيجر

وجاءت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى لنيامي، الأربعاء؛ لمتابعة ما جرى الاتفاق عليه خلال زيارة رئيس وزراء النيجر لتركيا. واتفق الجانبان، خلال المباحثات التي أجراها الوفد التركي، على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتعدين والمخابرات والدفاع، بعد أن طلبت الدولة، الواقعة في غرب أفريقيا، من العسكريين الغربيين المغادرة، وأنهت عقود التعدين لدول غربية كثيرة، لتقدم لنفسها بديلاً يحل محلها.

والتقى الوفد التركي، إلى جانب المباحثات الوزارية، رئيس النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، الذي تولَّى السلطة في يوليو (تموز) 2023، بعد أن أطاح المجلس العسكري الذي يقوده بالرئيس محمد بازوم وغيَّر ولاءات البلاد، بطرد القوات الغربية وإنهاء اتفاقيات أمنية مع الاتحاد الأوروبي.

وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية، في إفادة صحافية، الخيمس، إن وزير الدفاع يشار غولر ناقش سبل تعزيز التعاون بين تركيا والنيجر في مجال الدفاع والتدريب العسكري.

وقالت وزارة الطاقة التركية إن البلدين وقّعا إعلان نوايا لدعم وتشجيع الشركات التركية على تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في النيجر.

وتملك النيجر خامات اليورانيوم الأعلى جودة في أفريقيا، وهي سابع أكبر منتِج لليورانيوم في العالم.

وعزّزت الشركات التركية حضورها في النيجر. وفازت بعدد من العقود، بينها عقد بقيمة 152 مليون يورو لتحديث مطار نيامي، وعقود أخرى بقيمة 50 مليون يورو لإقامة فندق فخم، و38 مليون يورو للمقر الجديد لوزارة المالية النيجرية في قلب العاصمة. وأنشأت تركيا عام 2019 مستشفى بقيمة 100 مليون يورو في مارادي، ثالثة كبرى مدن البلاد.

سياسة تركيا الأفريقية

ومنذ عقدين من الزمن، تعمل تركيا على توسيع وجودها في القارة السمراء، التي تمتلك، وفق تقديرات اقتصادية، نحو 65 في المائة من الموارد العالمية التي لم يجرِ العمل على استغلالها.

وعقب موجة الانقلابات في دول الساحل الأفريقي، التي بدأت عام 2020 من مالي، وتراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، زادت تركيا تحركاتها عبر قنوات التسليح والتعاون الاقتصادي لتكون شريكاً حاضراً بقوة في المنطقة التي تشهد سباق نفوذ بين القوى العالمية.

وتحتل تركيا المركز الرابع بين الدول الأكثر تمثيلاً دبلوماسياً في القارة الأفريقية، بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا، وتقع العلاقات مع دولها ضمن الأهداف الرئيسية للسياسية الخارجية التركية.

ويرجع الاهتمام بتطوير هذه العلاقات إلى عام 2005 حين أصبحت أنقرة عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، وأعلنت، في العام نفسه، «خريطة الانفتاح على أفريقيا».


مقالات ذات صلة

ترمب يشارك بمنتدى دافوس الاقتصادي الأسبوع المقبل

الولايات المتحدة​ يعود ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير في تزامن مع بدء منتدى دافوس السنوي الخامس والخمسين للقادة السياسيين ورجال الأعمال (رويترز)

ترمب يشارك بمنتدى دافوس الاقتصادي الأسبوع المقبل

قال منظمو المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس اليوم (الثلاثاء) إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سيشارك عبر الإنترنت في اجتماع للمنتدى ينعقد الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ترمب يتحدث خلال تجمع انتخابي في صالة فان أندل في غراند رابيدز - ميشيغان 5 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

تصريحات ترمب… أداة فورية وحيوية في تحريك الأسواق المالية العالمية

تلعب التصريحات في عالم الاقتصاد دوراً بالغ الأهمية في تحريك الأسواق وتوجيه اتجاهاتها؛ نظراً لتأثيرها العميق والمباشر وغير المباشر على المستثمرين والمتداولين.

هدى علاء الدين (بيروت)
الاقتصاد متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (أ.ب)

الأسواق العالمية تتأرجح بانتظار بيانات التضخم الأميركية

أشارت العقود الآجلة للأسهم الأوروبية والأميركية إلى انتعاش متواضع يوم الثلاثاء، رغم أن ارتفاع عوائد السندات والدولار القوي جعلا المستثمرين يتوخون الحذر.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة )
الاقتصاد ناقلة نفط خام راسية بالقرب من ميناء مدينة ناخودكا الروسي (أرشيفية - رويترز)

أسعار شحن النفط ترتفع بشدة بعد تشديد العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الروسي

قفزت أسعار شحن الناقلات العملاقة بعد أن وسّعت الولايات المتحدة العقوبات على تجارة النفط الروسية وأرسلت التجار إلى التهافت على حجز السفن لنقل الإمدادات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداول في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

تراجعات أسهم «إنفيديا» تواصل الضغط على مؤشرات «وول ستريت»

تسببت التراجعات الكبيرة في أسهم «إنفيديا» وغيرها من الشركات الكبرى في الضغط على مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الاثنين، مما أبقى «وول ستريت» في حالة من الركود.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«الصحة العالمية» تشتبه بتسبّب فيروس ماربورغ بثماني وفيات في تنزانيا

معدل الوفيات بـ«ماربورغ»  يصل إلى 88 في المائة من الإصابات (أرشيفية - رويترز)
معدل الوفيات بـ«ماربورغ» يصل إلى 88 في المائة من الإصابات (أرشيفية - رويترز)
TT

«الصحة العالمية» تشتبه بتسبّب فيروس ماربورغ بثماني وفيات في تنزانيا

معدل الوفيات بـ«ماربورغ»  يصل إلى 88 في المائة من الإصابات (أرشيفية - رويترز)
معدل الوفيات بـ«ماربورغ» يصل إلى 88 في المائة من الإصابات (أرشيفية - رويترز)

أعلنت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء أنّ فاشية محتملة لمرض فيروس ماربورغ في تنزانيا تسبّبت بثماني وفيات.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مؤتمر صحافي «نحن على علم بتسع حالات حتى الآن، بينها ثماني وفيات. نتوقّع المزيد من الحالات في الأيام المقبلة عندما ستتحسّن مراقبة المرض». وأضاف أنّ «منظمة الصحة العالمية عرضت مساعدتها الكاملة لحكومة تنزانيا والمجتمعات المتضرّرة».

ويأتي هذا التحذير بعد أقلّ من شهر من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تفشّي فيروس ماربورغ لمدة ثلاثة أشهر في رواندا المجاورة، ممّا أسفر عن وفاة 15 شخصا. ويسبّب فيروس ماربورغ حمّى نزفية شديدة العدوى. وينتقل الفيروس إلى البشر من خفافيش الفاكهة وهو ينتمي إلى نفس عائلة فيروسات إيبولا. ويمكن أن يصل معدّل وفيات المصابين بالمرض إلى ما يقرب من 90 في المئة، وغالبا ما تكون حمّى ماربورغ مصحوبة بنزيف وفشل في الأعضاء.

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإنّ منطقة كاغيرا شهدت أول تفشّ لفيروس ماربورغ في مارس (آذار) 2023، وقد استمرّت الفاشية يومها لمدة شهرين تقريبا أصيب خلالها بالفيروس تسعة أشخاص توفي ستّة منهم. وأشارت المنظمة في بيان إلى أنّ «الخزّانات الحيوانية المنشأ، مثل خفافيش الفاكهة، لا تزال متوطّنة في المنطقة».

وتقول منظمة الصحة العالمية إنّ مرض فيروس ماربورغ يتسبب بـ«حمّى نزفية فيروسية وخيمة لدى البشر من أعراضها الحمى والصداع وآلام الظهر وآلام العضلات وآلام البطن والقيء والارتباك والإسهال، وكذلك النزيف في المراحل المتأخرة جدا». وتحذّر من أنّه «على الرغم من ندرة مرض فيروس ماربورغ، لكنّه لا يزال يشكل تهديدا خطرا على الصحة العامّة بسبب ارتفاع معدل الوفيات وعدم وجود علاج أو لقاح فعّال مضادّ للفيروسات».

وفي بيانها، أوضحت المنظمة التابعة للأمم المتحدة أنّ سبب تقييمها خطر تفشّي الفيروس في تنزانيا على المستوى الوطني بالـ«مرتفع» مردّه إلى العديد من العوامل المقلقة. ومن أبرز هذه العوامل أنّ معدّل الوفيات المعروفة مرتفع ويبلغ 89% و«مصدر تفشّي المرض غير معروف حاليا» والحالات المبلغ عنها موزّعة على منطقتين ما يشير إلى «انتشار جغرافي» للمرض. ولفتت المنظمة إلى أنّ «التأخّر في اكتشاف الحالات وعزلها، إلى جانب تتبّع المخالطين المستمر» يشير إلى عدم وجود «معلومات كاملة» عن تفشّي المرض.أما عن تقييمها خطر تفشّي الفيروس في المنطقة بالمرتفع أيضا فأوضحت المنظمة أن السبب هو «الموقع الاستراتيجي لكاغيرا كمركز عبور مع حركة حدودية كبيرة للسكان إلى رواندا وأوغندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديموقراطية».

ولفتت إلى أنّ بعض الحالات المشتبه بها سُجّلت في مناطق قريبة من الحدود الدولية، «ما يسلّط الضوء على إمكانية انتشار المرض إلى البلدان المجاورة». وفي منشوره على إكس، قال تيدروس «نوصي الدول المجاورة بأن تكون في حالة تأهب واستعداد لإدارة الحالات المحتملة. في الوقت الراهن لا نوصي بفرض قيود على السفر أو التجارة مع تنزانيا».

وفي بيانها طمأنت المنظمة إلى أنّ فيروس ماربورغ لا ينتشر بسهولة وانتقاله يتطلّب عادة ملامسة سوائل الجسم لمريض يعاني من أعراض واضحة. أما عن إمكانية تفشّي الفيروس عالميا فقالت المنظّمة إنّ هذا الخطر «منخفض»، إذ ليس هناك من تأكيد على انتشاره عالميا في هذه المرحلة، لكنّها شدّدت على الحاجة إلى تعزيز المراقبة.