الجنرال نغيما يقود الغابون بعد «تقاعد» بونغو

اعتقال نجل الرئيس المعزول ومقربين منه بتهمة «الخيانة العظمى»

TT

الجنرال نغيما يقود الغابون بعد «تقاعد» بونغو

العسكريون في النيجر لدى إعلانهم إنهاء «النظام القائم» في بيان على التلفزيون اليوم (أ.ف.ب)
العسكريون في النيجر لدى إعلانهم إنهاء «النظام القائم» في بيان على التلفزيون اليوم (أ.ف.ب)

أعلن المجلس العسكري في الغابون، اليوم (الأربعاء)، تعيين قائد الحرس الجمهوري الجنرال برايس أوليغي نغيما زعيماً للمرحلة الانتقالية.

وقال نغيما الذي شارك في الانقلاب لصحيفة «لوموند» الفرنسية، في وقت سابق اليوم، إن الرئيس المعزول علي بونغو أونديمبا «أحيل إلى التقاعد ولديه كل حقوقه. هو مواطن غابوني عادي مثل أي شخص آخر». وأضاف: «لم يكن لديه الحق في تولي فترة ولاية ثالثة، وانتُهك الدستور (...) لذلك قرر الجيش تولي مسؤولياته».

وأعلن عسكريون، اليوم، عن «إنهاء النظام القائم» في الغابون ووضع الرئيس المنتهية ولايته علي بونغو أونديمبا قيد الإقامة الجبرية بعيد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي كرّست فوز بونغو بولاية ثالثة.

سياسياً، قال رئيس مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ويلي نياميتوي، اليوم، إنه عقد اجتماعاً طارئاً مع بوروندي والسنغال والكاميرون لتحليل الوضع في الغابون.

وحتى هذا الانقلاب، بقيت عائلة بونغو تحكم الدولة الغنية بالنفط والواقعة في وسط أفريقيا منذ أكثر من 55 عاماً. وأعلن، اليوم، العسكريون الذين نفّذوا الانقلاب أن بونغو الذي خلف والده في عام 2009 وضع قيد الإقامة الجبرية «وهو محاط بعائلته وأطبائه»، بينما أوقف أحد أبنائه بتهمة «الخيانة العظمى». وأضاف الكولونيل الذي تلا، ليل الثلاثاء الأربعاء، البيان الذي أعلن فيه الجيش «إنهاء النظام القائم»، أنه «تم توقيف» نور الدين بونغو فالنتان ابن الرئيس ومستشاره المقرب، وإيان غيزلان نغولو رئيس مكتب بونغو، ومحمد علي ساليو نائب رئيس مكتبه، وعبد الحسيني وهو مستشار آخر للرئاسة، وجيسيي إيلا إيكوغا وهو مستشار خاص وناطق رسمي باسم الرئاسة، بالإضافة إلى أهم رجلين في الحزب الديمقراطي الغابوني القوي الذي يتزعمه بونغو.

وأوضح أنهم أوقفوا خصوصاً بتهم «الخيانة العظمى لمؤسسات الدولة واختلاس أموال عامة على نطاق واسع واختلاس مالي دولي ضمن عصابة منظمة وتزوير توقيع رئيس الجمهورية والفساد والاتجار بالمخدرات». وفي وقت لاحق، أظهرت صور بثها التلفزيون الحكومي مئات الجنود يحملون قائد الحرس الرئاسي على الأكتاف احتفالاً بالنصر. وأعلن العسكريون الذين أكدوا أنهم يتحدثون باسم «لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات»، أنهم «بسبب حوكمة غير مسؤولة تتمثل بتدهور متواصل للحمة الاجتماعية ما قد يدفع بالبلاد إلى الفوضى (...) قررنا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم». وأضافوا في وقت لاحق أن الرئيس علي بونغو أونديمبا بات قيد الإقامة الجبرية.

وأوضح هؤلاء: «لهذه الغاية، ألغيت الانتخابات العامة التي جرت في 26 أغسطس (آب) 2023 فضلاً عن نتائجها».

سكان يرحبون بأفراد قوات الأمن في ليبريفيل في أعقاب إعلان عسكريين الاستيلاء على السلطة (أ.ف.ب)

وأضاف البيان: «حُلت كل المؤسسات؛ الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية. ندعو المواطنين إلى الهدوء ونجدد تمسكنا باحترام التزامات الغابون حيال الأسرة الدولية»، مؤكداً إغلاق حدود البلاد «حتى إشعار آخر».

ومن بين هؤلاء العسكريين عناصر من الحرس الجمهوري المنوط به حماية الرئاسة، فضلاً عن جنود من الجيش وعناصر من الشرطة. وتُلي البيان عبر تلفزيون الغابون الرسمي أيضاً.

وجاء الإعلان بعيد نشر النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي جرت السبت وأظهرت إعادة انتخاب الرئيس بونغو الذي يحكم البلاد منذ 14 عاماً، لولاية ثالثة بحصوله على 64.27 في المائة من الأصوات.

ودعا بونغو، اليوم، «جميع الأصدقاء» إلى «رفع أصواتهم»، وذلك في مقطع فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقال بونغو، في الفيديو الذي ظهر فيه جالساً على كرسي وتبدو عليه ملامح القلق: «أنا علي بونغو أونديمبا، رئيس الغابون، أوجّه رسالة إلى جميع أصدقائنا في كل أنحاء العالم لأطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم بشأن الأشخاص الذين اعتقلوني وعائلتي»، مؤكّداً أنه في «منزله».

رئيس الغابون علي بونغو (أرشيفية - أ.ف.ب)

وتفوق بونغو في انتخابات جرت بدورة واحدة على منافسه الرئيسي ألبير أوندو أوسا الذي حصل على 30,77 في المائة، بينما حصل 12 مرشحاً آخرين على ما تبقى من أصوات، على ما أوضح ستيفان بوندا رئيس المركز الغابوني للانتخابات عبر التلفزيون الرسمي. وبلغت نسبة المشاركة 56,65 في المائة.

وكان أوسا تحدث عن «عمليات تزوير أدارها معسكر بونغو» قبل ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع السبت، وأكد فوزه بالانتخابات. وناشد معسكره بونغو، الاثنين، «لتنظيم تسليم السلطة من دون إراقة دماء»، استناداً إلى فرز للأصوات أجراه مدققوه ومن دون أن ينشر أي وثيقة تثبت ذلك.

وأثار غياب المراقبين الدوليين وتعليق بث بعض وسائل الإعلام الأجنبية وقرار السلطات قطع خدمة الإنترنت وفرض حظر ليلي للتجوال في جميع أنحاء البلاد بعد الانتخابات، مخاوف بشأن شفافية العملية الانتخابية.

وسعى بونغو من خلال هذه الانتخابات إلى تمديد هيمنة عائلته المستمرة منذ 56 عاماً على السلطة، بينما دفعت المعارضة باتجاه التغيير في الدولة الغنية بالنفط في وسط أفريقيا، والفقيرة رغم ذلك.

وبعد ساعات من إعلان العسكريين الاستيلاء على السلطة، نزل المئات من المواطنين إلى شوارع عاصمة الغابون للاحتفال بالإطاحة ببونغو.

ولم يصدر حتى الآن تعليق من حكومة الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

وإذا نجح هذا الانقلاب فإنه سيكون الثامن في غرب ووسط أفريقيا منذ 2020. وأدت انقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر إلى تقويض التقدم الديمقراطي في المنطقة في السنوات القليلة الماضية.

وفي الشهر الماضي، استولى الجيش على السلطة في النيجر، ما أثار موجات من الصدمة في أنحاء منطقة الساحل واجتذب قوى عالمية صارت مصالحها الاستراتيجية على المحك.

وأحبطت الغابون انقلاباً عسكرياً في يناير (كانون الثاني) 2019، بعد أن استولى جنود لفترة وجيزة على محطة إذاعية وبثوا رسالة مفادها أن بونغو الذي عانى من جلطة قبلها بأشهر لم يعد صالحاً للمنصب. لكن تم تدارك الموقف بعد ساعات بعد مقتل اثنين ممن يشتبه في تدبيرهم الانقلاب واعتقال آخرين.

وتولى علي بونغو (64 عاماً) الرئاسة خلفاً لوالده عمر بونغو في 2009. وخاض السباق الرئاسي الأحدث ضد 18 مرشحاً، دعم ستة منهم أوندو أوسا في محاولة لتقليص الفارق.

الرئيس الغابوني علي بونغو يؤدي اليمين الدستورية بعد انتخابه رئيساً عام 2009 (أ.ف.ب)

وقالت الحكومة من قبل إن قطع خدمة الإنترنت وفرض حظر التجول ضروريان لمنع انتشار الأخبار الزائفة وحماية الأمن العام.

وفي 2016، تم إضرام النيران في مبنى البرلمان عندما نشبت احتجاجات عنيفة في الشوارع على إعادة انتخاب بونغو لولاية ثانية، في خطوة أثارت الجدل والنزاع وقتها أيضاً وقطعت الحكومة حينئذ خدمات الإنترنت لأيام عدة.


مقالات ذات صلة

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أفريقيا صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا المواطن الأميركي بنجامين ريوبين زالمان بولن خلال محاكمته في قضية «محاولة الانقلاب» بالكونغو (إ.ب.أ)

حكم بإعدام 37 شخصاً بينهم 3 أميركيين في «محاولة الانقلاب» بالكونغو الديمقراطية

أصدرت محكمة عسكرية بكينشاسا حكماً بإعدام 37 متهماً، بينهم 3 أميركيين، في قضية «محاولة الانقلاب» التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
آسيا الشيخة حسينة (رويترز)

بنغلاديش تلغي حظراً مفروضاً على حزب إسلامي بعد رحيل الشيخة حسينة

ألغت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش حظراً على أكبر حزب إسلامي في البلاد، وهو حزب الجماعة الإسلامية، ملغية بذلك قراراً اتخذه نظام رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا متظاهرون يحتفلون بالقرب من صورة مشوهة لرئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة بعد أنباء استقالتها في دكا يوم 5 أغسطس 2024 (أسوشييتد برس)

قضاء بنغلاديش يفتح تحقيقاً بتهمة القتل في حق الشيخة حسينة

فتحت محكمة في بنغلاديش تحقيقاً في جريمة قتل، يطول رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة و6 شخصيات بارزة في إدارتها، على خلفية قتل الشرطة رجلاً خلال الاضطرابات.

«الشرق الأوسط» (دكا)
أوروبا أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة القتالية والمعدات الطبية في كييف (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحبط مخططاً لانقلاب مزعوم

أعلنت السلطات الأوكرانية عن إحباط مخطط لانقلاب مزعوم كان يستهدف الاستيلاء على السلطة في العاصمة كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين: الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضر بحركة التجارة العالمية أيضاً.

* بداية الصراع

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تعترف بموجبه أديس باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، لا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، رغم أنه لم يحظ باعتراف دولي، منذ أن أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991. وقد عارضت مقديشو الاتفاق، ووقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية، ومؤسسات دولية أخرى، دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، حيث حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «لا أحد يجرب مصر».

* تحركات صومالية

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، حيث وقع في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحل الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الجاري.

ومع تصاعد الأزمة وقع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال.

ورد وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

* أسباب قديمة

الصراع الحالي ليس سوى «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا و(أرض الصومال)»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة»، وفق محمود، حيث «يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها». وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي، الباحث السياسي أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى ما وصفه بـ«المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب» وتحديداً «حركة الشباب» أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشكلات الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية، وهي تحديات ليست بعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، والتي يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية، بما في ذلك صراع (تيغراي) إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

* «الحرب المقبلة»

تحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الإريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما تسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وقد تحدث آبي أحمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أمام برلمان بلاده عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال للشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك في حواره لـ«الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من عشر سنوات، بسبب سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

التدخل المصري في الأزمة الصومالية، يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس أمراً جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان متواجداً في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة». بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة». لا يستطيع في الوقت نفسه استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإريتري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، لا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

احتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، لا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد، مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد تؤدي إلى إشعال المزيد من الصراعات». ويقول بهذا الخصوص: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة فيما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية، قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة»، مشيراً إلى أن أديس أبابا «لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حل الصراع بمفردها».

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «فقد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لمعهد إنتربرايز الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».