يثير الانقلاب العسكري في النيجر على الرئيس المنتخب محمد بازوم تداعيات مختلفة على البلاد والمنطقة، على رأسها المخاوف من تمدد نفوذ الجماعات الإرهابية المتفشية بالفعل في منطقة الساحل الأفريقي.
وبينما تتطور الأمور بوتيرة متسارعة بعد إعلان الانقلاب، استمر نشاط التنظيمات الإرهابية في دول الجوار لا سيما مالي وبوركينا فاسو، فيما رآه الخبراء «محاولة للسيطرة على مناطق جديدة وإحكام السيطرة على مناطق تنشط فيها لا سيما في المناطق الحدودية، مستغلة حالة السيولة الأمنية التي خلقها تأزم الوضع في النيجر».
وأعلن تنظيم «داعش» أنه نفذ هجوماً قتل فيه 16 جندياً في منطقة ميناكا شمال شرقي مالي الأسبوع الماضي، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية (الثلاثاء). وفي بوركينا فاسو، قتل عشرون شخصاً في هجوم شنه إرهابيون قرب مدينة بيتو في المنطقة الشرقية الوسطى المتاخمة لتوغو، وفق ما أفادت مصادر أمنية (الاثنين).
وتحكم في مالي وبوركينا فاسو سلطات عسكرية جاءت بالانقلاب وروجت لنفسها بكونها «المنقذ والمخلص» من إخفاقات القوات الأمنية في وقف الإرهاب الذي أودى بالآلاف وشرد الملايين منذ تمدده في مالي عام 2015، لكن التقارير تشير إلى تمدد أكبر للجماعات الإرهابية في البلدين بعد الانقلابات.
وكانت دولتا مالي وبوركينا فاسو أعلنتا تأييدهما للانقلاب في النيجر، وعدتا أي تدخل عسكري أجنبي بمثابة «إعلان حرب» عليهما.
وقبل الانقلاب، عدت النيجر على نطاق واسع مركزاً للحرب الدولية على الإرهاب في منطقة الساحل، وهو ما يفسر الوجود العسكري الفرنسي الكبير في البلد، إذ يزيد عدد الجنود الفرنسيين فوق أراضي النيجر على 1500 جندي كما تنشر الولايات المتحدة الأميركية قوات خاصة وشيدت قاعدة جوية في الشمال وهي قاعدة خاصة بالطائرات المسيّرة.
ويرى الباحث السياسي المالي محمد أغ إسماعيل أن الهجمات الأخيرة «تأتي في إطار سعي الإرهابيين للسيطرة على منطقة الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لا سيما أن (داعش) هو المسيطر على الشريط الحدودي بين مالي والنيجر، ويريد تعزيز تلك السيطرة وحمايتها». وأضاف إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» أن استهداف منطقة في بوركينا فاسو قريبة من حدود توغو يأتي في سياق أن التنظيمات «تحاول الاستفادة من الوضع المتأزم في النيجر وانكماش الجيش النيجري إلى الداخل بسبب الانقلاب وسعي تلك الجماعات للسيطرة على أكبر قدر من المناطق تحسبا لأي مواءمات أو مواجهات مرتقبة بسبب الوضع في نيامي».
وعدت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا الانقلاب الجاري يمثل تقويضاً لجهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. وأعلنت واشنطن تعليق برامج التمويل العسكري الداعمة لمكافحة الإرهاب في البلاد كما علقت فرنسا جميع مساعداتها التنموية لنيامي، وأعلنت عن تعليق مساعداتها التنموية وتلك المتعلقة بدعم الميزانية المخصصة لبوركينا فاسو بسبب موقفها من الانقلاب.
من جانبه، توقع محمد الأمين ولد الداه الخبير الموريتاني في شؤون الساحل الأفريقي أن «تستغل الجماعات الإرهابية الوضع السائل الحالي في النيجر ودول الجوار للحفاظ على مكتسباتها وتمديد نفوذها في ظل الانشغال بالوضع السياسي في النيجر وتراجع الاهتمام بملف القتال ضدها». وأضاف ولد الداه لـ«الشرق الأوسط» أنه كلما حدث انقلاب عسكري في أي دولة أفريقية «يتكرر السيناريو المتمثل في ضعف سيطرة الدولة على بعض المناطق وبالتالي فقدانها لمصلحة التنظيمات المتطرفة على غرار ما حدث في بوركينا فاسو ومالي».
وفي ظل الحكم العسكري احتلت بوركينا فاسو المركز الأول عالمياً من حيث عدد الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية خلال عام 2022، فيما جاءت مالي في المركز الثاني بحسب المؤشر العالمي للإرهاب الصادر هذا العام. وبحسب التقرير الذي يصدر سنوياً عن معهد الاقتصاد والسلام في سيدني، شهدت بوركينا فاسو ومالي زيادات كبيرة في الوفيات جراء الأعمال الإرهابية بنسبتي 50 في المائة، و56 في المائة على الترتيب، مقارنة بالعام السابق. كما رصدت إحصائيات التقرير مسؤولية الدول الأفريقية عن النسبة الغالبة من ضحايا الأعمال الإرهابية في العالم أجمع؛ إذ كانت بوركينا فاسو وحدها مسؤولة عن نسبة 17 في المائة منها، ثم مالي بنسبة 14 في المائة.