البعوض الناقل للملاريا... عدو جديد عابر للحدود بين الكوريتين

كيم هيون وو العالم في وكالة مكافحة الأمراض والوقاية بكوريا الجنوبية أثناء بحثه عن البعوض (أ.ف.ب)
كيم هيون وو العالم في وكالة مكافحة الأمراض والوقاية بكوريا الجنوبية أثناء بحثه عن البعوض (أ.ف.ب)
TT

البعوض الناقل للملاريا... عدو جديد عابر للحدود بين الكوريتين

كيم هيون وو العالم في وكالة مكافحة الأمراض والوقاية بكوريا الجنوبية أثناء بحثه عن البعوض (أ.ف.ب)
كيم هيون وو العالم في وكالة مكافحة الأمراض والوقاية بكوريا الجنوبية أثناء بحثه عن البعوض (أ.ف.ب)

قرب الحدود المعسكرة بشدة بين الكوريتين، يعمل جهاز مراقبة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ليس لتتبع الصواريخ أو التحركات العسكرية، بل لمنع البعوض الحامل للملاريا من عبور الحدود.

على الرغم من خدمات الرعاية الصحية المتقدمة وعقود من الجهود الحثيثة، ظل القضاء على الملاريا حلماً بعيد المنال بالنسبة لكوريا الجنوبية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قربها من جارتها الشمالية المعزولة، حيث ينتشر المرض.

وقد أصدرت كوريا الجنوبية تحذيراً على المستوى الوطني من الملاريا هذا العام، ويقول العلماء إن تغير المناخ، مع ما يصحبه خصوصاً من ارتفاع في حرارة مياه الينابيع وهطول كميات أكبر من الأمطار، قد يجلب المزيد من الأمراض التي ينقلها البعوض إلى شبه الجزيرة ما لم تتعاون الكوريتان، اللتان لا تزالان تقنياً في حالة حرب.

وتتمحور القضية الأساسية حول المنطقة منزوعة السلاح، وهي أرض لا يطالب بها أحد بعرض أربعة كيلومترات على طول الحدود الممتدة على 250 كيلومتراً.

قول العلماء إن الأرض منزوعة السلاح خصبة مثالية لتكاثر البعوض بما في ذلك حاملات الملاريا التي يمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 12 كيلومتراً (أ.ف.ب)

وتغطي المنطقة منزوعة السلاح غابات كثيفة وأراضي رطبة، ولم تشهد أي حضور بشري تقريباً منذ إنشائها بعد وقف إطلاق النار الذي أنهى الأعمال العدائية في الحرب الكورية عام 1953.

وأصبحت المنطقة الحدودية المليئة بالألغام ملاذاً بيئياً لأنواع نادرة؛ إذ رُصد فيها دب أسود آسيوي في عام 2018. ويقول العلماء إنها أيضاً أرض خصبة مثالية لتكاثر البعوض، بما في ذلك حاملات الملاريا التي يمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 12 كيلومتراً.

وقال كيم هيون وو، أحد العلماء العاملين في وكالة مكافحة الأمراض والوقاية منها في سيول، إن المنطقة منزوعة السلاح تضم مياهاً راكدة، بالإضافة إلى «الكثير من الحيوانات البرية التي تشكّل مصدراً للدم لتتغذى عليها البعوض من أجل وضع بيضها».

كيم هيون وو - العالم في وكالة مكافحة الأمراض والوقاية منها في كوريا الجنوبية - بين الأراضي الرطبة في حديقة دوراسان للسلام في باغو بالقرب من الحدود المحصنة بشدة التي تفصل بين الكوريتين (أ.ف.ب)

وكانت كوريا الجنوبية تعتقد فيما مضى أنها قضت على الملاريا، لكن في عام 1993 كُشفت إصابة جندي يخدم في المنطقة منزوعة السلاح، واستمر المرض بالتفشي مذاك؛ إذ ارتفعت الحالات بنسبة 80 في المائة تقريباً في العام الماضي إلى 747، بعدما كان عددها 420 عام 2022.

وقال أستاذ علم الأحياء البيئي في جامعة ساهميوك في سيول كيم دونغ غون لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا يمكن اعتماد أساليب مكافحة الآفات الزراعية في المنطقة منزوعة السلاح».

وأوضح أنه مع زيادة أعداد البعوض، فإن المزيد من الحشرات الحاملة للملاريا «تتغذى من الجنود في منطقة الحدود؛ مما يؤدي إلى تسجيل حالات ملاريا بشكل مستمر هناك».

وثبتت السلطات الصحية في كوريا الجنوبية 76 جهازاً لتتبع البعوض في جميع أنحاء البلاد، بما يشمل مناطق رئيسية بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح.

«جمهورية الأمراض»

ينتشر الملاريا على نطاق أوسع على شمال الحدود، حيث تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى ما يقرب من 4500 حالة بين عامي 2021 و2022، ومن المرجح أن يؤدي الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي في البلاد إلى تفاقم الوضع.

تتمحور القضية الأساسية حول المنطقة منزوعة السلاح وهي أرض لا يطالب بها أحد بعرض 4 كيلومترات على طول الحدود الممتدة على 250 كيلومتراً (أ.ف.ب)

وقال تشوي جونغ هون، وهو طبيب كوري شمالي سابق انشق في عام 2011 ويعمل الآن طبيباً في الجنوب، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كوريا الشمالية جمهورية الأمراض المعدية».

وأوضح تشوي أنه على الرغم من أنه كان يعيش في شمال البلاد، فقد عالج مصابين بالملاريا، بينهم جندي كوري شمالي كان متمركزاً بالقرب من الحدود مع كوريا الجنوبية.

ولفت إلى أن المعدات البالية المستخدمة في كوريا الشمالية، بينها المجاهر القديمة، تعيق التشخيص المبكر والدقيق للملاريا، في حين أن سوء التغذية وبرك المياه والمرافق غير الصحية تجعل السكان عرضة بشكل خاص للإصابة بالمرض.

باحث يقوم بتثبيت جهاز لتتبع البعوض في حديقة دوراسان للسلام في باغو (أ.ف.ب)

وقد تؤدي الفيضانات الشديدة التي ضربت كوريا الشمالية هذا الصيف إلى تفاقم الأمور. وفي باكستان، ساهمت الفيضانات الكارثية في عام 2022 في زيادة حالات الملاريا بمقدار خمسة أضعاف على أساس سنوي.

وقال تشوي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تستمر كوريا الشمالية في الاعتماد على المراحيض الخارجية المشتركة القديمة. وبالتالي، عندما تحدث الفيضانات، تتدفق مياه مليئة بالبراز؛ مما يؤدي إلى الانتشار السريع (لجميع أنواع) الأمراض المعدية».

«مؤلم للغاية»

في العقد الماضي، أصيب نحو 90 في المائة من مرضى الملاريا في كوريا الجنوبية في مناطق قريبة من المنطقة المنزوعة السلاح، وفق الأرقام الرسمية - على الرغم من حدوث حالات نادرة في مناطق أخرى.

وقد شُخصت إصابة شين سيو آه (36 عاماً)، بالملاريا في عام 2022 بعد دخولها المستشفى بسبب ارتفاع متكرر في درجة الحرارة، لكنها لم تزر منطقة حدودية في ذلك العام قبل أن تمرض.

تظهر البعوض تحت المجهر في مختبر بجامعة ساهميوك في سيول (أ.ف.ب)

وقالت عن الفترة التي سبقت مرضها: «لا أذكر أني تعرضت للدغة من أي حشرات».

في البداية، اعتقد الأطباء أنها تعاني عدوى في الكلى، واستغرق الأمر نحو 10 أيام قبل أن يتم تشخيصها في نهاية المطاف بالمرض الذي ينقله البعوض.

وقالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن إصابتها بالملاريا جعلتها تشعر وكأنها تتعرض «للقلي في مقلاة ساخنة حقاً»، مضيفة أن الإصابة كانت مؤلمة للغاية لدرجة «أنني توسلت ذات مرة ممرضة بأن تجعلني أفقد الوعي».

كيم هيون وو العالم في وكالة مكافحة الأمراض والوقاية بكوريا الجنوبية أثناء بحثه عن البعوض (أ.ف.ب)

يتسبب الطفيلي المسمى علمياً «بلاسموديوم فيفاكس» Plasmodium vivax في مرض الملاريا في شبه الجزيرة الكورية، ومن المعروف أنه أقل فتكاً من الملاريا الاستوائية التي يسببها الطفيلي «بلاسموديوم فالسيباروم» Plasmodium falciparum، والتي تصيب بلداناً أفريقية عدة.

ومع ذلك، بعد الإصابة بالملاريا، أصيبت شين ببكتيريا غير سِلَِيَة، وهو مرض رئوي يصيب عادة الأفراد الذين يعانون ضعفاً في جهاز المناعة.

وقالت: «الملاريا مرض مرعب حقاً»، مضيفة أنها تأمل أن يُبذل المزيد من الجهود لمنع انتشاره.

ولكن مع إعلان كوريا الشمالية المسلحة نووياً أن سيول هي «عدوها الرئيسي» هذا العام، وفي ظل قطع الاتصالات بين الجارتين مع رفض كوريا الشمالية العروض المتكررة للمساعدات الخارجية، فإن التعاون في مكافحة الملاريا يبدو مستبعداً.


مقالات ذات صلة

الذكاء العاطفي يساعد على النجاح الأكاديمي

يوميات الشرق أدلة دامغة على أن الذكاء العاطفي يزداد تأثيره بقوة بمرور الوقت (جامعة كوين ماري في لندن)

الذكاء العاطفي يساعد على النجاح الأكاديمي

أظهرت دراسة جديدة أجراها فريق دولي من الخبراء أن المهارات غير المعرفية، مثل الدوافع النفسية والتنظيم الذاتي، مهمة جداً في تحديد فرص النجاح الأكاديمي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك استئصال المرارة قد لا يقضي على آلام البطن (جامعة جونز هوبكنز)

هل استئصال المرارة الحل الأمثل لعلاج الحصوات؟

كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة «رادبود» في هولندا أن استئصال المرارة قد لا يكون دائماً الحل الأمثل لعلاج حصى المرارة وآلام البطن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق العمل لساعات طويلة يُظهر تفانيك في عملك على حساب وقتك الشخصي وحياتك (رويترز)

أن تأتي مبكراً وتغادر متأخراً... نصائح للعمل لم تعد مجدية

إن الحضور إلى العمل مبكراً والبقاء حتى وقت متأخر لن يجعلك تتقدم وفقاً لرأي خبير مهني منذ 30 عاماً في سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أظهرت الأبحاث الجديدة أنه يمكن للمكسرات أن تكون في الواقع جزءاً مهماً من النظام الغذائي لفقدان الوزن (رويترز)

وجبة خفيفة «غنية بالدهون» تساعدك في إنقاص وزنك... تعرف عليها

على الرغم من أنه كان يُعتقد في السابق أن المكسرات تؤدي إلى السمنة، فإن أبحاثاً جديدة أظهرت أنها يمكن أن تكون في الواقع جزءاً من النظام الغذائي لفقدان الوزن.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية اعتمدت بخاخاً أنفياً ليكون أول علاج طوارئ خلاف الحقن لردود الفعل التحسسية التي قد تفضي إلى الوفاة (غيتي)

الولايات المتحدة تعتمد «نيفي» أول بخاخ أنفي لردود الفعل التحسسية

قالت إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية (إف دي إيه) إنها اعتمدت بخاخاً أنفياً، ليكون أول علاج طوارئ لردود الفعل التحسسية بخلاف الحقن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

سوليفان ووانغ يتطلعان لمحادثات «مثمرة» في بكين

TT

سوليفان ووانغ يتطلعان لمحادثات «مثمرة» في بكين

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يتحدث للإعلام وبجانبه المستشار الأميركي جايك سوليفان في بكين الثلاثاء (رويترز)
وزير الخارجية الصيني وانغ يي يتحدث للإعلام وبجانبه المستشار الأميركي جايك سوليفان في بكين الثلاثاء (رويترز)

أعرب مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان ووزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الثلاثاء، عن أملهما في إجراء محادثات مثمرة خلال لقائهما في بكين.

وحمّلت حليفتا واشنطن، اليابان والفلبين، الصين خلال الأسبوع الأخير مسؤولية ارتفاع منسوب التوتر الإقليمي؛ إذ اتّهمت طوكيو بكين بانتهاك مجالها الجوي بينما وصفتها مانيلا بـ«أكبر مزعزع» للسلام في جنوب شرق آسيا.

وأفاد سوليفان بعد وصوله إلى العاصمة الصينية بعد ظهر الثلاثاء، بأنه يتطلع إلى «جولة محادثات مثمرة للغاية» مع وانغ. وقال: «سنخوض في مجموعة واسعة من القضايا، بينها ما نتفق عليه بينما هناك تلك القضايا... حيث ما زالت تدور خلافات يتعيّن علينا التعامل معها بشكل فاعل وموضوعي».

وأكد وزير الخارجية الصيني لسوليفان بأنه يسعى لمحادثات «موضوعية» و«بنّاءة» خلال زيارته، وهي الأولى التي يقوم بها مستشار للأمن القومي الأميركي منذ عام 2016.

المستشار الأميركي جايك سوليفان لدى نزوله من الطائرة في مطار بكين الثلاثاء (إ.ب.أ)

وقال وانغ إنه يريد من الطرفين «المساعدة على دفع العلاقات الصينية - الأميركية باتّجاه (رؤية سان فرنسيسكو)»، في إشارة إلى إطار عمل توصل إليه الرئيسان الأميركي، جو بايدن، والصيني، شي جينبينغ، خلال محادثات في المدينة الأميركية العام الماضي، أنعش الآمال في التوصل إلى وفاق في هذه العلاقة الثنائية المحورية للعالم.

من جهتها، عبّرت اليابان، الثلاثاء، عن «مخاوف جديّة» حيال التطوّرات الأخيرة في بحر الصين الجنوبي، متّهمة بكين بالقيام بتحرّكات «خطيرة وقمعية».

وفي تعبير عن دعمها مانيلا، أكدت اليابان أنها «تقدّر بشكل كبير الحكومة الفلبينية لإظهارها... التزامها بتسوية سلمية للنزاعات» في المنطقة.

تعزيز التحالفات

وأوضحت مسؤولة أميركية قبيل الزيارة أن سوليفان سيناقش مسألة بحر الصين الجنوبي مع نظرائه في بكين، بمن فيهم وانغ.

ولم توضح إن كانت الولايات المتحدة تتوقع تحقيق أي اختراق خلال الزيارة.

محادثات موسعة بين الوفدين الصيني والأميركي في بكين الثلاثاء (رويترز)

وقال المسؤولة: «نحن ملتزمون بالقيام بالاستثمارات وتعزيز تحالفاتنا واتخاذ الخطوة المشتركة التي يجب اتخاذها بشأن التكنولوجيا والأمن القومي»، في إشارة إلى القيود الصارمة التي فرضتها إدارة بايدن على الصادرات التقنية إلى الصين. أضافت: «لكن في المقابل نحن ملتزمون بإدارة هذا التنافس بمسؤولية والحؤول دون أن ينحو نحو النزاع».

وأشارت إلى أن سوليفان «سيثير المخاوف بشأن تزايد ضغط جمهورية الصين الشعبية العسكري والدبلوماسي والاقتصادي في تايوان»، وأن «هذه الخطوات تزعزع الاستقرار، وتزيد (خطر) التصعيد، وسنواصل حض بكين على الانخراط في حوار هادف مع تايبيه».

وترى الصين الرئيس التايواني، لاي تشينغ - تي، «انفصالياً خطيراً»، وشدّدت من لهجتها حيال الجزيرة وأجرت مناورات عسكرية في محيطها منذ توليه منصبه الجديد في وقت سابق هذا العام.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي والمستشار الأميركي جايك سوليفان قبل بدء محادثاتهما في بكين الثلاثاء (رويترز)

وسيذكّر سوليفان بكين بالمخاوف الأميركية بشأن دعم الصين روسيا في توسيع صناعاتها العسكرية منذ بدء غزو أوكرانيا. من جهتها، تشدد بكين على أنها لا تقدم دعماً عسكرياً مباشراً لموسكو، على عكس ما توفره الولايات المتحدة ودول غربية عدة لكييف.

وغالباً ما آثرت الصين العمل مع مستشاري الأمن القومي الأميركيين، وتنظر إليهم على أنهم صانعو قرار مقرّبون من الرئيس ويجرون المفاوضات بعيداً من دائرة الضوء الإعلامية التي غالباً ما ترافق وزراء الخارجية.

ويعود التاريخ الحديث للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين إلى عام 1971 حين زار هنري كيسنجر، وزير الخارجية في عهد ريتشارد نيكسون، بكين سراً لتمهيد الأرضية للعلاقات بين واشنطن والدولة الشيوعية الآسيوية.

والتقى سوليفان ووانغ يي أربع مرات على مدى العام ونصف العام المنصرمين، في واشنطن وفيينا ومالطا وبانكوك. كما كانا حاضرين على هامش القمة التي جمعت بايدن وشي جينبينغ في كاليفورنيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي .

وفي بعض الأحيان، لم يتم الإعلان عن لقاء وانغ وساليفان سوى بعد انتهائه. وأمضى المسؤولان ساعات طويلة خلف الأبواب الموصدة بعيداً من العدسات.

وتأتي الزيارة قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر.