الساحل الأفريقي يطفئ قناديل باريس ويتطلع لـ«شعلة من الشرق»

متظاهرون داعمون للجيش في نيامي الخميس (رويترز)
متظاهرون داعمون للجيش في نيامي الخميس (رويترز)
TT

الساحل الأفريقي يطفئ قناديل باريس ويتطلع لـ«شعلة من الشرق»

متظاهرون داعمون للجيش في نيامي الخميس (رويترز)
متظاهرون داعمون للجيش في نيامي الخميس (رويترز)

كان انقلاب النيجر بمثابة آخر مسمار في نعش العلاقة المضطربة بين دول الساحل الثلاث، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مع فرنسا، بعد صعود غير مسبوق لدعوات التخلص من الراعي التاريخي والمستعمر السابق الذي جثمت سياساته على المنطقة لأكثر من سبعين عاماً بعد رحيله كمستعمر عسكري، وتحوله لـ«مستعمر اقتصادي وثقافي»، حسب تعبير النخب السياسية في الساحل.

كانت فرنسا ولغتها بمثابة «غنيمة»، كما عبّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أحد خطاباته، خاصة لدول الساحل التي وجدت في التبعية الفرنكوفونية حلّاً مثالياً لنهجها السياسي عشية استقلالها، فالتقفت من فرنسا لغتها لتوحد بها لسانها الناطق بعشرات اللغات واللهجات، ولتضع بها مناهجها الدراسية، ولتكون لغة للإدارة والإعلام والسياسة.

إلى ذلك، كانت الحلول الاقتصادية لفرنسا أيضاً من ضمن الحلول الشاملة لهذه الدول، فصاغت معها شراكات اقتصادية، وخطت لها سياسات مالية وعملة موحدة، فضلاً عن تبني مواقف هذه الدول والدفاع عن سياساتها وتمثيلها في المحافل الدولية.

تفاؤل مبكّر

ومع رحيل فرنسا كمستعمر مطلع الستينات، حاولت هذه الدول ممارسة استقلالها السياسي، وحاولت صناعة ذاتها، تارة عبر الاشتراكية كما حدث في مالي خلال عهد موديبو كيتا أول رئيس لها في الفترة الممتدة بين 1960 و1968، أو في جارتها السنغال التي صعد فيها نجم الرئيس الأشهر في المنطقة ليوبولد سنغور بين 1960و1980، الذي كرس سياسة الحزب الواحد، أو في بوركينا فاسو حيث لمع نجم الرئيس والثائر الاشتراكي توماس سانكارا الشهير بـ«جيفارا أفريقيا» في الفترة بين 1983 و1987، وكانت النيجر في ذات الإطار فترة رئيسها ديوري هاماني بين 1960 و1974.

كانت البشرى المرتبطة بميلاد كيانات أفريقية واعدة تهيمن على المشهد في المنطقة في البداية، لكن سرعة الإخفاقات المبكرة، وفشل البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الأنظمة سرّع الخطى نحو حقبة غير مستقرة من الانقلابات العسكرية، والإخفاقات السياسية المتواصلة.

علاوة على ما سبق، تركت فرنسا خلفها بؤراً متوترة، وسياسات ممزّقة، ما كان لدول المنطقة الاستقرار وسطها دون ممارسة الحكم الرشيد، مثل ما عرف بقضيتي الطوارق في مالي والنيجر منذ حقبة الاستعمار، وهي من ضمن جملة من الأزمات المختلفة التي تركتها فرنسا في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية، وكانت سبباً رئيسياً في أفول حقبتها اليوم عن الساحل المشتعل بتركتها.

التهديد الإرهابي

كانت البداية عام 2013، حين تدخّلت فرنسا لإنقاذ مالي من الجماعات الإرهابية المسلحة التي باتت تهديداً مباشراً لباماكو، والتي تزامنت تهديداتها أيضاً مع إعلان إقليم أزواد استقلاله عن مالي من طرف واحد، لتستنجد باماكو بباريس لإنقاذها من الانقسام الذي بات يهددها.

نيجريون يطالبون فرنسا بمغادرة بلادهم في مظاهرة بنيامي الأحد الماضي (أ.ب)

نجح التدخل الفرنسي في إحباط تقدم الإرهابيين، كما نجح أيضاً في وأد مشروع استقلال أزواد بدولة، غير أن فترة الوجود الفرنسي هذه شهدت تقلبات سياسية في باماكو انتهت بانقلابين عسكريين أحبطا باريس التي أبدت غضبها من هذه الممارسات، في وقت كانت تلعب فيه دور الحارس الأمين لنظام باماكو المهدد من وجود الإرهابيين المتزايد في الساحل.

ويبدو أن الحالة المالية أصابت عدواها الجارة بوركينا فاسو، التي جرت فيها انقلابات مماثلة، في وقت كانت فيه النيجر على وعد مع عملية سياسية انتهت بانتخاب الرئيس محمد بازوم عام 2021 الذي تزامن انتخابه مع طلاق نهائي بين باماكو وواغادوغو من جهة وباريس من جهة أخرى، لتصبح النيجر الابن البار لفرنسا بعد العقوق الذي ظهرت به مالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي انتهى برحيل فرنسا عن البلدين والاكتفاء بوجودها في النيجر.

كانت بوركينا فاسو ومالي قد مرّتا بسنوات عصيبة في آخر عقدين، تخللتهما انقلابات عسكرية وتمرد، وحكومات شديدة الفساد اتهمت بأنها مجرد واجهة لمصالح فرنسا، خاصة بعد النوايا التي أظهرها الرئيسان توماني توري الذي حاول تمديد فترته الرئاسية بعد حقبتين رئاسيتين، وخلفه إبراهيم كيتا الذي كان الفساد والمحسوبية عنوان فترته أيضاً.

وقد أثارت سياساتهما في مالي، إضافة إلى التقلبات الحاصلة في بوركينا فاسو استياء الشارع في البلدين، مع الضغوطات الأمنية المتزايدة التي حوّلت البلدين إلى قبلة للجماعات الإرهابية التي فشلت فرنسا وحلفاؤها في الغرب في وضع حد لها.

«فشل» فرنسا... والبديلان الروسي والصيني

ووصل الغليان إلى أقصاه، وبدأ الشارع يقتنع بفشل فرنسا وسياساتها التي لم تجلب الأمن والاستقرار، فضلاً عن أن تجلب حلولاً اقتصادية للفقر والبطالة.

عَلما النيجر وروسيا أمام مقر البرلمان في نيامي الخميس (رويترز)

تزامنت أزمات دول الساحل مع فرنسا، مع صعود نجم الصين وروسيا، الأولى بدأت آثارها تظهر مباشرة بفضل مشاريعها في البنية التحتية والقروض والشراكات الناجحة التي بدأت تظهر بها في القارة السمراء، والثانية كانت أيضا قد قدمت نفسها بما يكفي على الأقل كقوة عسكرية مرنة وسهلة التعامل، وقادرة على حماية شركائها كما فعلت في سوريا، بدل فرنسا التي يصعب إملاء شروط عليها في المنطقة، والمستأثرة باقتصاداتها.

وإلى جانب ما قدمته الصين بعد وقف باريس مساعدتها التنموية لمالي، أظهرت بكين مسؤولية كبرى والتزاما تجاه باماكو، بعد أن كانت بادرت باستثمارات بقيمة 11 مليار دولار منذ 2014 في البنية التحية والمواصلات واستخراج المعادن. من جهتها، أظهرت روسيا عبر قوات «فاغنر» مرونة عسكرية كبيرة كانت تفتقدها القوات الفرنسية، التي كانت سيدة الموقف في مالي. فكانت «فاغنر» طوع بنان العسكريين في باماكو، يتوجهون بها حيث شاءت لقصف من يريدون.

وكانت الأمم المتحدة سجلت تلك التحركات والانتهاكات التي رافقتها في قرية مورا شمال مالي، التي قتلت فيها «فاغنر» مع القوات المالية نحو 500 شخص عام 2022.

شعرت مالي وبوركينا بالتحرر من التبعية الفرنسية وشروطها الثقيلة، وكانت آخر خطوات باماكو إلغاء اللغة الفرنسية لغة رسمية، والاكتفاء بالتعامل بها في الشؤون الإدارية على أن تعلن اللغات التي ستحل محلها لاحقا.ً إلى جانب العقيد أسيمي في باماكو، يسير نظيره البوركيني إبراهيم تراوري الذي أعلن المواقف ذاته.

حدث النيجر

كان حدث النيجر القشة التي قصمت ظهر البعير؛ إذ كانت باريس منخرطة في مراجعة لسياساتها في منطقة الساحل بعد انتقادات واسعة من شركائها. وبدت فرنسا في محاولة لتصحيح بعض هذه الأخطاء خاصة في الجانب الأمني، فلم ترد ترك المنطقة فريسة للجماعات الإرهابية التي سيطرت على معظم شمال مالي، ومعظم أراضي بوركينا فاسو وعلى مساحة تعادل مساحة فرنسا نفسها، حسب ما ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية.

وقالت الصحيفة في إحدى افتتاحياتها مطلع فبراير (شباط) الماضي، إن باريس مشغولة بعد رحيلها من مالي وبوركينا فاسو بخلق نموذج جديد للتدخل في منطقة الساحل لمواجهة أي مشاريع لتقويض أمن المنطقة من قبل الجماعات الإرهابية و«فاغنر» على حد سواء.

بدأت فرنسا في نسج وجود جديد و«صامت» في النيجر، وبدأت في برامج أمنية لتقوية حليفتها عسكرياً للتصدي للجماعات الإرهابية التي تحاول اختراقها. بيد أن النيجر التي يحكمها محمد بازوم، الشريك الاستراتيجي لباريس، لم تكن بمنأى عن جارتيها؛ إذ بدأت الانتقادات تنال من رئيسها المتهم بتبني سياسات باريس المتهمة بتخلف المنطقة وتراجعها والاستئثار بثرواتها.

وأمام المشاكل المتفاقمة أصلاً في النيجر، وتحت تأثير موجة المد الروسي حولها، كان الرئيس بازوم يواجه تحديات صعبة للغاية أصبحت جزءاً من «التقاليد» في أفريقيا، وهي ضرورة مشاركة العسكريين في السلطة والقرار. تقاليد كان بازوم، الراغب في إصلاحات سياسية واسعة، يتجاهلها حين قرر إبعاد رئيس حرسه عن منصبه، وإبداله بآخر متجاهلاً التقاليد الضرورية القاضية بشراء الذمم والمشاركة في السلطة للعسكريين الذين انقلبوا عليه، بمباركة من قيادات الجيش التي تعرف يقيناً أن هذه التغييرات ستشملها وتقصيها عن المشهد.

لحظة فارقة

كان الانقلاب لحظة فارقة للشارع النيجري، الذي رأى فيها فرصة سانحة للتعبير عن سخطه على فرنسا وحقبتها أسوة بالجيران، ليتحول الحدث من انقلاب عسكري إلى ثورة شعبية غاضبة ضد فرنسا، بشعارات ضد باريس، وأخرى تحمل أعلاماً روسية ترحيباً بها، كما حدث بالضبط في باماكو وواغادوغو.

متظاهرون يحملون أعلاماً روسية وشعارات مناهضة لفرنسا في نيامي الخميس (أ.ف.ب)

وفور ظهور هذه الصور، بدأت وسائل الإعلام في سرد «الحقبة الفرنسية» في النيجر وبقية دول الساحل، وبدأت «ملفات باريس السوداء» في الظهور، وأولها تسليط الضوء على شركاتها في اليورانيوم المتهمة باستغلال النيجر على مدى عقود طويلة. وكان لليورانيوم في النيجر الفضل في تزويد مفاعلات فرنسا بالطاقة، التي لا يتوفر منها شيء في كثير من مناطق استخراج اليورانيوم بالنيجر.

وأخيراً، فإن أغلب التحليلات ترى صعوبة بالغة، في تخلص الساحل الأفريقي من فرنسا وإرثها، خاصة لمنطقة تعتمد بالكامل في تعاملاتها المالية بعملة «الفرنك الأفريقي سيفا» المربوط بالبنك المركزي الفرنسي، فضلاً عن بلدان بنت وأسست كل سياساتها ولغتها ووجدانها باللغة الفرنسية. فيما يرى أكثر المحللين تفاؤلاً أن بإمكان فرنسا أن تبقى في المنطقة لكن كشريك لها، أسوة بالسياسات الأميركية تجاه المنطقة، والرغبة في صياغة شراكة أمنية واقتصادية متكافئة.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو رفضاً للانقلاب

أفريقيا الجنرال هورتا نتام يؤدي اليمين خلال مراسم في غينيا بيساو يوم 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو رفضاً للانقلاب

قرر «الاتحاد الأفريقي» تعليق عضوية غينيا بيساو بعد يومين من الانقلاب العسكري الذي يواجه أيضاً معارضة قوية من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا عادت الحياة إلى طبيعتها يوم الجمعة في عاصمة غينيا بيساو المضطربة بعد الانقلاب الخامس الذي شهدته الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والذي أعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (أ.ف.ب)

مع تراجع الانتشار الأمني بعد الانقلاب... غينيا بيساو تعود إلى حياتها اليومية

استؤنفت حركة المرور والأنشطة في عاصمة غينيا بيساو، اليوم (الجمعة)، مع تراجع الانتشار الأمني.

«الشرق الأوسط» (بيساو)
أفريقيا الجنرال هورتا نتام يؤدي اليمين خلال مراسم في غينيا بيساو يوم 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

رغم التنديد الدولي... رجل بيساو «القوي» يثبِّت انقلابه

قال جيش غينيا بيساو في بيان إن الجنرال هورتا نتام أدى اليمين رئيساً انتقالياً للبلاد  (الخميس) وذلك بعد يوم واحد من إعلان ضباط الجيش عزل الرئيس.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أفريقيا العميد دينيس نكانها (وسط الصورة) رئيس المكتب العسكري لرئاسة الجمهورية في غينيا بيساو يعقد مؤتمراً صحافياً في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

عسكريون يعلنون «السيطرة الكاملة» على غينيا بيساو

أعلن عسكريون في غينيا بيساو، الأربعاء، «السيطرة الكاملة» على البلاد وتعليق العملية الانتخابية وإغلاق الحدود، في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
TT

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

احتدم القتال في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية اليوم (الجمعة)، بعد يوم واحد من استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لزعيمي الكونغو ورواندا في واشنطن لتوقيع اتفاقات جديدة تهدف إلى إنهاء سنوات من الصراع في منطقة غنية بالمعادن، حسب ما نشرت «رويترز».

وأكد الرئيس الرواندي بول كاغامي، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، أمس الخميس، التزامهما باتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في يونيو (حزيران) لتوطيد الاستقرار، وفتح الباب أيضاً أمام المزيد من الاستثمارات الغربية في مجال التعدين.

وقال ترمب، الذي تدخلت إدارته في سلسلة من النزاعات حول العالم لتعزيز صورته صانعاً للسلام، وكذلك لتعزيز المصالح التجارية الأميركية: «إننا نضع حلاً لحرب دائرة منذ عقود».

ولكن على أرض الواقع، استمر القتال العنيف مع تبادل الاتهامات بين الأطراف المتحاربة.

وقالت حركة «23 مارس» المدعومة من رواندا، التي استولت على أكبر مدينتين في شرق الكونغو في وقت سابق من هذا العام، وغير ملزمة باتفاق واشنطن، إن القوات الموالية للحكومة تشن هجمات واسعة النطاق.

ومن ناحيته، قال متحدث باسم جيش الكونغو الديمقراطية إن الاشتباكات مستمرة، وإن القوات الرواندية تشن هجمات قصف.

ويقول محللون إن الجهود الدبلوماسية الأميركية أوقفت تصعيد القتال في شرق الكونغو لكنها فشلت في حل القضايا الجوهرية، مشيرين إلى عدم وفاء الكونغو ورواندا بالتعهدات التي قطعها الجانبان في اتفاق يونيو (حزيران).

وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت الجمعة عشرات العائلات النازحة وهي تفر سيراً على الأقدام مع أخذ الأمتعة والماشية في إقليم جنوب كيفو بشرق الكونغو.

اقرأ أيضاً


بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
TT

بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

قررت السلطات العسكرية في بوركينا فاسو، الخميس، إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي أُلغيت عام 2018، خصوصاً فيما يتعلق بتهمة الإرهاب والخيانة العظمى والتجسس، في وقت يعيش فيه البلد تصاعداً في الهجمات الإرهابية التي تنفذها مجموعة مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وأُعلن القرار في بيان صادر عقب اجتماع مجلس الوزراء، وقالت الحكومة إنها صدّقت على «مشروع قانون العقوبات»، الذي يحدد عقوبات صارمة تجاه عدد كبير من الجرائم والجنايات، ذات الطابع الأمني والاقتصادي والسياسي.

وأضافت الحكومة موضحة أن مشروع القانون «يُعيد العمل بعقوبة الإعدام لعدد من الجرائم، من بينها الخيانة العظمى، والأعمال الإرهابية، وأعمال التجسس، وغيرها».

وقال وزير العدل وحقوق الإنسان، إداسو رودريغ بايالا، في بيان الحكومة، إن اعتماد هذا المشروع «يندرج ضمن الإصلاحات الواسعة التي يشهدها القطاع، بهدف تحقيق عدالة تلبي التطلعات العميقة للشعب».

كما يتضمن مشروع القانون الجديد تجريم «الترويج والممارسات المثلية والأفعال المرتبطة بها»، وفق ما أعلنته الحكومة، علماً بأنه سبق أن اعتمدت بوركينا فاسو في سبتمبر (أيلول) الماضي قانوناً يستهدف «مرتكبي الممارسات المثلية» بعقوبات تصل إلى خمس سنوات سجناً.

غرامات وأعمال مفيدة

أوضح الوزير رودريغ بايالا أن مشروع القانون اعتمد «العمل للمصلحة العامة» بوصفه عقوبة رئيسية، وهو ما يعني إحلال عقوبة تقوم على إلزام الشخص المحكوم عليه بأداء أعمال مفيدة للمجتمع، تحت إشراف السلطات، ووفق ضوابط قانونية محددة، محل بعض العقوبات التقليدية، مثل السجن أو الغرامة.

في غضون ذلك، شهدت الغرامات المالية المرتبطة بجميع المخالفات، سواء الجنح أو الجرائم، زيادة ملحوظة في مشروع القانون الجديد؛ إذ ارتفع الحد الأدنى للغرامة من 250 ألف فرنك أفريقي (450 دولاراً أميركياً) إلى 500 ألف فرنك أفريقي (900 دولار أميركي).

لقطة من فيديو لمعسكر تدريب لمقاتلي «القاعدة» في بوركينا فاسو (تواصل اجتماعي)

وأشار الوزير إلى أن العقوبات المتعلقة بسلامة المرور «رُفعت بشكل خاص، لأننا لاحظنا أن 90 إلى 95 في المائة من حوادث السير التي تفجع الأسر البوركينابية سببها المستخدمون أنفسهم»، على حد تعبيره.

وحول الجرائم الاقتصادية، مثل الاختلاس وأعمال الفساد، يمكن أن تصل العقوبات إلى السجن المؤبد عندما تتجاوز قيمة الأموال المختلسة، أو موضوع الجريمة، 5 مليارات فرنك أفريقي (نحو 9 ملايين دولار أميركي)، حسب الوزير.

في انتظار قرار البرلمان

من أجل أن يصبح مشروع القانون الجديد ساري المفعول، لا بد من موافقة الجمعية التشريعية الانتقالية التي أنشأتها السلطة العسكرية، بوصفها بديلاً للبرلمان الذي تم حله في أعقاب الانقلاب العسكري.

ويتوقع المراقبون أن مشروع القانون الجديد لن يجد أي مشكلة أمام الجمعية التشريعية الانتقالية، حيث تتماهى هذه الجمعية مع سياسات الحكومة، ولم يسبق أن رفضت أي قانون مقترح من طرف السلطة التنفيذية.

وحسب منظمة العفو الدولية، فإن آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في بوركينا فاسو كان عام 1988، خلال حكم الرئيس الأسبق توماس سانكارا، وهو أيقونة التحرر الأفريقي، ويتخذ منه الرئيس الحالي إبراهيم تراوري نموذجاً.

لكن عقوبة الإعدام أُلغيت في بوركينا فاسو منذ عام 2018، في عهد الحكومة المدنية برئاسة روش مارك كريستيان كابوري الذي أُطيح به في انقلاب عسكري عام 2021، ويحكم البلاد منذ 2022 الكابتن إبراهيم تراوري، ومنذ وصوله إلى السلطة، انتهج تراوري سياسات مناهضة للغرب، وابتعد عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، في الوقت الذي عزز فيه علاقاته مع روسيا.

توسع الإرهاب

رغم التحالف مع روسيا وإعادة هيكلة الجيش في بوركينا فاسو، لا يزال الإرهاب يتوسع في البلاد، حيث تشير تقارير إلى أن الجماعات الإرهابية تسيطر على أكثر من 40 في المائة من مساحة البلد الواقع في غرب أفريقيا.

وكثفت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، هجماتها في شمال وشرق بوركينا فاسو خلال الأسابيع الأخيرة، وأعلنت، الخميس، أنها سيطرت على ثكنة عسكرية في قرية باكاسولوغو، في ولاية كايا، الواقعة في الوسط الشرقي من بوركينا فاسو.

كما نشرت الجماعة الإرهابية مقطع فيديو دعائياً، الجمعة، يظهر معسكر تدريب لمقاتليه في بوركينا فاسو، ويكشف الفيديو عن وجود مئات المقاتلين في المعسكر، يرتدون ملابس شبه عسكرية، ويقومون بحركات قتالية.


النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
TT

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)

اتهمت النيجر شركة «أورانو» الفرنسية للوقود النووي بـ«السلوك الاستغلالي» وارتكاب جرائم بيئية، في تصعيد جديد لنزاع محتدم حول السيطرة على مناجم اليورانيوم في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وذكرت الحكومة التي يقودها الجيش أن شركة «أورانو» يمكن أن تواجه إجراءات جنائية بتهمة ارتكاب «جرائم جماعية» بعد أن أفادت السلطات بالعثور على 400 برميل من المواد الأساسية المشعة في منطقة ماداويلة بالقرب من منطقة أرليت.

وقالت شركة «أورانو»، المملوكة بنسبة 90 بالمائة للدولة الفرنسية، إنها لم تتلقَّ أي إشعار رسمي بالإجراءات القانونية، ونفت العمل في منطقة ماداويلة.

وأضافت الشركة، في رد مكتوب على أسئلة وكالة «رويترز»، «(أورانو) لا تملك رخصة تشغيل لموقع ماداويلة، ولم تقم بأي عمليات هناك».

وقال وزير العدل أليو داوودا إن الإشعاع في المنطقة تجاوز المعدلات الطبيعية بشكل كبير؛ إذ بلغ نحو سبعة إلى عشرة ميكروسيفرت في الساعة، مقارنة بالمعدل المعتاد البالغ 0.5 ميكروسيفرت. ووجدت الفحوص مادتين مرتبطتين بمشاكل تنفسية يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الناس.

يأتي هذا الخلاف عقب تأميم النيجر منجم «سومير» في يونيو (حزيران)، مما أدى إلى تجريد «أورانو» من حصتها البالغة 63.4 بالمائة.