اتخذت السلطات الأمنية إجراءات أمنية «استثنائية جداً» هذه الأيام بمناسبة موسم «الزيارة السنوية» التي يقوم بها عادة آلاف اليهود التونسيين ومن العالم أجمع للكنيس اليهودي في جزيرة جربة السياحية جنوب شرقي البلاد.
ولوحظ رفع حالة الاستنفار الأمني من قِبل القوات الخاصة بلباس مدني وعسكري في جزيرة جربة وبالقرب من المعالم اليهودية التونسية.
لكن فعاليات «الزيارة» هذا العام تجري «دون ضجة»، وبمشاركة مئات اليهود التونسيين دون غيرهم، مع إلغاء الاحتفالات الغنائية والراقصة في الشوارع يومي الافتتاح والاختتام لأسباب أمنية عدّة، من بينها تجنب استفزاز الأغلبية المسلمة في هذه المرحلة التي تتواصل فيها الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية وارتفع فيها أعداد القتلى والجرحى.
قرار أمني سياسي
وسبق لإدارة هيئة مهرجان الغريبة اليهودي السنوي برئاسة رجل الأعمال بيريز الطرابلسي ووزير السياحة التونسية السابق روني الطرابلسي أن أصدرت قبل أسابيع إعلاناً بالتنسيق مع السلطات الأمنية والحكومية التونسية تعلن فيه عن «تنظيم كل التظاهرات داخل فضاءات مغلقة وليس في الشوارع والأماكن العامة».
ويتزامن الاحتفاء السنوي بموعد هذه الزيارة بالذكرى الأولى «للهجوم المسلح» الذي وقع قبل عام بالضبط على الكنيس اليهودي «الغريبة» وسط جزيرة جربة عندما كان آلاف اليهود من بين حاملي جنسيات مختلفة في تظاهرة ثقافية فلكلورية سياحية ليلية مساء 9 مايو (أيار) 2023.
وتسبب الهجوم المسلح، حسب تصريحات أمنية رسمية تونسية، في مقتل اثنين من قوات الأمن وسائحَين يهوديين أوروبيين، أحدهما إسرائيلي. كما قُتل في العملية المهاجم المسلح الذي كان عوناً في الحرس الوطني البحري، بعد أن تدخلت «القوات الأمنية الخاصة» التي نجحت في السيطرة الأمنية الكاملة عليه وعلى الموقع في ظرف 112 ثانية، حسبما أورده وزير الداخلية كمال الفقي في مؤتمر صحافي مباشرة بعد الحادثة.
كما أسفر الهجوم عن إصابة 8 مشاركين في الحفل بجروح بسبب تبادل الطلق النار بين المهاجم المسلح والأمنيين عندما بدأ المشاركون في الحفل في مغادرة القاعة المغلقة في اتجاه السيارات المعدة لنقلهم إلى الفنادق السياحية.
لكن تدخل قوات الأمن ضمن إخراج الآلاف السياح اليهود من المعبد ونقلهم إلى المنطقة السياحية وإلى المطار أو إلى مدن تونسية أخرى برمجوا فيها زيارات بحكم وجود معالم يهودية ثقافية ودينية فيها.
ليس عملاً إرهابياً
ونفى وزير الداخلية التونسي كمال الفقي في تصريحات عن الهجوم «الصبغة الإرهابية» ورجّح سيناريو «الجريمة» على العملية وعلى الطرف أو الأطراف التي شاركت فيها. كما وصف الرئيس التونسي قيس سعيّد الهجوم المسلح بـ«العمل الإجرامي» واعتبر أن «جهات تستهدف السياحة التونسية واقتصاد تونس وأمنها واستقرارها» قد تكون وراءها.
ونفى الرئيس التونسي في كلمة رسمية توجه بها إلى الشعب وإلى الرأي العالمي أن يكون وراء الهجوم «عمل إرهابي» أو «عمل عدائي للسامية» وذكر بكون الأقلية اليهودية عاشت دوماً في تونس في وفاق مع الأغلبية المسلمة بما في ذلك في مرحلة احتلال ألمانيا لتونس في عهد النازيين، بين نوفمبر (تشرين الثاني) 1942 ومايو 1943.
وساهم تجنب سيناريو «التهويل الإعلامي» للهجوم في إنجاح الموسم السياحي السابق وفي تنظيم مؤتمرات دولية في جزيرة جربة وفي مدن تونسية عدّة.
توضيح فرنسي
في المقابل، كشفت مصادر إعلامية فرنسية بمناسبة الذكرى الأولى لهذا الهجوم، عن أن مصالح النيابة العمومية المكلفة ملفات الإرهاب في فرنسا أجرت تحقيقات أمنية وقضائية في الحادثة بسبب وجود «فرنسي بين القتلى». وتوصلت إلى شبهات تهم 4 أشخاص شاركوا في تنظيم الهجوم وتنفيذه، بينهم عون أمن تونسي سابق «يشتبه في علاقته بتنظيم (داعش) الإرهابي و(فتاة) مختصة في علاج النطق»، حسب صحيفة «لوباريسيان» الفرنسية الواسعة الانتشار.
كما أورد المصدر نفسه مشاركة «3 متهمين بينهم امرأة» في تقديم دعم لوجيستي لعون الأمن السابق الذي شنّ الهجوم المسلح، بما في ذلك عبر «تسهيلات عبر الإنترنت».
وكانت الرواية الأمنية التونسية أعلنت أن المهاجم قتل زميله المسلح في مركز تابع «لخفر السواحل البحري» شرقي جزيرة جربة وافتك منه سلاحه ثم استخدم وسيلة نقله الأمنية بسرعة وتنقل على متنها من المنطقة السياحية شرقي الجزيرة نحو الكنيس اليهودي الذي يبعد نحو 15 كلم. وتمكن من الدخول بسبب الصبغة الأمنية للعربة التي استخدمها ولملابسه الأمنية. لكن عندما أطلق النار مختبئاً وراء أحد الجدران تدخلت «قوات النخبة» وقامت بـ«تحييده».
عمليات إرهابية أخرى
وقد أعادت هذه العملية إلى الأدهان عمليات إرهابية سابقة نُفّذت ضد تجمعات في معالم يهودية في تونس، بينها تفجير شاحنة وقود في 2002 في مدخل الكنيس اليهودي في جزيرة جربة؛ مما تسبب في مقتل 21 سائحاً وعاملاً تونسياً وإصابة عشرات. وتبنى تنظيم «القاعدة» الهجوم واعتبره رداً على العمليات العسكرية الأميركية على أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. كما هاجم عون أمن مسلح الكنيس نفسه في الثمانينات من القرن الماضي «رداً على قصف قوات إسرائيلية مقر القيادة الفلسطينية بتونس في أكتوبر (تشرين الأول) 1985؛ مما تسبب في سقوط قتلى وجرحى فلسطينيين وتونسيين بينهم أحد أقرباء عون الأمن التونسي».
وفي بعض المعالم اليهودية الثقافية والسياحية سجّلت قوات الأمن مراراً هجمات من قِبل «مجهولين» وبعض «السلفيين المتشددين» على تلك المعالم عندما تكون فارغة مع كتابة شعارات معادية للسلطات الإسرائيلية عليها.