عبر تمرد السفراء... بازوم يقاوم انقلاب النيجر دبلوماسياً

السفيرة في باريس تتمسك بشرعية بازوم وترفضُ إقالتها من العسكر

رئيس النيجر المعزول محمد بازوم (أ.ب)
رئيس النيجر المعزول محمد بازوم (أ.ب)
TT

عبر تمرد السفراء... بازوم يقاوم انقلاب النيجر دبلوماسياً

رئيس النيجر المعزول محمد بازوم (أ.ب)
رئيس النيجر المعزول محمد بازوم (أ.ب)

تدور معركة دبلوماسية على هامش الانقلاب العسكري في النيجر، بين المجلس العسكري الذي يحكمُ البلاد والرئيس المنتخب محمد بازوم الموجود في قبضة حرسه الرئاسي منذ أكثر من أسبوع. وبدأت هذه المعركة تبرزُ حين قرر الانقلابيون إقالة أربعة سفراء، من بينهم سفيرة النيجر لدى فرنسا. الانقلابيون أصدروا مساء الخميس قراراً بإنهاء مهمات سفراء بلادهم لدى فرنسا والولايات المتحدة ونيجيريا وتوغو، دون تقديم أي مبررات للقرار ولماذا اقتصر على هذه الدول وحدها.

تشيرُ بعض المصادر إلى أن القرار له صلة باحتمال التدخل العسكري، إذ إن فرنسا والولايات المتحدة هما البلدان الغربيان الأكثر حضوراً عسكرياً في النيجر، ونيجيريا هي البلد العضو في (إيكواس) والمحاذي للنيجر، وقد تعبر منه أي قوات إقليمية لمواجهة الانقلابيين.

ولكن الرئيس المحتجز من قبل الانقلابيين، لا يبدو أنه بمعزل عن سير الأمور، فهو يخوض معركته الدبلوماسية الخاصة؛ حيث أجرى اتصالاً هاتفياً مع سفيرة النيجر في باريس عيشة بولام كانْ، وطلب منها مواصلة عملها ورفض قرار المجلس العسكري، وهو ما استجابت له بسرعة.

وقالت السفيرة في تصريح للصحافيين يوم الجمعة، إنها تلقت قرار إنهاء مهامها من طرف قادة الانقلاب في «رسالة»، مشيرة إلى أن هذه الرسالة تضمنت قراراً بتسمية قائم بالأعمال ليخلفها في منصب السفير، وهو المستشار الأول في سفارة النيجر بباريس، ولكن السفيرة قالت: «لقد أبلغت المستشار الأول برفضي لهذا القرار».

متظاهرون ضد العقوبات المفروضة على النيجر بعد الانقلاب (رويترز)

قرار في رسالة

ووصفت عيشة بولام كانْ قرار المجلس العسكري بأنه «باطل ولا عبرة به» لأنه صادر عن «سلطة غير شرعية (...) أنا سفيرة النيجر لدى فرنسا»، وأكدت في السياق ذاته: «أنا الآن في مكتبي، الرئيس بازوم اتصل بي هاتفيا أمس، ليقول لي: اذهبي إلى مكتبك، لديك كامل ثقتي وسنواصل العمل».

وختمت الدبلوماسية النيجرية حديثها بالقول إن «محمد بازوم وحده من أعترف به، وهو من عينني لدى الرئيس ماكرون، وسأبقى سفيرته لدى فرنسا»، وتعد عيشة بولام كانْ (68 عاماً) سياسية بارزة في النيجر وشخصية لها وزنها، إذ سبق أن كانت محافظة للعاصمة نيامي لأربع سنوات (2011 – 2015)، قبل أن يعينها الرئيس السابق محمدو يوسفو وزيرة للخارجية في الفترة حتى 2016، كما عينها بازوم بعد وصوله إلى الحكم، سفيرة لبلاده لدى فرنسا.

وظهرت الدبلوماسية النيجرية في عدة مقابلات صحافية لتؤكد رفضها لقرار المجلس العسكري، ولتشير إلى أن «السفارة تعملُ بشكل طبيعي، وأنا كنتُ في مكتبي ككل يوم»، ووجهت انتقادات لاذعة لقرارات الانقلابيين، وقالت إن «قرارهم بإنهاء اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا سيلحق ضررا بالحرب على الإرهاب، لأنه عودة كبيرة إلى الوراء، ولأن هذا التعاون مكّن النيجر من تحقيق نتائج مهمة على الأرض في مواجهة الإرهاب، خاصة خلال الأشهر الأخيرة وفي منطقة المثلث الحدودي، كما يشهد على ذلك الجميع»، وفق تعبيرها.

الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي (بالزي الأبيض) مع الرئيس النيجري المخلوع محمد بازوم في نيامي (أ.ف.ب)

اتصال مع بازوم

الدبلوماسية النيجرية أكدت أنها على اتصال مباشر مع الرئيس المنتخب محمد بازوم، وهو المحتجز في شقة سكنية بالقصر الرئاسي، منذ يوم الأربعاء 26 يوليو (تموز) الماضي، ورغم ذلك يبدو أن بازوم يتمتع بمستوى معين من الحرية؛ حيث سبق أن أجرى عدة اتصالات هاتفية منذ وقوع الانقلاب، من بينها اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما ظهر مرة واحدة خلال لقاء مع رئيس تشاد الجنرال محمد إدريس ديبي الذي زار النيجر قبل أيام ضمن وساطة بين أطراف الأزمة.

إلا أن بعثة وساطة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) زارت نيامي يوم الخميس لم تتمكن من لقاء بازوم، كما أنها غادرت نيامي دون أن تلتقي بالجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس المجلس العسكري الذي يحكم البلاد. وكان بازوم قد نشر مقالاً عبر صحيفة «واشنطن بوست» ليل الخميس، هو أولُ تصريح له منذ احتجازه، قال فيه إن نجاح الانقلاب «ستكون له عواقب وخيمة على بلدنا ومنطقتنا والعالم بأسره».

وطلب بازوم في المقال المنشور باللغة الإنجليزية من «الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي بأسره مساعدتنا في استعادة نظامنا الدستوري»، وقال إنه يكتب بصفته «رهينة»، مشيراً إلى أنه «في منطقة الساحل المضطربة، وفي وسط الحركات الاستبدادية التي فرضت نفسها لدى بعض من جيراننا، فإن النيجر هي آخر معقل لاحترام الحقوق».

التأثير الروسي

وحذر بازوم من أن يتكرر في النيجر، ما حدث في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين اللتين يحكمهما نظامان عسكريان «يستخدمان مرتزقة مجرمين مثل مجموعة (فاغنر) من أجل حل المشكلات الأمنية»، بدلاً من «تعزيز قدراتهما الذاتية».

وخلص إلى تأكيد أنَّ «المنطقة الوسطى في الساحل قد تصبح بكاملها تحت التأثير الروسي عبر مجموعة (فاغنر) التي ظهر إرهابها الوحشي بوضوح في أوكرانيا»، وقال إن «هذا الانقلاب يجب أن يتوقف، ويتوجب على المجلس العسكري إطلاق سراح جميع مَن يحتجزونهم بشكل غير شرعي».


مقالات ذات صلة

الشرطة البرازيلية: بولسونارو شارك في محاولة انقلاب 2022

أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية: بولسونارو شارك في محاولة انقلاب 2022

خلص تقرير للشرطة البرازيلية نشر الثلاثاء إلى أن الرئيس السابق جايير بولسونارو "شارك بشكل فاعل" في محاولة انقلاب في العام 2022.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (وسط) يحضر حفل تخرج للطلاب في أكاديمية عسكرية في ولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل 26 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية تتهم الرئيس السابق بولسونارو بمحاولة الانقلاب عام 2022

قالت الشرطة الفيدرالية البرازيلية، اليوم الخميس، إنها وجهت الاتهامات للرئيس السابق جايير بولسونارو و36 شخصاً آخرين بتهمة محاولة الانقلاب عام 2022.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أميركا اللاتينية وفقاً للتحقيق خطط الانقلابيون لقتل رئيس البلاد لولا دا سيلفا ونائبه جيرالدو ألكمين وقاضي المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس (رويترز)

البرازيل: اعتقال 5 ضباط بتهمة التخطيط للانقلاب على الرئيس لولا دا سيلفا

قالت السلطات البرازيلية، الثلاثاء، إن شرطة البلاد اعتقلت 5 ضباط متهمين بالتخطيط لانقلاب تضمن خططاً للإطاحة بالحكومة بعد انتخابات 2022 وقتل الرئيس.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أفريقيا صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا المواطن الأميركي بنجامين ريوبين زالمان بولن خلال محاكمته في قضية «محاولة الانقلاب» بالكونغو (إ.ب.أ)

حكم بإعدام 37 شخصاً بينهم 3 أميركيين في «محاولة الانقلاب» بالكونغو الديمقراطية

أصدرت محكمة عسكرية بكينشاسا حكماً بإعدام 37 متهماً، بينهم 3 أميركيين، في قضية «محاولة الانقلاب» التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

TT

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)

بسبب أهمية منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية، وحجم الثروات الكامنة فيها، وهشاشة أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية، تتزايد دوافع اللاعبين الدوليين والإقليميين للتمركز فيها، وهو الأمر الذي حوّلها ميداناً لـ«حرب باردة»، وصراع إرادات ينتظر شرارة مشتعلة لينفجر صداماً إقليمياً.

وإذا كانت القوى الكبرى، مثل أميركا والصين وروسيا، تتصدر الواجهة في سباق الوجود بالقرن الأفريقي، فإن ذلك لم يمنع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران والهند من البحث عن مكان لها في المنطقة، ما دعا مسؤولين ومراقبين إلى التحذير من سيناريوهات تصعيدية عديدة بالمنطقة، كالتحول إلى «ميدان لحرب باردة» بين اللاعبين الدوليين.

ويُقصد بالقرن الأفريقي جغرافياً، الجزء الواقع غرب البحر الأحمر، وخليج عدن في شكل قرن، ويضم أربع دول، هي: الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، ويتسع ليشمل دول الجوار: كينيا، أوغندا، تنزانيا، جنوب السودان، السودان، وكذلك اليمن، لارتباطها بهذه الدول.

صراع المواني

ويشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي، في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية للوجود بالمنطقة، لكونها معبراً رئيساً لنقل النفط من دول الخليج للأسواق العالمية. وتدلل على ذلك بيانات التجارة العالمية المارة عبر البحر الأحمر، حيث تسجل تلك التجارة نحو 12 في المائة من حركة تجارة العالم سنوياً، بواقع 30 في المائة من حركة حاويات الشحن العالمية، وبقيمة تتجاوز تريليون دولار. إلى جانب ما بين 7 إلى 10 في المائة من إمدادات النفط العالمية، وفق بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في يناير (كانون الثاني) 2024.

أحد المواني في جيبوتي (أ.ف.ب)

وتُضاعف المواني البحرية، وعددها 10 مواني، من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، لتحتل مرتبة متقدمة في سياسات القوى الدولية والإقليمية الطامحة للعب دور بها، بالنظر إلى ما تمثله المنطقة من حلقة ربط بين مراكز تجارية وأسواق شرق ووسط أفريقيا ودول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وفق الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج. وعدّ اللواء فرج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «التأثير المتزايد للمنطقة، على حركة التجارة العالمية، يدفع الدول الكبرى، للوجود لتأمين تجارتها ومصالحها».

وبينما يتركز التنافس على تلك المواني بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه لم يمنع قوى إقليمية من الظهور على خريطة التنافس الدولي، مثل تركيا، وإثيوبيا التي تبحث عن منفذ بحري لها.

وتتنوع محددات اللاعبين الدوليين للتنافس على مواني القرن الأفريقي، إذ تنطلق لتحقيق أهداف أمنية واستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، بضمان وجودها عبر مجموعة من «التحالفات البحرية الأمنية»، بينما تستهدف الصين توسيع استثماراتها في المواني البحرية في إطار مبادرتها «الحزام والطريق»، حيث تستحوذ على إدارة وتشغيل ميناء جيبوتي المعروف بـ«ميناء دوراله»، كما افتتحت عام 2018 منطقة تجارة حرة بجيبوتي مساحتها تقدر بنحو 48 كيلومتراً مربعاً. فيما تسيطر تركيا على ميناء مقديشو في الصومال، وفقاً لاتفاقية مارس (آذار) 2023. وإقليمياً تسعى إثيوبيا لإيجاد منفذ بحري لها، مطلع هذا العام، باتفاق مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض صومالي وعربي.

ناقلة نفط في البحر الأحمر (رويترز)

وتوفر حركة التجارة عبر الممر الملاحي للبحر الأحمر ميزة تنافسية، من حيث توفير الوقت والمسافة والتكلفة، حسب وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، السماني الوسيلة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقع الجغرافي لقناة السويس والبحر الأحمر يجعلها أقصر طريق للتجارة بين الشرق والغرب، بالمقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح».

وتعتمد دول شرق أفريقيا في تجارتها على البحر الأحمر وقناة السويس، إذ يعبر القناة نحو 34 في المائة من تجارة السودان، ونحو 31 في المائة من تجارة جيبوتي، و15 في المائة من تجارة كينيا، و10 في المائة لتنزانيا، وفقاً لتقرير «الأونكتاد»، في فبراير (شباط) 2024.

تنافس على الثروات

إلى جانب ذلك، تشكل ثروات القرن الأفريقي هدفاً آخر للتنافس الدولي. يدلل على ذلك وزير الإعلام الصومالي الأسبق، زكريا محمود، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بتدخلات أطراف دولية للاستفادة من الاحتياطي النفطي بالصومال الذي يبلغ 30 مليار برميل، وفقاً للحكومة الصومالية، وثرواته الحيوانية الكبيرة التي تُقدّر بنحو 56 مليون رأس ماشية، حسب منظمة «الفاو».

ووقعت تركيا والصومال، في يوليو (تموز) الماضي، اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية. وأرسلت أنقرة على أثر ذلك، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سفينة الأبحاث السيزمية التركية «عروج ريس» إلى ميناء مقديشو، لإجراء مسح للغاز والنفط، في مهمة تستمر 7 أشهر.

وحسب تصريح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، عبد الرحمن مكاوي، لـ«الشرق الأوسط»، فإن المنطقة "تحظى بكميات كبيرة، من الليثيوم والذهب، والغاز، وغيرها من المعادن التي تحتاج إليها الدول الكبرى.

عسكرة البحر الأحمر

وبدافع مواجهة تهديدات حركة الملاحة، يتزايد الحشد العسكري الدولي بالمنطقة، فجيبوتي، رغم صغر مساحتها (23200 كيلومتر)، تستضيف 6 قواعد عسكرية لدول (الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، واليابان، وإسبانيا، وإيطاليا).

وباعتقاد الكاتب الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم، فإن «أطماع القوى الدولية في السيطرة على الممر المائي، وراء تزايد الوجود العسكري الأجنبي على الساحل الغربي للبحر الأحمر»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تزايد العسكرة مخطط للاستعمار الحديث، ودليل على أن الصراع الدولي القادم سيكون بالإقليم».

وتشكل حالة الهشاشة، ومستويات الفقر، دوافع أساسية، لتأجير دول القرن الأفريقي مساحات من أراضيها، لإقامة قواعد عسكرية أجنبية بها، كما الوضع في جيبوتي وإريتريا والصومال. وفق مكاوي.

وتعتمد جيبوتي على الرسوم السنوية لتأجير أراضي القواعد العسكرية الأجنبية، بوصف ذلك جزءاً مهماً في دخلها القومي السنوي، حيث بلغت إيرادات تلك الرسوم عام 2020، نحو 129 مليون دولار أميركي، بواقع 18 في المائة من دخل البلاد، حسب معهد أبحاث «جايكا» التابع للوكالة اليابانية للتعاون الدولي.

وأتاحت إريتريا، وجوداً عسكرياً لإسرائيل، بقاعدة في جزر «دهلك» (قرب مدينة مصوع الساحلية)، منذ تسعينات القرن الماضي، كما تستضيف قاعدة بحرية إيرانية، بالقرب من ميناء «عصب»، وفي الصومال افتتحت تركيا، قاعدة عسكرية (مخصصة للتدريب) على ساحل المحيط الهندي، في 2017.

لاعبون متنوعون

ودخلت الهند على الخط، حين نشرت البحرية الهندية للمرة الأولى مطلع العام الحالي، أسطولاً ضخماً يضمّ 12 سفينة حربية في خليج عدن وبحر العرب، بدعوى التصدي لعمليات القرصنة أمام السواحل الصومالية.

ومع ذلك، لا تتوقف محاولات الوجود العسكري، من لاعبين دوليين آخرين بالمنطقة، خاصة مع التحركات الروسية، لإقامة قواعد لها على السواحل الإريترية والسودانية، وفقاً لرئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر، محجوب حامد آدم، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحشد العسكري الدولي، يعكس رغبة تلك الدول في فرض وصايتها على المنطقة».

الفريق البرهان لدى لقائه الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف في بورتسودان (أرشيفية - سونا)

وتسعى روسيا للحصول على موطئ قدم هي الأخرى على ساحل البحر الأحمر، حيث أبرمت اتفاقاً مع السودان عام 2017 لإنشاء قاعدة بحرية. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا، أن «موسكو طلبت إقامة محطة تزويد بالوقود على السواحل السودانية». وبموازاة ذلك، كانت موسكو أبرمت اتفاقاً مع إريتريا في يناير 2023، لاستغلال ميناء «مصوع».

وفي رأي وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، فإن موسكو «لن تسمح للقوى الغربية بتمديد نفوذها وحدها في الإقليم».

غير أن الحضور العسكري الأكبر في المنطقة، يأتي من نصيب أميركا، وفق المستشار العسكري السابق للخارجية الأميركية، عباس دهوك، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «واشنطن تكثف من وجودها العسكري، للرد على هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية، ومواجهة مخاطر القرصنة».

حرب باردة جديدة

نوّعت واشنطن من صيغ تحالفاتها الأمنية مع حلفائها، بدافع التصدي لتهديدات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. ودشّنت في سبيل ذلك، تحالف «سانتينال» البحري عام 2019. وفي 2022، شكلت «قوة المهام المشتركة 153» التي تضم 39 دولة. وفي نوفمبر 2023، أعلنت عن تحالف جديد باسم «حارس الازدهار» يضم 10 دول، للتصدي لهجمات الحوثيين وعرقلتهم للملاحة الدولية.

في المقابل، تُوسّع الصين نشاطها الاقتصادي بالمنطقة، وتسعى لإحكام قبضتها بالقروض المتزايدة لدول القرن الأفريقي، ما يثير قلق القوى الغربية، حسب المحلل السياسي الأميركي ماك شرقاوي، الذي حذّر في حديث لـ«الشرق الأوسط» من «فرض الوصاية الصينية على دول المنطقة، بسبب تراكم الديون».

وباعتقاد شرقاوي، فإن تحركات القوى الكبرى «تجعل من القرن الأفريقي ميداناً جديداً لحرب باردة بينها»، وحذّر من «تفاقم المواجهة، حال تعارض المصالح الصينية والروسية، مع تحركات القوى الغربية».

سيناريو «الحرب الباردة» بين أميركا والصين وروسيا لا يستبعده دهوك، الذي عدّ صراع النفوذ بين تلك الدول «يزيد من توترات المنطقة، وربما يصل إلى حدّ الصدام».

نزاعات وتحالفات

وتُشكّل توترات ونزاعات القرن الأفريقي، باباً خلفياً لتدخلات لاعبين خارجيين. فقد دفع توقيع إثيوبيا مُذكّرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي للحصول على ميناء بحري، مقديشو لتعزيز تعاونها العسكري مع حلفاء إقليميين مثل مصر وتركيا.

ووقّع الصومال في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، إلى جانب «مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. وتفاقم التوتر، مع توقيع الصومال ومصر، بروتوكول تعاون عسكري، في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، وأعلنت عزمها على إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من بعثة حفظ السلام الجديدة الأفريقية، في خطوات أغضبت إثيوبيا، التي اتهمت الصومال بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار بالمنطقة».

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

ويُعوّل الصومال على مصر وتركيا لدعم قدرات جيشه في مواجهة التحركات الإثيوبية، وفق وزير الإعلام الصومالي الأسبق، عادّاً «الصدام بين مقديشو وأديس أبابا قادماً، وعلى نطاق إقليمي واسع». وقال إن الخطر في التحركات الإثيوبية «سعيها لاجتزاء جزء من أرض الصومال بالمخالفة للقانون الدولي».

غير أن الاتفاق الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال، يأتي بمباركة دول غربية، حسب الكاتب الصحافي الإثيوبي. ودلّل على ذلك بتعهد الولايات المتحدة وفرنسا، بعد توقيع اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا في 2018، «بتطوير القوات البحرية الإثيوبية رغم عدم امتلاكها منفذاً بحرياً».

لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الصومالي في أنطاليا (جنوب تركيا) مارس الماضي (أرشيفية - الرئاسة التركية)

وتتمسك الحكومة الإثيوبية باتفاقها مع «أرض الصومال» للحصول على ميناء بحري. وأكّد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نهاية أكتوبر الماضي، أن «بلاده تسعى للوصول السلمي للبحر الأحمر، ولا تحتاج إلى القوة أو الحرب. وإذا لم ننجح، فسيفعل ذلك أطفالنا».

وأفرزت التحركات الإثيوبية تحالفات إقليمية جديدة، منها آلية التعاون الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، ما ينذر بمواجهة مع أديس أبابا، وفق رئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر.

صراع مائي

ولا يمكن فصل التحركات المصرية لدعم الصومال عن مصالحها المائية، في ضوء النزاع القائم بين القاهرة وأديس أبابا حول «سد النهضة»، وفق تقدير أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، الذي يرى أن «المياه ستشكل السبب الأساسي في الصراع الدولي والإقليمي القادم بالمنطقة».

صورة حديثة لسد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا على «إكس»)

غير أن اللواء فرج عدّ التعاون العسكري المصري - الصومالي «ليس مُوجّهاً ضد أحد، ويستهدف دعم قدرات مقديشو لمواجهة الإرهاب وتأمين الملاحة بمضيق باب المندب»، واستبعد وصول التوترات لمرحلة «الصراع العسكري».

ووفق بحث لمركز دراسات الحرب الأميركي، في سبتمبر (أيلول) 2024، فإن «لجوء الصومال لمصر وتركيا للمساعدة في التصدي للتحركات الإثيوبية، استفادت منه القاهرة وأنقرة، لتعزيز مصالحهما بالقرن الأفريقي». وقال إن «مشاركة الدولتين ستؤدي لزيادة خطر نشوب صراع إقليمي أوسع».

«استعمار جديد»

لا يختلف الأمر في حالة الحرب الداخلية بالسودان بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع». ذلك أن الاتصالات أظهرت تقارب الحكومة السودانية مع قوى كروسيا والصين ودول إقليمية مثل إيران، في مواجهة محور دولي مقابل، يقول قادة الجيش السوداني إنه داعم للطرف الآخر بالحرب (قوات الدعم السريع).

ويسعى السودان لوضع حد للتدخلات الخارجية من بعض الجهات التي تسعى للسيطرة عليه، وفق رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، لوفد مجلس السلم والأمن الأفريقي في أكتوبر الماضي، عاداً تلك التدخلات «استعماراً جديداً لبلاده».

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وقد يدفع صراع النفوذ الدولي بالقرن الأفريقي إلى تمدد التنظيمات الإرهابية، أو ظهور «حروب بالوكالة» من تنظيمات مُسلّحة تحقيقاً لمصالح قوى دولية، وفق الكاتب إبراهيم، الذي دلّل بـ«بوادر التعاون بين حركة الشباب الصومالية، مع الحوثيين، ما قد يفرز تنظيمات مسلحة أكثر تشدداً بدعم خارجي، ويحول الوضع في المنطقة إلى (أفغانستان جديدة)».

ويرجح السماني الوسيلة هذا السيناريو في السودان، محذراً من «استغلال حركات مسلحة وتنظيمات أصولية وثورية، حالة الهشاشة الأمنية والسياسية، بالانتشار والتموضع على السواحل السودانية بالبحر الأحمر، التي تمتد لنحو 750 كيلومتراً».

وفي وقت استبعد فيه كل من فرج وشرقاوي انتشار التنظيمات الإرهابية في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية، فإن المستشار السابق للخارجية الأميركية عدّ أن «عدم استقرار منطقة البحر الأحمر، قد يؤدي لتمكين وانتشار التنظيمات الإرهابية بالمنطقة»، وطالب بضرورة «معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، ودعم جهود الاستقرار الإقليمي».