انقلابيو الغابون يسرعون تطبيع سلطتهم

فرنسا في وضع حرج بالنيجر مع انتهاء مهلة سحب قوتها

شرطي أمام مدخل القاعدة الجوية النيجرية الفرنسية بنيامي في 30 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)
شرطي أمام مدخل القاعدة الجوية النيجرية الفرنسية بنيامي في 30 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)
TT

انقلابيو الغابون يسرعون تطبيع سلطتهم

شرطي أمام مدخل القاعدة الجوية النيجرية الفرنسية بنيامي في 30 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)
شرطي أمام مدخل القاعدة الجوية النيجرية الفرنسية بنيامي في 30 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

أزاح الانقلاب العسكري في الغابون بقيادة الجنرال بريس أوليغي نغيما، رئيس الحرس الجمهوري السابق، الانتباه مؤقتاً عن تطورات المشهد السياسي المعقد في النيجر. وتبدو الأمور في ليبرفيل سائرة لصالح الانقلابيين في الداخل والخارج. وعلى الرغم من إدانة العمل الانقلابي نفسه وتجميد عضوية الغابون في الاتحاد الأفريقي، فإن الانقلابيين يسعون للإسراع في تثبيت أقدامهم بالسلطة. فالجنرال أوليغي نغيما، سيصبح الاثنين المقبل، رسمياً، رئيساً للبلاد، تحت اسم «رئيس المرحلة الانتقالية»، بعد أن يقسم اليمين أمام المجلس الدستوري الذي أعيد إحياؤه مؤقتاً بعد أن كان المجلس العسكري الذي تولى قيادة البلاد عقب الإطاحة بالرئيس علي بونغو، قد حل «كل مؤسسات الدولة»، ومن بينها المجلس المذكور.

الجنرال بريس أوليغي نغيما يفسح المجال للرئيس عمر بونغو الذي يتحدث مع وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير في 8 يونيو 2007 (أ.ف.ب)

ومن المرتقب أن يعمد الانقلابيون، في الأيام القليلة المقبلة، إلى إنشاء المؤسسات الانتقالية على مراحل، ومن بينها تشكيل حكومة جديدة لم يعرف حتى اليوم ما إذا كان ستعهد رئاستها إلى مدني على غرار ما فعل انقلابيو النيجر، أم لا. ومن بين الصعوبات الداخلية التي يرجح أن تواجههم، العلاقة مع المعارضة التي تطالب باستكمال فرز أصوات الانتخابات الرئاسية التي جرت السبت الماضي، حيث تؤكد أن مرشحها الرئيسي ألبيرت أوندو أوسا هو الفائز الفعلي بها، وأن النتائج التي أفادت بأن الرئيس المخلوع حصل على نسبة 64.27 بالمائة من الأصوات مزورة. بيد أن الانقلابيين أعلنوا إلغاء الانتخابات بكليتها اقتراعاً ونتائج ما يعني أنهم، مبدئياً، لن يستجيبوا لطلب المعارضة، خصوصاً أنهم أعلنوا عن الانطلاق بمرحلة انتقالية لم يحددوا مدتها يفترض أن تجري بنهايتها الانتخابات الجديدة.

رئيس الغابون المخلوع علي بونغو وزوجته سيلفيا في 10 يوليو 2023 (أ.ف.ب)

وبالمقابل، فإن الانقلابيين يحظون بدعم شعبي تعكسه المظاهرات المؤيدة لهم في العاصمة السياسية ليبرفيل والعاصمة الاقتصادية بورجانتيل والمدن الأخرى. ومن مظاهر الارتياح للانقلاب إعادة تشغيل الإدارات وإعادة خدمة الإنترنت والتصريح لوسائل الإعلام الفرنسية بمعاودة العمل بشكل طبيعي. والأمر الوحيد المتبقي من الإجراءات السابقة منع التجول لفترات الليل «حفاظاً على الهدوء والاستقرار». أما على الصعيد الخارجي، فإنه من الواضح أن انقلاب الغابون لم يلقَ التنديد الذي واجه انقلابيي النيجر ولا الإجراءات العقابية التي انصبت عليهم. والسبب الرئيسي لهذا «التسامح» القناعة المتجذرة بأن الانتخابات الرئاسية افتقدت النزاهة والشفافية، وهو ما ظهر في التصريحات والبيانات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول رئيسية أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا... فضلاً عن ذلك، فإن تفرد عائلة بونغو؛ الأب عمر والابن علي، بالسلطة وبرئاسة الجمهورية منذ عام 1965، وبمقدرات البلاد، يجعل الدفاع عنهم أمراً بالغ الصعوبة. من هنا، فإن التنديد بالانقلاب لم يتخطَّ الحد الأدنى، بحيث لم تفرض على الغابون أي عقوبات؛ لا أفريقية ولا دولية.

نيجري يمر على دراجته بجانب السفارة الفرنسية في نيامي الجمعة (إ.ب.أ)

مقابل «الانسيابية» في الغابون، يبدو الوضع في النيجر مقبلاً على توترات كبيرة عنوانها اليوم، كما بالأمس، الارتطام بين الانقلابيين والسلطات الفرنسية. وآخر مستجداتها طلب النظام العسكري من الأجهزة الأمنية تنفيذ قرار طرد السفير الفرنسي في نيامي، سيلفان أيتيه، بعد أن انقضت المهلة التي أعطيت له لترك البلاد. وكتبت الخارجية النيجرية لنظيرتها الفرنسية، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، أن قرار الطرد «لا رجعة عنه». وترفض باريس الاستجابة لطلب الحكومة النيجرية، لأنها تعدّ أن السلطة النيجرية العسكرية «غير شرعية»، كما أنها ترفض الاستجابة لطلب ترحيل القوة الفرنسية المرابطة في النيجر.

ويستضيف الشق العسكري من مطار نيامي الدولي القسم الأكبر من القوة الفرنسية التي تجاور هناك وحدات أميركية وأوروبية. وتستبعد باريس أن تلجأ قوات الأمن النيجرية إلى استخدام القوة لطرد السفير وعائلته. واستبقت باريس أي نية نيجرية عدائية بتحذير شديد اللهجة جاء الخميس، على لسان متحدث باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية الكولونيل بيير غوديير، إذ أعلن أن «القوات العسكرية الفرنسية مستعدة للرد على أي تصعيد للتوتر من شأنه تقويض الوجود العسكري والدبلوماسي الفرنسي في النيجر»، وأن «الإجراءات اللازمة اتُخِذت لحماية» هذا الوجود. وتستبعد مصادر فرنسية واسعة الاطلاع أن تنفذ نيامي تهديداتها، عادة أن أمراً كهذا سيكون بمثابة «تصرف أحمق لأنه يوفر الحجة لفرنسا للتدخل عسكرياً».

شرطي أمام مدخل القاعدة الجوية النيجرية الفرنسية بنيامي في 30 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

العزلة الفرنسية في ملف النيجر

بيد أن الاستحقاق المقلق في العلاقات الفرنسية - النيجرية يتمثل في انتهاء مهلة الشهر التي أعطيت لباريس لسحب قوتها من النيجر يوم الأحد. ومن المنتظر أن يلبي الآلاف دعوة المجلس العسكري للتجمهر قريباً من القاعدة الفرنسية في نيامي، وأن يواظبوا على ذلك حتى يتم الانسحاب. ومصدر التخوف يكمن في احتمال حصول حادث دموي بين الطرفين من شأنه إخراج الأمور عن السيطرة.

ويبدو واضحاً اليوم أن من فوائد انقلاب الغابون أنه أبعد التدخل العسكري عن النيجر، لأنه لن يكون مفهوماً أن يتم التعاطي مع انقلابيي الغابون بـ«سلاسة»، بينما يتم اللجوء إلى التدخل العسكري في النيجر لإعادة الانتظام الدستوري والرئيس محمد بازوم إلى سدة السلطة.

وبيّن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الخميس، في طليطلة، عزلة فرنسا التي تنهج الخط الأكثر تشدداً إزاء عسكر النيجر. والدليل على ذلك تصريح جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الذي أعلن عقب الاجتماع، أن وزراء الخارجية كانوا «بالغي الوضوح، مؤكدين أن الأولوية يجب أن تعطى للحل الدبلوماسي». ورفض الأوروبيون طلب ممثل المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)، توفير دعم عسكري ومالي ولوجيستي للعملية العسكرية التي يمكن أن تقوم بها هذه المجموعة في النيجر.

وكانت ملفتة للنظر تصريحات الرئيس النيجيري بولا تينوبو، أول من أمس، الذي اقترح في بيان على الانقلابيين مهلة 9 أشهر لمرحلة انتقالية يعمدون بنهايتها إلى إعادة السلطة إلى المدنيين. وعلى الرغم من أن تينوبو يرأس راهناً «إيكواس»، فإن الأخيرة ردت ببيان نفت فيه عرض الرئيس النيجيري وطالبت بإطلاق سراح الرئيس بازوم فوراً وتمكينه من استعادة سلطاته، وكذلك العودة إلى الانتظام الدستوري. والعنصر الجديد في هذا الجدل يتمثل في التوجه «المعتدل» للرئيس النيجيري الذي كان من بين صقور الدعوة إلى تدخل عسكري. ويتوازى مقترحه مع المبادرة التي أطلقتها الجزائر والتي اقترحت مرحلة انتقالية من 6 أشهر. ومن جانبهم، سبق للمجلس العسكري أن اقترح 3 سنوات للمرحلة الانتقالية.

ويبدو واضحاً اليوم أن الدعوة لحل دبلوماسي لها الغلبة على الدعوات الحربية المتراجعة. ومن العناصر التي تدفع في هذا الاتجاه الجهود التي تبذلها واشنطن التي أرسلت مولي في، مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، في جولة موسعة إلى أفريقيا. وأفاد بيان صادر عنها، بأن الموفدة زارت نيجيريا وتشاد وغانا، كما أجرت مشاورات مع مسؤولين رفيعي المستوى في بنين وساحل العاج والسنغال وتوغو، وناقشت الدعم الأميركي للمجموعة الاقتصادية لـ«إيكواس». وليس سراً أن واشنطن لا ترى حلاً غير دبلوماسي لأزمة النيجر، الأمر الذي أثار حفيظة باريس ودفع الرئيس ماكرون إلى انتقادها علناً.


مقالات ذات صلة

حملة واسعة ضد مشتبهين بدعم «حركة غولن» في ذكرى محاولة الانقلاب بتركيا

شؤون إقليمية قوات الأمن التركية تنفذ حملة موسعة على مشتبهين بدعم «حركة غولن» في ذكرى محاولة الانقلاب عام 2016 (الداخلية التركية)

حملة واسعة ضد مشتبهين بدعم «حركة غولن» في ذكرى محاولة الانقلاب بتركيا

اعتقلت السلطات التركية 306 أشخاص في عملية أمنية موسعة استهدفت مشتبهين بدعم «حركة غولن» في الذكرى التاسعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية قوات الأمن ومكافحة الإرهاب التركية نفذت حملة واسعة ضد متهمين بالارتباط بحركة غولن في الجيش والشرطة (إعلام تركي)

تركيا توقف عشرات الجنود بالجيش والشرطة لارتباطهم بـ«حركة غولن»

أوقفت قوات الأمن التركية 65 جندياً وشرطياً لارتباطهم بما يسمى «منظمة فتح الله غولن الإرهابية» في إشارة لحركة «الخدمة» المتهمة بمحاولة انقلاب فاشلة في 2016.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جندي يوجه سلاحه فوق دبابة خلال محاولة الانقلاب بأنقرة في 16 يوليو 2016 (رويترز) play-circle

تركيا تصدر 63 مذكرة توقيف ضد عسكريين لصلتهم بمحاولة الانقلاب عام 2016

أصدرت النيابة العامة في تركيا، يوم الجمعة، مذكرات توقيف بحق 63 عسكرياً في الخدمة الفعلية، على خلفية صلتهم بجماعة متهمة بمحاولة انقلاب عام 2016.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية الملازمون المتخرجون حديثاً في أغسطس الماضي خلال أداء قسم الولاء لأتاتورك رافعين سيوفهم (أرشيفية - إكس)

تركيا: غضب واسع بعد فصل ضباط من الجيش أدوا قسم الولاء لأتاتورك

أشعل إعلان وزارة الدفاع التركية فصل 5 ضباط جدد برتبة ملازم و3 من رؤسائهم المباشرين من الخدمة، بسبب أداء قسم الولاء لأتاتورك، غضباً واسعاً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا أحزاب المعارضة تتقدم بطلب لعزل الرئيس (رويترز)

ضغوط على رئيس كوريا الجنوبية للتنحي

واجه رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، أمس، ضغوطاً تطالبه بالتنحي من منصبه، وذلك بعد ساعات من إلغائه الأحكام العرفية التي فرضها لفترة وجيزة، ودفعت قوات الجيش.

«الشرق الأوسط» (سيول)

إعلان المبادئ بين الكونغو وحركة «23 مارس» يدفع جهود السلام

مراسم توقيع إعلان مبادئ بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة «23 مارس» (الخارجية القطرية)
مراسم توقيع إعلان مبادئ بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة «23 مارس» (الخارجية القطرية)
TT

إعلان المبادئ بين الكونغو وحركة «23 مارس» يدفع جهود السلام

مراسم توقيع إعلان مبادئ بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة «23 مارس» (الخارجية القطرية)
مراسم توقيع إعلان مبادئ بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة «23 مارس» (الخارجية القطرية)

شهدت الكونغو الديمقراطية خطوة جديدة نحو إقرار السلام في منطقة البحيرات العظمى، بإعلان الدوحة توصّل كينشاسا والمتمردين في شرق البلاد إلى إعلان مبادئ لإنهاء 3 عقود من العنف.

يأتي هذا الإعلان، الذي رعته قطر، بعد نحو شهر من دعم واشنطن لاتفاق بين كينشاسا وكيغالي الداعمة لمتمردي شرق الكونغو، ويراها خبير في الشأن الأفريقي تحدّث لـ«الشرق الأوسط» لحظة مهمة في تاريخ السلام بتلك المنطقة، ودفعة حاسمة تتطلب مزيداً من التفاهمات لإنهاء دائم للعنف.

التزامات متبادلة

تُعدّ حركة «23 مارس»، المدعومة من رواندا المجاورة، الأبرز بين أكثر من 100 جماعة مسلحة، تقاتل من أجل السيطرة على شرق الكونغو الغني بالمعادن. ومع وجود 7 ملايين نازح في البلاد، وصفت الأمم المتحدة الصراع في شرق الكونغو الذي تصاعد منذ بداية 2025، بأنه «أحد أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً وخطورة على وجه الأرض».

عناصر من حركة «23 مارس» بملعب الوحدة في غوما شرق الكونغو (أ.ف.ب)

وأفادت وزارة الخارجية القطرية، في بيان صحافي، السبت، بأن بلادها «استضافت مراسم توقيع إعلان مبادئ بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية و(تحالف نهر الكونغو-حركة 23 مارس) بعد جهود امتدت لأشهر قليلة»، وعدتها «تطوراً مهماً ضمن المساعي الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار في إقليم شرق الكونغو».

وشمل إعلان المبادئ «التزامات متبادلة بين الجانبين، إضافة إلى إطار عام يُمهّد لانطلاق مفاوضات بنّاءة تهدف إلى التوصّل إلى اتفاق سلام شامل»، وفق وزارة الخارجية القطرية.

ومن المقرّر أن «تُستكمل المحادثات خلال المرحلة المقبلة، وبمشاركة فاعلة من الأطراف الإقليمية والدولية، بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي وشامل يُكرّس الأمن والاستقرار في المنطقة»، حسب الدوحة. كما سيتم توقيع اتفاق سلام نهائي في موعد أقصاه 18 أغسطس (آب) المقبل، ويجب أن يتوافق مع اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا، الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية في يونيو (حزيران) الماضي، وفقاً لنسخة من الإعلان أوردتها وكالة «أسوشييتد برس».

«منعطف نوعي»

يرى المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن إعلان المبادئ «يُشكّل منعطفاً نوعيّاً في تاريخ الصراع الذي طال أمده في شرق البلاد، ولا يعبّر فقط عن لحظة توافق سياسي نادرة، بل يعكس أيضاً تحوّلاً تدريجيّاً في بنية التعاطي، مع نزاع عُرف بتشابكه وتعقيداته البنيوية والأمنية والإثنية ودفعة مهمة للسلام».

ويعتقد أن «مستقبل هذا الإعلان مرهون بمدى تحوّله من نصّ سياسي إلى مسار عملي، وهو رهن أيضاً بقدرة الرعاية القطرية، على لعب دور توافقي يُقنع الأطراف المتنازعة بجدوى الانخراط في تسوية طويلة الأمد». و«إذا ما كُتب لهذا المسار أن يستمر، فقد لا يعني فقط نهاية أحد أخطر النزاعات في القارة، بل قد يشكّل نموذجاً جديداً لحل الأزمات الأفريقية بالوسائل السياسية، بعيداً عن منطق الغلبة والسلاح»، وفق عيسى.

وفي هذا الإطار، يعتقد عيسى أن «إمكانية أن يُنهي الاتفاق بين حكومة الكونغو الديمقراطية و(حركة 23 مارس) عقوداً من العنف تبقى قائمة، لكنها مشروطة بسلسلة من التحوّلات العميقة التي تتجاوز حدود الورقة الموقعة»، مؤكداً أن «الاتفاق بحد ذاته لا يشكّل حلّاً، بل يمثّل فرصة نادرة لكسر حلقة العنف، إذا ما توفرت الإرادة السياسية الكافية، والإجراءات العملية المرافقة له. ما يميّز هذا الاتفاق أنه يأتي في ظرف إقليمي ودولي أكثر استعداداً للاستماع والمواكبة، لكنه سيظل هشّاً ما لم يُترجم إلى مسار شامل يُعالج جذور الأزمة، بدلاً من الاكتفاء بإسكات البنادق لإنهاء العنف المستدام».

ورحّب الاتحاد الأفريقي، السبت، بتوقيع الاتفاق. وأعلن رئيس مفوضية التكتل، محمد علي يوسف، في بيان أن «هذا التقدم الكبير يُمثّل محطة مهمة في الجهود المبذولة من أجل إحلال السلام والأمن والاستقرار بصورة دائمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة البحيرات العظمى».

وأكّد وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، محمد الخليفي، في مؤتمر صحافي، السبت، «التزام الدوحة بدعم مسارات الحل السياسي بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي، وبما يكمّل التقدّم المحرز بتوقيع اتفاق السلام بين حكومتي جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا في واشنطن بتاريخ 27 يونيو الماضي».

اتفاق كيغالي وكينشاسا

وأواخر يونيو الماضي، وقعت كيغالي وكينشاسا اتفاق سلام في واشنطن، ينص على إنشاء هيئة تنسيق أمني مشتركة لرصد التقدم، وتعهدتا فيه بوقف الدعم للمتمردين بالبلدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حفل التوقيع على اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا في البيت الأبيض الشهر الماضي (أ.ف.ب)

ودعا الاتفاق إلى «تحييد» القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، مع تأكيد وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه أندوهوجيريهي، خلال التوقيع الذي حضره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على ضرورة «إنهاء الدعم الحكومي (من الكونغو الديمقراطية لتلك القوات) نهائياً، وبشكل لا رجوع عنه، وقابل للتحقق»، ويجب أن يكون «أولوية قصوى». بينما سلطت نظيرته الكونغولية، تيريزا كاييكوامبا واغنر، الضوء على الدعوة في الاتفاق لاحترام سيادة الدولة، في إشارة لأهمية وقف دعم رواندا لـ«حركة 23 مارس».

ويرى المحلل السياسي التشادي أن اتفاق واشنطن بين رواندا والكونغو الديمقراطية، يفتح من حيث الشكل نافذة لتهدئة ممكنة، في منطقة ظلّت لعقود ساحة لصراعات دامية ومفتوحة، مؤكداً أن «التهدئة الممكنة لن تُقاس بعدد الأيام التي تمُرّ بلا اشتباك، بل بمدى قدرة الطرفين على بناء الثقة، وفتح قنوات تنسيق أمني شفافة، والالتزام بتفكيك البُنى المسلحة العابرة للحدود، وضمان عودة الدولة إلى المناطق التي غابت عنها لعقود».