واشنطن تعزز حضورها في أفريقيا عبر «مبادرات الطاقة المتجددة»

طرحت تعاوناً مع نيجيريا ومصر وتسعى لملاحقة الصين بالقارة

بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية في واشنطن في 15 ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)
بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية في واشنطن في 15 ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تعزز حضورها في أفريقيا عبر «مبادرات الطاقة المتجددة»

بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية في واشنطن في 15 ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)
بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية في واشنطن في 15 ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)

تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز استثماراتها في القارة الأفريقية عبر زيادة وتعميق حضورها في مجال «الطاقة المتجددة» بالقارة، التي تعاني نقصاً حاداً في توفير متطلبات الطاقة، رغم ما تمتلكه من موارد واعدة.

وشهدت الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة في الاستثمارات الأميركية في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة بالقارة السمراء، تنفيذاً لما تعهد به الرئيس جو بايدن خلال القمة الأميركية - الأفريقية التي عقدت نهاية العام الماضي، وشهدت التزاماً أميركياً بتقديم 55 مليار دولار من الاستثمارات على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ووضع أكثر من 15 مليار دولار في شراكات استثمارية بمشروعات التنمية بالقارة، بينها مجال الطاقة.

تعهدات أميركية

سبق لبايدن أن أعلن خلال مشاركته في القمة العالمية للمناخ (Cop 27) التي استضافتها مصر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي عن تقديم 150 مليون دولار لدعم مبادرات التكيف مع المناخ في أفريقيا، كما أشار إلى حصول مصر على 500 مليون دولار إضافية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساعدة في تمويل الانتقال للطاقة النظيفة.

وشدد مساعد وزير الخارجية الأميركي لموارد الطاقة، جيفري روس بيات، على رغبة بلاده في أن تصبح «الشريك المفضل للدولة الأفريقية في تحول الطاقة وتعزيز أمنها والوصول إلى الكهرباء». وأضاف في مقابلة نشرها موقع نايرامتريكس (Nairametrics) النيجيري المعني بالأخبار والتحليلات المالية والاقتصادية النيجيرية والأفريقية، الأسبوع الماضي، أن الإدارة الأميركية تسعى إلى إنشاء آليات للتبادل المستمر والتعاون بين الخبراء وأصحاب المصلحة في قطاع الطاقة، مؤكدا أهمية تبادل الخبرات المكتسبة من رحلة تحول الطاقة في الولايات المتحدة، مع السعي لبناء شراكات دولية، خصوصاً مع الدول الأفريقية.

وأشار المسؤول الأميركي إلى أنه في سبتمبر (أيلول) 2022، وقّع المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص المعني بتغير المناخ، جون كيري، مبادرة الطلب على الطاقة النظيفة مع وزير البيئة النيجيري محمد عبد الله، في عهد حكومة الرئيس النيجيري السابق محمد بخاري، مؤكدا أنه بموجب المبادرة، التي تبلغ قيمتها 12 مليار دولار، ستعمل نيجيريا والولايات المتحدة معاً للحد من انبعاثات الكربون في البلاد خلال استكشاف الغاز الطبيعي للتصنيع وإمدادات الكهرباء، وزيادة استعمال مصادر الطاقة المتجددة، وخصوصا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

استهداف لقطاع الطاقة

يتوازى التحرك الأميركي لتعزيز التعاون مع دول القارة في مجال الطاقة النظيفة مع تركيز السياسات الأميركية على تعزيز حضورها في قطاع الطاقة إجمالا في القارة السمراء، إذ توقع مجلس المعلومات القومي الأميركي أن تعتمد الولايات المتحدة على نحو 20 في المائة من احتياجاتها النفطية من أفريقيا خلال العقد المقبل، وستوفر دول غرب أفريقيا 15 في المائة من تلك الاحتياجات.

وتعول الولايات المتحدة على إمكانية الإسهام في مساعدة الدول الأفريقية على زيادة إنتاجها من النفط والغاز، خصوصاً في ظل التقارير التي تشير إلى ارتفاع الاحتياطيات المؤكدة، إذ تبلغ احتياطيات النفط الخام، وفقاً لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أكثر من 80 مليار برميل، أي ما نسبته 8 في المائة من الاحتياطي العالمي الخام، وتتركز هذه الاحتياطيات في نيجيريا (نحو 70 في المائة)، وليبيا، وغينيا الاستوائية.

وينمو قطاع الطاقة المتجددة في أفريقيا بشكل لافت، رغم أن دول القارة تمثل أقل من 3 في المائة من إجمالي الطاقة المتجددة المثبتة في العالم، ويتركز الجزء الأكبر منها في مصر والمغرب وجنوب أفريقيا، فيما تهدف أربع دول أفريقية على الأقل (الرأس الأخضر وكينيا ومالاوي وتنزانيا) إلى إنتاج طاقة متجددة بنسبة 100 في المائة بحلول عام 2050 أو قبله.

نقص التمويل والتكنولوجيا

تمتلك الكثير من دول القارة إمكانات واعدة لتوليد الكهرباء من طاقة الشمس والرياح، إلا أنها تفتقر إلى أدوات التمويل المناسبة، وهو ما يؤكده أشا ليكي الباحث الكاميروني المتخصص في الشؤون الاقتصادية بمعهد ماكينزي، والذي يشير إلى أن أفريقيا تتمتع بإمكانات متنوعة سواء بشرية أو مادية، وخصوصا في مجالات الزراعة والطاقة النظيفة، إلا أن النواقص الأساسية التي تعانيها دول القارة تكمن في توافر التكنولوجيا والتمويل.

ويوضح ليكي لـ«الشرق الأوسط» أن ما شهدته دول القارة من نمو على مدار العقدين الماضيين يجعلها بحاجة إلى الاهتمام بمكون الطاقة في اقتصاداتها الناشئة، وخاصة الطاقة المتجددة التي يرى إمكانية أن تمنح القارة «مزايا تنافسية» نظرا لتوجه العالم إلى الاستثمار في هذا القطاع، وفي ضوء تمتع معظم دول القارة بإمكانات لإنتاج هذا النوع من الطاقة.

ويرى الباحث الكاميروني المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أن قطاع الطاقة يمكن أن يكون أحد المجالات التي تؤدي فيها القروض أو الضمانات المباشرة المدعومة من الحكومة الأميركية إلى تقليل مخاطر الاستثمار الخاص في أفريقيا، مشيرا إلى أنه على الصعيد العالمي، يتم تمويل 14 في المائة فقط من الاستثمار المباشر في الطاقة المتجددة من القطاع العام، لكن في أفريقيا حيث يلعب التمويل الحكومي دوراً مهيمناً، لا يتمكن سوى عدد قليل من المشروعات من توفير رأس مال خاص كاف بسبب المخاطر القانونية والاقتصادية والسياسية.

ويضيف ليكي أنه مع اهتمام الولايات المتحدة بالاستثمار في هذا القطاع يمكن لأدوات تخفيف المخاطر المالية في قطاع الطاقة أن تجلب القطاع الخاص إلى خفض العبء المالي على البلدان الأفريقية المثقلة بالديون، إضافة إلى تجاوز عقبات ارتفاع تكلفة إنشاء البنية التحتية بدول القارة نتيجة الظروف الطبيعية والأمنية والسياسية على حد سواء.

عجز هائل

ووفق دراسة حديثة نشرتها مطلع العام الحالي كاتي أوث، الباحثة في برنامج أفريقيا التابع لمؤسسة كارنيغي، فإن معظم البلدان الأفريقية تصدر حاليا القليل جدا من انبعاثات الكربون، ولديها عجز هائل في الطاقة يعرض الأرواح للخطر ويعوق التنمية الاقتصادية، ويواجه صعوبة في الحصول على تمويل للبنية التحتية للطاقة الجديدة.

ولفتت الدراسة إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء تلتزم بمساعدة البلدان الأفريقية على متابعة أهدافها المتعلقة بالحصول على الطاقة، بما يتماشى مع أولويات القارة، وأنه منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه في عام 2021، جعلت إدارته دعم العمل المناخي في الخارج مكوناً مركزياً في أجندة سياستها الخارجية، مع التركيز بشكل كبير على المساعدة في تسريع التحول العالمي للطاقة.

وتمتلك واشنطن في هذا الصدد عدة مبادرات، منها مبادرة Power Africa التي أطلقت عام 2013 بهدف تعزيز النمو الاقتصادي والصحة والتعليم من خلال توسيع نطاق توليد الكهرباء والوصول إليها في جميع أنحاء أفريقيا. ووفق موقع المؤسسة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) على شبكة الإنترنت، فإن أكثر من 170 شركة تعمل ضمن تلك المبادرة، حيث تعهدت باستثمارات تزيد على 40 مليار دولار في أسواق الطاقة الأفريقية. ويشير الموقع إلى أن المبادرة تستهدف إنتاج 30 ألف ميغاواط من الطاقة النظيفة، و60 مليون عملية توصيل جديدة للطاقة بحلول عام 2030.

منافسة مع الصين

ولا يخلو التحرك الأميركي من بعد سياسي، إذ لا تخفي الولايات المتحدة هدفا استراتيجيا تسعى إلى تحقيقه، وهو الحد من النفوذ الاقتصادي الصيني في القارة الأفريقية، خاصة وقد باتت الصين الشريك الاقتصادي الأول لدول القارة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين حوالي 282 مليار دولار عام 2022 بزيادة قدرها حوالي 11 في المائة.

وتشير تقديرات صينية رسمية إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في أفريقيا يصل إلى حوالي 44 مليار دولار، كما تملك الصين حوالي 12 في المائة من ديون الدول الأفريقية التي تضاعفت أكثر من 5 مرات بين عامي 2000 و2020 لتصل إلى حوالي 696 مليار دولار.

وترى الدكتورة سالي فريد، أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم السياسة والاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة، أن البعد السياسي «حاضر دائما» في التحركات الاقتصادية في دول القارة، مشيرة إلى تنامي القلق الأميركي من التمدد الصيني اللافت في دول القارة.

وتضيف فريد لـ«الشرق الأوسط» أن التحرك الأميركي في مجال الطاقة يمثل إدراكا من جانب واشنطن لحجم الأزمة التي تعانيها القارة في هذا المجال، خصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن رغبة الإدارة الأميركية في تحقيق هدف مزدوج، بالعمل على تعزيز حضورها في القارة، والوفاء بالتعهدات المتعلقة بالحد من انبعاثات الكربون وتعزيز إنتاج الطاقة النظيفة.


مقالات ذات صلة

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.

الاقتصاد مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)

السعودية تنضم لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود

أعلنت وزارة الطاقة السعودية انضمام المملكة إلى مبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود، وذلك ضمن مساعي البلاد لدعم الجهود الدولية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد منتجات تابعة لـ«أسمنت الجوف» (حساب الشركة على «إكس»)

«أسمنت الجوف» السعودية و«أنجي» الفرنسية لبناء محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية 

وقّعت شركتا «أسمنت الجوف» السعودية و«أنجي» الفرنسية اتفاقية بناء محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في مدينة طريف (شمال المملكة)، وتشغيلها لمدة 25 سنة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مبنى «الشركة السعودية للكهرباء» (موقع الشركة)

«السعودية للكهرباء» توقع اتفاقيات شراء طاقة بـ4 مليارات دولار

وقّعت «الشركة السعودية للكهرباء» اتفاقيات شراء طاقة مع «الشركة السعودية لشراء الطاقة» (المشتري الرئيس)، بإجمالي 15 مليار ريال (4 مليارات دولار).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح «طاقة» في معرض «ويتيكس 2024» (منصة إكس)

تحالف يضم «طاقة» الإماراتية يبرم اتفاقيتين لبيع 3.6 غيغاواط من الكهرباء إلى السعودية

وقّع تحالف شركة «أبوظبي الوطنية للطاقة» (طاقة) اتفاقيتين لبيع الكهرباء لمدة 25 عاماً مع الشركة «السعودية لشراء الطاقة» الحكومية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
TT

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)

بسبب أهمية منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية، وحجم الثروات الكامنة فيها، وهشاشة أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية، تتزايد دوافع اللاعبين الدوليين والإقليميين للتمركز فيها، وهو الأمر الذي حوّلها ميداناً لـ«حرب باردة»، وصراع إرادات ينتظر شرارة مشتعلة لينفجر صداماً إقليمياً.

وإذا كانت القوى الكبرى، مثل أميركا والصين وروسيا، تتصدر الواجهة في سباق الوجود بالقرن الأفريقي، فإن ذلك لم يمنع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران والهند من البحث عن مكان لها في المنطقة، ما دعا مسؤولين ومراقبين إلى التحذير من سيناريوهات تصعيدية عديدة بالمنطقة، كالتحول إلى «ميدان لحرب باردة» بين اللاعبين الدوليين.

ويُقصد بالقرن الأفريقي جغرافياً، الجزء الواقع غرب البحر الأحمر، وخليج عدن في شكل قرن، ويضم أربع دول، هي: الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، ويتسع ليشمل دول الجوار: كينيا، أوغندا، تنزانيا، جنوب السودان، السودان، وكذلك اليمن، لارتباطها بهذه الدول.

صراع المواني

ويشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي، في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية للوجود بالمنطقة، لكونها معبراً رئيساً لنقل النفط من دول الخليج للأسواق العالمية. وتدلل على ذلك بيانات التجارة العالمية المارة عبر البحر الأحمر، حيث تسجل تلك التجارة نحو 12 في المائة من حركة تجارة العالم سنوياً، بواقع 30 في المائة من حركة حاويات الشحن العالمية، وبقيمة تتجاوز تريليون دولار. إلى جانب ما بين 7 إلى 10 في المائة من إمدادات النفط العالمية، وفق بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في يناير (كانون الثاني) 2024.

أحد المواني في جيبوتي (أ.ف.ب)

وتُضاعف المواني البحرية، وعددها 10 مواني، من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، لتحتل مرتبة متقدمة في سياسات القوى الدولية والإقليمية الطامحة للعب دور بها، بالنظر إلى ما تمثله المنطقة من حلقة ربط بين مراكز تجارية وأسواق شرق ووسط أفريقيا ودول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وفق الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج. وعدّ اللواء فرج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «التأثير المتزايد للمنطقة، على حركة التجارة العالمية، يدفع الدول الكبرى، للوجود لتأمين تجارتها ومصالحها».

وبينما يتركز التنافس على تلك المواني بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه لم يمنع قوى إقليمية من الظهور على خريطة التنافس الدولي، مثل تركيا، وإثيوبيا التي تبحث عن منفذ بحري لها.

وتتنوع محددات اللاعبين الدوليين للتنافس على مواني القرن الأفريقي، إذ تنطلق لتحقيق أهداف أمنية واستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، بضمان وجودها عبر مجموعة من «التحالفات البحرية الأمنية»، بينما تستهدف الصين توسيع استثماراتها في المواني البحرية في إطار مبادرتها «الحزام والطريق»، حيث تستحوذ على إدارة وتشغيل ميناء جيبوتي المعروف بـ«ميناء دوراله»، كما افتتحت عام 2018 منطقة تجارة حرة بجيبوتي مساحتها تقدر بنحو 48 كيلومتراً مربعاً. فيما تسيطر تركيا على ميناء مقديشو في الصومال، وفقاً لاتفاقية مارس (آذار) 2023. وإقليمياً تسعى إثيوبيا لإيجاد منفذ بحري لها، مطلع هذا العام، باتفاق مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض صومالي وعربي.

ناقلة نفط في البحر الأحمر (رويترز)

وتوفر حركة التجارة عبر الممر الملاحي للبحر الأحمر ميزة تنافسية، من حيث توفير الوقت والمسافة والتكلفة، حسب وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، السماني الوسيلة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقع الجغرافي لقناة السويس والبحر الأحمر يجعلها أقصر طريق للتجارة بين الشرق والغرب، بالمقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح».

وتعتمد دول شرق أفريقيا في تجارتها على البحر الأحمر وقناة السويس، إذ يعبر القناة نحو 34 في المائة من تجارة السودان، ونحو 31 في المائة من تجارة جيبوتي، و15 في المائة من تجارة كينيا، و10 في المائة لتنزانيا، وفقاً لتقرير «الأونكتاد»، في فبراير (شباط) 2024.

تنافس على الثروات

إلى جانب ذلك، تشكل ثروات القرن الأفريقي هدفاً آخر للتنافس الدولي. يدلل على ذلك وزير الإعلام الصومالي الأسبق، زكريا محمود، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بتدخلات أطراف دولية للاستفادة من الاحتياطي النفطي بالصومال الذي يبلغ 30 مليار برميل، وفقاً للحكومة الصومالية، وثرواته الحيوانية الكبيرة التي تُقدّر بنحو 56 مليون رأس ماشية، حسب منظمة «الفاو».

ووقعت تركيا والصومال، في يوليو (تموز) الماضي، اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية. وأرسلت أنقرة على أثر ذلك، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سفينة الأبحاث السيزمية التركية «عروج ريس» إلى ميناء مقديشو، لإجراء مسح للغاز والنفط، في مهمة تستمر 7 أشهر.

وحسب تصريح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، عبد الرحمن مكاوي، لـ«الشرق الأوسط»، فإن المنطقة "تحظى بكميات كبيرة، من الليثيوم والذهب، والغاز، وغيرها من المعادن التي تحتاج إليها الدول الكبرى.

عسكرة البحر الأحمر

وبدافع مواجهة تهديدات حركة الملاحة، يتزايد الحشد العسكري الدولي بالمنطقة، فجيبوتي، رغم صغر مساحتها (23200 كيلومتر)، تستضيف 6 قواعد عسكرية لدول (الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، واليابان، وإسبانيا، وإيطاليا).

وباعتقاد الكاتب الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم، فإن «أطماع القوى الدولية في السيطرة على الممر المائي، وراء تزايد الوجود العسكري الأجنبي على الساحل الغربي للبحر الأحمر»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تزايد العسكرة مخطط للاستعمار الحديث، ودليل على أن الصراع الدولي القادم سيكون بالإقليم».

وتشكل حالة الهشاشة، ومستويات الفقر، دوافع أساسية، لتأجير دول القرن الأفريقي مساحات من أراضيها، لإقامة قواعد عسكرية أجنبية بها، كما الوضع في جيبوتي وإريتريا والصومال. وفق مكاوي.

وتعتمد جيبوتي على الرسوم السنوية لتأجير أراضي القواعد العسكرية الأجنبية، بوصف ذلك جزءاً مهماً في دخلها القومي السنوي، حيث بلغت إيرادات تلك الرسوم عام 2020، نحو 129 مليون دولار أميركي، بواقع 18 في المائة من دخل البلاد، حسب معهد أبحاث «جايكا» التابع للوكالة اليابانية للتعاون الدولي.

وأتاحت إريتريا، وجوداً عسكرياً لإسرائيل، بقاعدة في جزر «دهلك» (قرب مدينة مصوع الساحلية)، منذ تسعينات القرن الماضي، كما تستضيف قاعدة بحرية إيرانية، بالقرب من ميناء «عصب»، وفي الصومال افتتحت تركيا، قاعدة عسكرية (مخصصة للتدريب) على ساحل المحيط الهندي، في 2017.

لاعبون متنوعون

ودخلت الهند على الخط، حين نشرت البحرية الهندية للمرة الأولى مطلع العام الحالي، أسطولاً ضخماً يضمّ 12 سفينة حربية في خليج عدن وبحر العرب، بدعوى التصدي لعمليات القرصنة أمام السواحل الصومالية.

ومع ذلك، لا تتوقف محاولات الوجود العسكري، من لاعبين دوليين آخرين بالمنطقة، خاصة مع التحركات الروسية، لإقامة قواعد لها على السواحل الإريترية والسودانية، وفقاً لرئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر، محجوب حامد آدم، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحشد العسكري الدولي، يعكس رغبة تلك الدول في فرض وصايتها على المنطقة».

الفريق البرهان لدى لقائه الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف في بورتسودان (أرشيفية - سونا)

وتسعى روسيا للحصول على موطئ قدم هي الأخرى على ساحل البحر الأحمر، حيث أبرمت اتفاقاً مع السودان عام 2017 لإنشاء قاعدة بحرية. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا، أن «موسكو طلبت إقامة محطة تزويد بالوقود على السواحل السودانية». وبموازاة ذلك، كانت موسكو أبرمت اتفاقاً مع إريتريا في يناير 2023، لاستغلال ميناء «مصوع».

وفي رأي وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، فإن موسكو «لن تسمح للقوى الغربية بتمديد نفوذها وحدها في الإقليم».

غير أن الحضور العسكري الأكبر في المنطقة، يأتي من نصيب أميركا، وفق المستشار العسكري السابق للخارجية الأميركية، عباس دهوك، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «واشنطن تكثف من وجودها العسكري، للرد على هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية، ومواجهة مخاطر القرصنة».

حرب باردة جديدة

نوّعت واشنطن من صيغ تحالفاتها الأمنية مع حلفائها، بدافع التصدي لتهديدات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. ودشّنت في سبيل ذلك، تحالف «سانتينال» البحري عام 2019. وفي 2022، شكلت «قوة المهام المشتركة 153» التي تضم 39 دولة. وفي نوفمبر 2023، أعلنت عن تحالف جديد باسم «حارس الازدهار» يضم 10 دول، للتصدي لهجمات الحوثيين وعرقلتهم للملاحة الدولية.

في المقابل، تُوسّع الصين نشاطها الاقتصادي بالمنطقة، وتسعى لإحكام قبضتها بالقروض المتزايدة لدول القرن الأفريقي، ما يثير قلق القوى الغربية، حسب المحلل السياسي الأميركي ماك شرقاوي، الذي حذّر في حديث لـ«الشرق الأوسط» من «فرض الوصاية الصينية على دول المنطقة، بسبب تراكم الديون».

وباعتقاد شرقاوي، فإن تحركات القوى الكبرى «تجعل من القرن الأفريقي ميداناً جديداً لحرب باردة بينها»، وحذّر من «تفاقم المواجهة، حال تعارض المصالح الصينية والروسية، مع تحركات القوى الغربية».

سيناريو «الحرب الباردة» بين أميركا والصين وروسيا لا يستبعده دهوك، الذي عدّ صراع النفوذ بين تلك الدول «يزيد من توترات المنطقة، وربما يصل إلى حدّ الصدام».

نزاعات وتحالفات

وتُشكّل توترات ونزاعات القرن الأفريقي، باباً خلفياً لتدخلات لاعبين خارجيين. فقد دفع توقيع إثيوبيا مُذكّرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي للحصول على ميناء بحري، مقديشو لتعزيز تعاونها العسكري مع حلفاء إقليميين مثل مصر وتركيا.

ووقّع الصومال في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، إلى جانب «مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. وتفاقم التوتر، مع توقيع الصومال ومصر، بروتوكول تعاون عسكري، في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، وأعلنت عزمها على إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من بعثة حفظ السلام الجديدة الأفريقية، في خطوات أغضبت إثيوبيا، التي اتهمت الصومال بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار بالمنطقة».

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

ويُعوّل الصومال على مصر وتركيا لدعم قدرات جيشه في مواجهة التحركات الإثيوبية، وفق وزير الإعلام الصومالي الأسبق، عادّاً «الصدام بين مقديشو وأديس أبابا قادماً، وعلى نطاق إقليمي واسع». وقال إن الخطر في التحركات الإثيوبية «سعيها لاجتزاء جزء من أرض الصومال بالمخالفة للقانون الدولي».

غير أن الاتفاق الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال، يأتي بمباركة دول غربية، حسب الكاتب الصحافي الإثيوبي. ودلّل على ذلك بتعهد الولايات المتحدة وفرنسا، بعد توقيع اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا في 2018، «بتطوير القوات البحرية الإثيوبية رغم عدم امتلاكها منفذاً بحرياً».

لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الصومالي في أنطاليا (جنوب تركيا) مارس الماضي (أرشيفية - الرئاسة التركية)

وتتمسك الحكومة الإثيوبية باتفاقها مع «أرض الصومال» للحصول على ميناء بحري. وأكّد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نهاية أكتوبر الماضي، أن «بلاده تسعى للوصول السلمي للبحر الأحمر، ولا تحتاج إلى القوة أو الحرب. وإذا لم ننجح، فسيفعل ذلك أطفالنا».

وأفرزت التحركات الإثيوبية تحالفات إقليمية جديدة، منها آلية التعاون الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، ما ينذر بمواجهة مع أديس أبابا، وفق رئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر.

صراع مائي

ولا يمكن فصل التحركات المصرية لدعم الصومال عن مصالحها المائية، في ضوء النزاع القائم بين القاهرة وأديس أبابا حول «سد النهضة»، وفق تقدير أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، الذي يرى أن «المياه ستشكل السبب الأساسي في الصراع الدولي والإقليمي القادم بالمنطقة».

صورة حديثة لسد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا على «إكس»)

غير أن اللواء فرج عدّ التعاون العسكري المصري - الصومالي «ليس مُوجّهاً ضد أحد، ويستهدف دعم قدرات مقديشو لمواجهة الإرهاب وتأمين الملاحة بمضيق باب المندب»، واستبعد وصول التوترات لمرحلة «الصراع العسكري».

ووفق بحث لمركز دراسات الحرب الأميركي، في سبتمبر (أيلول) 2024، فإن «لجوء الصومال لمصر وتركيا للمساعدة في التصدي للتحركات الإثيوبية، استفادت منه القاهرة وأنقرة، لتعزيز مصالحهما بالقرن الأفريقي». وقال إن «مشاركة الدولتين ستؤدي لزيادة خطر نشوب صراع إقليمي أوسع».

«استعمار جديد»

لا يختلف الأمر في حالة الحرب الداخلية بالسودان بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع». ذلك أن الاتصالات أظهرت تقارب الحكومة السودانية مع قوى كروسيا والصين ودول إقليمية مثل إيران، في مواجهة محور دولي مقابل، يقول قادة الجيش السوداني إنه داعم للطرف الآخر بالحرب (قوات الدعم السريع).

ويسعى السودان لوضع حد للتدخلات الخارجية من بعض الجهات التي تسعى للسيطرة عليه، وفق رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، لوفد مجلس السلم والأمن الأفريقي في أكتوبر الماضي، عاداً تلك التدخلات «استعماراً جديداً لبلاده».

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وقد يدفع صراع النفوذ الدولي بالقرن الأفريقي إلى تمدد التنظيمات الإرهابية، أو ظهور «حروب بالوكالة» من تنظيمات مُسلّحة تحقيقاً لمصالح قوى دولية، وفق الكاتب إبراهيم، الذي دلّل بـ«بوادر التعاون بين حركة الشباب الصومالية، مع الحوثيين، ما قد يفرز تنظيمات مسلحة أكثر تشدداً بدعم خارجي، ويحول الوضع في المنطقة إلى (أفغانستان جديدة)».

ويرجح السماني الوسيلة هذا السيناريو في السودان، محذراً من «استغلال حركات مسلحة وتنظيمات أصولية وثورية، حالة الهشاشة الأمنية والسياسية، بالانتشار والتموضع على السواحل السودانية بالبحر الأحمر، التي تمتد لنحو 750 كيلومتراً».

وفي وقت استبعد فيه كل من فرج وشرقاوي انتشار التنظيمات الإرهابية في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية، فإن المستشار السابق للخارجية الأميركية عدّ أن «عدم استقرار منطقة البحر الأحمر، قد يؤدي لتمكين وانتشار التنظيمات الإرهابية بالمنطقة»، وطالب بضرورة «معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، ودعم جهود الاستقرار الإقليمي».