انقلابات أفريقيا... تحولات داخلية يؤججها التنافس الدولي

استيلاء جديد على السلطة في الغابون بعد شهر من أحداث النيجر

قادة المجلس العسكري يحييون أنصارهم في نايمي (إ.ب.أ)
قادة المجلس العسكري يحييون أنصارهم في نايمي (إ.ب.أ)
TT

انقلابات أفريقيا... تحولات داخلية يؤججها التنافس الدولي

قادة المجلس العسكري يحييون أنصارهم في نايمي (إ.ب.أ)
قادة المجلس العسكري يحييون أنصارهم في نايمي (إ.ب.أ)

رفع استيلاء مجموعة من العسكريين في الغابون، الأربعاء، من غلة الانقلابات في أفريقيا، التي تشهد تناميا لافتا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في ظل اتساع لرقعة التحولات غير الدستورية، ووسط تنافس إقليمي ودولي يؤجج من عدوى الانقلابات في أكثر قارات العالم فقراً.

وظهرت مجموعة من كبار ضباط الجيش الغابوني على شاشة التلفزيون في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، وأعلنوا الاستيلاء على السلطة بعد وقت قصير من إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس علي بونغو أوديمبا بولاية ثالثة. وتصاعد التوتر وسط مخاوف من حدوث اضطرابات بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتشريعية، التي أجريت السبت الماضي، وسعى الرئيس علي بونغو أوديمبا من خلالها لتمديد قبضة عائلته المستمرة على السلطة منذ 56 عاماً، فيما ضغطت المعارضة من أجل التغيير في الدولة الغنية بالنفط.

«حزام الانقلابات»

وأحبطت الغابون انقلاباً عسكرياً في يناير (كانون الثاني) 2019 بعد أن استولى جنود لفترة وجيزة على محطة إذاعية وبثوا رسالة مفادها أن بونغو الذي عانى من جلطة قبلها بأشهر لم يعد صالحاً للمنصب، لكن تم تدارك الموقف بعد ساعات عقب مقتل اثنين ممن يشتبه في تدبيرهما الانقلاب واعتقال آخرين.

لقطة من الفيديو الذي بثه علي بونغو من مقر إقامته الجبرية حيث طالب أصدقاءه برفع أصواتهم (أ.ب)

انقلاب الغابون جاء بعد نحو شهر من انقلاب في النيجر القريبة؛ حيث احتجز قائد الحرس الرئاسي هناك الجنرال عبد الرحمن تياني، في 26 يوليو (تموز) الماضي، الرئيس محمد بازوم، وأعلن نفسه قائدا للمجلس العسكري الجديد.

ويرفع انقلاب الغابون حصيلة الانقلابات في القارة الأفريقية في غضون 3 سنوات فقط إلى 8 انقلابات عسكرية، إذ وقعت قبله 7 انقلابات معظمها في دول غرب أفريقيا، وهي المنطقة التي شهدت ما يزيد على 44 في المائة من الانقلابات العسكرية في القارة، ما دفع العديد من الباحثين إلى عدها «حزام الانقلابات» الأشهر بالقارة.

وتُعدّ القارة الأفريقية من أكثر مناطق العالم نشاطا في الانقلابات العسكرية. ومنذ سنوات ما بعد الاستقلال للدول الأفريقية في ستينات القرن الماضي، وقع أكثر من 200 انقلاب في القارة، إذ شهدت نحو 90 في المائة من الدول الأفريقية انقلابا واحدا على الأقل في تاريخها، وشكلت الانقلابات في أفريقيا ما يقرب من 36.5 في المائة من جميع الانقلابات على مستوى العالم.

حقائق

36.5%

حصة الدول الأفريقية من الانقلابات حول العالم.


ومنذ عام 2012، شهدت القارة الأفريقية ما يقرب من 45 انقلابا أو محاولة انقلابية على السلطة، وذلك بمعدل 4 انقلابات أو محاولات انقلابية في العام تقريبا.

ويرجع الدكتور محمد يوسف الحسن، الباحث السياسي التشادي، تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية، لا سيما في منطقة الغرب الأفريقي ودول جنوب الصحراء إلى جملة من العوامل، في مقدّمتها الأبعاد الاقتصادية وهشاشة المؤسسات السياسية، إضافة إلى تنامي الشعور الوطني المناهض لهيمنة القوى الاستعمارية القديمة.

لكن الحسن يضيف كذلك في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الانقلابات المتكررة في القارة الأفريقية «لا تعتمد فقط على العوامل الداخلية المتعلقة بتلك الدول التي تشهد انقلابات، لكنها ترتبط كذلك بتغير خريطة النفوذ الدولي في القارة»، لافتا إلى أن «معظم الدول التي شهدت انقلابات في السنوات الأخيرة كانت تخضع للهيمنة الفرنسية».

ويعد الباحث السياسي التشادي أن تلك الانقلابات تُمثّل «وسيلة احتجاج على الهيمنة الفرنسية التي غالبا ما كانت الحليف السياسي الأقوى للأنظمة المنقلَب ضدها»، وهو ما يراه كذلك مؤشراً على تراجع القبضة الفرنسية في القارة لصالح قوى صاعدة على الساحة الدولية والأفريقية وفي مقدمتها الصين، وروسيا، التي باتت «ملاذا وبديلا جاهزا لدعم الأنظمة الجديدة»، على حد وصفه.

رفض النخب

وشهدت مالي وبوركينافاسو انقلابات عسكرية عامي 2021 و2022 على التوالي، واستعانت المجالس العسكرية في هذين البلدين بمرتزقة «فاغنر»، كما تظاهر الآلاف في النيجر خلال الأسابيع الماضية عدة مرات حاملين الأعلام الروسية، وبخاصة خلال تحطيم متظاهرين في العاصمة لمقر السفارة الفرنسية.

أنصار المجلس العسكري في النيجر يحملون العلم الروسي (إ.ب.أ)

ويعتقد الدكتور أحمد أمل، أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة، أن مشهد الانقلابات المتكرر في القارة الأفريقية يُمثّل استجابة لتغيرات في داخل المجتمعات الأفريقية على مستوى رفض النخب العسكرية والشبابية في العديد من دول القارة لاستمرار الأنظمة القديمة، المدعومة غربيا، في الحكم لسنوات طويلة عبر انتخابات تواجه كثيرا من شبهات عدم النزاهة والشفافية، أو تفاعلا مع متغيرات إقليمية ودولية باتت تضع القارة الأفريقية في قلب تنافس دولي محموم يحدد إلى مدى بعيد ما يمكن اتخاذه من إجراءات بحق التحولات غير الدستورية في العديد من دول القارة، لا سيما في الغرب والساحل والصحراء.

تداعيات الاستعمار

ويضيف أمل لـ«الشرق الأوسط» أن الدول التي خضعت للاستعمار الغربي كانت الأكثر عرضة لحدوث انقلاب بها، خاصة أن الأنظمة المتحالفة مع الغرب عملت على إضعاف البنى السياسية والاقتصادية والمدنية في تلك الدول لإطالة سيطرتها على السلطة لعقود وصلت إلى أكثر من 50 عاما، كما هو الحال مع عائلة بونغو (الأب والابن) اللذين حكما الغابون منذ عام 1967.

ويلفت أستاذ العلوم السياسية المساعد إلى التأثير الخارجي في تنامي ظاهرة الانقلابات في أفريقيا، مشيرا إلى أنه منذ سنوات الاستقلال في القارة كانت ظاهرة الانقلابات والانقلابات المضادة أداة فعالة من جانب أكبر قوتين دوليتين في ذلك التوقيت: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وجرى تبادل استخدام تلك الأدوات على مدى عقود خلال الحرب الباردة، مشيرا إلى أن حدة التنافس الدولي الراهن على القارة «توفر أجواء مشابهة».


مقالات ذات صلة

36 قتيلاً في غرق مركب بنيجيريا ومخاوف من حصيلة تتخطى المائة

أفريقيا لقي 36 شخصاً على الأقل حتفهم حتى الآن بعدما غرق مركب يقل نحو 300 شخص في نيجيريا (رويترز)

36 قتيلاً في غرق مركب بنيجيريا ومخاوف من حصيلة تتخطى المائة

لقي 36 شخصاً على الأقل حتفهم، فيما تسري مخاوف من أن يكون 100 آخرون في عداد القتلى، بعدما غرق مركب يقلّ نحو 300 شخص في شمال وسط نيجيريا.

«الشرق الأوسط» (أبوجا)
أوروبا الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً الخميس على مدخل قصر الإليزيه ملك كمبوديا نورودوم سيهاموني قبل يوم من افتتاح القمة الفرنكوفونية (إ.ب.أ)

القمة الفرنكوفونية في فرنسا تواجه التحديدات العالمية

تلتئم القمة الفرنكوفونية في فرنسا في ظل مواجهة التحديدات العالمية وتراجع اللغة الفرنسية وصعوبات باريس في أفريقيا.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل الفريق الأول موهوزي موسيفيني قائد قوات الدفاع الشعبية بجمهورية أوغندا (الرئاسة المصرية)

مصر لتعزيز التعاون العسكري مع أوغندا

أكدت مصر حرصها على تعزيز التعاون الثنائي مع أوغندا، لاسيما المجال العسكري، وذلك خلال استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائد قوات الدفاع الشعبية بأوغندا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الوفد الجزائري خلل مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة (الخارجية الجزائرية)

الاحتقان بين الجزائر ومالي يصل إلى ذروته

تعرف العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي احتقاناً حاداً منذ إلغاء باماكو بشكل أحادي «اتفاق المصالحة والسلام»، الذي وقعته مع المعارضة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
رياضة عالمية صامويل إيتو رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم (الشرق الأوسط)

«فيفا» يوقف إيتو لمدة 6 أشهر عن حضور مباريات الكاميرون

أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الاثنين، إيقاف رئيس الاتحاد الكاميروني للعبة النجم الدولي السابق صامويل إيتو 6 أشهر عن حضور جميع مباريات منتخب بلاده.

«الشرق الأوسط» (باريس)

مزارعو النيجر... هدف سهل للإرهاب

جندي نيجري يراقب منطقة ريفية في النيجر (أ.ف.ب)
جندي نيجري يراقب منطقة ريفية في النيجر (أ.ف.ب)
TT

مزارعو النيجر... هدف سهل للإرهاب

جندي نيجري يراقب منطقة ريفية في النيجر (أ.ف.ب)
جندي نيجري يراقب منطقة ريفية في النيجر (أ.ف.ب)

أطلق جيش النيجر عملية عسكرية واسعة لتأمين المزارعين على الضفة اليمنى من نهر النيجر، حيث يستعد هؤلاء القرويون لموسم الحصاد، في منطقة تيلابيري المحاذية للحدود مع مالي وبوركينا فاسو، وهي المنطقة التي تنتشر فيها جماعات مسلحة موالية لتنظيم «داعش في الصحراء الكبرى»، وأخرى موالية لتنظيم «القاعدة».

وقال الجيش إنه أطلق على العملية العسكرية اسم «لاكال كاني»، ونفذ في ذلك الإطار طلعات جوية وتحركات ميدانية على الأرض، أسفرت عن القضاء على 68 إرهابياً كانوا يسعون لشن هجمات ضد المزارعين المحليين.

تعبئة مئات الجنود لحماية الحقول الزراعية في النيجر (صحافة محلية)

زراعة الخوف

تعد النيجر من أفقر بلدان العالم، ويعتمد عدد كبير من مواطنيها على الزراعة للحصول على قوتهم اليومي، خصوصاً سكان الريف البعيدين عن المدن الكبيرة، وقد استفاد هؤلاء القرويون من موسم أمطار مهم، أسفر عن فيضانات في نهر النيجر، تشكل فرصة ذهبية للزراعة في السهول القريبة منه.

ولكن الخوف من الجماعات الإرهابية التي تفرض سيطرتها على هذه المناطق، يجعل مهمة المزارعين محفوفة بالمخاطر، خصوصاً في منطقة تيلابيري التي توصف بأنها «بؤرة الإرهاب» بمنطقة الساحل، وتصنف ضمن «مثلث الموت» الواقع على الحدود بين دول الساحل الثلاث؛ النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

ولمواجهة هذا الخطر، ولحث المزارعين على التوجه نحو حقولهم، نشر جيش النيجر وحدات عسكرية في إطار عملية «لاكال كاني»، وهي مهمة مخصصة لتأمين الأنشطة الزراعية، وحماية موسم الحصاد الذي يعول عليه البلد لمواجهة انعدام الأمن الغذائي.

وأعلن الجيش أنه «بفضل العملية العسكرية، بدأ الحصاد الأول في عدة مناطق، مما يؤكد نجاح المهمة»، وأكد أن العملية العسكرية «كانت ناجحة بفضل التعاون بين قوات الدفاع والأمن واللجان المحلية للمراقبة التي تلعب دوراً حاسماً في رصد النشاطات المشبوهة، مما يسمح بتدخل سريع للقوات في حال وجود تهديد»، وفق نص بيان صادر عن الجيش.

قصف وملاحقة

بعد أسبوع من إطلاق العملية العسكرية، عرض الجيش حصيلة أولية، قال فيها إن دورياته «اعترضت مسلحين واستعادت 220 رأساً من الماشية المسروقة بمنطقتي تينواشي وإنازي، وأرجعتها إلى ملاكها الشرعيين».

كما قال الجيش إن دورياته ألقت القبض على «جاسوس مزعوم»، اتهمته بالعمل لصالح مجموعة إرهابية في ماكولوندي، كانت بحوزته ذخائر بالقرب من قاعدة عسكرية، وأشار الجيش إلى أنه «يُعتقد أن الجاسوس كان يجمع معلومات حساسة لصالح مشغليه الإرهابيين».

ولكن العملية الأهم، تلك التي قال الجيش إن القوات الجوية النيجيرية نفذتها على الضفة اليمنى من نهر النيجر، بعد أن تمكنت من تحديد مواقع تجمعات إرهابية بين بانزومبو وكوكولوكو، ليتم تنفيذ ضربات جوية عنيفة «أسفرت عن القضاء على أكثر من 50 إرهابياً وتدمير مستودع لوجيستي للعدو».

أما على الضفة اليسرى، فقال الجيش إن المراقبة الجوية قادت إلى «تنفيذ ضربات جوية على مواقع العدو في شمال منطقة أبالا، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 18 إرهابياً وإصابة عدد كبير منهم وتدمير معدات نقل وأسلحة».

وخلص الجيش إلى تأكيد أن «هذه النجاحات، سواء على الأرض أو في الجو، تؤكد فاعلية قوات الدفاع والأمن في حماية السكان والاقتصاد الريفي».