روسيا والغرب... حرب دبلوماسية على أراضي مالي

تبادل للاتهامات حول «انتهاكات حقوقية»... الفرنسيون كفَّوا عن تصدر المشهد

رجل يحمل صورة الرئيس الروسي خلال مظاهرة بشوارع باماكو عاصمة مالي في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
رجل يحمل صورة الرئيس الروسي خلال مظاهرة بشوارع باماكو عاصمة مالي في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

روسيا والغرب... حرب دبلوماسية على أراضي مالي

رجل يحمل صورة الرئيس الروسي خلال مظاهرة بشوارع باماكو عاصمة مالي في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
رجل يحمل صورة الرئيس الروسي خلال مظاهرة بشوارع باماكو عاصمة مالي في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

يمكنُ وصف ما يجري في دولة مالي، بأنه «حرب دبلوماسية» تتخذ من الإعلام ساحة لها، بين روسيا التي يزداد نفوذها في هذا البلد الأفريقي، ودول غربية تقودها الولايات المتحدة الأميركية، منذ أن كفَّ الفرنسيون عن تصدر المشهد في منطقة الساحل، ومنذ أن أصبحت مالي أقرب إلى المعسكر الروسي.

وصلت هذه «الحرب» أوجها خلال مايو (أيار)، على شكل بيانات صحافية تبادلت فيها سفارات كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا الاتهامات مع سفارة روسيا، حول «انتهاكات حقوقية» قالت الأمم المتحدة إن جيش مالي تورط فيها العام الماضي (2022)، خلال عملية عسكرية شاركت فيها قوات من «فاغنر» المدعومة من روسيا.

السفارة الأميركية في باماكو نشرت يوم 12 مايو، بياناً مشتركاً لسفراء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا للتعليق على «الاستنتاجات» التي توصل إليها التقرير الصادر عن الأمم المتحدة حول «الأحداث التراجيدية» التي وقعت في قرية مورا، وسط دولة مالي، العام الماضي، وأضافت: «نعبر عن تعازينا الصادقة لعائلات وذوي 500 شخص قتلوا خلال هذا العمل الحقير».

وعبرت السفارات الغربية عن «قلقها» حيال ما قالت إنه «استنتاجات توصل إليها التقرير، بخصوص انخراط عناصر من القوات المسلحة المالية ومجموعة (فاغنر)، المدعومة من روسيا، في هذه الجرائم المثبتة، خصوصاً فيما يتعلق بجرائم جنسية وأعمال تعذيب وتصفيات جماعية».

وفيما قالت السفارات الغربية إنها «تقدر جهود الحكومة الانتقالية المالية في الحرب على الإرهاب، وانخراطها في حماية مصالح شعبها»، إلا أنها في الوقت ذاته دعت هذه الحكومة إلى أن «تأخذ بعين الاعتبار جميع التوصيات التي تضمنها تقرير الأمم المتحدة، خصوصاً إجراء تحقيق مستقل وحيادي وفعال، شامل وشفاف، من أجل حماية أرواح السكان وحرياتهم»، كما دعتها إلى أن «تنشر فوراً استنتاجاتها، ومساءلة المسؤولين عن هذه التصرفات المروعة والعنيفة».

لكن السفارة الروسية في باماكو، أصدرت من جانبها بياناً للرد على السفارات الغربية، شبهت فيه «اتهامات» الغرب لدولة مالي، بتلك التي سبق أن وقعت في العراق، وقالت إن السفارات الغربية «ليس بحوزتها نتيجة التحقيق الرسمي الذي تقوم به باماكو، ومع ذلك يتحدثون دون توقف عن انخراط جنود ماليين وبعض العسكريين الروس في جرائم مثبتة في مورا».

وقالت السفارة الروسية في بيانها: «انطلاقاً من تصريحات السفراء الناطقين بالإنجليزية، نلاحظ رغبة مجنونة في التقليل من شأن المساعدة الأخوية التي تقدمها روسيا للشعب المالي، والقائمة على مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة الوطنية».

بل إن السفارة الروسية ذهبت إلى اتهام الدول الغربية بالعمل على «استعمار جديد» تحت شعار «نشر قيم العدالة والديمقراطية عبر الحروب الدموية»، مشيرة إلى أن «ضحايا الحرب الأميركية على الإرهاب بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وصل إلى أكثر من 4.6 مليون نسمة في العالم أجمع».

وفي سياق الدفاع غير المباشر عن «فاغنر»، قالت السفارة الروسية: «في أيامنا هذه يشارك المرتزقة الأميركيون والبريطانيون والكنديون بشكل نشط في الحرب التي أشعلها الغرب ضد روسيا في دونباس»، واعتبرت أن «تصريحات المدافعين الغربيين عن الديمقراطية، نموذج واضح ودليل على ممارسة الضغط والتدخل من دون أي مناسبة في الشؤون الداخلية للدول المستقلة وذات السيادة».

وفيما يحتدم الشحن الإعلامي بين روسيا والغرب، بسبب أنشطة «فاغنر» في دولة مالي، يبدو واضحاً أن الحكومة الانتقالية لهذا البلد الأفريقي الفقير والهش، قد اتخذت موقفاً أقرب إلى روسيا، ذلك ما كشف عنه وزير خارجية مالي عبد الله ديوب خلال لقاء الأسبوع الماضي، مع أعضاء السلك الدبلوماسي في باماكو، متحدثاً معهم حول الخطوط العريضة لدبلوماسية بلاده.

ديوب في حديثه أمام ممثلي السلك الدبلوماسي، حمل مسؤولية انعدام الأمن في الساحل لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقال إن كل المشاكل التي تعاني منها مالي ومنطقة الساحل سببها «العملية العسكرية التي قام بها حلف شمال الأطلسي، من جانب واحد، في ليبيا عام 2011، لأنها أدت إلى انتشار الأسلحة والإرهاب في المنطقة».

ودافع وزير الخارجية المالي عن شراكة بلاده مع روسيا، وقال إنها مكنت جيشهم من «تحقيق كثير من النجاحات في ميدان العمليات»، رافضاً ما ورد في تقرير الأمم المتحدة حول انتهاكات لحقوق الإنسان تورط فيها جيش بلاده بالتعاون مع «فاغنر»، وقال إنها «حملة معادية» تقوم بها بعض الدول والمنظمات الدولية ضد مالي.

وقال: «التقرير ليس سوى ملف سياسي يهدف إلى معاقبة مالي على خياراتها السياسية، وإفساد الصعود القوي لقواتنا المسلحة وقوات أمننا، والتشويش على ديناميكية العودة إلى الوضع الدستوري في مالي».

ورغم رفض مالي للتقرير الأممي، فإن الولايات المتحدة قررت فرض عقوبات على اثنين من ضباط الجيش المالي، تتهمهما بالضلوع في المجزرة التي يقول التقرير إنها أودت بحياة 500 مدني على الأقل، وبالتالي فرضت الولايات المتحدة قيوداً على منح تأشيرات دخول إلى الكولونيل مصطفى سانغاري، قائد فوج المغاوير المظليين في جيش مالي، والميجور لاسين توغولا، قائد كتيبة من القوات الخاصة المالية، كما أعلنت الخزانة الأميركية إجراءات عقابية بحق إيفان ماسلوف، الذي وصفته بأنه رئيس «فاغنر» في مالي.

لكن المتحدث باسم الحكومة المالية الكولونيل عبد الله مايغا، عبر عن استغراب بلاده للعقوبات الأميركية، وأشار إلى أن وزارة الخارجية في مالي «استدعت» السفيرة الأميركية راشنا كورهونين، يوم 25 مايو لتحذيرها من «الخطورة البالغة للاتهامات الكاذبة بحق جمهورية مالي».

وأعلن مايغا أن حكومة بلاده «مستاءة من هذه الإجراءات التي تؤثر سلباً على التعاون الثنائي»، وأضاف أن بلاده «تطلب من الحكومة الأميركية وقف حملة التضليل» ضد مالي، وذلك في إشارة ضمنية إلى اتهامات أميركية بأن مجموعة «فاغنر» تسعى لاستخدام مالي وسيطاً لنقل أسلحة إلى مقاتليها في أوكرانيا.

وجاءت هذه الاتهامات على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الأسبوع الماضي، حين قال إن الولايات المتحدة تدق ناقوس الخطر من أن «فاغنر» تعمل على توفير المعدات العسكرية سراً لمقاتليها في أوكرانيا، عن طريق طرف ثالث، مشيراً إلى أن هذا الطرف الثالث قد يكون «دولة مالي».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
TT

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

استعادت جماعة «بوكو حرام» الموالية لـ«تنظيم داعش» الإرهابي، قدرتها على المبادرة والهجوم في مناطق مختلفة بشمال نيجيريا، وشنّت هجوماً استهدف قاعدة عسكرية تابعة للجيش، قُتل فيه خمسة جنود على الأقل، وأُصيب عشرة جنود، فيما قال الجيش إنه قتل أكثر من خمسين من عناصر الجماعة الإرهابية.

وقالت قيادة الجيش النيجيري في بيان، إن الهجوم الإرهابي الذي شنّه فرع من جماعة «بوكو حرام»، في غرب أفريقيا، استهدف القوات المتمركزة بموقع عمليات التثبيت بقرية «كاريتو»، بولاية بورنو، في أقصى شمال شرقي نيجيريا، على الحدود مع دولة النيجر.

البيان الصادر عن مدير الإعلام العسكري، اللواء إدوارد بوبا، قال إن الهجوم الإرهابي وقع بالتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع، ووصفه بأنه «كان منسقاً»، قبل أن يؤكد «مقتل خمسة جنود وإصابة عشرة آخرين بجروح، بالإضافة إلى فقدان أربعة جنود آخرين».

من عملية ضد جماعة «بوكو حرام» (أرشيفية متداولة)

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم قيادة الجيش إن «القوات المسلحة نجحت في القضاء على عدد من الإرهابيين، واستعادة أسلحة كانت بحوزتهم»، مشيراً إلى تكبد الجيش خسائر مادية «فادحة»، حيث إن منفذي الهجوم الإرهابي أحرقوا بعض المعدات «بما في ذلك شاحنة محملة بالأسلحة، وثلاث مركبات تكتيكية، وجرافة».

وأطلق الجيش النيجيري عملية تعقب بقيادة وحدة من قوات الدعم مع غطاء جوي، وقال إن الهدف هو «استكشاف المنطقة بشكل عام، ومسارات انسحاب الإرهابيين»، وفق تعبير البيان.

وتسعى القوات النيجيرية إلى قطع الطريق أمام منفذي الهجوم الإرهابي، بهدف استعادة الجنود المفقودين، في ظل توقعات بأن الإرهابيين «اختطفوهم» ليكونوا دروعاً بشرية تحميهم من أي قصف جوي.

صورة أرشيفية لهجوم شنّته جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا (رويترز)

الهجوم الإرهابي استهدف قرية «كاريتو»، التي لا تبعد سوى 153 كيلومتراً عن العاصمة الإقليمية مايدوجوري، وهي المقر الرئيس لـ«الكتيبة 149» التابعة للجيش النيجيري، التي تشارك بنشاط في عمليات محاربة الإرهاب، كما استهدف معاقل فرعي جماعة «بوكو حرام»، الموالية لتنظيمي «داعش» و«القاعدة».

وقالت قيادة الجيش النيجيري إن «هذا الهجوم لن يثني القوات المسلحة النيجيرية عن القضاء على الإرهاب والتمرد والتحديات الأمنية الأخرى التي تواجه البلاد»، وأعربت عن تعويلها على تعاون السكان المحليين في ملاحقة الإرهابيين.

وأعلن حاكم ولاية بورنو، باباغانا زولوم، عن وقوفه إلى جانب القوات المسلحة النيجيرية، وأضاف في بيان صحافي أن الهجوم «يعيد إلى الأذهان مستوى وحشية العناصر الإرهابية لجماعة (بوكو حرام)».

وبينما أعلن عدد من كبار قادة الجيش في نيجيريا عن انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»، والاقتراب من القضاء عليها بشكل نهائي، بدأت الجماعة تعيد ترتيب صفوفها، وإظهار قدرات جديدة على المبادرة والهجوم.

ففي حادث منفصل، نصب مسلحون من «بوكو حرام»، الثلاثاء، كميناً لفريق مراقبة من قوات الأمن والدفاع المدني النيجيرية، كان يتفقد منشآت الشبكة الوطنية للكهرباء والطاقة في إقليم النيجر التابع لنيجيريا.

مسلحو «بوكو حرام» خلَّفوا الخراب والدمار في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال المتحدث باسم قوات الأمن والدفاع المدني أفولابي باباوالي، إن خطوط الشبكة الوطنية للطاقة تعرضت مؤخراً لهجمات إرهابية تخريبية، وقد أسفرت عن انقطاع واسع للتيار الكهربائي في أقاليم شمال نيجيريا.

وأوضح المتحدث أنه «حينما كانت فرق الأمن تتفقد خطوط الشبكة الوطنية، تعرضت لهجوم إرهابي نفذه أكثر من 200 مسلح نصَبوا كميناً من قمة أحد التلال»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن المواجهات بين الطرفين «أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين إرهابياً، فيما يوجد سبعة جنود في عداد المفقودين».

وتتزامن هذه الهجمات الإرهابية المتفرقة، مع معارك طاحنة تجري منذ أسابيع ما بين جيش تشاد ومقاتلي «بوكو حرام» في منطقة حوض بحيرة تشاد، التي تُوصف بأنها «العمق الاستراتيجي» للتنظيم الإرهابي، حيث توجد قواعده الخلفية وسط الغابات والجزر المترامية في واحدة من أكبر المناطق الرطبة في أفريقيا.