السنغال: المعارضة تطالب بإجراء انتخابات الشهر المقبل

الآلاف شاركوا في أول مظاهرة مرخّصة منذ أسبوعين وسط تراجع العنف

خرج الآلاف في أول مظاهرة مرخصة منذ أسبوعين في دكار السبت (إ.ب.أ)
خرج الآلاف في أول مظاهرة مرخصة منذ أسبوعين في دكار السبت (إ.ب.أ)
TT

السنغال: المعارضة تطالب بإجراء انتخابات الشهر المقبل

خرج الآلاف في أول مظاهرة مرخصة منذ أسبوعين في دكار السبت (إ.ب.أ)
خرج الآلاف في أول مظاهرة مرخصة منذ أسبوعين في دكار السبت (إ.ب.أ)

طالب أنصار باسيرو ديوماي فاي، مرشّح المعارضة المسجون للانتخابات الرئاسية في السنغال، بـ«الإفراج عنه من دون تأخير»، غداة مشاركة الآلاف في مظاهرة سلمية بدكار.

وعلى عكس احتجاجات سابقة شهدت سقوط 3 قتلى على الأقل، لم تشهد مظاهرة السبت في العاصمة السنغالية أعمال عنف فيما عدّه البعض مؤشراً على تراجع التوترات المرتبطة بتأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 فبراير (شباط).

عودة الهدوء؟

وارتدى المتظاهرون قمصاناً سوداء تحمل اسم الجمعية التي دعت إلى التظاهرة، أو لُوّنت بألوان علم السنغال، كما لوّحوا بلافتات كُتب عليها «احترام الروزنامة الانتخابية»، «لا للانقلاب الدستوري»، «السنغال حرة»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وبينما قام رجال الدرك بدوريات في كامل منطقة التظاهرة، إلا أنهم لم يحملوا أدوات مكافحة الشغب، على عكس التظاهرات السابقة التي نُظّمت رغم حظرها.

انتشار أمني كثيف خلال مظاهرة بدكار السبت (إ.ب.أ)

وأدانت المعارضة منذ مطلع فبراير ما تصف بـ«الانقلاب الدستوري»، ورحّبت بقرار المجلس الدستوري، الخميس، إبطال تأجيل الانتخابات إلى 15 ديسمبر (كانون الأول)، والمطالبة بإجرائها «في أسرع وقت ممكن»، وهو ما قبله الرئيس ماكي سال. وقال مالك جاكو، المرشّح الرئاسي الذي كان مشاركاً في التظاهرة، إن «شعار اليوم هو التعبئة». وأضاف: «لم يعد لدولة السنغال الحق في ارتكاب الأخطاء، وعليها أن تنظّم الانتخابات في مارس (آذار) حتى يجري تسليم السلطة من الرئيس سال إلى الرئيس الجديد في الثاني من أبريل (نيسان)»، الموافق لتاريخ انتهاء ولايته. ومن جهته، رأى أحد المتظاهرين وهو مغنّي راب مايسترو إل كانغام (34 عاماً) الذي ارتدى قميصاً بألوان علم السنغال، أنّ قرار الرئيس الامتثال لرأي المجلس الدستوري «يخفّف كثيراً من التوتر». وأضاف: «شخصياً، لا أثق به وأنتظر لأرى ما إذا كان سيحترم كلمته، وإذا فعل فسوف يخرج مرفوع الرأس».

قلق دولي

وشهدت التظاهرات السابقة التي نُظّمت رفضاً لتأجيل الانتخابات الرئاسية أعمال عنف واعتقالات كثيرة. كما قُتل 3 أشخاص في التاسع من فبراير. خارجياً، أعرب المجتمع الدولي عن قلقه، ودعا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن. ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، السبت، إلى إجراء «انتخابات شاملة وحرة وشفافة» في أقرب فرصة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

وتنتهي ولاية ماكي سال في الثاني من أبريل، ومن المفترض نظرياً إجراء الانتخابات الرئاسية قبل ذلك التاريخ. وأشار الرئيس إلى أنه يعتزم إجراء «المشاورات اللازمة من دون تأخير لتنظيم الانتخابات الرئاسية في أقرب فرصة»، وفقاً لقرار المجلس الدستوري.ويتفق الجميع، بما في ذلك المحكمة الدستورية التي لم تحدد موعداً، على أن الانتخابات لم تعد ممكنة في 25 فبراير.

من المرشّحون الرئاسيون؟

يطرح تحديد المرشحين الرئاسيين تحدياً آخر؛ فقد وافق «الحكماء» في يناير (كانون الثاني) على 20 ترشيحاً، وأبطلوا عشرات الترشيحات، لكن الاحتجاجات القوية التي أثارتها هذه العملية واتهامات الفساد التي وجّهها إلى المجلس المرشح المستبعد كريم واد، كانت إحدى حجج المعسكر الرئاسي لتأجيل الانتخابات. وبالنسبة لواد والمرشحين المستبعدين، كان التأجيل ضرورة.

أنصار المعارضة طالبوا بتنظيم انتخابات رئاسية الشهر المقبل (إ.ب.أ)

علاوة على ذلك، بعد إطلاق سراح عشرات المعارضين في الأيام الأخيرة، تزداد الضغوط للإفراج عن المرشح المناهض للنظام العضو في حزب «باستيف» (المنحل) باسيرو ديوماي فاي، وهو منافس مرتفع الحظوظ للفوز رغم اعتقاله. وقال الائتلاف الداعم لديوماي فاي في بيان: «يجب أن يخضع جميع المرشّحين للمبدأ الدستوري القاضي بالمساواة في المعاملة. ولهذا السبب، فإنّ الإفراج الفوري عن المرشّح باسيرو ديوماي دياخار فاي هو مطلب شعبي واحترام للدستور». كذلك، شدّد البيان على «ضرورة الإفراج بشكل عاجل عن الرئيس عثمان سونكو» زعيم المعارضة. ويرأس سونكو حزب المعارضة الرئيسي المنحل «باستيف»، وكان المجلس الدستوري قد رفض ترشيحه، وصادق في المقابل على ترشيح فاي، الرجل الثاني في الحزب. وسونكو مسجون منذ يوليو (تموز) 2023 بتهمة الدعوة إلى التمرّد والتآمر الإجرامي المرتبط بمشروع إرهابي، وتعريض أمن الدولة للخطر. ومن جهته، وُضع ديوماي فاي قيد الحبس الاحتياطي منذ أبريل 2023. ويبدو أنّ قبول المجلس الدستوري ترشيحه مرتبط بواقع أنّه لم تجرِ محاكمته وإدانته بعد.



بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.