قتيلان في مظاهرات رافضة لحل حزب معارض بالسنغال

طريق سونكو نحو رئاسة البلاد أصبحت شبه مستحيلة

زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)
زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)
TT

قتيلان في مظاهرات رافضة لحل حزب معارض بالسنغال

زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)
زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)

سقط قتيلان على الأقل في مظاهرات غاضبة خرجت أمس (الاثنين)، في مدينة زيغنشور جنوب السنغال، احتجاجاً على حل السلطات لحزب «باستيف» الذي يرأسه المعارض عثمان سونكو، الموجود قيد التوقيف بأمر من العدالة بعد توجيه 7 تهم إليه؛ منها «الدعوة إلى التمرد والتآمر».

امرأة تغطي وجهها بعد أن أطلق رجال الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق حشد من المتظاهرين بعد اعتقال زعيم المعارضة عثمان سونكو في دكار (رويترز)

وأكدت وزارة الداخلية السنغالية سقوط القتيلين، خلال مظاهرات اندلعت في المدينة التي يتولى سونكو رئاسة مجلسها البلدي، ويمثلها في البرلمان السنغالي، وهي مسقط رأسه ومركز ثقله الانتخابي.

ولكن مدينة زيغنشور لها خصوصيتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، فهي عاصمة إقليم كازامانص، الذي سبق أن اندلع فيه تمرد مسلح قبل عدة عقود، يدعو إلى استقلاله عن السنغال، ولا يزال ذلك الإحساس بالخصوصية موجوداً لدى سكان الإقليم ذي الأغلبية المسيحية.

وبدأت المظاهرات زوال أمس، حين قام شبان غاضبون بإغلاق الطرق الرئيسية في المدينة، وإضرام النيران في أغصان أشجار وأطر سيارات، قبل أن يبدأ الأمن تفريق المحتجين، ليسقط قتيلان و3 جرحى، فيما كان هنالك 6 معتقلين خضعوا للتحقيق، حسب مصادر أمنية.

رجال الشرطة يزيلون كشكاً أسقطه المتظاهرون لإغلاق الطريق بعد اعتقال زعيم المعارضة عثمان سونكو في دكار (رويترز)

وزارة الداخلية السنغالية أصدرت بياناً يتحدث عن مظاهرات زيغنشور، ودعت فيه المواطنين إلى «التزام الهدوء»، ولكنها في الوقت ذاته أكدت أن الجهات الأمنية «اتخذت كل الإجراءات الضرورية للحفاظ على السلام والطمأنينة في البلاد».

ضابط شرطة يحتجز متظاهراً خلال اشتباكات مع أنصار زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو بعد اعتقال سونكو في دكار (السنغال) (رويترز)

وتعيش السنغال واحدة من أكثر فتراتها السياسية اضطراباً، وهي البلد المعروف باستقراره السياسي، ونموذجه الديمقراطي الناجح في منطقة غرب أفريقيا المضطربة دوماً، فالسنغال لم تشهد أي انقلاب عسكري منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، على خلاف ما اشتهرت به دول الجوار من عنف سياسي.

ولعل ذروة الاضطراب السياسي الذي تعرفه السنغال، كانت نهاية مايو (أيار) ومطلع يونيو (حزيران) الماضيين، حين حكم على عثمان سونكو بالسجن عامين نافذين في قضية «فضيحة جنسية»، لتندلع مظاهرات غاضبة سقط فيها 16 قتيلاً على الأقل، حسب حصيلة الحكومة، ونحو 30 قتيلاً، حسب حصيلة غير رسمية.

سونكو البالغ من العمر 49 عاماً، يرأس حزب «الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة»، المعروف في السنغال اختصاراً باسم «باستيف»، وهو حزب يحمل خطاباً مناهضاً لفرنسا والغرب، ويقال إن له ميولاً وارتباطات بحركة الإخوان المسلمين، ويحظى بشعبية واسعة في أوساط الشباب الجامعي، وداخل الأحياء الشعبية الفقيرة.

وسبق أن ترشح سونكو للانتخابات الرئاسية الماضية (2019)، وينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة (2024)، ويقدم نفسه على أنه «زعيم المعارضة» في السنغال، ولكنه كثيراً ما يدلي بتصريحات حادة تصل في بعض الأحيان إلى التهديد باستخدام العنف ضد الدولة.

ومع أن سونكو لا يزال شاباً بالمقارنة مع بقية الشخصيات التي تتصدر المشهد السياسي في السنغال، فإن أنصاره يقدمونه على أنه الوحيد القادر على الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً أن الرئيس الحالي ماكي صال لن يكون مرشحاً لها، إلا أن على سونكو قبل ذلك أن يحل مشاكله مع العدالة السنغالية.

ورغم أنه استأنف الحكم الصادر في حقه بالسجن النافذ عامين في قضية اتهامه بالتحرش والاغتصاب، بدأت قضية ثانية يوم الجمعة الماضي، حين أوقفته العدالة ووجهت له 7 تهم خطيرة تتعلق جميعها بالتآمر لزعزعة الأمن والدعوة إلى التمرد، على خلفية تورط أنصار حزبه في أحداث العنف قبل شهرين، وقد أمر القضاء أمس (الاثنين)، بإحالته إلى السجن، ليكتب سونكو تعليقاً على ذلك: «لقد تم احتجازي ظلماً الآن».

وأضاف سونكو موجهاً الكلام إلى أنصاره: «إذا تخلى الشعب السنغالي الذي طالما قاتلت من أجله، وقرر تركي بين يدي نظام ماكي صال، فسأخضع كما الحال دوماً للإرادة الإلهية».

في غضون ذلك، أعلنت الداخلية السنغالية أمس (الاثنين)، حل حزب «باستيف» بموجب مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية. وجاء في بيان صادر عن وزير الداخلية أن الحزب سبق أن دعا «من خلال قادته وأجهزته، بشكل متكرر إلى التمرد، وهو الأمر الذي كانت له عواقب وخيمة، بما في ذلك، خسائر عديدة في الأرواح، وعدد كبير من الإصابات، فضلاً عن أعمال نهب وسلب للممتلكات العامة والخاصة».

وربطت الداخلية السنغالية حزب «باستيف» بما قالت إنها «الاضطرابات الخطيرة التي مست النظام العام، والتي تم تسجيلها خلال الأسبوع الأول من يونيو 2023، بعد تلك المسجلة في شهر مارس (آذار) 2021»، وذلك في إشارة إلى المظاهرات وأعمال الشغب التي تحدث حين تستدعي العدالة رئيس الحزب.

وقالت الداخلية إن «هذه الأحداث تشكل انتهاكاً خطيراً وثابتاً لالتزامات الأحزاب السياسية»، مشيرة إلى أنها «وفقاً لمقتضيات الدستور، تم حل حزب (باستيف)»، وبناء على ذلك، فإن «ممتلكات الحزب ستتم تصفيتها وفقاً للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل».

وأثار سجن سونكو وحل حزبه السياسي ردود فعل عديدة؛ كان من أبرزها بيان صادر عن حركة «أف 24» المعارضة، نددت فيه بالإجراءات ورفضتها، واصفة ما يتعرض له سونكو بأنه «استهداف مستمر منذ عدة أشهر».

وقالت الحركة التي تضم عدة تشكيلات سياسية، إنها تندد بكل الإجراءات «التعسفية» المتخذة من طرف السلطات، خصوصاً «قطع الإنترنت عن الهاتف الجوال، وتقييد حركة الأفراد ومنع المظاهرات»، ودعت إلى «الإفراج الفوري» عن عثمان سونكو وجميع المعتقلين السياسيين.

من جهة أخرى، أصدر حزب «باستيف» بياناً حول قرار السلطات بحله، أعلن فيه أنه سيسلك «الطرق القانونية» لإرغام السلطات على التراجع عن قرار حله، وقال المكتب الوطني للحزب في بيان أمس (الاثنين): «الحزب حتى الآن لم يتسلم أي إشعار بحله، وحين يصل إلينا الإشعار سنحاربه عبر الطرق الشرعية والقانونية، لأن هذا المرسوم فاقد للشرعية بشكل فج».

ومن الواضح أن طريق عثمان سونكو نحو رئاسة السنغال أصبحت صعبة، فمع أنه يواجه مشاكل مع العدالة تكفي لمنعه من الترشح للانتخابات المرتقبة بشهر فبراير (شباط) من العام المقبل (2024)، إلا أن حزبه السياسي أيضاً أصبح ممنوعاً من العمل.


مقالات ذات صلة

تونس: إيقافات ومحاكمات لتونسيين وأفارقة متهمين بتهريب البشر

شمال افريقيا الرئيس التونسي قيس سعيّد في اجتماع قبل أيام حول ملف الهجرة غير النظامية مع وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة للأمن سفيان بالصادق (من موقع الرئاسة التونسية)

تونس: إيقافات ومحاكمات لتونسيين وأفارقة متهمين بتهريب البشر

كشفت مصادر أمنية وقضائية رسمية تونسية أن الأيام الماضية شهدت حوادث عديدة في ملف «تهريب البشر» من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو تونس.

كمال بن يونس (تونس)
شؤون إقليمية مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان أكد استمرار العمليات العسكرية ودعم الحل في سوريا (الرئاسة التركية)

تركيا ستواصل عملياتها ضد «الإرهاب» ودعم الحل السياسي في سوريا

أكدت تركيا أنها ستواصل عملياتها الهادفة إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا إلى جانب تكثيف جهود الحل السياسي بما يتوافق مع تطلعات ومصالح الشعب السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)

فشل جهود الحكومة الباكستانية في منع تصاعد العنف بالبلاد

استمر العنف في الارتفاع بمقاطعتين مضطربتين في باكستان مع مواصلة الجيش المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال غربي وجنوب غربي البلاد

عمر فاروق (إسلام آباد )
أوروبا من أمام السفارة الإسرائيلية في استوكهولم (إ.ب.أ)

السويد تلمّح لتورط إيران في هجمات قرب سفارتين إسرائيليتين

أعلنت وكالة الاستخبارات السويدية، الخميس، أن إيران قد تكون متورطة في الانفجارات وإطلاق النار قرب السفارتين الإسرائيليتين في السويد والدنمارك هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الولايات المتحدة​ عافية صديقي (متداولة)

«سيدة القاعدة» السجينة تقاضي الولايات المتحدة لتعرُّضها لاعتداءات جسدية وجنسية

رفعت سيدة باكستانية سجينة في سجن فورت وورث الفيدرالي دعوى قضائية ضد المكتب الفيدرالي للسجون والإدارة الأميركية، قالت فيها إنها تعرَّضت لاعتداءات جسدية وجنسية

«الشرق الأوسط» (تكساس)

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين: الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضر بحركة التجارة العالمية أيضاً.

* بداية الصراع

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تعترف بموجبه أديس باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، لا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، رغم أنه لم يحظ باعتراف دولي، منذ أن أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991. وقد عارضت مقديشو الاتفاق، ووقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية، ومؤسسات دولية أخرى، دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، حيث حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «لا أحد يجرب مصر».

* تحركات صومالية

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، حيث وقع في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحل الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الجاري.

ومع تصاعد الأزمة وقع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال.

ورد وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

* أسباب قديمة

الصراع الحالي ليس سوى «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا و(أرض الصومال)»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة»، وفق محمود، حيث «يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها». وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي، الباحث السياسي أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى ما وصفه بـ«المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب» وتحديداً «حركة الشباب» أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشكلات الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية، وهي تحديات ليست بعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، والتي يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية، بما في ذلك صراع (تيغراي) إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

* «الحرب المقبلة»

تحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الإريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما تسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وقد تحدث آبي أحمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أمام برلمان بلاده عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال للشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك في حواره لـ«الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من عشر سنوات، بسبب سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

التدخل المصري في الأزمة الصومالية، يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس أمراً جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان متواجداً في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة». بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة». لا يستطيع في الوقت نفسه استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإريتري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، لا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

احتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، لا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد، مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد تؤدي إلى إشعال المزيد من الصراعات». ويقول بهذا الخصوص: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة فيما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية، قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة»، مشيراً إلى أن أديس أبابا «لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حل الصراع بمفردها».

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «فقد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لمعهد إنتربرايز الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».