بعد اختفاء بريغوجين... ماذا سيحدث لـ«فاغنر» في أفريقيا؟

زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين (يمين) يصافح فريدي مابوكا وهو مسؤول من جمهورية أفريقيا الوسطى في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (متداولة)
زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين (يمين) يصافح فريدي مابوكا وهو مسؤول من جمهورية أفريقيا الوسطى في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (متداولة)
TT

بعد اختفاء بريغوجين... ماذا سيحدث لـ«فاغنر» في أفريقيا؟

زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين (يمين) يصافح فريدي مابوكا وهو مسؤول من جمهورية أفريقيا الوسطى في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (متداولة)
زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين (يمين) يصافح فريدي مابوكا وهو مسؤول من جمهورية أفريقيا الوسطى في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (متداولة)

مع مقتل يفغيني بريغوجين، التي أكدها الكرملين، فإن مجموعة «فاغنر» التي ساعد هذا الرجل في إنشائها من الممكن أن تتحول بشكل جذري، أو حتى تختفي، لكن أهمية «فاغنر» بالنسبة للنفوذ الروسي في أفريقيا، تجعل من المستبعد التخلي عنها، وفق تقرير نشرته الخميس مجلة «أفريقيا الشابة» (جون أفريك).

إذا تم القضاء على صاحب المطعم السابق (بريغوجين) على يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق التقرير، فماذا سيحدث للعمل الذي صنعه، مجموعة «فاغنر» للمرتزقة، التي أُسست في أفريقيا، والموجودة خاصة في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي؟

في 24 أغسطس (آب)، أي في اليوم التالي لتحطم الطائرة التي تقول السلطات الروسية إن بريغوجين كان من ركابها، يُطرح السؤال نفسه، بما في ذلك في باماكو وبانغي، حيث خسر رئيس مالي أسيمي غويتا ورئيس أفريقيا الوسطى فاوستين آركانج تواديرا أفضل حليف لهما.

الدعاية والتأثير الإعلامي

إذا كانت «فاغنر» معروفة بمرتزقتها، فإن المجموعة لديها تخصص آخر: الدعاية والتأثير الإعلامي، والذي ظهر مرة أخرى بكامل قوته خلال الانقلاب الأخير في النيجر في أفريقيا.

وبفضل كثير من المواقع وفرق العمل التي تتحكم في الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، تقدم «فاغنر» مجموعة من الخدمات، بدءاً من التدخل في الانتخابات وحتى زعزعة استقرار المعارضين، مروراً بالحفاظ على المشاعر المعادية لفرنسا في أفريقيا.

فهل هذه الآلة الدعائية مهددة؟ يرى التقرير أنه يمكن تقسيم «فاغنر» إلى هياكل عدة، أو بيعها أو تسليمها إلى الكرملين. وبعد ذلك، ستستمر «فاغنر» - أو خلفاؤها تحت أسماء أخرى - في اتخاذ إجراءات صارمة. وقد طور مروجوها الدعائيون المناهضون لفرنسا خبرات سيكون من الصعب استبدالها، وستظل موسكو في حاجة إليها في الأشهر والسنوات المقبلة.

يبقى نشر القوات المساعدة في الخارج - وخاصة في أفريقيا - من احتياجات روسيا. ولذلك فإن «فاغنر» - أو شركة مماثلة قادرة على إرضاء حلفاء روسيا في مالي ووسط أفريقيا - هي ضرورة أن تبقى «فاغنر» بعد بريغوجين.

مخاوف في باماكو وبانغي

في باماكو وبانغي، تتم متابعة اختفاء بريغوجين - مثل تمرده في يونيو (حزيران) الماضي - من كثب. ومن الواضح أن هذا يثير بعض القلق حول العقيد أسيمي غويتا والرئيس فوستين آركانج تواديرا.

ومن المؤكد أن الدبلوماسية الروسية لن تبقى صامتة لفترة طويلة مع باماكو وبانغي اللتين سوف تحتاجان إلى طمأنة. وليس لدى موسكو مصلحة في عدم متابعة عمل «فاغنر» في القارة والاستفادة منه. وبحسب معلومات مجلة «أفريقيا الشابة»، فإن يفغيني بريغوجين كان يستعد لزيادة عدد من مرتزقته في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. وبدا أيضاً أنه يجعل من ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر أولوية.

فهل اختفت هذه الخطط مع رحيل بريغوجين؟ قبل شهرين، قال مصدر فرنسي رفيع المستوى لمجلة «أفريقيا الشابة»: «إن المشاركة الروسية في أفريقيا استراتيجية للغاية. إنه ليس استثماراً هامشياً. يجب أن يصبح الوضع حرجاً حقاً في روسيا، وهو ما نحن بعيدون عنه، حتى يصبح مستقبل (فاغنر) موضع تساؤل في القارة الأفريقية». وأضاف: «هنا مرة أخرى، لم يتغير الوضع فعلياً، والتعديلات على الأرض لا يمكن إلا أن تكون تجميلية».

البعد الاقتصادي

«الفرضية الأكثر ترجيحاً لمستقبل (فاغنر) في أفريقيا هي عملية تجميل للمجموعة. من الممكن تغيير اسمها والرجال الذين يديرونها. لكن الطموحات التي تخدمها ستبقى»، يقول أحد المتخصصين في مجموعة «فاغنر».

وعدّ التقرير أنه من الصعب تخيل التخلي الروسي عن صرح «فاغنر» الاقتصادي المتشابك بشكل جيد مع الاقتصادات المحلية الأفريقية، خاصة في بانغي. ولذلك ينبغي تسليم «فاغنر» - كلياً أو جزئياً - لمالكين جدد ولخلفاء بريغوجين، الرجل الذي سيظل طيفه يلوح لفترة طويلة مقبلة.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

أوروبا بريطانيا تفرض 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين لديهم صلات بمجموعة فاغنر (رويترز)

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

قالت الحكومة البريطانية، اليوم (الخميس)، إنها فرضت 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين على صلة بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية، وفق «رويترز».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

الجزائر تطالب بعقوبات ضد مالي بعد هجوم شنته فوق أراضيها

طالبت الجزائر بإنزال عقوبات دولية على الحكومة المالية، بعد الهجوم الذي شنّه الجيش المالي على مواقع للطوارق المعارضين في بلدة تقع على الحدود مع الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا عناصر من القوات التركية تتولى تدريب قوات ليبية (وزارة الدفاع التركية)

​تقارير أممية تكشف عن تورط تركيا في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا

كشفت تقارير للأمم المتحدة عن تورط شركة «سادات للاستشارات الدفاعية الدولية» التركية في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتجنيد آلاف المرتزقة السوريين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

قتلى وجرحى في هجوم للجيش المالي على مواقع للطوارق قرب بلدة جزائرية

القصف يدلّ على تصاعد التوتر منذ أن قرّر الحاكم العسكري في باماكو إلغاء «اتفاق السلام»، مطالباً الجزائر بـ«التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لمالي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
خاص معمّر القذافي (رويترز)

خاص «تركة القذافي»... ليبيا منقسمة وعملية سياسية ميتة

تغيَّرت ليبيا كثيراً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. فشل الليبيون في إقامة نظام جديد أفضل منه. ولكن من هم المتنافسون على تركة القذافي؟

كميل الطويل (لندن)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.