كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الانقلابات في أفريقيا؟

عقلانية للحفاظ على مصالح الغرب المهددة

 وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال قمة أميركا أفريقيا العام الماضي (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال قمة أميركا أفريقيا العام الماضي (أ.ب)
TT

كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الانقلابات في أفريقيا؟

 وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال قمة أميركا أفريقيا العام الماضي (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال قمة أميركا أفريقيا العام الماضي (أ.ب)

علقت الولايات المتحدة، الاثنين، كل مساعدتها إلى دولة الغابون إثر انقلاب عسكري وقع نهاية أغسطس الماضي، القرار نفسه سبق أن اتخذته في انقلابات وقعت في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ولكن الأميركيين ظلوا أكثر مرونة من حلفائهم الأوروبيين في التعامل مع انقلابات أفريقيا، التي توصف بأنها بوابات تسعى روسيا للعبور منها نحو قارة غير مستقرة ومليئة بالموارد.

المرونة الأميركية ظهرت حين أبدى مسؤول أميركي في حديث مع صحيفة «فاينانشيال تايمز»، نهاية الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة تنوي إقامة علاقات رسمية مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر، وهو ما تزامن مع عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على أعضاء هذا المجلس.

الصحيفة الأميركية نقلت عن جود ديفيرمونت، مسؤول الشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي الأميركي، قوله: «نتعامل مع المنطقة بطرق تتفق مع قوانيننا، حتى نتمكن من الاستمرار في ضمان أن تكون المنطقة آمنة».

لا شك أن النيجر هي محور الاستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل، ولكنها دولة ذات موقع استراتيجي لن تفرط فيه الولايات المتحدة بسهولة، وتتركها تتجه نحو التحالف مع روسيا كما فعلت مالي وبوركينا فاسو، ذلك ما يؤكده المحلل السياسي المهتم بشؤون منطقة الساحل، المختار ولد الشين في حديث مع «الشرق الأوسط».

وقال ولد الشين في تعليق على الموقف الأميركي من الانقلابات في أفريقيا، وخاصة انقلاب النيجر، إنه «كان موقفاً عقلانياً، ربما بسبب وجود القاعدة العسكرية الأميركية في أغاديز شمالي النيجر (خاصة بالمسيّرات)، وهي قاعدة مهمة جداً من الناحية الاستراتيجية؛ لأنها تراقب منطقة الساحل والجزائر وليبيا، وكذلك دول غرب أفريقيا عموماً، ويوجد فيها نظام استخباراتي مفيد جداً للولايات المتحدة الأميركية».

وأضاف المحلل المهتم بشؤون منطقة الساحل أن «أهمية هذه المنطقة جعلت الولايات المتحدة أكثر واقعية، أولاً من أجل الاستمرار في محاربة الإرهاب، وثانياً لصد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة».

وقال ولد الشين إن «النيجر بلد محوري، له حدود مع بوركينا فاسو ومالي، حيث يتزايد النفوذ الروسي، وله حدود مع ليبيا والجزائر، حيث تمر قوات (فاغنر) حين تكون في طريقها من روسيا إلى مالي».

وأضاف أن الولايات المتحدة منحت المجلس العسكري في النيجر فرصة لاختيار شركائه، وتوضيح عدم توجهه نحو روسيا، وبعد ذلك «كان لزاماً على الولايات المتحدة، وخاصة وزارة الخارجية، أن تطبق القانون الأميركي، وهو قانون 7008 الذي يحرم على الولايات المتحدة التعامل مع الأنظمة التي تصل إلى السلطة بطريقة غير ديمقراطية».

مسؤولة أميركية تسلم طائرة عسكرية لسلطات النيجر مطلع 2023 (صحافة محلية)

يعني ذلك أن النيجر قد خسرت «المساعدات (MCC) والتي تقدر بنحو 442 مليون دولار، ستظل مجمدة حتى يسلم المجلس العسكري السلطة إلى المدنيين، عقب انتخابات ديمقراطية»، إلا أن الأميركيين أبقوا على «الأبواب مفتوحة مع المجلس العسكري، خاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، وصلتهم قوية بقائد أركان الجيوش في النيجر».

القوات الأميركية الموجودة في النيجر لم تغادر البلد، حتى إن بعض المحللين يعتقدُ أن الولايات المتحدة هي البديل الذي توجه إليه قادة النيجر الجدد بعد طرد الفرنسيين، ولكن المختار ولد الشين يعتقدُ أن هنالك تحالفاً قوياً بين فرنسا والولايات المتحدة حول كل ما يجري في المنطقة، وقال: «الانقلابات حدثت في منطقة النفوذ الفرنسي السابق، والولايات المتحدة الأميركية متحالفة مع فرنسا لأسباب استراتيجية وسياسية، وفرنسا صاحبة الكلمة الأولى ورأيها يؤخذ بعين الاعتبار في واشنطن، لا سيما الآن مع وجود الديمقراطيين في الحكم، خاصة أن وزير الخارجية الأميركي درس في فرنسا، ومقرب جداً من الدوائر السياسية الفرنسية».

وأكد ولد الشين أن الموقف الأميركي مرهون بمواقف الحلفاء الأوروبيين، وخاصة فرنسا، وهم الحاضرون في المنطقة منذ القرن التاسع عشر، وبالتالي توقع ولد الشين أن يحتفظ الموقف الأميركي بعقلانيته في التعامل مع الانقلابات الأفريقية، حفاظاً على المصالح الغربية، بعد تراجع النفوذ الفرنسي، وقال: «أتوقع أن تبقي الولايات المتحدة على القنوات مفتوحة مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر، حتى ولو ارتفعت لهجة التصعيد؛ لأن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تدعو إلى تفهم الظروف التي تمر بها النيجر، من أجل تنظيم مرحلة انتقالية تشرف عليها شخصية مستقلة».


مقالات ذات صلة

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
TT

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوات العسكرية والقوات شبه العسكرية المتحاربة في السودان، أمس الثلاثاء، بـ«تمكين المجازر» التي أودت بحياة أكثر من 24 ألف شخص، وخلفت أسوأ أزمة نزوح في العالم.

وقالت ديكارلو، لمجلس الأمن الدولي: «هذا أمر لا يمكن تصوره». وأضافت: «إنه غير قانوني، ويجب أن يتوقف»، وفق ما نقلت «وكالة الأنباء الألمانية».

ولم تُسمِّ الدول التي تقول إنها تُموّل وتُزوّد بالأسلحة الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» شبه العسكرية، لكنها قالت إن هذه الدول تتحمل مسؤولية الضغط على الجانبين للعمل نحو تسوية تفاوضية للصراع.

وانزلق السودان في الصراع، منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، عندما اندلعت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين القادة العسكريين والقادة شبه العسكريين في العاصمة الخرطوم، وانتشرت إلى مناطق أخرى، بما في ذلك غرب دارفور، التي عانت العنف والفظائع في عام 2003. وحذّرت «الأمم المتحدة» مؤخراً من أن البلاد على حافة المجاعة.