ولاية مودي الثالثة: إصلاحات معلّقة وتحديات الائتلاف

برنامجه الاقتصادي يواجه مقاومة في البرلمان... و«عضوية دائمة» بمجلس الأمن أبرز أولوياته الخارجية

وافقت رئيسة الهند الجمعة على طلب مودي تشكيل حكومة ائتلافية (أ.ف.ب)
وافقت رئيسة الهند الجمعة على طلب مودي تشكيل حكومة ائتلافية (أ.ف.ب)
TT

ولاية مودي الثالثة: إصلاحات معلّقة وتحديات الائتلاف

وافقت رئيسة الهند الجمعة على طلب مودي تشكيل حكومة ائتلافية (أ.ف.ب)
وافقت رئيسة الهند الجمعة على طلب مودي تشكيل حكومة ائتلافية (أ.ف.ب)

انتخب المشرعون في التحالف الوطني الديمقراطي بالهند، ناريندرا مودي، رسمياً الجمعة، رئيساً للوزراء لولاية ثالثة على التوالي، مع عودة أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان إلى حكومة ائتلافية. ومن المتوقع أن يؤدي مودي اليمين مساء الأحد، بعد موافقة الرئيسة دروبادي مورمو على طلبه تشكيل حكومة جديدة. وهذه أول مرة منذ عشر سنوات يحتاج فيها حزب «بهاراتيا جاناتا»، بزعامة مودي، البالغ من العمر 73 عاماً، إلى دعم من الأحزاب الإقليمية لتشكيل الحكومة. ولم يحصل الحزب، الذي فاز بأغلبية كبيرة في الفترتين السابقتين، إلا على 240 مقعداً في مجلس النواب؛ أي أقل من 272 مقعداً لازماً للحكم بمفرده. ويشغل التحالف الوطني الديمقراطي 293 مقعداً في مجلس النواب المؤلف من 543 مقعداً. كما فاز التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل (المعروف اختصاراً باسم إنديا)، بقيادة حزب المؤتمر المنتمي لتيار الوسط ويتزعمه راهول غاندي، بأكثر من 230 مقعداً ليفوق بذلك التوقعات.

«خيبة أمل»

رغم نجاح مودي في تجديد ولايته لفترة ثالثة تاريخية، لم يحققها قبله سوى رئيس الوزراء الأول بعد الاستقلال جواهر لال نهرو، فإن تراجع عدد مقاعد حزبه في البرلمان من 303 في عام 2019 إلى 240 هذه السنة، تسبب بخيبة أمل لم ينجح بعض مسؤولي «بهاراتيا جاناتا» في إخفائها. وجاءت هذه الخيبة مضاعفة، بعدما كان مودي يراهن على انتزاع 400 مقعد في البرلمان، لكنه لم ينجح حتى في تأمين 272 مقعداً لازماً للفوز بأغلبية مطلقة في البرلمان. ودفعت هذه المفاجأة مودي للاعتماد على شركاء «التحالف الوطني الديمقراطي»، الذي فاز بـ293 مقعداً، في تشكيل الحكومة. واعتبر مودي أن «تأمين هذا التفويض الجديد إنجاز تاريخي؛ إذ لم تعد أي حكومة إلى السلطة لمرة ثالثة منذ عام 1962»، مضيفاً أن عدد الأصوات لصالح حزب «بهاراتيا جاناتا» تضاعف في بعض المناطق. فهل ستتأثّر سياسات مودي المحلية والدولية بالائتلاف الحكومي، أو أنه سينجح في فرض برنامجه التشريعي رغم التحديات؟

سياسات قومية

يتوقع مراقبون أن يتأقلم مودي مع وضعه السياسي الجديد، عبر اعتماد نهج أكثر تصالحاً مع الأصدقاء والحلفاء، والاستعداد بشكل أفضل لمواجهة معارضة قوية. وطيلة مسيرته السياسية، سواء كرئيس لوزراء ولاية غوجارات أو خلال ولايتيه كرئيس لوزراء البلاد، كان مودي يدير دائماً حكومات ذات أغلبية كاملة، ولم يكن عليه أن يتزحزح أمام الحلفاء. يرى المحلل السياسي باثيكريت باين أنه «في البداية، ستنشأ بعض العوائق، ولكن مودي سينفذ إصلاحاته السياسية من دون أي قيود. ولن يحيد عن طريقه». مع ذلك، تثار تساؤلات حول ما إذا كان مودي سينجح في المضي قدماً في تنفيذ أجندته الهندوسية القومية، وعدد من الإصلاحات الاقتصادية التي التزم بها خلال حملته الانتخابية.

مودي مستعرضاً رسالة من رئيسة الهند تدعوه فيها إلى تشكيل حكومة الجمعة (أ.ف.ب)

وفي هذا الصدد، يرى منتقدو مودي أن رهانه على «السياسات القومية الهندوسية» فشل، رغم الاستقطاب الشديد الذي ساهم في تعزيزه بين الغالبية الهندوسية والأقليات المسلمة وغيرها. وقال كابيل شارما، مدير مركز جنوب آسيا التابع لمجلس الأطلسي، في هذا الصدد: «في هذه المرحلة، اتضحت فائدتان كبيرتان من هذه الانتخابات: الأولى أن الديمقراطية في حال جيدة في الهند، والثانية أن الناخب الهندي يحمل الحكومة على الاهتمام بالاقتصاد بدلاً من الدين». واستدلّ شارما بخسارة حزب مودي في أيودهيا؛ موقع معبد «رام ماندير»، وهو المعبد الذي أوفى حزب «بهاراتيا جاناتا» بوعد بنائه ليحل محل مسجد يعود إلى العصر المغولي من القرن السادس عشر، ما أثار غضباً واسعاً بين مسلمي البلاد وتسبب في مواجهات دامية.

إصلاحات اقتصادية «معلّقة»؟

اقتصادياً، تعهّد مودي بجعل الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2027، عبر تحقيق معدل نمو يبلغ 8.5 بالمائة، ما يجعل البلاد أسرع الاقتصادات الكبيرة نمواً في العالم. وبينما يبقى هذا الهدف قابلاً للتحقيق، رغم غالبيته البسيطة، فإن بعض الإصلاحات التي يقول إنها ستسمح برفع معدل النمو قد تواجه مقاومة كبيرة في البرلمان.

وقوبلت محاولات سابقة رامية إلى إجراء تغييرات اقتصادية كبيرة، تتعلق خاصة بقوانين حيازة الأراضي والقوانين الزراعية، برفض شديد واضطرّ مودي إلى تعليقها رغم تمتعه في ولايتيه السابقتين بأغلبية ساحقة.

أنصار ناريندرا مودي خلال فعالية انتخابية بأمريستار في 30 مايو (أ.ف.ب)

أما في ولايته الثالثة، فلا شكّ أن حكومة مودي ستكون بحاجة إلى إجماع أوسع بين مختلف أصحاب المصلحة لتنفيذ إصلاحاتها بنجاح. ويرى المحلّل السياسي والأمني، سوشانت سارين، أن «ما كان متوقعاً أن يكون انتصاراً انتخابياً هائلاً، الثالث على التوالي، تحوّل إلى مفاجأة سيئة لحزب مودي وأنصاره في الهند. وفي حين أنه لا يزال في وضع الصدارة الذي يسمح له بتشكيل ائتلاف، فإنه سيكون مُكبّلاً، ليس فقط من قبل معارضة قوية، وإنما أيضاً من قبل شركاء الائتلاف الذين سيحاولون فرض أجنداتهم الخاصة، بما في ذلك على سياسته الخارجية في المنطقة وخارجها. ومن المؤكد أن النتائج سوف تثير حماسة منتقديه في الغرب، وجيران الهند الذين هم أكثر عداوة مثل الصين وباكستان».

أولويات السياسة الخارجية

إذا كان هناك مجال واحد حقّقت فيه حكومتا مودي الأولى والثانية أداءً استثنائياً خلال السنوات العشر الأخيرة، فلا شكّ أنه سياسته الخارجية التي عززت مكانة الهند على الساحة الدولية.

يقول المحلل سوشانت سارين: «إذا كانت السنوات العشر الأخيرة من حكم مودي لها ما يميزها، فإن نموذج سياسته الخارجية واضح للغاية. فمن ناحية، سوف يواصل السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع الغرب، ولكن من دون التنازل عن الاستقلال الاستراتيجي للهند. إلا أن ذلك قد يصبح أصعب بعض الشيء؛ نظراً إلى أن تفويضه تقلّص إلى حدّ كبير». وحدد مودي أهداف السياسة الخارجية في ولايته الثالثة بحصول الهند على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وتشكيل تحالفات استراتيجية، والتعامل مع التحدي الصيني، وتنشيط العلاقات مع الجيران، ولعب دور محوري في السياسة العالمية. ويطرح تمسّك مودي بإصلاح مجلس الأمن الدولي تحدياً هائلاً، يكمن في مقاومة الصين، العضو في مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية، فكرة انضمام نيودلهي إلى هذه المجموعة.

العلاقات مع الصين

رئيس الصين شي جينبينغ ونظيراه البرازيلي لولا دا سيلفا والجنوب أفريقي سيريل رامافوزا ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي خلال قمة «بريكس» أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

يقول أشوك كيه كانثا، سفير الهند السابق لدى الصين: «لا يزال التحدي الذي تمثله الصين كبيراً. وسوف يركز حزب (بهاراتيا جاناتا) على رفع مستوى القدرات الدفاعية الهندية، وتعزيز البنية التحتية على طول الحدود الهندية - الصينية». في الوقت ذاته، شدد السفير على أهمية التعاون مع بكين، وقال إن «هناك أيضاً حاجة إلى التفكير العميق في (تعاون) أوسع نطاقاً مع الصين. ولا ينبغي أن نترك (الهند) مرهونة بأيدي الولايات المتحدة أو الغرب لاستغلالها ضد الصين. وللمضي قدماً، هناك بعض التلميحات المتاحة من المقابلات والخطب التي ألقاها مودي في الحملة الانتخابية. ورغم أنه لم يتحدث كثيراً عن الصين، فإنه أشار إلى أهمية العلاقات معها، ولكنه شدد على ضرورة معالجة المواجهة العسكرية على طول خط السيطرة الفعلية للتخلص من الاختِلال في العلاقات الثنائية».

التعاون الهندي - الأميركي

بعيداً عن الصين، ازدهرت علاقات الهند مع الولايات المتحدة خلال ولايتَي مودي رغم التحديات العديدة، مع رفض نيودلهي الامتثال للعقوبات الغربية على النفط الروسي، واستمرار علاقاتها مع إيران.

مودي وبايدن وزعماء «العشرين» على هامش أعمال القمة في سبتمبر 2023 (إ.ب.أ)

وعززت نيودلهي وواشنطن من تعاونهما في الأشهر الماضية، عبر اتفاقات في قطاعَي التجارة والتكنولوجيا. ومن المتوقع ازدهار التعاون الثنائي بصورة أكبر خلال ولاية مودي الثالثة، بصرف النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني). في المقابل، لن تمنع العلاقات مع الولايات المتحدة الهند من تعزيز التعاون الدفاعي والتجاري مع روسيا. وتتمسّك نيودلهي بـ«دبلوماسية الحياد والتوازن» على الصعيدين الإقليمي والدولي، مع كل من روسيا والصين والولايات المتحدة. ويهدف مودي إلى اضطلاع بلاده بدور قيادي في الجنوب العالمي، وتقديمها لاعباً محورياً في وجه القوى الكبرى.



بنغلاديش تؤكد احتجاز قادة الحركة الطلابية «حفاظاً على سلامتهم»

عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
TT

بنغلاديش تؤكد احتجاز قادة الحركة الطلابية «حفاظاً على سلامتهم»

عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)

أعلنت بنغلاديش وضع 3 من قادة الاحتجاجات الطلابية رهن الاحتجاز حفاظاً على سلامتهم، بعد أن قالت إن المظاهرات التي نظمتها مجموعتهم ضد إجراءات التوظيف في الخدمة المدنية هي المسؤولة عن تفجر الاضطرابات التي أوقعت أكثر من 200 قتيل على مستوى البلاد.

وأُخرج ناهد إسلام منسق حركة «طلاب ضد التمييز» واثنان آخران من مسؤولي الحركة بالقوة من مستشفى الجمعة، واقتادهم عناصر من المباحث بملابس مدنية.

وأفضت المظاهرات التي نظمها الثلاثة إلى إجراءات قمعية من الشرطة وأيام من المواجهات مع المحتجين أسفرت عن مقتل 201 شخص على الأقل، وفق حصيلة أعدتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً لعدد الضحايا الذين أعلنتهم الشرطة والمستشفيات.

وقال إسلام في وقت سابق هذا الأسبوع لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه يتلقى العلاج بمستشفى في دكا من إصابات تعرض لها خلال عملية اعتقال سابقة.

ونفت الشرطة في بادئ الأمر احتجاز إسلام وزميليه، قبل أن يؤكد وزير الداخلية أسد الزمان الأمر للصحافيين في ساعة متأخرة الجمعة. وقال: «هم أنفسهم كانوا يشعرون بعدم الأمان. يعتقدون أن بعض الأشخاص يهددونهم».

وأضاف: «لذا نعتقد أنه حفاظاً على سلامتهم ينبغي استجوابهم ومعرفة من يهددهم. بعد الاستجواب نتخذ الخطوة التالية».

ولم يؤكد ما إذا كان الثلاثة قيد الاعتقال رسمياً، أم لا.

وشهدت أيام من الاضطرابات الأسبوع الماضي إحراق مبانٍ حكومية ومراكز للشرطة في دكا، ومواجهات شرسة في الشوارع بين متظاهرين وشرطة مكافحة الشغب في أماكن أخرى من البلاد.

ونشرت حكومة الشيخة حسينة قوات وحجبت الإنترنت على مستوى البلاد، وفرضت حظر تجول لإعادة النظام.

عمليات دهم

اشتعلت الاضطرابات عندما هاجمت الشرطة ومجموعات طلابية مؤيدة للحكومة مظاهرات نظمتها حركة «طلاب ضد التمييز»، وظلت سلمية إلى حد كبير حتى الأسبوع الماضي.

وقال إسلام (26 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من سريره في المستشفى الاثنين، إنه يخشى على حياته.

وأضاف أنه قبل يومين قامت مجموعة من الأشخاص الذين عرفوا أنفسهم بأنهم من شرطة المباحث بعصب عينيه وتقييده بالأصفاد واقتادوه إلى مكان مجهول، حيث تعرض للتعذيب قبل إطلاق سراحه في صباح اليوم التالي.

وقال زميله آصف محمود الذي احتُجز أيضاً في المستشفى الجمعة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في وقت سابق، إن الشرطة احتجزته وتعرض للضرب في ذروة اضطرابات الأسبوع الماضي.

واعتقلت الشرطة ما لا يقل عن 4500 شخص منذ بدء الاضطرابات.

وقال مفوض شرطة دكا بيبلوب كومار ساركر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نفذنا عمليات دهم في العاصمة وسنواصل المداهمات حتى اعتقال الجناة».

وأضاف: «نحن لم نعتقل الطلاب بشكل عام، بل فقط أولئك الذين خربوا الممتلكات الحكومية وأضرموا النار فيها».