مراسل عاد إلى أفغانستان بحثاً عن الدروس والأسرار

من منظور المفاهيم التي خلَّفتها الولايات المتحدة وراءها

مقاتلو «طالبان» العام الماضي في ولاية قندوز بأفغانستان «نيويورك تايمز»
مقاتلو «طالبان» العام الماضي في ولاية قندوز بأفغانستان «نيويورك تايمز»
TT

مراسل عاد إلى أفغانستان بحثاً عن الدروس والأسرار

مقاتلو «طالبان» العام الماضي في ولاية قندوز بأفغانستان «نيويورك تايمز»
مقاتلو «طالبان» العام الماضي في ولاية قندوز بأفغانستان «نيويورك تايمز»

بدا عضو جماعة «طالبان» في حالة مزرية، تماماً مثلما كانت حالة موقعه المتقدم، الذي كان عبارة عن مقطورة مائلة على ممر جبلي مغطى بالثلوج. وقد حُفرت ثقوب في جوانبها لتوفير الهواء لموقد الحطب المشتعل.

«طالبان» عند نقطة تفتيش في قندهار بأفغانستان 25 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ولدى رؤيته أجانب طلب منّا، بلحيته غير المهذّبة وطبقات من السترات الصوفية لا تناسب حجم جسده، الخروج من السيارة.

وانتظرنا أنا وزميلي برايان دنتون، لأكثر من ساعة على أرض المقطورة، فيما كان يعكف على مراجعة وثائقنا. وإلى جواره، كان حارسان ينامان تحت بطانيات مكدسة. وعمَّت رائحة كريهة أرجاء المكان، كأنهم كانوا هناك لفترة من الوقت.

وطرح مسؤول «طالبان» عدداً من الأسئلة: لماذا أتينا إلى أفغانستان؟ وإلى أين كنا ذاهبين؟ وماذا كنا نفعل؟

وأخبرناه بما سبق أن قلناه بالفعل لكثير من أعضاء «طالبان» الآخرين. من جهتي، توليت تغطية أخبار الحرب بصفتي مراسلاً صحافياً، ورئيس مكتب صحيفة «نيويورك تايمز». والآن، أردت أن أرى الحرب من منظور آخر، تحديداً رغبت في مطالعة الدروس -والأسرار- التي خلَّفتها الولايات المتحدة وراءها.

طالبات أفغانيات في صف دراسي بعد منع «طالبان» التعليم (متداولة)

ودودون في تعاملهم معنا

في الغالب، بدا أعضاء «طالبان» ودودين في تعاملهم معنا، أو على الأقل بدوا منفتحين على فكرة التعامل معنا بودّ. وقد تولّى بعض المصادر الأميركية القديمة في كابل، العاصمة الأفغانية، توفير ضمانات لنا لدى أعضاء «طالبان» الذين يعرفونهم. أما هذا الرجل الذي كنا نقف أمامه، فكان على الحدود على مسافة آلاف الأميال من العاصمة، وبدا مريباً.

وأثار ذلك بداخلي تساؤلات حول ما إذا كان حظنا قد نفد، فيما التفت برايان إليَّ عابس الوجه.

وبدأ الحارس التسجيل لنا بهاتفه، مما جعل ضربات قلبينا تتسارع. لم يسبق تقريباً تسجيل وجه أي أجنبي في ظروف مماثلة وانتهى الأمر على نحو جيد على مدار هذا القرن.

إلا أن مسؤول «طالبان» هذا كانت لديه أشياء أخرى في ذهنه.

وبعد فترة، وجَّه إلينا طلباً، قائلاً: «هل يمكن أن تذكرا، من فضلكما، أنه قد جرت معاملتكما على نحو طيب، وأنكما لم تتعرضا لأذى؟»، وربما كان ذلك لجمع أدلة لتبرئته، حال تقدمنا بشكوى ضده إلى رؤسائه.

حرية الاستكشاف

كان أحد الأمور الغريبة في رحلاتنا، مدى الحرية التي أتاحتها لنا «طالبان» فيما يخص الاستكشاف، فعلى امتداد الفترة الأطول من الحرب، كان يطلقون النار أو يقصفون أو يختطفون أي أجنبي يمكنهم العثور عليه. وقد تعرض زملاء لنا في الصحيفة للاختطاف والقتل.

ومع ذلك، فإنه هذه المرة، وبغضِّ النظر عن مكان وجودنا، بمجرد أن نُظهر أوراقنا، كان يُسمح لنا بالدخول إلى أماكن لم يغامر بدخولها سوى عدد قليل من الأجانب منذ ما يقرب من عقدين: وهنا التقينا الجانب الآخر من الحرب.

قالت حكومة «طالبان» في 25 ديسمبر إن الغارات الجوية الباكستانية في منطقة الحدود الشرقية لأفغانستان أسفرت عن مقتل 46 مدنياً فيما أكد مسؤول أمني باكستاني أن القصف استهدف «مخابئ إرهابية» (أ.ف.ب)

وأمضينا الليالي داخل مبانٍ نصف مبنية، وفي صحارى قاحلة وعلى حوافّ أنهار هائجة. وأجرينا مقابلات مع مئات الأشخاص، واستطلعنا آراء أكثر من ألف آخرين حول جرائم الحرب التي ارتكبها حلفاء الولايات المتحدة.

وغالباً ما تَرِد على ذهني فيتنام في خضمِّ هذه اللحظات. في تلك الحرب، مرَّت عقود قبل أن تنخرط الولايات المتحدة مع عدوها السابق. وبحلول ذلك الوقت، كانت صفحات من التاريخ قد ضاعت.

بقدرٍ ما خسرت واشنطن

وإليكم ما تعلمناه: لم تنتصر «طالبان» بقدر ما خسرت واشنطن.

لقد خلصنا مراراً وتكراراً إلى نتيجة مفادها أن الأميركيين مهَّدوا الطريق لهزيمتهم، قبل وقت طويل من وصول «طالبان» إلى السلطة في أغسطس (آب) 2021.

مكّنت واشنطن أمراء الحرب والمجرمين من إدارة الحرب نيابةً عنها، وهم أنفسهم الذين أججوا قدراً كبيراً من الكراهية في نفوس الناس، حتى أصبح وجودهم أداة لتجنيد الأفراد لصالح «طالبان». وكان من أبرز الأمثلة على ذلك الفريق عبد الرازق، قائد شرطة ولاية قندهار.

وكشف تقريرنا أن هذا الرجل ورجاله كانوا مسؤولين عن أكبر حملة معروفة على مستوى أفغانستان من الاختفاءات الجماعية في أثناء الحرب.

تحويل حلفائهم إلى أعداء

باختصار، حول الأميركيون حلفاءهم إلى أعداء. لقد غرس الأميركيون الكراهية من خلال الاقتحام الأعمى لأماكن لم يفهموها. ولم تقتل الغارات الجوية الضالة الأبرياء فحسب، بل قتلت حلفاء واشنطن - الأشخاص أنفسهم الذين قدموا الدعم الأكبر لواشنطن.

في منطقة نورستان الوعرة، تتبعنا أصول واحدة من أكثر الهجمات دموية على الجنود الأميركيين. واكتشفنا أن القوات الأميركية خلقت الأعداء الذين كانت تخشى منهم أكثر من غيرهم -وداخل أماكن لم تكن بحاجة إلى الوجود فيها قط.

وجاءت «طالبان» لتعلن العفو، ووقف زراعة الخشخاش.

وبعد الحرب، أعلنت «طالبان» أنه بغضّ النظر عن الجانب الذي كنت فيه، فإن القتال قد انتهى. وجرى منع الأعداء السابقين من تسوية الحسابات -وكان الناس في الغالب يرضخون لذلك.

نجحت «طالبان» في وقف زراعة الخشخاش (متداولة)

كما أعلنت «طالبان» وقف زراعة الخشخاش، الأمر الذي يبدو أنه حقق أحد أهداف الحرب الرئيسية التي تبنَّتها واشنطن.

من جهتنا، زرنا أطلال بلدةٍ لطالما ازدهرت بها زراعة الخشخاش، وهي المنطقة التي كانت بمثابة مركز مالي لـ«طالبان» بقيمة 10 ملايين دولار شهرياً، ومختبراً للحكم.

كانت المنطقة، باكو، ذات يوم عبارة عن مساحة صحراوية غير مأهولة بالسكان. إلا أنه بفضل الجهود الأميركية للقضاء على الخشخاش -وتجارة الأفيون- توافد الناس إلى المنطقة الصحراوية، حيث احتضنتهم «طالبان».

الحقيقة أن نتيجة الحرب حُسمت بالفعل قبل وقت طويل من انتهائها.

من ناحيته، يلقي الرئيس جو بايدن باللوم على الجيش الأفغاني لانهياره بهذه السرعة، فيما يلقي الرئيس المنتخب دونالد جيه. ترمب باللوم على بايدن.

ويتجاهل الاثنان التاريخ في أماكن مثل شمال أفغانستان، وهي المنطقة التي ربما كانت لتستمر فيها قيم مثل الديمقراطية وحقوق المرأة.

في مثل هذه المناطق، مكَّنت الولايات المتحدة الميليشيات من أجل محاربة «طالبان». وبدلاً من ذلك، تورطت هذه الجماعات في تعذيب المدنيين وخطفهم وذبحهم. لقد خلقوا كراهية شديدة تجاه الحكومة الأفغانية وحلفائها الأميركيين، حتى أن الناس ارتموا في أحضان «طالبان».

وقبل انسحاب الأميركيين، كانت «طالبان» تتفاوض بالفعل على صعودها إلى السلطة.

* «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

اتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في «قسد» وأكدت تمسكها بعملية عسكرية في شمال سوريا وسط مساعٍ أميركية لمنعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان ملوحاً بالتحية لمواطنين في أثناء استقبال بهشلي له أمام منزله في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

تركيا: لقاء بين إردوغان وبهشلي وسط جدل حول الحوار مع أوجلان

تشهد تركيا حراكاً مكثفاً حول عملية لحل المشكلة الكردية عبر الحوار مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان، وانقساماً حول مسألة العفو عنه.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا محمد ديبي ورث حكم تشاد من والده وتمت ترقيته مؤخراً إلى رتبة ماريشال (صحافة محلية)

تحت تأثير الكحول والمخدرات... 24 شخصاً هاجموا القصر الرئاسي في تشاد

استبعدت تشاد أن يكون الهجوم على القصر الرئاسي ليل الأربعاء/الخميس، له أي طابع «إرهابي»، مشيرة إلى أن من نفذوه كانوا مجموعة من الأشخاص في حالة سكر ومسلحين.

الشيخ محمد (نواكشوط )
أوروبا جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)

تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

الأدلة التي نشرتها لجنة تحقيق رسمية في جرائم الحرب المزعومة ترسم صورة مزعجة لقوة قتالية نخبوية اعتادت ثقافة الإفلات من العقاب في أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن ) «الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن )
آسيا أفراد من الجيش الباكستاني (أرشيفية)

مقتل 3 جنود و19 إرهابياً بعملية أمنية شمال غربي باكستان

قُتل 3 جنود من رجال الأمن الباكستاني، كما قُضي على 19 مسلحاً من العناصر الإرهابية خلال عمليات أمنية واشتباكات وقعت في المناطق الشمالية من باكستان.

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الثلاثاء)، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

وقالت متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إن المنظمة على اتصال بالمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وأشارت إلى أنه تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بأن العديد من التهابات الجهاز التنفسي تنتشر في الصين، كما هو معتاد في فصل الشتاء، بما في ذلك «الإنفلونزا و(آر إس في) و(كوفيد - 19) و(إتش إم بي في)».

وبدأت وسائل الإعلام الصينية في أوائل ديسمبر (كانون الأول) تتناول ارتفاع حالات الإصابة بفيروس الالتهاب الرئوي البشري «إتش إم بي في»، وهو ما أثار مخاوف صحية عالمية بعد 5 أعوام على اندلاع جائحة «كوفيد - 19» في الصين.

إلا أن بكين ومنظمة الصحة العالمية كانتا تحاولان تهدئة المخاوف في الأيام الأخيرة.

وقالت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية في جنيف، إن فيروس «إتش إم بي في» يجذب الكثير من الاهتمام لأنه ليس اسماً مألوفاً، ولكن تم اكتشافه في عام 2001.

وأوضحت أن «إتش إم بي في» هو فيروس شائع ينتشر في الشتاء والربيع.

وأضافت هاريس أن «مستويات التهابات الجهاز التنفسي التي تم الإبلاغ عنها في الصين تقع ضمن المستوى المعتاد لموسم الشتاء... وأفادت السلطات بأن استخدام المستشفيات أقل حالياً مما كان عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، ولم تكن هناك إعلانات أو استجابات طارئة».