حددت السلطة الانتقالية في مالي موعداً لإجراء استفتاء على دستور جديد للبلاد، وهو ما عده خبراء خطوة جيدة لكنها «صعبة التنفيذ»، وقالوا إن «البلاد تواجه العديد من العقبات أمام إتمام انتقال سياسي ناجح».
وأكد المتحدث باسم الحكومة، عبر التلفزيون الرسمي، أن الهيئة الانتخابية «تنعقد يوم الأحد 18 يونيو (حزيران) المقبل في جميع أنحاء التراب الوطني، وفي البعثات الدبلوماسية والقنصلية لجمهورية مالي، للبت في مشروع الدستور».
وسبق، أن أجّلت السلطات الانتقالية في مالي موعد الاستفتاء على الدستور، الذي كان مقرراً في 19 مارس (آذار) الماضي.
ويُعد إقرار دستور جديد للبلاد خطوة أساسية على طريق «الإصلاحات واسعة النطاق»، التي وعد بها الجيش، وقدمها تبريراً لتمسكه بالسلطة. ومن المقرر أن يمهد الدستور الجديد لانتخابات مقررة في عام 2024 بهدف استعادة المدنيين السلطة.
كان رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي أسيمي غويتا، قد أعاد النسخة الأولى، التي وُضعت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لـ«مزيد من المراجعة»، ثم تسلم مشروع الدستور المعدّل في فبراير (شباط) الماضي.
ورأى المحلل السياسي السنغالي المختص في الشؤون الأفريقية عبد الأحد أمبينغ، أنه رغم الإعلان، فإن «عدم إجراء السلطة مشاورات واسعة بما يشمل منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، قد يقوّض الاستقرار في البلاد حتى لو تم تمرير الاستفتاء».
وقال أمبينغ في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن رفض «رابطة الأئمة والعلماء» للمشروع «يعد تحدياً كبيراً، إذ من المعروف أن للرابطة قوة التأثير في الرأي العام المالي، كما أن الأحزاب الرافضة للنص يمكنها أن تدعو أنصارها إلى مقاطعة الاستفتاء، وذلك سيؤدي إلى خفض نسبة المشاركة بشكل واضح».
وأضاف أن «ضبابية موقف غويتا من الترشح للرئاسة، وتضييق الخناق على الأحزاب المعارضة لهذا الترشح، يدفعاها إلى معارضة المشروع، لأنها ترى أن تمرير الاستفتاء سيجعله مرشحاً في الانتخابات المقبلة».
وحسب تقارير صحافية، فإن غالبية الأحزاب السياسية في البلاد «لم تستجب» لدعوة الحكومة للمشاركة في النقاش حول النسخة الجديدة من المشروع، وتقديم اقتراحاتهم. وكانت «رابطة الأئمة والعلماء» من بين أول الرافضين للمشروع، حيث اعترضت على «علمانية الدولة» التي ينص عليها، ودعت «جميع الوطنيين المسلمين للتصويت ضد المشروع».
كما عارض «حزب المؤتمر الوطني للتضامن في أفريقيا» بقيادة رئيس الوزراء السابق سومانا ساكو، النص الجديد المقترح، علاوة على جماعات مسلحة وقعت على اتفاق السلام عام 2015 بالجزائر، وهي حركات من منطقة الأزواد، وألقت باللوم على المجلس العسكري الحاكم، كما انسحبت جماعات مسلحة أخرى من المشاركة في الدستور، بسبب ما وصفته بـ«افتقار المجلس العسكري للإرادة السياسية».
ووصف الباحث السياسي محمد أغ إسماعيل، الإعلان، بـ«الخطوة المهمة والضرورية، إذ يعد إنجاح هذا الاستفتاء امتحاناً للسلطة الانتقالية، ومدى إمكانية نجاحها في إشراك جميع طوائف الشعب في الاستفتاء، وصدق نيتها في تسليم السلطة للمدنيين».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رغم العقبات التي تواجه العملية، فتحديد الموعد في حد ذاته يعطي أملاً، ويساهم في تقريب وجهات النظر مع الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) وقوى المجتمع الدولي».
وخلال قمته الأخيرة، جدد الاتحاد الأفريقي تأكيد «عدم تسامحه المطلق» في مواجهة «التغييرات غير الدستورية» في حكومات الدول الأعضاء، وأبقى على تعليق عضوية مالي، بالإضافة إلى غينيا وبوركينا فاسو في المنظمة القارية، كما قررت الدول الأعضاء في منظمة «إيكواس» إبقاء عقوباتها ضد الدول الثلاث.
وعلّق الاتحاد عضوية مالي عام 2021 على خلفية استيلاء الجيش على السلطة. إذ شهدت مالي في 18 أغسطس (آب) الماضي، انقلاباً عسكرياً. وتعهد قادة الانقلاب، بتنظيم انتخابات «ذات مصداقية»، مع إعلانهم تأسيس لجنة أطلقوا عليها «اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب»، يتزعمها غويتا، للإشراف على فترة الانتقال السياسي في البلاد.
ورأى أغ إسماعيل أن من بين العقبات التي تواجه عملية الانتقال السياسي أن «معظم المناطق في شمال ووسط البلاد لا تزال تعاني من انعدام الأمن وسيطرة (الإرهابيين)، كما أن المعارضين لمشروع الدستور قد لا يدعمون العملية، فضلاً عن المشكلات اللوجيستية كانعدام الأوراق الانتخابية نتيجة صعوبة الحصول على البطاقة الانتخابية الجديدة».
ووفق تقرير أصدرته وكالة الصحافة الفرنسية في فبراير الماضي، فإن النسخة الجديدة من مشروع الدستور التي سيتم التصويت عليها، واطلعت عليها الوكالة: «ستعزز سلطات الرئيس».
وقال التقرير، إنه طبقاً للمسودة، فإن رئيس الدولة، وليس الحكومة، هو الذي «يحدد سياسات الأمة»، ويعين ويقيل رئيس الوزراء والوزراء، ويتمتع بصلاحية حل الجمعية الوطنية. ويضيف مشروع النص أن الحكومة هي «المسؤولة أمام الرئيس»، على عكس البرلمان كما كانت الحال سابقاً.