تحديات فرنسا لترميم نفوذها المتهالك في بلدان الساحل

الإخفاقات الفرنسية المتلاحقة في بلدان الساحل الأفريقي تفرض على باريس إعادة النظر بسياساتها

جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)
جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)
TT

تحديات فرنسا لترميم نفوذها المتهالك في بلدان الساحل

جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)
جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

قبيل احتفالات عيد الميلاد، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استبدال السفير برنار إيميه الذي كان يدير المديرية العامة للأمن الخارجي «المخابرات الفرنسية الخارجية» منذ عام 2017، وأتى بزميله نيكولا ليرنير الذي كان من جانبه يدير المخابرات الداخلية. وقيل الكثير في العمل المتميز الذي قام به إيميه على رأس المخابرات الخارجية، وآخرها جاء على لسان وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو الذي نوّه بما قام به إيميه «من حماية الفرنسيين في الظل».

الرئيس الفرنسي يصافح رئيس الحكومة البرتغالية ورئيسة المفوضية الأوروبية في باريس الجمعة بمناسبة تكريم جاك تايلور الرئيس الأسبق للاتحاد الأوروبي في باحة قصر الأنفاليد (أ.ف.ب)

لكن ثمة من ربط بين إقصاء إيميه الذي يبلغ من العمر 65 عاماً والفشل الذي أصاب المخابرات الخارجية الفرنسية التي لم تنجح في اكتشاف واستباق وتدارك الانقلابات المتلاحقة التي شهدتها بلدان الساحل الثلاثة «مالي، بوركينا فاسو والنيجر» في الأعوام الأربعة المنصرمة والتي أفضت في نهاية المطاف إلى خروج فرنسا منها وإلى انحسار نفوذها في المنطقة. وستكون إحدى المهام المطلوبة من مدير المخابرات الخارجية الجديد أن يوفر للحكومة المعلومات والتحليلات التي تساعدها، بداية، على فهم ما حصل، والعمل بعد ذلك على استعادة بعض ما فقدته في منطقة بالغة الأهمية الاستراتيجية لباريس.

وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو بصحبة قائد الجيش اللبناني في قاعدة القوة الفرنسية في «اليونيفيل» بجنوب لبنان في 1 يناير (أ.ف.ب)

وبالنظر إلى مجريات الأعوام الأخيرة، فإن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه السياسة الفرنسية في 2024، في أفريقيا، تكمن في ترميم نفوذ باريس المفقود في منطقة كان معقوداً فيها اللواء لها رغم حصولها على الاستقلال في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وما سيفاقم صعوباتها أنها ستجد بمواجهتها دولاً منافسة جديدة أخذت تثبت حضورها في بلدان الساحل وفي أفريقيا بشكل عام، ومنها على الأخص روسيا والصين وتركيا.

ولعل من أبرز علامات الإخفاق الفرنسي أن باريس التي نشرت، في أوج حضورها في منطقة الساحل، قوة «برخان» التي وصل عددها إلى 5500 رجل متمتعة بدعم لوجيستي وجوي ومخابراتي، ومنتشرة في الدول الثلاث المشار إليها، أرغمت تباعاً على الخروج من مالي ثم من بوركينا فاسو، وأخيراً من النيجر، حيث رحل آخر جندي فرنسي يوم 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. كذلك، فإن باريس قررت إغلاق سفارتها في نيامي، وبررت الخارجية ذلك بالإشارة إلى «العقبات الخطيرة التي جعلت من المستحيل قيامها بمهامها مثل ضرب طوق حول مقر السفارة، وفرض قيود على تنقل الموظفين...».

متظاهرون في نيامي بالنيجر بمناسبة لقاء رؤساء حكومات النيجر وبوركينا فاسو ومالي في 29 ديسمبر الماضي (رويترز)

لم يتبق للقوة الفرنسية السابقة في الساحل من ملجأ سوى تشاد التي سحبت القيادة الفرنسية غالبية القوة التي كانت منتشرة في النيجر «1500 رجل مع أسلحتهم ومعداتهم» إلى قاعدتها الرئيسية في نجامينا القريبة من مطار العاصمة التشادية. والمشكلة الحقيقية لباريس التي غضت الطرف عن الشكل غير الدستوري لانتقال السلطة الذي جرى في نجامينا بعد مقتل الرئيس أدريس ديبي، وتسلم ابنه الكولونيل محمد الرئاسة، أنها تواجه هناك أيضاً معارضة شعبية، ومن الصعب استجلاء ما ستكون عليه هذه المعارضة في الأشهر المقبلة. وليس سراً أن سهام الانتقاد وجهت لفرنسا بقوة بسبب ما عدّ «ازدواجية المعايير» في التعاطي مع الحركات الانقلابية التي حدثت في بلدان الساحل، حيث رفضتها بقوة كما حدث في النيجر، بينما غضت الطرف عنها في مكان آخر كما في تشاد.

حقيقة الأمر، كما يقول دبلوماسي فرنسي سابق في أفريقيا، أن الخطاب الرسمي الفرنسي الذي يتحدث عن عهد جديد في العلاقة مع القارة السمراء بقي في الحيز الخطابي، ولم يُترجم إلى واقع ملموس؛ فالانقلابات التي جرت في البلدان الثلاثة ما كان لها أن تحدث لو لم تكن تعاني من مشكلات متداخلة وثلاثية الأبعاد: عسكرية وسياسية واقتصادية.

متظاهرون يرفعون علماً روسياً في نيامي 3 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

في السياق الأول، تجدر الإشارة إلى أن حصول الدول الأفريقية على استقلالها لم يترافق مع انعدام التدخل العسكري فيها؛ فالقوات الفرنسية تدخلت عسكرياً في كثير من البلدان الأفريقية ومنها موريتانيا وليبيا وتشاد وتوغو والكاميرون وجمهورية وسط أفريقيا وزائير ورواندا وجزر القمر... بالإضافة إلى البلدان الأربعة في منطقة الساحل المذكورة سابقاً.

وما يميز العمليات العسكرية التي جرت منذ 10 سنوات والتي انطلقت في مالي عام 2013، وامتدت في العام الذي تلاه إلى بوركينا فاسو والنيجر وتشاد، أنها كانت تركز على محاربة الإرهاب، بينما العمليات الأولى كان هدف غالبيتها مساعدة أنظمة صديقة لفرنسا والحيلولة دون سقوطها. والحال، أن عملية «سيرفال» في مالي عام 2013 «التي تحولت لاحقاً إلى (برخان)، وشملت دول الساحل الأربع» عُدت ناجحة؛ لأنها حمت العاصمة باماكو، وأجبرت المتمردين على الانكفاء إلى أقصى شمال البلاد. والدليل على ذلك أن الرئيس السابق فرنسوا هولند، الذي أمر بإرسال الجيش إلى مالي، استُقبل لاحقاً في العاصمة باماكو استقبال الأبطال المحررين.

جنود فرنسيون يغادرون نيامي في 22 ديسمبر (رويترز)

لكن بعد مرور 10 سنوات على إطلاق «سيرفال» ثم «برخان»، لا يبدو أن مهمة محاربة الإرهاب قد تُوجت بالنجاح، رغم أن القوة الفرنسية نجحت في القضاء على عدد من قادة التنظيمات الجهادية والإرهابية. فبعد شمال ووسط مالي، فإن هذه التنظيمات أخذت تهدد بوركينا فاسو والنيجر، بل إنها تمددت نحو بلدان خليج غينيا ومنها شاطئ كوت ديفوار وبنين وتوغو.

ويرى الباحث في العلاقات الدولية أيلي تينينبوم، في تفسير الفشل الفرنسي، أن «برخان» كان يُفترض بها «أن ترافق مساراً سياسياً، واجتماعياً واقتصادياً، وأن توفر المهلة الزمنية الكافية للسلطات المحلية حتى تسوي المشكلات التي تتغذى منها المنظمات الإرهابية والجهادية». والحال، أن هذا المسار إما لم ير النور مطلقاً، وإما أن مفاعيله كانت محدودة. وقد فتح ذلك الباب أمام الدعاية المعادية لفرنسا والتي ذهبت إلى حد اتهام باريس بـ«التواطؤ» مع هذه التنظيمات. أما السبب الآخر فهو عسكري محض أساسه أن عدد القوة الفرنسية الذي تأرجح ما بين 4 و5 آلاف عنصر لم يكن قط كافياً لتغطية 3 بلدان تبلغ مساحتها الإجمالية 2754 مليون كيلومتر مربع، لكن كثيراً من سكان الساحل كان يتساءل، وفق الباحث الأفريقي باب داكومو، كيف أن جيشاً مثل الجيش الفرنسي المجهز بأحدث الأسلحة، يعجز عن القضاء على مئات عدة من العناصر المتمردة.

بيد أن خروج القوة الفرنسية من البلدان الثلاثة المذكورة لم يعن أبداً تراجع الهجمات الإرهابية. ففي بوركينا فاسو، تتواصل الهجمات التي تقوم بها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» ضد قواعد الجيش النيجري. وفي الأسبوع الماضي وحده، قُتل العشرات من أفراده في 4 هجمات متلاحقة قامت بها الجماعة المذكورة. ويتستر المجلس العسكري على الخسائر في صفوف قواته.

وما يحدث في واغادوغو يحدث مثله في النيجر. أما في مالي، فإن سلطاتها التي استدعت ميليشيا «فاغنر» لتحل محل القوة الفرنسية، فإنها تعاني بدورها من استمرار الهجمات الإرهابية. ويعبر الدبلوماسي المشار إليه سابقاً أن أنظمة الساحل «ليست قادرة بقدراتها الذاتية على وضع حد لتمدد الهجمات الإرهابية من غير مساعدة غربية متعددة الأشكال»، رغم أنها عمدت إلى «تشكيل تحالف» في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بعنوان «تحالف بلدان الساحل» ذات الأنظمة العسكرية، وهدفه مكافحة الإرهاب والإيفاء بـ«واجب المساعدة والإغاثة» ضد أي اعتداء.

متظاهرون يرفعون علماً روسياً في نيامي 3 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

أما بالنسبة لـ مالي تحديداً، فإن انسحاب القوة الفرنسية «برخان» ترافق مع انسحاب قوة «الكوماندوز» الأوروبية المسماة «تاكوبا» وانسحاب جزء كبير من القوة الدولية التي كانت ترابط في مالي لتمكين الحكومة من بسط سلطاتها. ورغم أن خروج القوة الفرنسية من النيجر لم يستتبعه خروج قوة أكثر تواضعاً إيطالية ــ ألمانية، مع بقاء القوة الجوية الأميركية في قاعدتيها في النيجر، فإنه لا أحد يبدو في الأفق من الغربيين للحلول ميدانياً محل الفرنسيين في الساحل ما يترك الباب مفتوحاً لاستقواء نفوذ الدول المنافسة للغربيين. ومن الأدلة على ذلك أن موسكو سارعت إلى إعادة تنظيم صفوف «فاغنر» وإعطائها تسمية جديدة «أفريكا كوربس أو القوة الأفريقية»، ما يدل على رغبتها في الاستفادة من الفراغ الفرنسي في المنطقة وعزمها على تعزيز حضورها رغم غياب قائدها التاريخي يفغيني بريغوجين. ومنذ اليوم يبدو الحضور الروسي ظاهراً في مالي، وأيضاً في بوركينا فاسو.



7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.