تشاد: «جزيرة استقرار هش» في الساحل الأفريقي

رئيس المجلس الانتقالي التشادي محمد إدريس ديبي إتنو يلوح بيده بجانب رئيس أركان الجيش التشادي الجنرال أباكار عبد الكريم داود في أثناء استعراض القوات خلال احتفالات يوم الاستقلال الثالث والستين في نجامينا في 11 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)
رئيس المجلس الانتقالي التشادي محمد إدريس ديبي إتنو يلوح بيده بجانب رئيس أركان الجيش التشادي الجنرال أباكار عبد الكريم داود في أثناء استعراض القوات خلال احتفالات يوم الاستقلال الثالث والستين في نجامينا في 11 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)
TT

تشاد: «جزيرة استقرار هش» في الساحل الأفريقي

رئيس المجلس الانتقالي التشادي محمد إدريس ديبي إتنو يلوح بيده بجانب رئيس أركان الجيش التشادي الجنرال أباكار عبد الكريم داود في أثناء استعراض القوات خلال احتفالات يوم الاستقلال الثالث والستين في نجامينا في 11 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)
رئيس المجلس الانتقالي التشادي محمد إدريس ديبي إتنو يلوح بيده بجانب رئيس أركان الجيش التشادي الجنرال أباكار عبد الكريم داود في أثناء استعراض القوات خلال احتفالات يوم الاستقلال الثالث والستين في نجامينا في 11 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

يعزز انتشار الأزمات لدى الدول المجاورة خطاب النظام التشادي الذي يقدم نفسه على أنه آخر معقل للاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي، وفق تقرير نشرته (الأحد) صحيفة «لوموند» الفرنسية.

في الواقع، تعيش تشاد تحت تهديد مشترك من الجماعات المسلحة من ليبيا في الشمال، وتمرد جماعة «بوكو حرام» المتطرفة في الغرب، وعدم الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى في الجنوب، وتدفق ما يقرب من 400 ألف لاجئ إلى شرق البلاد من السودان.

وقد صرح وزير الدفاع داود يايا إبراهيم في 4 أغسطس (آب) أن «تشاد لن تتدخل عسكرياً أبداً» في النيجر، يوضح مصدر دبلوماسي تشادي هذا الموقف «من الممكن أن يكون التدخل العسكري في النيجر إجراءً لا يحظى بشعبية كبيرة في تشاد، وانتحاراً اقتصادياً وسياسياً للبلاد». فالنيجر أحد ممرات الإمداد الحيوية لتشاد. يقول الشيخ بن عمر مستشار الرئاسة: «نحن دولة غير ساحلية. لقد فقدنا بالفعل وصولنا إلى آسيا والشرق الأوسط مع إغلاق الحدود السودانية، ولا يمكننا تحمل إغلاق باب إلى المحيط الأطلسي»، أي في حال إغلاق الحدود مع النيجر.

العلاقة مع فرنسا

ساعدت باريس الأنظمة المتعاقبة في تشاد على الاستيلاء على السلطة بالقوة منذ 1982، ثم الاحتفاظ بها بقصف صفوف المتمردين الذين هددوا العاصمة في عام 2019. ومن جانبها، استضافت تشاد قواعد عسكرية فرنسية على أراضيها، وأرسلت قواتها إلى الخطوط الأمامية للقتال في مالي في عام 2013. ونجامينا هي موطن لمركز عمليات القوات الفرنسية في منطقة الساحل - الاسم الجديد لعملية «برخان» - الذي يسمح للجيش الفرنسي بالانتشار في جميع أنحاء المنطقة. وتشاد هي أيضاً لاعب رئيسي في مجموعة دول الساحل الخمس، التي أصبح اليوم دورها موضع تساؤل كبير بسبب الأحداث في النيجر بعد انشقاق مالي وبوركينا فاسو عن المجموعة.

تعرف نجامينا كيف تستفيد من موقعها كقلعة محاصرة، وفق التقرير. ولا يتردد بعض عناصر جهاز الأمن التشادي في إثارة شبح استدعاء المرتزقة الروس «فاغنر» الذين ينشطون في 3 دول على الحدود مع تشاد لإخافة الغربيين. إذا طلب الفرنسيون إعادة رجالهم البالغ عددهم 1500 من النيجر إلى تشاد، «ستكون نجامينا قادرة على التفاوض بمقدار أكبر من المرونة، بينما يتعلق بالعملية الانتقالية»، وفق معارض تشادي، الذي يضيف: «ليس هناك شك في أن الغرب سيكون الآن أكثر مرونة في ما يتعلق بالديمقراطية، لأنه الآن في أمسّ الحاجة إلينا».

عقود من سوء الإدارة

يعرف رئيس تشاد محمد إدريس ديبي إتنو هشاشة قوته. في العاصمة نجامينا، حيث جرى تعزيز النظام الأمني ​​في الأيام الأخيرة، هناك قلق أقل بشأن هجوم محتمل للمتمردين بقدر القلق من ثورة في القصر (بمعنى انقلاب) سيكون الجيش الفرنسي عاجزاً عن التصدي له. في يونيو (حزيران)، تسبب وضع أكثر من 150 جنرالاً على التقاعد في إحداث ضجة. كما يعلم رئيس الدولة التشادي أن خصومه يمكنهم الاعتماد على السخط الشعبي الذي أثارته عقود من سوء الإدارة، ورفض «الخلافة الأسرية»، وقربه من باريس. في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، أدى القمع العنيف للمتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة برحيل المجلس العسكري إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، بينما تعترف الحكومة بـ73 ضحية فقط وتتحدث عن «محاولة تمرد».


مقالات ذات صلة

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )
شمال افريقيا السفير الجزائري لدى استدعائه بوزارة خارجية النيجر (الخارجية النيجرية)

استياء جزائري من «محاولات أجنبية لتعكير العلاقات» مع النيجر

ندّد حزب جزائري، مشارك في الحكومة، بـ«حملة مغرضة تغذيها أطراف أجنبية تحاول تعكير العلاقات بين الجزائر والنيجر».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
TT

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

اندلعت معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين، الواقعة في أقصى شمال شرقي البلاد، الخميس، والتي تمثل آخر معاقل المتمردين وأهم مركز للتبادل التجاري على الحدود مع الجزائر.

أعلن متمردو الطوارق في مالي أنهم هزموا القوات الحكومية في قتال عنيف للسيطرة على مدينة كيدال الشمالية الرئيسية (أ.ف.ب)

ولا تزال الأنباء القادمة من منطقة المعارك متضاربة جداً، في حين يؤكد كل طرف تفوقه في الميدان، وانتشار مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي لمعارك عنيفة، دون ما يؤكد صحة نسبتها إلى المواجهات الدائرة منذ أمس على الحدود بين مالي والجزائر.

رواية الطوارق

قالت مصادر قريبة من المتمردين الطوارق إن الجيش المالي ومقاتلي «فاغنر» حاولوا السيطرة على مدينة تينزاواتين، ولكن تم التصدي لهم وإرغامهم على الانسحاب بعد أن تكبّدوا خسائر «فادحة».

وقال مصدر محلي: «وقعت المواجهة عند منطقة آشابريش، غير بعيد من تينزاواتين، وانسحب خلالها الجنود الماليون ومقاتلو (فاغنر)، وتركوا خلفهم ثلاث مركبات عسكرية محترقة، ومركبة أخرى سليمة استحوذ عليها الجيش الأزوادي».

وأضاف المصدر نفسه أن المقاتلين الطوارق «شرعوا في عملية واسعة لتمشيط المنطقة، من أجل الوقوف على عدد القتلى في صفوف الجيش المالي ومرتزقة (فاغنر)، كما تأكد أسر جندي مالي أثناء المعركة، وقُتل جندي واحد من صفوف الطوارق وأُصيب آخر»، على حد تعبير المصدر.

دورية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كيدال (مالي) 23 يوليو 2015 (رويترز)

في غضون ذلك، قال محمد مولود رمضان، المتحدث باسم تنسيقية الحركات الأزوادية، وهي تحالف لجماعات متمردة يهيمن عليها الطوارق، إن «(فاغنر) تخطط بمعية الجيش المالي للاستيلاء على تينزاواتين، آخر ملاذ للمدنيين الذين فرّوا من انتهاكاتهم».

وأضاف في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «وحدات من جيش أزواد منتشرة في المنطقة تشتبك حالياً مع العدو لصدّ تقدمه»، قبل أن يؤكد: «نواجه تقدماً ونحمي السكان المدنيين النازحين، وكبّدنا مرتزقة (فاغنر) ومعاوني الجيش المالي خسائر كبيرة».

رواية أخرى

لكن الرواية الصادرة عن المتمردين الطوارق، تختلف تماماً عن رواية الجيش المالي، الذي أصدر فجر الجمعة بياناً قال فيه إن وحدة عسكرية تابعة له في منطقة تينزاواتين تعرّضت أمس لما قال إنه «هجوم إرهابي» من طرف المتمردين الطوارق الذين وصفهم بـ«الإرهابيين».

وأضاف الجيش المالي في بيان صادر عن قيادة أركانه أنه تصدى للهجوم وأطلق عملية عسكرية واسعة لملاحقة المتمردين، مشيراً إلى أن «ردة فعل الجيش القوية لا تزال مستمرة، وقد كبّدت المجموعات الإرهابية خسائر ثقيلة»، وفق نص البيان. وتعهد الجيش نشر حصيلة العملية العسكرية في وقت لاحق.

صور من المعارك متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

المعركة الأخيرة

تعدّ مدينة تينزاواتين آخر معقلٍ يتمركز فيه المسلحون الطوارق الساعون إلى إقامة دولة مستقلة في شمال مالي، لتحمل اسم «أزواد»، وهم الذين سيطروا على شمال مالي عام 2012، ولكنهم فقدوا السيطرة عليه منذ أن أطلق الجيش المالي عام 2022، عملية عسكرية واسعة النطاق من أجل ما سماه «توحيد الأرض».

وتأتي هذه العملية العسكرية بأمر من المجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ انقلاب 2020، قرّر بعده التخلي عن التحالف مع فرنسا، والتوجه نحو روسيا للحصول على أسلحة جديدة، ودعم في الميدان من مئات المقاتلين التابعين لمجموعة «فاغنر» الخاصة.

وسيطر الجيش المالي مطلع العام على مدينة كيدال، عاصمة شمال مالي والمدينة الأهم بالنسبة للطوارق، وأعلن الاثنين الماضي أنه سيطر على منطقة «إن - أفراك» الاستراتيجية الواقعة على بُعد 120 كلم شمال غرب تيساليت في منطقة كيدال.

حركة مسلحة من الطوارق في شمال مالي (أ.ف.ب)

وأطلق الجيش يوم الأربعاء عملية عسكرية للسيطرة على مدينة تينزاواتين القريبة جداً من الحدود مع الجزائر، فيما يمكن القول إنها آخر المعارك بين الطرفين، حين يحسمها الجيش المالي سيكون قد سيطر على كامل أراضيه.

ومنذ بداية العملية العسكرية الأخيرة فرّ المدنيون نحو الجانب الآخر من الحدود، ودخلوا أراضي الجزائر خوفاً من المعارك، وقال أحد سكان المنطقة: «منذ أول أمس، انتشرت شائعات عن هجمات. لقد لجأنا إلى الجزائر. اليوم سمعنا إطلاق نار. إنها اشتباكات بين الجيش المالي والروس ضد تنسيقية الحركات الأزوادية».