جباية الضرائب بأفغانستان: مهمة صعبة

عبد القهار كان ذات يوم عميلاً سرياً لـ«طالبان» والآن جامع أموال في دولة تعاني العقوبات

عبد القهار غربندي (على اليمين) مدير مديرية خدمات دافعي الضرائب يسلم وثيقة ضريبية إلى تاجر أحجار كريمة في ديسمبر (نيويورك تايمز)
عبد القهار غربندي (على اليمين) مدير مديرية خدمات دافعي الضرائب يسلم وثيقة ضريبية إلى تاجر أحجار كريمة في ديسمبر (نيويورك تايمز)
TT

جباية الضرائب بأفغانستان: مهمة صعبة

عبد القهار غربندي (على اليمين) مدير مديرية خدمات دافعي الضرائب يسلم وثيقة ضريبية إلى تاجر أحجار كريمة في ديسمبر (نيويورك تايمز)
عبد القهار غربندي (على اليمين) مدير مديرية خدمات دافعي الضرائب يسلم وثيقة ضريبية إلى تاجر أحجار كريمة في ديسمبر (نيويورك تايمز)

ذات يوم كان عبد القهار غوربندي عميلاً سرياً لـ«طالبان». أما اليوم، فقد أصبح يُعرف بـ«جابي الضرائب الودود». يتولى عبد القهار غوربندي، رئيس مديرية خدمات دافعي الضرائب في أفغانستان، مهمة صعبة تتمثل في جمع الأموال داخل بلد فقير يرزح تحت وطأة عقوبات دولية.

ويشتهر غوربندي بأنه «جابي الضرائب» في كابل، وهو رجل ملتح يرتدي عمامة سوداء، ويتميز بأسلوب لطيف وعقل حسابي ماهر.

شاحنات محملة بالفاكهة والفحم تصطف بانتظار دفع الرسوم الجمركية لـ«طالبان» التي باتت تتقن جباية الضرائب منذ أن استعادت الحكم في أفغانستان (أ.ف.ب)

وبصفته مديراً لمديرية خدمات دافعي الضرائب في حكومة «طالبان»، يتولى غوربندي مسؤولية غير مرغوبة، تتمثل في جمع الإيرادات لحساب حكومة دولة معزولة شديدة الفقر، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» الأحد.

ومن مكانه خلف مكتب ضخم بجوار علم «طالبان» الأسود والأبيض، يوجه غوربندي المئات من دافعي الضرائب الأفغان كل يوم من أيام الأسبوع، لضمان وصولهم ومعهم وثائق الدخل، ومغادرتهم ومعهم حفنة من نماذج الضرائب لملئها.

وعبر أرجاء الممرات البالية داخل مبنى الضرائب المهيب، يتجول المعلمون وصرافو الأموال وسائقو الشاحنات ومنظمو حفلات الزفاف والبقالون وغيرهم، ويناقشون ضرائبهم مع موظفي «طالبان» الذين ينقرون على أجهزة الكمبيوتر.

من جهتها، سعت «طالبان» إلى زيادة جهود تحصيل الضرائب، بعد الانكماش الاقتصادي الشديد، الذي أعقب استيلاءهم على السلطة، عام 2021، وبسبب العقوبات أصيب النظام الاستبدادي بالشلل. ومن بين الأسباب وراء هذه العقوبات القيود القاسية المفروضة على النساء والفتيات.

مزارع نبات الخشخاش كانت تنتشر في أفغانستان لكن «طالبان» قضت عليها حسب مصادر دولية (رويترز)

وفي الوقت ذاته، يمكن إلغاء المساعدات الأميركية، التي جرى تقليصها بشكل كبير منذ عام 2021 بالكامل بموجب تخفيضات الميزانية التي أقرها الرئيس ترمب. يُذكر أن هذه المساعدات يجري توجيهها إلى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في أفغانستان، وليس مباشرة إلى حكومة «طالبان».

ومع وصول «طالبان» إلى السلطة، أصبح لزاماً على مقاتلي حرب العصابات السابقين، العمل بوصفهم موظفين بيروقراطيين. وداخل إدارة الضرائب التي تضم 280 موظفاً، يعمل المقاتلون السابقون جنباً إلى جنب مع الموظفين، الذين ورثوهم من الحكومة المدعومة من واشنطن، التي أسقطتها «طالبان».

بوابة مبنى إدارة الضرائب في كابل حيث يحصل دافعو الضرائب على الاستمارات قبل الدفع بأحد البنوك التي تديرها الحكومة (نيويورك تايمز)

في هذا الصدد، قال محمد وليد حقمال، المتحدث باسم وزارة المالية: «على الطاولة نفسها، لدينا أشخاص يرتدون العمائم ولديهم لحى بجانب أشخاص يرتدون السترات».

وقال إن «جابي الضرائب» نفسه، يقصد غوربندي، كان عميلاً سرياً لـ«طالبان» في كابل، قبل أن يصبح موظفاً حكومياً.

ويرأس غوربندي، الذي قال إنه حصل على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر، منظومة تعتمد على الكمبيوتر لإدارة الضرائب. وجرى تحويل المنظومة من الإنجليزية إلى الباشتو والداري. وأشار إلى أنه استعان بخبراء بمجال تكنولوجيا المعلومات لتحديث الإدارة.

وقال كذلك، في أثناء فترة الاستراحة لتناول الطعام المكون من كباب اللحم والأرز، إنه حاول غرس ثقافة الشفافية. ولا يُسمح لموظفيه بالتعامل مع النقود، وإنما يتسلم دافعو الضرائب استماراتهم ليسلموها إلى بنك تديره الحكومة، من أجل دفع الضرائب هناك.

وقال إنه عندما لا يكون في مكتبه يوقع على أكوام من الوثائق التي يسلمها له مساعدوه الذين يتنقلون بين المكاتب، ويزور أقساماً مختلفة من إدارته، ويسأل دافعي الضرائب كيف يمكنه تسريع العملية.

وفي سياق متصل، أفاد مراقبون دوليون بأن «طالبان» نجحت في تقليص الفساد الضريبي والمحسوبية، التي يقول الأفغان إنها كانت متفشية في ظل الحكومة المتحالفة مع واشنطن، في حين عملت على تبسيط عملية تحصيل الضرائب. وفي حين كان كثير من الأفغان من ذوي النفوذ يتجنبون دفع الضرائب ذات يوم، أكد غوربندي أنه حتى هو بصفته محصل الضرائب الحكومي، لم يكن معفياً من الضرائب. وقال إنه كان يدفع 30 ألفاً شهرياً، أو ما يزيد قليلاً على 400 دولار. ورغم مناخ الانفتاح والكفاءة السائد داخل المكتب، شدّد غوربندي على أنه لا يغادر أي دافع ضرائب المكتب إلا وهو في حالة رضا».

شمس الرحمن شمس الذي يساعد في إدارة المدارس الخاصة يزور إدارة الضرائب (نيويورك تايمز)

من جهته، دخل شمس الرحمن شمس، الذي حضر إلى المكتب ذات يوم أواخر العام الماضي، في خلاف مع محصل الضرائب. وقال إن المدرستين الخاصتين اللتين ساعد في إدارتهما لم تحققا أرباحاً خلال السنوات الثلاث الماضية، وكان يحمل معه مجلداً بلاستيكياً محشواً بالوثائق لإثبات ذلك. ومع ذلك، جرى تقدير الضرائب المستحقة عليه بـ500 ألفاً، أو نحو 7 آلاف و350 دولاراً.

عناصر من «طالبان» خلال دورية في العاصمة كابل (أ.ف.ب)

وعليه، فقد دخل في جدال محتدم لكنه مهذب مع موظف في الإدارة، وأظهر للرجل وثائقه، ولم يتوصلا إلى حل، لذلك طُلب منه العودة بوقت لاحق لاستئناف المفاوضات.

ومع أن هذه لم تكن النتيجة التي كان يأملها، اعترف شمس بأن العملية الضريبية الجديدة أكثر شفافية من النظام السابق. وقال: «على الأقل استمعوا إلي».

تجدر الإشارة إلى أنه في أثناء الحرب، أدارت «طالبان» نظاماً ضريبياً رابحاً، يفرض رسوماً جمركية ورسوم نقل وضرائب محلية في المناطق الخاضعة لسيطرتها. كما كسبت الملايين عبر فرض ضرائب بنسبة 10 في المائة - العُشر في الإسلام - على مزارعي الخشخاش، رغم أنهم حظروا منذ ذلك الحين إنتاج الخشخاش.

وفي عام 2023 جمعت حكومة «طالبان» نحو 3 مليارات دولار من الضرائب والجمارك والرسوم، أو 15.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. (كان المعدل المقارن في الولايات المتحدة 25.2 في المائة).

أما المصدر الأكبر لـ«طالبان»، فيكمن فيما يسمى الإيرادات غير الضريبية؛ الرسوم الجمركية، وإيرادات التعدين، ورخص الاتصالات، ورسوم المطارات، ورسوم بطاقات الهوية الوطنية، وجوازات السفر والتأشيرات، حسبما أفاد البنك الدولي. وقد زادت هذه الإيرادات، في النصف الأول من العام الماضي، بنسبة 27 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

من جهتها، أنفقت الحكومة نصف إيراداتها على الأمن والجيش خلال العام الماضي، و26 في المائة فقط على البرامج الاجتماعية، معظمها على تعليم الأولاد، وفقاً لمراقبين دوليين.

رجل يدفع الضرائب في أحد فروع البنك المركزي الأفغاني (نيويورك تايمز)

وقال غوربندي إن النظام الضريبي لم يكن مصمماً ليكون عقابياً، فالإعفاءات السخية تعني أن أغلب الأفغان العاديين لا يدفعون ضرائب الدخل. كما أن أصحاب المتاجر الذين تقل مبيعاتهم السنوية عن مليوني أفغاني، أو نحو 29 ألفاً و500 دولار أميركي، يحظون بالإعفاء كذلك.

أما التجار الذين تزيد أرباحهم على هذا المبلغ، فيخضعون لضريبة بنسبة 0.3 في المائة فقط.

ولا توجد عقوبات نقدية أو رسوم فائدة على دافعي الضرائب، الذين لا يدفعون في الموعد المحدد، إلا أن المخالفين للقانون قد يفقدون تراخيص أعمالهم وقدرتهم على الوصول إلى النظام المصرفي.

من جهته، قال غوربندي: «نحن بشر، ولا نريد أن نثقل كاهل شعبنا».

وأكد هو وحقمال، المتحدث باسم وزارة المالية، أن الهدف النهائي إلغاء جميع ضرائب الدخل.

وقال حقمال: «هذا أمر مباشر من قائدنا الأعلى»، في إشارة إلى الشيخ هبة الله آخوند زاده، أمير «طالبان» ورئيس الدولة.

ومن بين الأوامر الأخرى التي أصدرها الشيخ هبة الله، محو حقوق المرأة وفرض قيود أوسع على الحريات المدنية لجميع الأفغان. اليوم، يُحظر على النساء السفر لمسافة كبيرة دون قريب من الذكور، ويُلزمن بتغطية أجسادهن ووجوههن بالكامل في الأماكن العامة. ويُحظر سماع صوت المرأة خارج منزلها.


مقالات ذات صلة

جيش باكستان: مقتل 16 متشدداً على الحدود الأفغانية

آسيا جنود الجيش الباكستاني أمام المحكمة العليا بالمنطقة الحمراء بالعاصمة إسلام آباد (أرشيفية - متداولة)

جيش باكستان: مقتل 16 متشدداً على الحدود الأفغانية

ذكر بيان للجيش الباكستاني، الأحد، أن جنوده قتلوا 16 متشدداً على الحدود الغربية للبلاد مع أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أفريقيا عسكريون نيجيريون من سلاح الجو قبل عملية عسكرية ضد معاقل الإرهابيين (وزارة الدفاع النيجيرية)

نيجيريا: الجيش يكثِّف ضرباته الجوية ضد «داعش»

كثَّف جيش نيجيريا ضرباته الجوية ضد معاقل تنظيم «داعش في غرب أفريقيا»، في شمال البلاد، وجماعة «بوكو حرام»، ما أسفر خلال أسبوع عن مقتل عشرات من مقاتلي التنظيمين.

الشيخ محمد (نواكشوط )
آسيا شاحنات تحمل إمدادات لضحايا الاشتباكات الدامية بين القبائل بالقرب من الحدود الأفغانية في يناير (نيويورك تايمز)

باكستان تخوض محاولة فاشلة لدمج «أخطر مكان على الأرض»

عانت المناطق الحدودية الوعرة في شمال غربي باكستان من غياب القانون وتفشي العناصر المتشددة، لدرجة أن وصفها الرئيس السابق أوباما بأنها «أخطر مكان في العالم».

«الشرق الأوسط» (واشنطن - إسلام آباد )
آسيا صورة نُشرت يوم 22 مارس 2025 لجانب من لقاء المبعوث الباكستاني الخاص إلى أفغانستان السفير صادق خان (يسار) ووزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي (ذا نيوز)

إسلام آباد وكابل تسعيان إلى تهدئة العلاقات المتوترة

تعهدت باكستان وأفغانستان مجدداً بترفيع وتعزيز التشارك الدبلوماسي، والاستفادة معاً من إمكاناتهما الكاملة من أجل المنفعة المتبادلة لشعبي البلدين.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا عناصر من الشرطة الفرنسية «أرشيفية- متداولة»

توقيف قاصر إثر الاعتداء على حاخام في جنوب باريس

أُوقف قاصر في السادسة عشرة من العمر، السبت، إثر الاشتباه في اعتدائه في فترة سابقة من اليوم على حاخام مدينة أورليان جنوب فرنسا.

«الشرق الأوسط» (رين ( فرنسا))

كوريا الجنوبية: محكمة ترفض عزل رئيس الوزراء وتعيده قائماً بأعمال الرئيس

رئيس وزراء كوريا الجنوبية هان دوك- سو الذي يشغل منصب القائم بأعمال الرئيس (إ.ب.أ)
رئيس وزراء كوريا الجنوبية هان دوك- سو الذي يشغل منصب القائم بأعمال الرئيس (إ.ب.أ)
TT

كوريا الجنوبية: محكمة ترفض عزل رئيس الوزراء وتعيده قائماً بأعمال الرئيس

رئيس وزراء كوريا الجنوبية هان دوك- سو الذي يشغل منصب القائم بأعمال الرئيس (إ.ب.أ)
رئيس وزراء كوريا الجنوبية هان دوك- سو الذي يشغل منصب القائم بأعمال الرئيس (إ.ب.أ)

رفضت المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية، اليوم (الاثنين)، عزل رئيس الوزراء هان دوك- سو، وقضت بإعادته إلى منصب القائم بأعمال الرئيس، في أحدث تطور في المشهد السياسي المضطرب في البلاد، بعد اتخاذ إجراءات بهدف عزله قبل أكثر من شهرين.

تولى هان منصب الرئيس بالإنابة خلفاً للرئيس يون سوك يول، الذي تعرض للمساءلة ويواجه العزل بسبب إعلانه الأحكام العرفية لفترة وجيزة العام الماضي. وعقب صدور الحكم، عاد هان إلى منصب القائم بأعمال الرئيس على الفور

ورفض 5 من قضاة المحكمة الثمانية عزل هان في حين أيده قاض واحد، وصوّت قاضيان آخران على عدم قبول اقتراح العزل من الأساس.

وكان البرلمان الذي تقوده المعارضة قد اتهم هان بعدم بذل الجهود الكافية لإحباط قرار يون الخاص بإعلان الأحكام العرفية وهو اتهام نفاه هان

وقرر البرلمان اتخاذ إجراءات لعزل هان بسبب دوره المزعوم في الأحكام العرفية، ورفضه تعيين المزيد من القضاة في المحكمة الدستورية ودعم مشاريع قوانين تستهدف يون والسيدة الأولى كيم كيون هي

حضر هان جلسة الاستماع الوحيدة في القضية في 19 فبراير (شباط)، حيث أنكر أي دور له في واقعة الأحكام العرفية ودعا المحكمة إلى رفض العزل.