تعهّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، بأن يبدأ البرلمان، اعتباراً من الخريف، البحث في استراتيجية فرنسا في أفريقيا وفي منطقة الساحل، حيث يثير الانتشار العسكري الفرنسي تنديد عدة دول. وفي رسالة وجّهها إلى قادة أحزاب سياسية التقاهم في 30 أغسطس (آب)، اعتبر ماكرون أن «الحوار بشأن أفريقيا سمح بالتطرق إلى الوضع في دول عدة، خصوصاً في منطقة الساحل»، كما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وخُصّص الجزء الأول من هذا اللقاء بين ماكرون ومسؤولي الأحزاب السياسية للبحث في الوضع على الساحة الدولية وتداعياته في فرنسا. وبعد مالي وبوركينا فاسو، تجد فرنسا نفسها في وضع حساس جداً في النيجر، حيث ندد العسكريون الانقلابيون بالاتفاقيات الدفاعية التي تربط بلدهم بباريس، وطالبوا فرنسا بسحب نحو 1500 جندي متمركزين في البلاد.
أزمة النيجر
تستعدّ القوات الفرنسية المنتشرة في النيجر لسحب أعتدة لم تعد تستخدمها، بعدما علّق الجيش النيجري تعاونه معها إثر الانقلاب الذي أوصل إلى الحكم في نيامي سلطة ترفض باريس الاعتراف بها، وذلك بانتظار أن يبتّ الإليزيه مصير هذه القوات.
وأقرّت وزارة الجيوش الفرنسية، الثلاثاء، بوجود «محادثات» بين الجيشين النيجري والفرنسي حول «سحب بعض العناصر العسكرية» من النيجر، فيما يطالب قادة الانقلاب في نيامي برحيل القوات الفرنسية بأكملها. وأكّدت بذلك الوزارة ما أعلنه رئيس وزراء النيجر الذي عيّنه النظام العسكري علي محمد الأمين زين. ويشكّل هذا التصريح عودة عن الموقف الحازم الذي اتّخذته باريس حتى الآن، والذي أصرّت فيه على عدم الاعتراف بالسلطات الجديدة في نيامي بعد إطاحة الرئيس محمد بازوم، حليف فرنسا. وعلى الرّغم من قرار السلطات المنبثقة من الانقلاب إلغاء العديد من اتفاقيات التعاون العسكري المبرمة مع فرنسا ودعوتها إلى «انسحاب سريع» للقوات الفرنسية، فإن باريس استبعدت حتى الآن الرحيل عن النيجر حيث لا يزال السفير موجوداً في سفارتها في نيامي رغم تهديده بالطرد. لكن يبدو أنّ القوات العسكرية رضخت للأمر الواقع؛ فمنذ وصل إلى السلطة في نيامي عسكريون يعارضون وجود 1500 جندي وطيار فرنسي في البلاد، توقّفت العمليات. فالمسيّرات والمقاتلات والمروحيات مُسَمَّرة في قاعدة نيامي الجوية، في حين أنّ جنود المشاة المنتشرين مع مدرّعاتهم في قاعدتي ولام وأيورو الأماميتين، والذين عادة ما يدعمون عمليات النيجر ضدّ الإرهابيين، لا يبارحون مكانهم. وهكذا فإن «مسألة إبقاء بعض من قواتنا مطروحة»، بحسب وزارة الجيوش.
تموقع القوات
ومن المحتمل أن تسحب فرنسا من النيجر قسماً من العديد والعتاد المخصّص لمكافحة الإرهاب والمجمّد حالياً بسبب الوضع السياسي الراهن بين باريس ونيامي. ويرّجح أن يتمّ هذا الانسحاب عبر كوتونو في بنين، باتجاه فرنسا وتشاد المجاورة التي تستضيف قيادة الجيش الفرنسي في منطقة الساحل، أو حتى نحو مناطق أخرى تكافح فيها باريس الجهاديين، مثل الشرق الأوسط، بحسب مصادر متطابقة. وعلى نطاق أوسع، لا تزال قضية مدى الانسحاب مفتوحة، بحسب مصادر عسكرية وسياسية فرنسية متطابقة. وتنتظر باريس لترى ما إذا كانت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي دانت الانقلاب وفرضت عقوبات شديدة على النيجر، وهدّدت بالتدخل عسكرياً، قادرة على تحقيق نتائج. وقال مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن بالمنظمة الإقليمية عبد الفتاح موسى، لقناة «فرانس 24»، إن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لا تريد «تكرار تجارب مالي وغينيا وبوركينا فاسو» في النيجر، عندما تمّ التفاوض على فترات انتقالية مع الانقلابيين، مشيراً إلى أن الأولوية هي «للوساطة». وأوضحت مصادر في باريس أن العامل الثاني الذي يدفع فرنسا إلى كسب الوقت هو الخلافات بين الانقلابيين في النيجر، والتي قد تؤدّي إلى تفكّك القوة العسكرية الموجودة وبالتالي حل الأزمة. وجاءت هذه الأزمة الجديدة في النيجر بعدما أصيبت فرنسا بخيبات عسكرية ودبلوماسية في مالي وبوركينا فاسو. ويطالب بعض المقرّبين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ«تغيير الموقف» لدى العسكريين المتمسّكين بالحفاظ على وجود دائم أو حتى تخفيضه في غرب أفريقيا، في حين أن «التبادلات التجارية مع هذه البلدان ضئيلة»، على ما أفاد أحدهم.